بسم الله الرحمن الرحيم
فائزة
كتبها مكتوم بن راشد القري/صحم
بمناسبة حادث الغرق الذي ألم بأسرته
في سيول صحم الأخيرة والذي كان سببا في فراقهم لأخته الشهيدة فائزة القرية رحمة الله عليها..
الحمد لله رب العالمين،
الحمد لله القوي المتعال، المحيي المميت،
الفعال لما يريد،
يخلق ما يشاء ويختار
وعنده أم الكتاب،
والصلاةوالسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد الأمين صلى الله عليه وعلى أصحابه الطيبين الطاهرين وعلى من سار على نهجهم وأقتفى أثرهم إلى يوم الدين،
أما بعد. .
ما أجمل تلك الأمطار التي نزلت على ولاية صحم الغالية يوم
الجمعة 16محرم 1434هجري
الموافق 31نوفمبر2012م
والذي أدهشنا بغزاته وقد خلا من الرياح والعواصف- يقول أحد كبار السن معنا أنه نزل مثل هذا المطر قبل حوالي خمسين سنة-
ليلة ليست كباقي الليالي..
ليلة السبت من الأسبوع الماضي كنا على موعدمع قدر من الأقدار..
فقد إعتادت أختي فائزة أن تستعد للذهاب إلى كلية عبري،
وبعيدصلاة العصر تمرعليها الحافلة التي تنقل الطالبات،
ولكن هذه المرةكانت الأجواء استثنائية،
فالأمطارشديدةوالطريق إلى عبري محفوف بمجاري الأوديةوالشعاب
فشعر سائق الحافلة أن الجو غير مناسب ليغامر بالطالبات فقرر إرجاعهن إلى صحم بعدما وجدوا بعض الأوديةقد سدت عليهم الطريق..
وتواصلت الطالبات مع أولياء أمورهن وذهب كل ولي أمر ليحضر ابنته..
وذهب أبي بعد صلاة المغرب هو وأخي حمد ( 15سنة )
ووليد( 13سنة ) وابن أختي قصي (9 سنوات ) ليحضروا فائزة ولم يكن يعلموا أن هذه آخر مرة ستركب فائزة معهم ! !
وهم في طريق عودتهم إلى المنزل وكما هي العادة فقد كان الطريق المعهود لهم ولغيرهم من القرى المجاورة هو أن يسلكوا شارع الخدمات
الموازي للشارع العام
- رغم ما به من مخاطر؛ فهو غير منار ويمر في وسط مجاري الأودية والشعاب -
وهذا ما حصل ،
فقد كان أبي وإخوتي راجعين بسيارتهم اللاندكلوزر
وعبروا مجرى الوادي الأول ثم الثاني وفي المجرى الثالث وبمسافة لا تتعدى 3 كم من البيت،
وعلى حسب ما يخبرنا به أبي فقد كان الوضع عاديا ويمكن لهم أن يعبروا ومما شجعه أن رأى سيارة جمس قد دخل الوادي أمامه فتشجع،
وأثناء ما هم في وسط الوادي
وإذا بموجة تأتي على الكبير والصغير والأخضر واليابس وتجرف معها السيارتين ومن فيهما،
أما الجمس وصاحبه فقد أوشك على الخروج فأنقذه الشباب بسرعة كما أخبرت،
وأما عائلتي فقد جرفهم الوادي مباشرة مسافة 700م إلى 900م باتجاه البحر..
وفي أثناء ذلك فقد قام أخي وليد ( 13سنة ) وأختي فائزة (22 سنة )
بالاتصال بنا لطلب المساعدة والنجدة..
وأثناء ذلك كنت في البيت أستعد لصلاة العشاء،
وإذا بصراخ أمي وأخواتي فعلمت أن خطبا قد حصل وإذا بهم يصرخون أن أباك وإخوانك قد حملهم الوادي،
فلم أعي الخبر جيدا وطلبت منهم الهدوء وإخباري التفاصيل بروية..
وإذا بهم يقولون لي أن أختي فائزة قد اتصلت وأخبرتهم أنها مع أبي وأخوتي وقد جرفهم وادي الحبر بالسيارة والآن يطلبون النجدة ويستغيثون،
فظننت تهويلا في الخبر ولم أتصور كيف بهذا الوادي الصغير أن يحمل سيارة كبيرة..
