.. يجب أن أعترف أولا بأن هذا الحوار أتعبني!
.. فقد أرهقني محدثي بدهائه السياسي، وأتعبني بذكائه الدبلوماسي، وبين ذلك الذكاء، وذاك الدهاء العماني دار حواري معه حول أهم القضايا المصيرية – ولا أقول الجدلية – التي تواجهها منطقتنا الخليجية.
.. ولأن محدثي هو صاحب التصريح الصريح المدوي «لا لقيام اتحاد خليجي»، الذي اعتبره بعضهم بمثابة «خنجر عماني» حاد، تم توجيهه في خاصرة مشروع «الاتحاد»، فإنه يعكس في موقفه الثابت تجاه قضايا المنطقة صلابة «قلاع» سلطنة عمان، و«حصونها» التي تكسرت عليها الأطماع.
.. ولعل الانطباع الأول الذي يتشكل في دواخلك عندما تزور العاصمة العمانية هو إحساسك بـ «ربيعها السلطاني» المتجسد في نهضتها العمرانية وقفزتها الحضارية تحت قيادة «سلطانها قابوس» مما يدفعك لتسأل نفسك:
هل الاضطراب الذي تشهده بعض الدول العربية يستحق أن نسميه «ربيعاً» أم أنه «خريفٌ» لا يزهر، وإذا كان الأمر كذلك فإن «خريف صلالة» هو الأجمل لأنه مثمرٌ وممطر؟!
.. وهكذا هي الأجواء العمانية هذه الأيام ماطرة في مسقط ومسندم والمناطق المجاورة.
.. ومثل زخات المطر يتحدث إليك يوسف بن علوي، الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في «السلطنة»، فيحمل في صوته الهادئ نسائم «الجبل الأخضر»، وينساب حديثه إلى داخلك كانسياب مياه «الأفلاج» العمانية الشهيرة.
.. وما من شك في أن سلطنة عمان قد حباها الله بموقع جغرافي استراتيجي، فجعلها تشرف على «مضيق هرمز» الحيوي، الذي تستخدمه إيران في خطابها الإعلامي التصعيدي، عندما تهدد بين حين وآخر بإغلاقه.
.. وإلى جانب ذلك الموقع العماني الاستراتيجي برا وبحرا، تحظى «السلطنة» بثروات كثيرة، ولكن أغلى ثرواتها قائدها السلطان قابوس بن سعيد صاحب الرؤية الحكيمة والسياسة الحليمة، - ولا أقول الحالمة -، وهذا ما جعل «سلطنة عمان» تنتقل في عهده من حال إلى حال، استنادا إلى انتهاجه سياسة الأفعال وليس الأقوال.
..وبتلك السياسة الواقعية الهادئة تمكن «قابوس» من تحقيق قفزة شاملة لبلاده في مختلف المجالات، وجنبها الكثير من الأزمات التي عصفت بالمنطقة.
.. ولهذا أصبحت «السلطنة» أكثر دول المنطقة هدوءاً - ولا أقول صمتاً -، وأكثرها بعدا عن التدخل في شؤون الآخرين.
.. ورغم أن هذه السياسة يراها بعضهم أنها جعلت من عمان معزولة عن عالمها، لكنها «العزلة الإيجابية» التي أبعدت «السلطنة» عن الصراعات التي تسبب «الصداعات» وتؤدي إلى «الصدامات»، فأصبح العمانيون ليس لهم صدام ولا خصام مع أحد، بل يجمعهم مع أشقائهم رباط الوئام ، ومع جيرانهم روح الانسجام.
.. ولهذا يؤمن محدثي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في سلطنة عمان بثقافة التسامح والتعايش بين مختلف المذاهب جميعا على أرض مشتركة يتشارك فيها الجميع وينصهرون تحت مظلة الوطن والوطنية.
.. ويعكس يوسف بن علوي في هدوئه وثقته بنفسه سياسة وطنه، ويترجم شخصية «السلطنة العمانية» ومواقفها الواثقة عبر تنفيذ سياسات «السلطان قابوس» الممسك بحقيبة الخارجية فعليا بيده.
.. وعندما يتكلم «بن علوي» لابد أن تنصت لكلامه.
.. وعندما يصمت الوزير العماني فإنه يتكلم بسكوته!
.. وعندما يبتسم ذلك «الثائر الظفاري» المنتمي سابقا إلى «ثوار ظفار» الذين نشطوا ضد حكم السلطان سعيد بن تيمور، والد «السلطان قابوس»، فإن لابتسامته الفورية، - ولا أقول الثورية – ألف معنى.. ومعنى!
.. وعندما يصرح للصحافة، فإنه لا يحتاج أن يصرخ!
.. ولهذا دار حواري معه بلا ضجيج أو انفعال، رغم كونه الحوار الصحفي الأول الذي يدلي به، بعد إطلاق تصريحه المدوي في ديسمبر الماضي، قبل انعقاد
القمة الخليجية الأخيرة في الكويت بخمسة أيام، عندما أعلن أن «سلطنة عمان» ستنسحب من «مجلس التعاون» إذا قررت شقيقاتها، الدول الخمس الأخرى الأعضاء، المضي قدما في ترجمة مشروع «الاتحاد الخليجي».
