قبل مدة لا تزيد عن الثلاثة أسابيع صرح معاذ الخطيب ــ رئيس ما يسمى بالإئتلاف السوري المعارض ــ عن مبادرته لحل الأزمة السورية ، ابدى من خلالها استعداده للجلوس على طاولة الحوار مع ممثليين عن النظام السوري على أن يتم تحقيق شرطين قبل بدء العملية ، أولهما : الإفراج عن 160 ألف مواطن سوري من السجون ، وثانيهما أن يتم تجديد أو تمديد جوازات السفر للمواطنين السوريين في جميع سفارات الدولة السورية، وقد أمهل الخطيب الدولة السورية مدة معينة حتى يتلقى جوابا رسميا منها ، المبادرة أحدثت ضجة على مستوى الإئتلاف أولا ، حيث أعرب الإئتلاف في وقت سابق عن رفضه لمبادرة الخطيب وعن تمسكه بمبدأ أن لا حوار مع الدولة السورية، وعن المواقف العالمية وموقف الدولة السورية ، رحبت بعض الدول منها روسيا ودولا غربية أخرى بمبادرة الخطيب ، وامتنعت الدولة السورية عن ابداء أي موقف رسمي حتى بعد أنتهاء مهلة الخطيب ، وهي بذلك أرادت أن توجه رسالة واضحة للإئتلاف وللعالم مفادها أن الدولة السورية لا تقبل الإملاءات ولا تقبل التهديد أو وضع الشروط مهما اشتدت الظروف.
من يتعمق في فهم حقيقة المبادرات السياسية ، يجد أن البعض منها لا يقصد به ايجاد حل للأزمة بقدر ما هي محاولة لإحداث معركة دبلوماسية أو سياسية يحاول فيها أحد الأطراف اسقاط الآخر سياسيا أو جماهيريا ، وفي أحيان معينة قد لا تصل المبادرة لمرحلة انشاء منطقة تجاوب بين مختلف التوجهات السياسية الداخلة في استمرار الأزمة ،بل يقتصر مداها فقط على إحداث ضجة اعلامية لاستقطاب الجماهير ولتمرير مواقف الدول الدبلوماسية للجماهير ، عبر هذا الطرح ، سنأخذ بالتحليل ، مبادرة الخطيب فيما اذا كانت أطروحة سياسية ناضجة أم لا ، وهل هي معروضة كمحاولة جادة لحل الأزمة أو حتى تستخدمها الدول الإقليمية والعالمية كأداة لمواصلة صراعها السياسي ضد الدولة السورية او معها ، أو فيما اذا كانت المبادرة ــ نظرا لعدم نضوجها ـ هي في مستوى دون ذلك .
بحث هذه النقطة ، يأتي عبر توضيح مكونات المبادرة والطريقة التي خرجت بها ، في مسألة مكونات المبادرة ، وضع الخطيب شرطين للتفاوض ، الأول أطلاق 160 ألف معتقل في السجون السورية ، إن كان الخطيب يقصد به إخلاء سجون سوريا برمتها فهذا يعني إطلاق سراح القتلة والمجرمين من قبل الأحداث ومن بعدها وهو طلب خيالي لا يمكن تنفيذه أبدا. أما إن كان يقصد إطلاق سراح المسجونين سياسيا ففي الأمر جانبين ، أولا : أن الرقم المطروح يشير إلى ان العدد مبالغ فيه بشكل كبير جدا ، ثانيا :اطلاق سراح هذا العدد ــ لو افتراضنا بشكل غير مبرر صحته ــ لا يمكن أن يتم إلا على مراحل ،لأن العملية ستحتاج إلى شهور او سنين حتى تتم مراجعة أقوال كل سجين وملابسات جريمته والتأكد من أنه لا يحمل نوايا سيئة . فأن يشترط الخطيب اطلاق هذا العدد ( إن وجد ) قبل الدخول في أي عملية حوار مع النظام ، هذا الأمر يفضي تلقائيا لتأجيل البدء بالحور لشهور او سنوات . وهو أمر لا يتوافق ومساعي ان تكون هناك مبادرة عاجلة لحل الأزمة . أو والهدف الذي زعمه الخطيب .