فأخذت هاتفي واتصلت بها فحملته وهي تصرخ علي وتقول : " نقذونا بسرعة احنا خلاص غرقنا وما ينقذنا غير طائرة..
طائرة بس !! "
فسألتها أين أنتم ؟!
فقالت في وادي الحبر..
وسمعت صوت أبي وإخواني معها وكأنهم يجأرون بالشهادة ويصرخون ويستغيثون!!
فأغلقت الهاتف وركبت سيارة الوالد الأخرى وذهبت مسرعا إلى المكان المقصود ولم أر أي أثر لهم وكان هناك بعض الناس فأسألهم أين السيارة التي شالنها الوادي قالوا ما نعرف. .وبدا عليهم الاستغراب والدهشة من حالي وموقفي..
فسألوني هل شيء سيارة شالنها الوادي
قلت: " لهم نعم" فسألوني وهل أحد فيها
قلت: " نعم والدي وإخواني"..
وإذا بي ألمح شبابا يركضون باتجاه البحر جنب الوادي فصرخت عليهم وين السيارة اللي شالنها الوادي قالوا بعيدة لكن اتبعنا فتبعتهم بالسيارة ثم أوقفتها وترجلت وبدأت أخوض معهم إلى أن وصلنا مكان قد سبقنا إليه شباب كثر وقد أخذوا يعدون العدة للنزول في الوادي وإذا بهم يربطون الحبل في سمرة ونزلوا عندما سمعوا تشجيع بعضهم لبعض لينقذوا عائلتي
ولكنهم لم يعلموا موقع السيارة بالتحديد ﻷن الماء كان كثيرا وغطى السيارة بالكامل
فلم نميز مكان السيارة بالتحديد..
وقمت في تلك اللحظات بإجراء الاتصالات العاجلة للشرطة والأهل والمعارف..وحصلت هناك بلبلة نتيجة إختلاط الأمر بالإنقاذ الذي حصل للمركبة
الأولى( الجمس ) مما شتت التركيز وأبطأ عملية الإنقاذ
وأنا كنت أصرخ عليهم وأوكد لهم وجود خمسة من أفراد عائلتي في السيارة وأنهم كانوا على اتصال بي.
وأثناء هذه المحاولات شاءت إرادة المولى بأن يشتغل مصباح مكابح السيارة فحدد الشباب مكانها وهي ما تزال عالقة بشيء تحت الماء..
فعند ذلك اكتشف الشباب أن الضفة المقابلة أنسب وآمن لﻹنقاذ. .
فما هي إلا لحظات حتى خرجواوذهبوا إلى الضفة الثانية في قرية خور الحمام وهناك بدأ المواطنون في عملية الإنقاذ،
وعند وصولهم قرب السيارة بدأ منسوب الماء ينخفض وبدأت السيارة تبين للعيان. .
في تلك الأثناء وصل بعض رجال الدفاع المدني ورجال الشرطة بعد أن أكملنا أكثر منساعة ونصف تقريبا والعجيب أن مركز الدفاع المدني ومركز الشرطة لا يبعد عن مكان الحادث إلا 5كم كحد أقصى والناس ضجت بالبلاغات!!!
والذي يقتلنا كمدا وحسرة أن نسمع أثناء إنقاذنا لعائلتي أن الدفاع المدني أو شرطة عمان السلطانية هي من أنقذهم!!!
كسر شبابنا المتطوعون المرآة الأمامية ﻹخراج المحتجزين وكان في استقبالهم ابن عمي أسد وبعض الشباب بسياراتهم ولكن المفاجأة كانت أن أختي فائزة لم تكن معهم، فنقلوا إلى المستشفى وكنت حينها وصلت هناك واستقبلتهم وما أجمله من لقاء..
وإذا بي أعانق أبي وإخوتي ولكن فرحتي لم تكتمل وإذا بأبي يقول لي
" مكتوم روحت أختك..
فائزة شلها الوادي"
وأجهش بالبكاء
فغالبت عبرتي وقلت له " بنحصلها بإذن الله "
فسألته لكن كيف شلها الماء ؟!
فقال انفتحت علينا دبة
السيارة من الخلف لقوة الماء ودخل الماء داخل السيارة ومن تحت السيارة وفقدوها بعد ذلك..
ولا أعلم من أين علم بعض الناس أن فائزة هي من فتحت باب الدبة الخلفي ! !