.. وبهذا التصريح الصريح طغى حضور «بن علوي» وصوته على كامل تفاصيل المشهد الخليجي خلال الأيام التي سبقت وأعقبت قمة الكويت الأخيرة.
.. وما من شك في أن تسليط الأضواء الكاشفة على «الاتحاد الخليجي» لمعرفة شكله وآليات تنفيذه ورصد المخاوف المشروعة وغير المشروعة تجاهه، من بديهيات المتابعات الصحفية، ولا لوم على من يطرح ذلك «الأمر المصيري» على صفحات الصحف ويناقشه بروح العقل، دون أن يترك مجالاً لتحويل الجدال إلى سجال!
.. ولهذا سعيت على مدى الأسابيع الماضية للوصول إلى صاحب «التصريح الصادم» لمحاورته في مسقط، لكنني «صدمت» مرة أخرى عندما أبلغني بعدما صافحته في مكتبه بوزارة الخارجية العمانية، بأنه لا يريد الخوض من قريب أو بعيد في كل ما يتعلق بملف «الاتحاد الخليجي»، وإثارة الضجيج الإعلامي حوله.
.. واحتراما لطلبه، وتقديرا لسياسة عمان الواقعية الهادئة، لم أتطرق خلال حواري معه لهذا «الملف الشائك» لشعوري أن محدثي الوزير العماني يريد فض الاشتباك أو التشابك مع هذا «المشروع الاتحادي» المتشربك.
.. ولأنني لم أسافر إلى سلطنة عمان لأسأل وزيرها المسؤول عن الشؤون الخارجية عن حالة الطقس في بلاده، ولأنني لم أغادر بلدي إلى هناك لأتحدث مع يوسف بن علوي عن جمال الطبيعة العمانية، ولا عن تميز أشقائنا العمانيين في صناعة الحلوى الشهيرة، فقد حرصت خلال حواري معه على مناقشة جميع القضايا المصيرية الأخرى، وما أكثرها!
.. ولمست خلال الحوار مع «بن علوي»، حرصا عمانيا رسميا على المضي في «المسيرة التعاونية» الخليجية، ودفعها إلى الأمام من أجل الوصول إلى أهدافها المنشودة، وإصرارا من العمانيين على تقوية «مجلس التعاون»، والنهوض به وتفعيله ليمارس دوره، ويؤدي رسالته، كما لمست تمسكا من «مسقط» بالعمل الخليجي المشترك.
.. وإليكم تفاصيل الحوار الذي ساهم في إنجازه وترتيبه سعادة الأخ محمد بن ناصر الوهيبي سفير سلطنة عمان في الدوحة، فله الشكر الكثير والتقدير الوفير.
معالي الوزير.. نبدأ بالحدث البارز وهو قمة مجلس التعاون الأخيرة التي عقدت في الكويت، والضجة التي سبقتها، وأعقبتها.. فهل تشعرون بنوع من التهميش للدور العماني في مجلس التعاون؟.. وهل يمكن القول إن الكيل فاض بسلطنة عمان من سياسات دول التعاون المتناقضة وغير المتجانسة؟.. وما مدى رضاكم عن قرارات القمة الخليجية الأخيرة؟
- قمة الكويت كانت موفقة وناجحة بكل المعاني والمقاييس، وأنتجت قرارات سوف تتم دراستها وتحويلها إلى واقع جديد، يحقق مصالح وتطلعات المواطنين في دول مجلس التعاون الخليجي، ومن أهمها الربط المائي، وهو من أهم الموضوعات التي ستتحقق، ولكنه سيخضع لدراسات، حتى يكون مشروعا يحقق الاكتفاء الذاتي، وأنتم تعلمون أنه لا حياة بلا ماء.. «وجعلنا من الماء كل شيء حي»، وفيما يتعلق بمياه الخليج، بالفعل هناك كثير منها، ولكن فيها شيء من التلوث، ونحن حينما نتكلم عن منظومة محطات التحلية باستخدام التقنية النووية، فسوف تستخدم في ذلك أعلى أنواع التقنية في عمليات تحويل مياه البحر إلى مياه صالحة.
قلق خليجي
عفوا يا أبا محمد.. ولكن دول الخليج عبرت عن قلقها من إنشاء مفاعلات نووية على سواحل......................... (فلا يدعني انتهي من سؤالي)، ويقاطعني بقوله: «خليني اصل لك لهذا الموضوع»:
- (ويواصل حديثه) قائلا: دعني افسر لك، ففيما يخص مسألة التقنيات في هذا الجانب، تأكد أنه لن تكون هناك محطة تحلية على الطاقة النووية، إلا وهي تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فهذا أمر حتمي، فلا تملك حتى القوى العظمى نفسها، أميركا، أو روسيا، أو بريطانيا، أن تنشئ أي محطة دون أن يكون هناك إشراف من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما توجد هناك تقنيات الأمان فيها عال جدا، إلى درجة يستطيع أن يجزم الإنسان من خلالها أنه لن يحدث شيء، من باب التقنية والحماية، ولكن الخطأ وارد، ولكن إذا حدث فسيكون كارثة، ومن هذا المنطلق، فإن دول الخليج، لا تريد أن تترك هذا الأمر إلى الخطأ البسيط، الذي قد يكون نادرا، ولكنه إذا حصل فهو كارثة.
