منذ غابر الزمان، ادرك البعض ان بقاء البشرية وازدهارها يستند الى حد كبير على فهم الماضي و التعلم من التجارب والاخطاء. وفي هذا السياق، تستوقفنا الاحداث المأسوية التي حدثت في الايام الاخيرة والتي اسفرت عن اعمال شغب وعنف والتي راح ضحيتها مدنيون عزل وتطلب منا ان نعيد ترتيب اوراقنا مجددا و ان ندرك حقائق من المفترض اننا ادركناها منذ زمن طويل.
اعتقد ان الرئيس الأمريكي باراك أوباما عبر عن مشاعر الكثير من الأمريكيين عندما قال "لقد كانت الولايات المتحدة ومنذ تأسيسها دولة تحترم جميع الاديان. ونحن نرفض جميع الجهود التي تشوه المعتقدات الدينية للاخرين. ولكن ليس هنالك اي مبرر على الاطلاق لمثل هذا النوع من اعمال العنف، لا مبرر على الاطلاق. فلابد للعالم ان يقف جنبا الى جنب في رفضه و بشكل لا لبس فيه لتلك الافعال الوحشية".
ومن ناحية اخرى، فقد سمعنا كلاما يثلج الصدور من العديد من الليبيين الذين نظموا تظاهرات سلمية ضد اعمال العنف هذه حيث اوصلوا رسالة واضحة تحمل مشاعر صادقة تعبر عن مدى اسفهم لما حدث وتعاطفهم مع الشعب الأمريكي. كما حرصوا على التشديد على ان تلك النوعية من اعمال العنف لا تعكس مبادئهم و لا تتماشى مع معتقداتهم الدينية.
و لكن من ناحية اخرى، يبدو من الواضح ان البعض في الشرق الاوسط لا زال لديهم الانطباع ان الولايات المتحدة تمارس سياسة الكيل بمكيالين او انها لا تطبق القانون على الجميع فيما يتعلق بقضية حرية التعبير. وهنا انا اقول وبدون ان هذا الانطباع لا صحة له على الاطلاق.
و بدون تحويل الكلام الى محاضرة عن تفاصيل القوانين الأمريكية، الا انني اود ان اوضح ان تدنيس الكتب المقدسة مثل الانجيل او القران او التوراة او الاساءة الى الرموز الدينية او استخدامها بطريقة غير لائقة تعتبر افعالا تقع تحت باب ما يسمى بالتعبير الرمزي في نظر القانون الأمريكي. وبالرغم من ان القضايا القانونية التي نظرت في ذلك المبدأ اثارت جدلا و نقاشا اكثر من القضايا التي تمحورت حول مبدأ (حرية التعبير) والتي تعتبر قضايا اقل تعقيدا نسبيا، الا ان اغلبية الخبراء في القانون اجمعوا على انها لا تعتبر مخالفة للقانون.
و بدون تحويل الكلام الى محاضرة عن تفاصيل القوانين الأمريكية، الا انني اود ان اوضح ان تدنيس الكتب المقدسة مثل الانجيل او القران او التوراة او الاساءة الى الرموز الدينية او استخدامها بطريقة غير لائقة تعتبر افعالا تقع تحت باب ما يسمى بالتعبير الرمزي في نظر القانون الأمريكي. وبالرغم من ان القضايا القانونية التي نظرت في ذلك المبدأ اثارت جدلا و نقاشا اكثر من القضايا التي تمحورت حول مبدأ (حرية التعبير) والتي تعتبر قضايا اقل تعقيدا نسبيا، الا ان اغلبية الخبراء في القانون اجمعوا على انها لا تعتبر مخالفة للقانون.
و من الجدير بالذكر انه فيما يتعلق بموضوع حساس اخر الا وهو حرق العلم الأمريكي والذي يعتبره الكثيرون ايضا فعلا مثيرا للاشمئزاز، حكمت المحكمة الأمريكية العليا في 1989 ان حرق العلم لا يخالف الدستور الأمريكي.