حاصل الأمر أن ذلك علمه عند ربي فأبي وإخوتي بأنفسهم لم يعلموا كيف خرجت ومتى..
والوالد كان يمسك بقصي ووليد يرفعهما عن منسوب الماء الذي قارب على مليء السيارة لولا لطف الله وكرمه بهم ،
والوالد كان يظن أن فائزة كانت متمسكة. .
فوضعناهم في المستشفى وجلس معهم بعض الأهل ورجعنا لنبحث عن فائزة..
وبعد رجوعي من المستشفى رجعت ﻷطمئن فؤاد أمي وإخوتي بأن أبي وإخوتي نجو وأنا نبحث الآن عن أختي الغالية..
بدأت رحلة البحث وبدأ الخبر ينتشر انتشار النار في الهشيم وبدأت تتوافد الجموع وما أقساها من ليلة..
تفطرت فيها القلوب وجأرت بالدعاء إلى علام الغيوب بأن يحفظ فائزة من كل مكروه..
ومرت اللحظات والساعات وكأنها الجبال الراسيات على قلوبنا ولكننا نفتتها بالأمل بالله العزيز الحكيم، والثقة به سبحانه، والإيمان بالقضاء والقدر.
وبدأت ملحمة جديدة من العطاء والتفاني والتضحية وبات الناس في بحث وترقب وتمشيط ولكن بلا فائدة حتى أسفر الصبح وبدأت الشمس في الظهور وكنا نتمنى ظهورها بأسرع ما يمكن حتى تنتشلنا من ذلك الظلام الدامس الذي حاول الباحثون عن فائزة أن يبددوه بمصابيحهم اليدوية أو بالاستعانة بهواتفهم ولكن أنى لهم ذلك. .
واستقبلنا الصبح وكلنا أمل في أن يبشرنا أحدهم بأثر لفائزة ولكن دون جدوى..
وتمر الساعات وكأنها السنون الطوال ولا خبر يذكر سوى الشائعات!!
وإذا بنا نودع يوم السبت ونستقبل يوم الأحد ولا جديد! !
ولكم أن تتخيلوا قلب أمي وأبي كيف كانا! !
وللعلم فأنا كنت مع أبي منذ مساء الجمعة في مستشفى صحار إلى عصر السبت ثم رجعنا البيت ولا جديد إلى صباح الأحد. .
بدأت الاتصالات صباحا تتوالى بأن هناك صياد في قرية الردة قد وجد جثة طافية في البحر على مسافة 10 كم تقريبا في البحر فسارعت خفر السواحل بالذهاب إلى الموقع وجاؤوا بالجثة إلى ميناء الصيد بقرية خور الحمام وكنا أنا والوالد والأهل وبعض الناس موجودين هناك للتأكد من الجثة وما هي إلا ساعة ويأتي اليخت بالشهيدة فتأكدنا أنا والوالد من جثتها فقلنا لهم هذه جثتها وحمدنا الله وشكرناه أن أكرمها بستره حتى بعد غرقها ووفاتها. .
ثم حملت المستشفى وبعد ذلك عادة فائزة الفائزة إلى البيت لكنها عادت ليس كباقي الأيام
عادت لتودع أمها وأخواتها وأهلها وجيرانها وصديقاتها..
عادت ليجهزوها لسكناها الأبدية
مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين..
فغدا تلقى الأحبة محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه..
في مقعد صدق عند مليك مقتدر..
هنيئا لك عزيزتي الغالية تلك الدعوات التي حظيتي بها من قبل والديك وأهلك والناس أجمعين..
هنيئا لك ستر الله عليك فهذا حال من كان مع الله في الرخاء فإنه بلا شك سيكون معه في الشدة..
شكرا للجميع. .
شكرا للمنقذين الأبطال الذين أثلجوا صدورنا بتعاونهم وأبرزوا للعالم ما يمكن أن يفعله الشباب لو أحسن تنشئتهم وتربيتهم وتدريبهم على العمل الصالح ، ولا نستطيع أن نوفي حقهم مهما بذلنا وقلنا لكن نقول جزاكم الله عنا كل خير..
شكرا لكل من ساهم ولو بدعوة في ظهر الغيب لا نعلمها ولم نسمعها. .