أفهم من جوابكم يا معالي الوزير أنكم مطمئنون لعدم حدوث تسرب من المفاعلات الإيرانية القريبة من الساحل الخليجي؟
- نحن نتكلم بصفة عامة، لأن المفاعلات النووية بطبيعتها لا تكون إلا على الشواطئ، حيث إنها تحتاج إلى طاقة كبيرة من مياه التبريد، وأما عن المخاوف من احتمالات حدوث تسرب نووي.. وأعود للتأكيد لكم على أننا لا نزال نتكلم في إطار الاحتمال - فإن إيران أول من سيتضرر - فلو أن الجارة المطلة على الخليج أهملت في هذا الأمر، أو سعت إلى تقنية رخيصة التكلفة- وإن كنا لا نعتقد أن هناك شيئاً رخيصاً في هذا المجال - فهي أول من سيتضرر، ونحن بمنطق الأمور، ولا نظن أن هناك أحدا يريد أن يضر بنفسه، ولكن نحن نقول إنه في منطق احتمالات الخطأ، وهذا وارد ولذلك فإن هذه التقنية، إذا حدث فيها خطأ فإنها تقاس بالكارثية طبعا فالخطأ يقاس، من حيث إذا كان هو خطأ تلوث، أم خطأ توقف، فمثل هذه الأمور يدرسها الفنيون، والعلماء المتخصصون في هذا، والرقابة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية موجودة في كل المواقع، وعموما فإن إيران في المستقبل لا نعلم، فربما تحصل على تقنية أميركية، في ظل أجواء الانفراج، وفي كل الأحول إذا حصلت إيران على التقنية الأميركية.. فهل هذا سيذهب الخوف من عندنا؟.. أبدا لن يذهب.. وإذا حصلت على تقنية فرنسية.. فهل هذا القلق سينتهي؟.. ابدا لن ينتهي، لأنه في أي تقنية يظل الخطأ واردا.. ولا يوجد من يعطيك تقنيات الكمال في هذا المجال (وهو يضحك)، ومن أجل ذلك اتخذ قرار من القمة الخليجية بأن يكون مشروع الربط المائي هو المصدر الرئيسي للمياه الخليحية، وهو مشروع حيوي، سوف تنتهي إليه الدراسة، وربما سيكون إما على بحر عمان، سواء كان في الفجيرة أو صحار، وإما على بحر العرب، الذي هو مفتوح على المحيط الهندي، بالنسبة لنا نحن في سلطنة عمان، والأشقاء في دولة الإمارات، على استعداد أن نوفر لهم هذا الخيار في أعالي الخليج، حيث إنه أحد المشروعات المشتركة الكبيرة.
الصلح خير
بعيدا عن مشروع الربط المائي بين دول الخليج، وطالما أشرتم في جوابكم، وتحدثتم عن احتمالات أن الاتفاق النووي الجديد ربما يمهد في المستقبل لحصول إيران على تكنولوجيا أميركية.. ما ردكم على من يقول إنكم قمتم بدور ساعي البريد بين طهران وواشنطن لترتيب الاتفاق الأخير، وما هي حقيقة الدور العماني في هذا الملف الغامض؟
- نحن لا ننكر أننا قمنا بدور، كما قام آخرون بذلك، ولكن للخصوصية بيننا وبين الطرفين، ربما كان الدور الذي قمنا به أكثر تأثيرا، وإن كان الأصل أن كلا من إيران والولايات المتحدة الأميركية، يريدان الوصول إلى حل، يعني أن يصلا إلى مخرج من هذه الأزمة، وما قاله الرئيس أوباما في خطابه الأخير داخل الكونجرس، كان واضحا، أنهم كانوا يريدون الوصول إلى حل على قاعدة «لاضرر ولا ضرار»، لأنه لو وقع شيء بعيدا عن هذا الاتفاق فكان سينتج عنه ضرر وضرار.
ولكن هل بالإمكان أن توضحوا لنا وللرأي العام الخليجي والعربي، طبيعة الدور العماني الذي قمتم به لتقريب المسافات المتباعدة بين طهران وواشنطن فيما يتعلق بهذا الملف بالتحديد؟
- ينبغي ألا يكون أحد لديه إحساس بأن دورنا كان فيه مساندة لطرف على الآخر، فهذا لم يكن، ولكنها كانت الإرادة للقيادتين في الولايات المتحدة الأميركية، وإيران، أنهم يسعون للخروج من هذه الأزمة، والتي يكون البديل عن الوصول إلى اتفاق فيها ، بمثابة الكارثة، مما يعني أنها لم تكن خيارا للإيرانيين، ولا حتى للأميركان، ومن هذا المنطلق، كانت السلطنة حريصة على توصيل هذا المفهوم للطرفين، وأن يكون التوافق بين الطرفين تحكمه قاعدة «لا ضرر ولا ضرار».