عن الشرط الثاني : فهو في مسلك الشرط الاول من جهة أن كلا الشرطيين منفصلين عن فهم واقع الصراع الحادث في سورية ، إن أي جهة سياسية ناضجة ، حينما تطرح مبادرة سياسية بهدف حل أزمة دموية ، وقف مسببات الأزمة الدموية يكون في أهم اولوياتها ، الخطيب خرج إلى حاجات وتجاهل الحاجات الاساسية المتعلقة بوقف العنف وانقاذ المتضرريين من الاحداث والتحضير لعملية ديمقراطية تتلائم وطموحات الشعب السوري ، من يقرأ المبادرة عبر شرطيها يدرك ان مبادرة الخطيب عكست بشكل غير مسبوق مستوى متواضع في طريقة التعامل وماهية الصراع في سورية ، فالخطيب عبر مبادرته يساوم على قضايا سياسية و إستراتيجية وأمنية بحاجات مطلبية ، كأنه يحاول عبر شروطه التأثير على عاطفة الجماهير بهدف الحصول على تفويض أخلاقي لصاحبها أو للجهة التي يمثلها ، في كل الأحوال الشروط شبه تعجيزية ، والخطيب حينما طرحها لم يطرحها حتى ينتظر تنفيذها ، الخطيب طرحها لغايتين : الاولى : أن يظهر الإئتلاف في موضع القوة التي توازي قوة الدولة ، والثاني يريد عبره توجيه وعي وآراء الجماهير إلى الاعتقاد بعنف الدولة السورية وإلى ان الإئتلاف يحمل نوايا السلام اكثر من الدولة .
توجد نقطة أخرى تأخذ في الحسبان لتقييم تركيبة المبادرة ، المبادرة جاءت اعلانا لاستعداد الإئتلاف التفاوض مع الحكومة السورية من غير أن تكون هنالك رؤية واضحة للمحاور التي ستكون عليها المبادرة . المطلوب من أي مبادرة سياسية ناضجة في ظل الظروف الراهنة ، هو خارطة طريق مبنية على أساس حسابات الأرض الحقيقية واحتمالاتها ، ونقاط القوة والضعف عند كل جهه مشاركة في الأحداث ، ومآلات طرفي الصراع المحتملة في الفترة المقبلة ، وعلى أي قيادة سياسية متبنية لأي مبادرة أن تترجم هذه الخارطة إلى خطط متعددة قابلة للتنفيذ، وأن تصنف خطط التنفيذ هذه على حسب الاحتمالات الممكنة ، لتأتي بعدها مهارة التسويق والمناورة والمحاججة لدى القيادة السياسية التي تحملها. هذا الشكل من البناء للمبادرة مفقودة في مبادرة الخطيب .
هذا ما تعلق بجانب مكونات المبادرة وأهم المآخذ التي تظهر افتقارها للنضوج السياسي ، تبقى نقطة أخرى مهمة تتعلق بالطريقة التي خرجت بها المبادرة ، أسوء ما أظهرته الأطراف التي تصدرت واجهة المعارضة سياسياً هو أنها لم تستطع أن تخرج من آلية العمل الفردي، أو الفئوي ، ولم تستطع أن تكتشف قيمة فريق العمل، لم يخرج معاذ الخطيب عن هذه القاعدة . يتكلم الخطيب عن برنامج سياسي شامل والإئتلاف الذي يمثله وقوى معارضه كثيرة معترضة عليه بل ولا تعترف به ، فمع من يعمل الخطيب ومن يمثل !؟
لعل اهم جهة معنية بالأمر هي الدولة السورية ، الدولة السورية خلال مشوار تعاطيها والازمة سياسيا : تمسكت بمبدأئيين ، الأول :سيادة الدولة وعدم القبول بأي إملاءات أو شروط ، والثاني : فتح باب الحوار . مبادرة الخطيب على ما هي عليه ، ومن واقع ما كانت عليه التجربة السورية فالمبادرة لن تلقى أكثر من مجرد ردود إعلامية تهدف إلى ملئ المساحة الإعلامية التي نشأت خلف المبادرة لا أكثر ولا أقل .