شكرا لمجموعة شركات البادي وعلى رأسهم سعادة الشيخ علي بن عبدالله البادي وأخوه الشيخ خميس البادي على ما قدموه. .
شكرا ﻷهل مخيليف في وقوفهم معنا ماديا ومعنويا
وأخص الشباب الذين أتونا بظرف به مساعدة مالية وكنا بفضل من الله باكورة أعمالهم ومشروعهم التطوعي في قرية مخيليف وللعلم فهذا المشروع ﻷهل مخيليف فقط ،
وتصرف مساعدات مالية للعزاء وأمثالها من المصائب التي تحل بأهل مخيليف الغني منهو والفقير ولا يشترط من يعان أن يكون قد ساهم أو تبرع للمشروع..
شكرا لكل من واسانا في مصيبتنا ماديا ومعنويا. .
وأعتذر عن تقصيري في الرد على المكالمات أو الرسائل التي تفضلتم بها ولم أتمكن من الرد عليها. .
شكرا لكل من واسانا بقلمه السيال وبرسائله المفعمة بالدعاء وخالص المواساة..
شكرا لكل من ساعدنا من شرطة عمان السلطانية رغم ما بي من عتاب على المسؤولين ومتخذي القرار...
فهل يعقل أن لاااا يكون لمنطقة شمال الباطنة
- على كثرة وديانها وسكانها -
طائرات إنقاذ ؟!
أين خطط الإنقاذ الوطنية في مثل هذه الكوارث؟!
أين وسائلكم الحديثة في الإنقاذ ؟!
ماذا نقول إذا كان المواطن أسرررررع وأقدر من حيث الإمكانات في الإنقاذ ؟!
فبالله عليكم ماذا يبقى لكم من وجه إذا كنتم لا تقدرون على توفير مصااابيح لعمليات البحث الليلية !!
أم أنكم تنتظرون إلى أن يتصدق عليكم متصدق لتوفروا حبال إنقاذ كحبال المواطنين المتطوعين ! !
شكرا لكم ﻷنكم علمتونا أن أنفس المواطنين أرخص من أن ترسل لهم طائرة إنقاذ
وإذا أرسلت تصل بعد ثلاث ساعات ونصف تقريبا لمسافة لا تتجاوز 200كم! !
فائزة
كتبها مكتوم بن راشد القري/صحم
بمناسبة حادث الغرق الذي ألم بأسرته
في سيول صحم الأخيرة والذي كان سببا في فراقهم لأخته الشهيدة فائزة القرية رحمة الله عليها..
الحمد لله رب العالمين،
الحمد لله القوي المتعال، المحيي المميت،
الفعال لما يريد،
يخلق ما يشاء ويختار
وعنده أم الكتاب،
والصلاةوالسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد الأمين صلى الله عليه وعلى أصحابه الطيبين الطاهرين وعلى من سار على نهجهم وأقتفى أثرهم إلى يوم الدين،
أما بعد. .
ما أجمل تلك الأمطار التي نزلت على ولاية صحم الغالية يوم
الجمعة 16محرم 1434هجري
الموافق 31نوفمبر2012م
والذي أدهشنا بغزاته وقد خلا من الرياح والعواصف- يقول أحد كبار السن معنا أنه نزل مثل هذا المطر قبل حوالي خمسين سنة-
ليلة ليست كباقي الليالي..
ليلة السبت من الأسبوع الماضي كنا على موعدمع قدر من الأقدار..
فقد إعتادت أختي فائزة أن تستعد للذهاب إلى كلية عبري،
وبعيدصلاة العصر تمرعليها الحافلة التي تنقل الطالبات،
ولكن هذه المرةكانت الأجواء استثنائية،
فالأمطارشديدةوالطريق إلى عبري محفوف بمجاري الأوديةوالشعاب
فشعر سائق الحافلة أن الجو غير مناسب ليغامر بالطالبات فقرر إرجاعهن إلى صحم بعدما وجدوا بعض الأوديةقد سدت عليهم الطريق..
وتواصلت الطالبات مع أولياء أمورهن وذهب كل ولي أمر ليحضر ابنته..
وذهب أبي بعد صلاة المغرب هو وأخي حمد ( 15سنة )
ووليد( 13سنة ) وابن أختي قصي (9 سنوات ) ليحضروا فائزة ولم يكن يعلموا أن هذه آخر مرة ستركب فائزة معهم ! !