في إطار الترتيبات أو التسهيلات التي وفرتها سلطنة عمان للطرفين، هل استضفتم اجتماعات سرية سبقت توقيع الاتفاق النووي؟
- «شوف».. هذه المسألة قديمة وليس لها علاقة بالاجتماع والمفاوضات، بل كان فيها مجموعة من المسائل بين اللقاءات والاتصالات والرسائل، يعني العملية ليست كما هو يجرى حاليا في جنيف، فلم تكن بهذه الطريقة، لأنه كان هناك كثير من الشكوك والآراء المتشابكة، يعني استغرقت وقتا، وقد صبرنا، وصبروا على طول الوقت، لأن الثقة كانت تسود الجميع، فأنت عندما تريد أن تعبر جسرا بسيارة وعليها حمولة ثقيلة، فإنك تكون حريصا على الاطمئنان على حالة الجسر الذي تسير فوقه، وإلا سينهار.. فإذا كان لديك اي شك بأن الجسر سينهار، فلن تذهب إليه، ولهذا اجتمعت ارادة الطرفين، فربما عمان فيها من الحرص على حفظ هذه المسألة حتى لا تتعثر، وإيصالها إلى ما وصلت إليه.
حق الشركاء
ولكن عفوا معالي الوزير من المؤكد أنكم قمتم بعمل مهم.. فهل أبلغتم شركاءكم الخليجيين، واشقاءكم في مجلس التعاون بتفاصيل الدورالذي قمتم به لترتيب هذا الاتفاق؟
- «شوف» الاتفاق صار في جنيف للمفاوضات التي تمت بين الخبراء، لأن هذه المسألة تفاصيلها فنية، ونحن جميعا استمعنا لعدة لقاءات على مستوى الاجتماع الوزاري، إلى ممثلي الولايات المتحدة الأميركية الذي انخرطوا في هذه المسألة، وأعطونا بشكل جماعي تفاصيل، وبشكل ثنائي تفاصيل أكثر، فالمفهوم واضح لنا جميعا، ولكن قد يكون أن بعض الأطراف لم تكن تريد لهذا الاتفاق أن يتم.
عفوا مرة أخرى..ألا تشاركوني الرأي بأن من حق دول الخليج أن تعبر عن مخاوفها من خشية تأثير ذلك الاتفاق بشكل سلبي على المصالح الاستراتيجية التي تربط بينها وبين الولايات المتحدة؟
- نعم ما تقوله صحيح، وهذا قد أثير في عدة لقاءات مع الولايات المتحدة الأميركية في عدة اتفاقيات، ومن سنين، مما يعني أن تلك الشكوك منذ زمن الرئيس السابق بوش، وكان كل ذلك يثار، ويقال، سواء كان بالنسبة للعراق، أو الملف النووي، أو لكل هذه الأشياء، وكان هناك لدى بعض الإخوة في الخليج تحسبات، وقلق، وهذا كان موجودا، ونناقشه مع الولايات المتحدة الأميركية ومع بريطانيا، ومع هذه الدولتين بالأساس، فإنني أعتقد اننا معهم شركاء، وهذا القلق كان مشروعا في مرحلة من المراحل، وكان مشروعا، ولكنهم كانوا دائما يؤكدون بأن أي اتفاق مع إيران سيكون في إطاره العام، ولن يكون ولن يؤثر على مصالح دول مجلس التعاون.
لغة المصالح
ما دمنا وصلنا إلى دول التعاون.. دعني أسألك بصراحة، بل بمنتهى الصراحة.. ما حقيقة وجود أزمة سياسية أو إعلامية بينكم وبين الرياض، على خلفية دوركم في ترتيب الاتفاق النووي؟
- هذا الكلام ليس حقيقيا، ونحن نعلم أن الإخوان في الرياض، في إطار الخلافات التي بينهم وبين طهران، عندهم بعض التحفظات، ونحن نقدر ذلك، وهم كما نعلم حريصون على الاستقرار في منطقة الخليج.
ولكن من الملاحظ يا أبا محمد أنكم تقتربون أكثر من الموقف الإيراني الهادم، بينما تبتعدون عن الموقف السعودي الداعم، وخاصة في قضايا كثيرة؟
- «يعتدل في جلسته، ويرد بنبرة حازمة وحاسمة، لا تنسجم مع شخصيته الهادئة» بقوله: هذا ليس صحيحا، ولكن ليس بالضرورة أن يكون هناك تطابق في سياستنا داخل مجلس التعاون، وربما تكون مصالح إخواننا الآخرين مع إيران أكثر من مصالحنا نحن معهم، ولكننا نؤمن إيماناً راسخاً بوجوب تحقيق الاستقرار، وليس أكثر، لأن أي شيء عكس تحقيق ذلك الاستقرار، فكلنا في الخليج سوف نخسر.