ربما ما لا يعرفه الكثيرون خارج الولايات المتحدة هو ان الآف محلات الكتب والمكتبات في الولايات المتحدة مليئة بمئات الكتب التي تنتقد وبشدة جميع الديانات بما في ذلك المسيحية واليهودية والاسلام هذا بالاضافة الى عقائد ومؤسسات وشخصيات تاريخية اخرى والتي يعتبرها العديد من البشر رموز او مفاهيم مقدسة. والى يومنا هذا، لا زالت المسارح و دور العرض السينمائي في الولايات المتحدة تعرض وبشكل يومي عشرات الافلام والمسرحيات والتي ايضا تنتقد او حتى تهزئ من ديانات عدة. و ان الاشخاص وراء تلك الأعمال لهم حقوق يحميها الدستور الأمريكي في التعبير عن ارائهم.
و مع كل هذا الا هنالك نقطة في غاية الاهمية و التي لا بد ان اشدد عليها و هي ان الأمريكيين – واغلبية من يعيشون في الدول الديمقراطية – يدركون ان بعض الافعال التي يحميها القانون هي في الواقع يعتبرها نسبة كبيرة من الشعب افعال مؤسفة. فقد بدى واضحا ان فكرة بغيضة مثل حرق الكتب المقدسة – على سبيل المثال - تسيئ لمشاعر الاغلبية من الأمريكيين و يعتبرونها اعمالا مخالفة لبعض اهم القيم المؤسسة للدولة مثل التسامح و احترام الديانات المختلفة التي يعتنقها الأمريكيون.
فأن القيم والمبادئ التي تبنى عليها الانظمة الديمقراطية ليست اقل اهمية من القوانين والمؤسسات التي تنظم تلك الدولة. وبالرغم من انه في اغلب الاحيان، قوانيننا و مؤسساتنا تعكس قيمنا الى حد كبير الا انه في بعض الاحيان، تظهر قضايا و مواضيع معينة ان موازنة القيم و القوانين يكاد يكون تحديا صعبا بين الفينة والاخرى.
ومن ناحية شخصية، فأنا وبصفتي أمريكي مسلم، لا بد ان اعترف انني وجدت تصوير النبي محمد في فلم (براءة المسلمين) تصويرا مهينا. و مع ذلك فأنني لم اشعر ولا للحظة واحدة ان الامر يتطلب مني ان اتخذ اجراءا من اي نوع ضد اي شخص لانني ادرك ان هذا هو غالبا ما كان يسعى لتحقيقه منتجوا الفلم في المقام الاول.
لقد كان هذا هو انطباعي الاول عند مشاهدة المقطع والى الان وحيث انني غير قادر على ايجاد اي سبب منطقي اخر يجعل اي احد ينغمس في مثل هكذا مشاريع. فهو حتما لم ياتي من باب اظهار مواهب فنية نادرة وحيث اثار المقطع سخطا و اشمئزاز الجميع لمدى انعدام اي لمسات فنية في تصويره او انتاجه او تمثيله وانه من الواضح لم يكن نتاج اناس محترفين. واذا كنت قد شعرت بأي غضب فقد كان ناتجا عن الوقت الذي ضيعته في مشاهدة هذا العمل السينمائي الفاشل والذي هو التجسيد الفعلي لمفهوم النقيض للروائع الفنية و حيث كان من الاجدى ان اقضي هذا الوقت في عمل بناء حتى لو كان مجرد مشاهدة الاخبار.
و لكن في نهاية المطاف وجدت ان الشعور الذي سيطر على وجداني هو الشفقة على اناس اضاعوا ساعات عديدة من وقتهم وطاقاتهم لانتاج عمل الغرض الوحيد منه هو اهانة معتقدات الآخرين وزرع الكراهية والانشقاق بين البشر. وخاصة اذا اخذنا في الاعتبار ان جميع الاديان تقيس مدى تقوى أتباعها من خلال الاعمال التي يقومون بها سعيا لتحسين من وضع البشرية، ومساعدة من هم في امس الحاجة الى يد المساعدة، يبدو ومع الاسف ان عددا قليلا من البشر فضلوا أن يكرسوا حياتهم من أجل توسيع الانقسامات وزرع الفتن.