وهم في طريق عودتهم إلى المنزل وكما هي العادة فقد كان الطريق المعهود لهم ولغيرهم من القرى المجاورة هو أن يسلكوا شارع الخدمات
الموازي للشارع العام
- رغم ما به من مخاطر؛ فهو غير منار ويمر في وسط مجاري الأودية والشعاب -
وهذا ما حصل ،
فقد كان أبي وإخوتي راجعين بسيارتهم اللاندكلوزر
وعبروا مجرى الوادي الأول ثم الثاني وفي المجرى الثالث وبمسافة لا تتعدى 3 كم من البيت،
وعلى حسب ما يخبرنا به أبي فقد كان الوضع عاديا ويمكن لهم أن يعبروا ومما شجعه أن رأى سيارة جمس قد دخل الوادي أمامه فتشجع،
وأثناء ما هم في وسط الوادي
وإذا بموجة تأتي على الكبير والصغير والأخضر واليابس وتجرف معها السيارتين ومن فيهما،
أما الجمس وصاحبه فقد أوشك على الخروج فأنقذه الشباب بسرعة كما أخبرت،
وأما عائلتي فقد جرفهم الوادي مباشرة مسافة 700م إلى 900م باتجاه البحر..
وفي أثناء ذلك فقد قام أخي وليد ( 13سنة ) وأختي فائزة (22 سنة )
بالاتصال بنا لطلب المساعدة والنجدة..
وأثناء ذلك كنت في البيت أستعد لصلاة العشاء،
وإذا بصراخ أمي وأخواتي فعلمت أن خطبا قد حصل وإذا بهم يصرخون أن أباك وإخوانك قد حملهم الوادي،
فلم أعي الخبر جيدا وطلبت منهم الهدوء وإخباري التفاصيل بروية..
وإذا بهم يقولون لي أن أختي فائزة قد اتصلت وأخبرتهم أنها مع أبي وأخوتي وقد جرفهم وادي الحبر بالسيارة والآن يطلبون النجدة ويستغيثون،
فظننت تهويلا في الخبر ولم أتصور كيف بهذا الوادي الصغير أن يحمل سيارة كبيرة..
فأخذت هاتفي واتصلت بها فحملته وهي تصرخ علي وتقول : " نقذونا بسرعة احنا خلاص غرقنا وما ينقذنا غير طائرة..
طائرة بس !! "
فسألتها أين أنتم ؟!
فقالت في وادي الحبر..
وسمعت صوت أبي وإخواني معها وكأنهم يجأرون بالشهادة ويصرخون ويستغيثون!!
فأغلقت الهاتف وركبت سيارة الوالد الأخرى وذهبت مسرعا إلى المكان المقصود ولم أر أي أثر لهم وكان هناك بعض الناس فأسألهم أين السيارة التي شالنها الوادي قالوا ما نعرف. .وبدا عليهم الاستغراب والدهشة من حالي وموقفي..
فسألوني هل شيء سيارة شالنها الوادي
قلت: " لهم نعم" فسألوني وهل أحد فيها
قلت: " نعم والدي وإخواني"..
وإذا بي ألمح شبابا يركضون باتجاه البحر جنب الوادي فصرخت عليهم وين السيارة اللي شالنها الوادي قالوا بعيدة لكن اتبعنا فتبعتهم بالسيارة ثم أوقفتها وترجلت وبدأت أخوض معهم إلى أن وصلنا مكان قد سبقنا إليه شباب كثر وقد أخذوا يعدون العدة للنزول في الوادي وإذا بهم يربطون الحبل في سمرة ونزلوا عندما سمعوا تشجيع بعضهم لبعض لينقذوا عائلتي
ولكنهم لم يعلموا موقع السيارة بالتحديد ﻷن الماء كان كثيرا وغطى السيارة بالكامل
فلم نميز مكان السيارة بالتحديد..
وقمت في تلك اللحظات بإجراء الاتصالات العاجلة للشرطة والأهل والمعارف..وحصلت هناك بلبلة نتيجة إختلاط الأمر بالإنقاذ الذي حصل للمركبة
الأولى( الجمس ) مما شتت التركيز وأبطأ عملية الإنقاذ
وأنا كنت أصرخ عليهم وأوكد لهم وجود خمسة من أفراد عائلتي في السيارة وأنهم كانوا على اتصال بي.