بعيدا عن الخسارة.. ما حقيقة أن سلطنة عمان تشعر بالملل من النفاق السياسي المتبع داخل مجلس التعاون، الذي تسبب في جمود المسيرة التعاونية الخليجية، وغياب التعاون الحقيقي بين الدول الأعضاء؟
- «يبتسم إبتسامة لها معنى ومغزى» ويرد قائلا: لا نقول إنه ملل، ولكن نحن ايضا نعرف ان كل بلد من البلدان لديه ظروف، وهذه الظروف تخلق تطلعات، وهذا في إطار المقبول، «لايكلف الله نفسا إلا وسعها»، وفي آية ثانية «لايكلف الله نفسا إلا ما آتاها»، فهذه المسيرة ليست مرتبطة بوقت، حتى نقيس عليها، بأنه اقترب الوقت، ولم ننته من المسيرة.
في إطار مسيرتنا الخليجية المشتركة.. هل تتفقون مع الرأي القائل إن مجلس التعاون الخليجي فشل في إنجاز العديد من الملفات التعاونية، ولم يحقق الأدوار التكاملية بين الدول الأعضاء؟
- «يشير بالسبابة، بينما يؤرجح ساعده يمينا ويسارا» قائلا: لا لا لا.. لم أقل أنه فشل، وإنما أقول إنه لم تتوافر الرغبة عند الجميع لتحقيق الأهداف.
بناء على ما جاء في معطيات حواري معكم.. هل يمكن القول إن سلطنة عمان مستمرة في أداء دورها داخل مجلس التعاون الخليجي؟
- طبعا بكل تأكيد، نحن أكثر الناس تمسكا بمجلس التعاون، ومسيرة العمل الخليجي المشترك.
ولكن لكم تحفظات، ووقفات ضد بعض الملفات المصيرية؟
- نعم، ولهذا نحن حريصون ، ومتمسكون بأنه ينبغي لمجلس التعاون الخليجي أن يتطور، ويستجيب لحقائق الأمور، ولكن في نفس الوقت أحيانا نقول فيه ظروف موضوعية جدا في كل دولة، ولذلك أدخل في كثير منها ما نعتبره القوانين الاسترشادية، وهذا الموضوع كنا نقترحه في مجلس التعاون، فلا يمكن موضوع فيه موقف معين، وظروف مثلا، ان ننساه، ولكن نقول خلينا نشتغل عليه ونستخدمه كاسترشاد، بمعنى خلال أربع سنوات أن ندخل من هذا في انظمتنا، حتى تتماثل، وبالتالي يصبح هناك قانون خليجي واحد، وأؤكد لك عبر هذا الحوار، أننا في سلطنة عمان أكثر الناس رغبة في تقوية مجلس التعاون، ومجمل القول إننا مستمرون في دعم وتقوية مجلسنا التعاوني بكل الوسائل.
وهل الجدل الذي أثير قبل وبعد قمة الكويت الأخيرة قد انتهى؟
- هذه وجهات نظر، وستستمر، وكما ذكر صاحب الجلالة، نحن لا نحجر على أحد في الفكر.
بصراحة، بل وبمنتهى الوضوح والصراحة هل تجاوزتم الأزمة التي حدثت في ديسمبر الماضي؟
- نعم ومنذ فترة طويلة، بل تجاوزناها قبل أن تقع من الأساس.
إذن ما حقيقة أن الشاحنات العمانية تتعرض للتعطيل في بعض المراكز الحدودية، الأمر الذي يعرض منتجاتها إلى التلف، بما يتعارض مع مفهوم التعاون الخليجي الحقيقي؟
- هذا ليس صحيحا، ويمثل تجنياً، وكما نعلم جميعا، فإننا وغيرنا نواجه تحديات أمنية، وينبغي أن تكون الأولوية فيها للاحتراز الأمني، وفي هذا الإطار تحدث بعض الحالات تنفيذا للإجراءات الأمنية المتبعة، ولكن في الغالب يتم حلها بالاتصال المباشر بين الوزراء، والجهات المختصة، وبالتالي فنحن ليست لدينا شكوى، أو امتعاض في هذا الشأن، بل نتفهم الأمر، وهذه الإجراءات ليست معمولا بها في دول الخليج الشقيقة ، بل حتى نحن، قد نقوم بالتدقيق الأمني لبعض الشاحنات، وهذا الأمر لا يمكن المساومة عليه، أو التضحية به تحت مبررات المصالح التجارية.