ومع ذلك، فأن اللجوء الى اعمال العنف كرد على اهانات شفهية لم يكن ابدا دليلا على القوة بل ان دلت على اي شيئ فهي تدل على ضعف ايمان هذا الشخص سواء بمعتقداته الدينية او غيرها من المبادئ. وفي نفس القدر من الاهمية، فأن الاعتداء على الأبرياء لمجرد أنهم من نفس الجنسية، أو العرق او الديانة التي تتبع لها تلك القلة الذين ينخرطون في إثارة الكراهية فهذا في الواقع تجسيد للظلم و مثل هكذا (انتقام) يخالف المنطق والاخلاق.
ومن ناحية شخصية، فأنا وبصفتي أمريكي مسلم، لا بد ان اعترف انني وجدت تصوير النبي محمد في فلم (براءة المسلمين) تصويرا مهينا. و مع ذلك فأنني لم اشعر ولا للحظة واحدة ان الامر يتطلب مني ان اتخذ اجراءا من اي نوع ضد اي شخص لانني ادرك ان هذا هو غالبا ما كان يسعى لتحقيقه منتجوا الفلم في المقام الاول.
لقد كان هذا هو انطباعي الاول عند مشاهدة المقطع والى الان وحيث انني غير قادر على ايجاد اي سبب منطقي اخر يجعل اي احد ينغمس في مثل هكذا مشاريع. فهو حتما لم ياتي من باب اظهار مواهب فنية نادرة وحيث اثار المقطع سخطا و اشمئزاز الجميع لمدى انعدام اي لمسات فنية في تصويره او انتاجه او تمثيله وانه من الواضح لم يكن نتاج اناس محترفين. واذا كنت قد شعرت بأي غضب فقد كان ناتجا عن الوقت الذي ضيعته في مشاهدة هذا العمل السينمائي الفاشل والذي هو التجسيد الفعلي لمفهوم النقيض للروائع الفنية و حيث كان من الاجدى ان اقضي هذا الوقت في عمل بناء حتى لو كان مجرد مشاهدة الاخبار.
و لكن في نهاية المطاف وجدت ان الشعور الذي سيطر على وجداني هو الشفقة على اناس اضاعوا ساعات عديدة من وقتهم وطاقاتهم لانتاج عمل الغرض الوحيد منه هو اهانة معتقدات الآخرين وزرع الكراهية والانشقاق بين البشر. وخاصة اذا اخذنا في الاعتبار ان جميع الاديان تقيس مدى تقوى أتباعها من خلال الاعمال التي يقومون بها سعيا لتحسين من وضع البشرية، ومساعدة من هم في امس الحاجة الى يد المساعدة، يبدو ومع الاسف ان عددا قليلا من البشر فضلوا أن يكرسوا حياتهم من أجل توسيع الانقسامات وزرع الفتن.
ومع ذلك، فأن اللجوء الى اعمال العنف كرد على اهانات شفهية لم يكن ابدا دليلا على القوة بل ان دلت على اي شيئ فهي تدل على ضعف ايمان هذا الشخص سواء بمعتقداته الدينية او غيرها من المبادئ. وفي نفس القدر من الاهمية، فأن الاعتداء على الأبرياء لمجرد أنهم من نفس الجنسية، أو العرق او الديانة التي تتبع لها تلك القلة الذين ينخرطون في إثارة الكراهية فهذا في الواقع تجسيد للظلم و مثل هكذا (انتقام) يخالف المنطق والاخلاق.
ولا شك في ان اعمال العنف النابعة من مبدأ التجريم بالتبعية هي دائما الأكثر مخالفة للعدالة. وهذا حتما ينطبق على حالة السفير الأمريكي كريس ستيفنس، الذي كان يعتز بصفة شخصية بالشعب الليبي ويعمل بلا كلل لمساعدتهم في عملية انتقال ناجحة من طغيان معمر القذافي.
و من ثم فأن ردة الفعل الوحيدة التي تتماشى مع المنطق- و بناءا على ما قاله العديد من المسلمين منذ الحادثة – مع مفاهيم الاسلام و الاخلاق الحميدة – ضد مشاريع تنبع من الجهل و الكراهية هو تجاهلها كليا والشفقة على وضع اناس قرروا ان يضيعوا حياتهم في مثل هكذا افعال.
تحياتي
فهد
فريق التواصل الإلكتروني
وزارة الخارجية الأمريكية