وأثناء هذه المحاولات شاءت إرادة المولى بأن يشتغل مصباح مكابح السيارة فحدد الشباب مكانها وهي ما تزال عالقة بشيء تحت الماء..
فعند ذلك اكتشف الشباب أن الضفة المقابلة أنسب وآمن لﻹنقاذ. .
فما هي إلا لحظات حتى خرجواوذهبوا إلى الضفة الثانية في قرية خور الحمام وهناك بدأ المواطنون في عملية الإنقاذ،
وعند وصولهم قرب السيارة بدأ منسوب الماء ينخفض وبدأت السيارة تبين للعيان. .
في تلك الأثناء وصل بعض رجال الدفاع المدني ورجال الشرطة بعد أن أكملنا أكثر منساعة ونصف تقريبا والعجيب أن مركز الدفاع المدني ومركز الشرطة لا يبعد عن مكان الحادث إلا 5كم كحد أقصى والناس ضجت بالبلاغات!!!
والذي يقتلنا كمدا وحسرة أن نسمع أثناء إنقاذنا لعائلتي أن الدفاع المدني أو شرطة عمان السلطانية هي من أنقذهم!!!
كسر شبابنا المتطوعون المرآة الأمامية ﻹخراج المحتجزين وكان في استقبالهم ابن عمي أسد وبعض الشباب بسياراتهم ولكن المفاجأة كانت أن أختي فائزة لم تكن معهم، فنقلوا إلى المستشفى وكنت حينها وصلت هناك واستقبلتهم وما أجمله من لقاء..
وإذا بي أعانق أبي وإخوتي ولكن فرحتي لم تكتمل وإذا بأبي يقول لي
" مكتوم روحت أختك..
فائزة شلها الوادي"
وأجهش بالبكاء
فغالبت عبرتي وقلت له " بنحصلها بإذن الله "
فسألته لكن كيف شلها الماء ؟!
فقال انفتحت علينا دبة
السيارة من الخلف لقوة الماء ودخل الماء داخل السيارة ومن تحت السيارة وفقدوها بعد ذلك..
ولا أعلم من أين علم بعض الناس أن فائزة هي من فتحت باب الدبة الخلفي ! !
حاصل الأمر أن ذلك علمه عند ربي فأبي وإخوتي بأنفسهم لم يعلموا كيف خرجت ومتى..
والوالد كان يمسك بقصي ووليد يرفعهما عن منسوب الماء الذي قارب على مليء السيارة لولا لطف الله وكرمه بهم ،
والوالد كان يظن أن فائزة كانت متمسكة. .
فوضعناهم في المستشفى وجلس معهم بعض الأهل ورجعنا لنبحث عن فائزة..
وبعد رجوعي من المستشفى رجعت ﻷطمئن فؤاد أمي وإخوتي بأن أبي وإخوتي نجو وأنا نبحث الآن عن أختي الغالية..
بدأت رحلة البحث وبدأ الخبر ينتشر انتشار النار في الهشيم وبدأت تتوافد الجموع وما أقساها من ليلة..
تفطرت فيها القلوب وجأرت بالدعاء إلى علام الغيوب بأن يحفظ فائزة من كل مكروه..
ومرت اللحظات والساعات وكأنها الجبال الراسيات على قلوبنا ولكننا نفتتها بالأمل بالله العزيز الحكيم، والثقة به سبحانه، والإيمان بالقضاء والقدر.
وبدأت ملحمة جديدة من العطاء والتفاني والتضحية وبات الناس في بحث وترقب وتمشيط ولكن بلا فائدة حتى أسفر الصبح وبدأت الشمس في الظهور وكنا نتمنى ظهورها بأسرع ما يمكن حتى تنتشلنا من ذلك الظلام الدامس الذي حاول الباحثون عن فائزة أن يبددوه بمصابيحهم اليدوية أو بالاستعانة بهواتفهم ولكن أنى لهم ذلك. .
واستقبلنا الصبح وكلنا أمل في أن يبشرنا أحدهم بأثر لفائزة ولكن دون جدوى..
وتمر الساعات وكأنها السنون الطوال ولا خبر يذكر سوى الشائعات!!
وإذا بنا نودع يوم السبت ونستقبل يوم الأحد ولا جديد! !
ولكم أن تتخيلوا قلب أمي وأبي كيف كانا! !