في خضم نقاشنا عن المصالح ، تم قبل فترة طرح فكرة توسيع دائرة دول مجلس التعاون الخليجي، بانضمام كل من الأردن والمغرب.. فهل أنتم من المؤيدين أم مع المعارضين لهذا الطرح؟
- المسألة ليست فيما إذا كنا من المؤيدين أم المعارضين، بل المسألة تكمن في الضرورات الحتمية التي تقتضي هكذا، وفي هذا الصدد نوضح بأنه لا ينبغي أن نكون بديلا عن الجامعة العربية، فهي بيت العرب، والمظلة التي ينبغي أن نقوم دائما بدعمها، وألا نسعى إلى خلخلة هذا الكيان، على الرغم من كل المساوئ التي فيه، ولكن ينبغي أن نطور هذا البيت العربي، ونعطيه من الإمكانيات التي تمكنه من أن يتطور، ولكن هناك اتفاقاً بأن بعض الدول العربية ينبغي أن يكون لها، ميزة مع مجلس التعاون لخصوصيات ولأهمية معينة، والأردن ، والمغرب، في ذلك الوقت، كانا بحاجة لمثل هذا الدعم، في ظل ما اثير حول الربيع العربي، والمخاوف، والحراك في كل مكان، ليس فقط في صالح دول مجلس التعاون العربي، وإنما في صالح المجموعة العربية، فكانت هذه الدول من الدول التي تحتاج الى معاملة ذات طبيعة خاصة لكي تستطيع ترتيب نفسها بطريقة سلمية، وهذا ما حصل.
في إطار التعامل الخليجي الداعم للمملكتين الأردنية والمغربية.. ما صحة ما يقال بشأن عدم تسلمكم «ريالاً» واحداً من الدعم الخليجي المخصص لكم وقدره «10» مليارات دولار، على «10» سنوات لتحصين السلطنة من الاضطرابات السياسية والأزمات الاقتصادية؟
- أولا نحن لسنا في حاجة إلى تحصين أنفسنا في هذا الشأن، ثم أن إخواننا في الخليج كانوا مشكورين، أرادوا أن يقدموا هذا الدعم لسلطنة عمان، ومملكة البحرين، ولكن من دون أن نطلب نحن هذا، أو حتى نتقدم بطلب من أجل ذلك، وأذكر لكم بوضوح أن صاحب هذا المقترح، كان معالي الشيخ حمد بن جاسم، حينما كان رئيس وزراء ووزير خارجية قطر.
مهلاً معالي الوزير الاقتراح الذي تتحدث عنه أصبح قراراً نافذا؟
- كان اقتراحا، وتابع تنفيذه الشيخ حمد بن جاسم حتى تحقق في القمة.
بعيدا عن كشف الأسرار، كم وصلكم حتى الآن من الدعم المالي الخليجي المستحق لكم؟
- «شوف»، هذه برامج مبرمجة وفقا لاحتياجات السلطنة، ولكن المهم أولا ، لابد من النفي بأن هذا جاء بطلب منا.
أقاطعه قائلا له.. أنا لم أذكر أنكم طلبتم»
- «فيقاطعني»..
ما أريده هو النفي التام بأن دول الخليج الشقيقة تقاعست لأي سبب كان، ولكننا نحن برمجنا هذه الأموال، في إطار أن يتم استخدامها ضمن خارطة مشروعات عمانية لها منفعة خليجية، وكل هذه البرامج مبرمجة وفقا لاحتياجاتنا، لمشاريع ذات مصلحة مشتركة مع دول مجلس التعاون، ومنها على سبيل المثال، سكة الحديد، فهذا أحد البرامج، والربط المائي، وأي برامج أخرى شبيهة بها.
كم تسلمت سلطنة عمان من هذه المبالغ..؟
- «ولا يتركني أستكمل السؤال» قائلا: أنا ليس عندي التفاصيل، ولكن.. هناك برنامج مبرمج مع دولة قطر، وآخر مع المملكة العربية السعودية، وثالث مع دولة الإمارات، ثم أخيرا مع دولة الكويت، وهذه مبرمجة وفقا لاتفاقيات تم التوقيع عليها بين وزراء مالية هذه الدول، ووزير خارجية سلطنة عمان، والأمور تسير، وليس بها ما تتناقله الصحف، وما نسمعه.
معالي الوزير، اسمحوا لنا بالانتقال من المسائل المالية إلى المعابر الحيوية ، وأقصد بذلك مضيق هرمز الذي تشرفون عليه، فبالرغم من أنكم تتشاركون في الإطلال على هذا المضيق الحيوي، إلا أنه من الملاحظ انتهاجكم دبلوماسية الصمت إزاء التهديدات الإيرانية المتكررة بإغلاقه بين الحين والآخر.. فما هي مبررات ذلك الصمت العماني، على إغلاق هذا المضيق الحيوي؟
- أولا لا بد للعودة ولنعلم، بأن هذا المضيق دولي، وفقا لقانون البحار، والملاحة فيه حرية كاملة، ولذلك فإن هذا المضيق طالما انه دولي، فمسؤوليته دولية، ولكن الشيء الجديد في هذا ، والذي لا يعرفه أحد أن ممرات الفصل المائي بالنسبة للدخول والخروج من الخليج، تقع في الجانب العماني، بسبب أن البحر فيه عميق، بينما في الجانب الإيراني، فالمياه ليست مجرد ضحلة، ولكن ليست عميقة صالحة للملاحة البحرية، ولكن شمال المضيق بحوالي «50» ميلاً، هناك فصل آخر بين السفن ولا يقع في المياه الايرانية، إذا حماية هذا هي دولية، بمعنى أنه لن يسمح العالم بأن تغلق هذه المضايق فهذا أمر حيوي ومحسوم ، ولكن في ظل الأزمات، والخلافات، تصدر تصريحات إيرانية تقول لو أنهم حاصرونا، فسوف نغلق المضيق.
وكيف تستقبلون هذه التصريحات، بصفتكم الدولة العربية المطلة بسواحلها على المضيق الحيوي؟
- هي تصريحات تنم عن خلافات بين الدول، ولكنها لا تعكس سياسة ايران بالتوجه الفعلي أو العملي نحو إغلاق المضيق، لأنه لم يصدر عن حكومة طهران بيان واحد تقول فيه إنها قررت إغلاق مضيق هرمز، ولكنهم قالوا «إذا صار كذا نفعل كذا».
أفهم من جوابكم يا معالي الوزير أنكم تتفهمون التصريحات الصادرة من إيران التي تهدد بين حين وآخر بإغلاق المضيق؟
- نحن نعلم أنهم لن يستطيعوا إغلاقه، لأنه من الطبيعي ، ألا تستطيع إيران أن تفعل ذلك، فتضع ألغاما لتضر نفسها، وتنقطع عن العالم، ولو فعلت هذا فلن يصل لهم ولا حتى كيس أرز، وبالتالي فلا منطق في هذا، ونحن كحكومات، ودول، لابد أن يكون عندنا منطق، ولا يمكن أن نأخذ عن الناس التي تقلب عنا الحقائق، فهذا أولا، ثم ثانيا في الحرب العراقية - الايرانية، عندما هددت إيران باعتراض السفن الكويتية، أتذكرون ماذا حدث؟!
نعم ، أتذكر جيدا أن السفن الكويتية رفعت الأعلام الأميركية..
- أرأيت!.... مع أنهم كانوا قبل ذلك يرفعون الأعلام الروسية، ولكنهم في مرحلة لاحقة، قرروا أن يرفعوا الأميركية، ومن ثم فإن هذه الملاحة، وطالما عليها أعلام دول كبرى، هي مسؤولة عن هذا الشيء، ولكل هذا لماذا صحفنا تتحدث عن أشياء ليس فيها منطق، فنحن نريد أن تكون المقالات والتصريحات التي يتم نشرها في الصحف ويقرأها المواطن الخليجي فيها منطق.
إذن دعني أبحث معك عن المنطق المفقود في مطبوعة أميركية، وليست خليجية ، حيث نشرت مجلة «ديفينس نيوز» أنكم تقومون بوساطة بين الإمارات وإيران عبر محادثات سرية لإيجاد تسوية للجزر الثلاث المحتلة، فإين المنطق في هذا الخبر، وما مدى صحته؟
- أولا، نحن مشكلتنا، اننا ننظر إلى ما يأتي من أميركا ونعتبره مقدساً، وأنه صحيح، بينما هذه «كذبة في كذبة»، لأن إيران والإمارات دولتان متجاورتان، وبينهما من الاتصالات ما يكفي، وهما لا يحتاجان للوساطة، لأنك حينما تتوسط بين ناس، تكون العلاقات مقطوعة، ولا يعرف شيء، فتقوم بتوصيل المفهوم الصحيح.. وبالتالى فهي كذبة، وإن كانت صدرت في الأصل من الخليج.
معالي الوزير.. بعيدا عن الأكاذيب، ما حقيقة وجود خلافات بينكم وبين الامارت؟
- نحن انتهينا من خلافاتنا الحدودية مع الامارات وقمنا بتسويتها منذ «10» سنوات، واتفقنا ووقعنا اتفاقيات وكلها مودعة في الامم المتحدة والجامعة العربية.
يا «أبا محمد» ذكرتم في احد تصريحاتكم، أن حماية الخليج مسؤولية غربية، هل يعني ذلك انكم لا تؤمنون بقوات درع الجزيرة، ولا تثقون في قدرات جيوش دول الخليج؟
- «شوف أخي أحمد»، المسألة ليست في نثق أو لا نثق.. كلنا عندنا جيوش، وقوة، وما نعتقد بأنه يعطينا الإحساس بأن لدينا قوة، ولكننا نتكلم عن صراع دولي، ونذكر حينما دخلت العراق للكويت، جاءت أميركا لتحريرها، مع انه من قبل ذلك كنا نملأ اصقاع الدنيا بأننا المسؤولون عن أمننا، فهل استطعنا أن نفعل شيئاً، فربما عملنا بعضها، ولكن هل هي كانت كافية.