وللعلم فأنا كنت مع أبي منذ مساء الجمعة في مستشفى صحار إلى عصر السبت ثم رجعنا البيت ولا جديد إلى صباح الأحد. .
بدأت الاتصالات صباحا تتوالى بأن هناك صياد في قرية الردة قد وجد جثة طافية في البحر على مسافة 10 كم تقريبا في البحر فسارعت خفر السواحل بالذهاب إلى الموقع وجاؤوا بالجثة إلى ميناء الصيد بقرية خور الحمام وكنا أنا والوالد والأهل وبعض الناس موجودين هناك للتأكد من الجثة وما هي إلا ساعة ويأتي اليخت بالشهيدة فتأكدنا أنا والوالد من جثتها فقلنا لهم هذه جثتها وحمدنا الله وشكرناه أن أكرمها بستره حتى بعد غرقها ووفاتها. .
ثم حملت المستشفى وبعد ذلك عادة فائزة الفائزة إلى البيت لكنها عادت ليس كباقي الأيام
عادت لتودع أمها وأخواتها وأهلها وجيرانها وصديقاتها..
عادت ليجهزوها لسكناها الأبدية
مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين..
فغدا تلقى الأحبة محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه..
في مقعد صدق عند مليك مقتدر..
هنيئا لك عزيزتي الغالية تلك الدعوات التي حظيتي بها من قبل والديك وأهلك والناس أجمعين..
هنيئا لك ستر الله عليك فهذا حال من كان مع الله في الرخاء فإنه بلا شك سيكون معه في الشدة..
شكرا للجميع. .
شكرا للمنقذين الأبطال الذين أثلجوا صدورنا بتعاونهم وأبرزوا للعالم ما يمكن أن يفعله الشباب لو أحسن تنشئتهم وتربيتهم وتدريبهم على العمل الصالح ، ولا نستطيع أن نوفي حقهم مهما بذلنا وقلنا لكن نقول جزاكم الله عنا كل خير..
شكرا لكل من ساهم ولو بدعوة في ظهر الغيب لا نعلمها ولم نسمعها. .
شكرا لمجموعة شركات البادي وعلى رأسهم سعادة الشيخ علي بن عبدالله البادي وأخوه الشيخ خميس البادي على ما قدموه. .
شكرا ﻷهل مخيليف في وقوفهم معنا ماديا ومعنويا
وأخص الشباب الذين أتونا بظرف به مساعدة مالية وكنا بفضل من الله باكورة أعمالهم ومشروعهم التطوعي في قرية مخيليف وللعلم فهذا المشروع ﻷهل مخيليف فقط ،
وتصرف مساعدات مالية للعزاء وأمثالها من المصائب التي تحل بأهل مخيليف الغني منهو والفقير ولا يشترط من يعان أن يكون قد ساهم أو تبرع للمشروع..
شكرا لكل من واسانا في مصيبتنا ماديا ومعنويا. .
وأعتذر عن تقصيري في الرد على المكالمات أو الرسائل التي تفضلتم بها ولم أتمكن من الرد عليها. .
شكرا لكل من واسانا بقلمه السيال وبرسائله المفعمة بالدعاء وخالص المواساة..
شكرا لكل من ساعدنا من شرطة عمان السلطانية رغم ما بي من عتاب على المسؤولين ومتخذي القرار...
فهل يعقل أن لاااا يكون لمنطقة شمال الباطنة
- على كثرة وديانها وسكانها -
طائرات إنقاذ ؟!
أين خطط الإنقاذ الوطنية في مثل هذه الكوارث؟!
أين وسائلكم الحديثة في الإنقاذ ؟!
ماذا نقول إذا كان المواطن أسرررررع وأقدر من حيث الإمكانات في الإنقاذ ؟!
فبالله عليكم ماذا يبقى لكم من وجه إذا كنتم لا تقدرون على توفير مصااابيح لعمليات البحث الليلية !!
أم أنكم تنتظرون إلى أن يتصدق عليكم متصدق لتوفروا حبال إنقاذ كحبال المواطنين المتطوعين ! !
شكرا لكم ﻷنكم علمتونا أن أنفس المواطنين أرخص من أن ترسل لهم طائرة إنقاذ
وإذا أرسلت تصل بعد ثلاث ساعات ونصف تقريبا لمسافة لا تتجاوز 200كم! !
تعليق