نفهم من جوابكم انكم ضد تعزيز قوات درع الجزيرة أو توسيعها؟
- لا ، فالمسألة ليست تعزيزاً أو توسيعاً، أنت تعلم، او تذكر ، أو سمعت، أنه بعد تحرير الكويت، تم تكليف السلطنة بعمل دراسة لانشاء قوات خليجية، وقمنا بها، وشارك معنا فيها رؤساء الأركان من كل دول الخليج ، ولكن الطرف الرئيسي المكلف بإعدادها كنا نحن، ودرسنا كيف استطاع العراق أن يحتل دولة الكويت، حيث ركز على قوة الحرس الجمهوري لديه المكون من «100» ألف جندي، وقلنا نبني قوة خليجية مدربة تدريبا جيدا قوامها «100» ألف جندي على «10» سنوات، تشمل قوات مشاة، خاصة، ودروع، وهذا يكفي لردع من يريد الاعتداء على أي دولة خليجية، وكانت لها كلفة تتحملها الدول الأربع، وبلغت ملياري دولار، ثم تم رفض الدراسة بسبب ارتفاع الكلفة، وانتهى المشروع، عموما ما أريد قوله أن أيا من الدول المجاورة للخليج لن تهاجمه، طالما توجد في الخليج مصالح عالمية، فما يهاجمه أحد، ثم لماذا تتم مهاجمته طالما العلاقات فيها مودة ومصالح مشتركة، وأنت تعلم أن حقول النفط في الخليج معظمها متشابك مع إيران.
مهلا معالي الوزير، آراك تشير إلى أن العلاقات مع إيران فيها مودة الآن.. هل أنت مقتنع بأن العلاقات الخليجية الإيرانية تتسم بالودية، وليس الندية في الوقت الحالي؟
- هي ودية إذا أخرجنا منها الجانب المذهبي، ولكن إذا ادخلناه ففيه صراع، بمعنى إذا قلنا هذا سني وهذا شيعي، وهنا وصفات لهذا السني، وذاك الشيعي، سنجد عندنا مشكلة.
طالما أننا وصلنا إلى التوصيف المذهبي..يشهد العالم العربي تباعدا بين السنة والشيعة على خلفية اختلاف مواقفهم السياسية بشأن التعامل مع أزمات المنطقة، وفي مقدمتها الأزمة السورية، ونظيرتها العراقية.. ما موقف الأباضية العمانية من ذلك.. وأين تقفون بين تلك الأزمتين؟
- «يرد بحزم لافت» قائلا: نحن ليست لدينا مذهبية من حيث المبدأ، فعمان ليست فيها مذهبية، وأنت قس على هذا، فنحن لسنا طرفا في هذا الصراع، الذي يشبه ما كان بين الأمويين والعباسيين، وانتهى بقيام الدولة العباسية، ومن ثم انتهت الدولة الأموية.
ومن هي الدولة المعاصرة التي ستنتهي في أتون هذا الصراع بحسب توقعاتكم؟
- هذا عند علم رب العالمين، ولكن حقيقة واحدة، لا نحن نستطيع تحويل الشيعة إلى سنة، ولا الشيعة يستطيعون تحويل السنة إلى مذهبهم، ولكن من الممكن أن يعمل الشيعة والسنة تحت مظلة الوطنية في إطار تطور الدولة المدنية، أي يكون في كل دولة نظام مدني، ويصير هناك احترام للناس لبعضها البعض، لأننا نحن بشر، فالشيعة كانوا قبل ذلك وتحولوا سنة، وبعض المناطق كان فيها فرق من غير السنة وصاروا سنة، وبالتالي فلنترك هذا للزمن.
معالي الوزير في إطار الحديث عن السنة والشيعة، ما موقفكم من السياسة الإيرانية المتدخلة سياسيا وعسكريا في الشأن السوري، وهل تعتبرون إيران طرفا في الأزمة السورية، أم عنصراً رئيسياً من عناصر حلها، وكان ينبغي مشاركتها في مؤتمر «جنيف2»؟
- مسألة مشاركتها من عدمه، تخص الأمين العام للأمم المتحدة، ونحن ما يمكننا التعليق على هذا، لأن إيران ليست حاضرة الآن في جنيف، وهذه واحدة، ولكن إيران لها مصالح في سوريا، ممكن تتجاوز أكثر من «10 – 15» سنة، ومن غير المنطق أن نقول إن هذا ليس له أهمية، فطالما لهم مصالح، لابد أن نعتبر بأنهم موجودون، وهم بالفعل كذلك بحكم مصالحهم هناك.
وأيضا الأطراف الأخرى العربية لها مصالح على الساحة السورية؟
- «كلام زين».. ولهذا ينبغي على أصحاب المصالح أن يجلسوا مع بعضهم البعض ليتفقوا فيما بينهم، فهذا منطق الدنيا كلها، منذ بدأ الله الخليقة وحتى الآن، إذا صارت المشاكل فإن أصحابها يجلسون على طاولة واحدة لحلها، ثم لماذا الحديث عن مصالح هذا وذاك، وكأن أهل سوريا ليست لهم مصالح، يعني في هذا المنطق عوج، ربما تكون هناك مصالح متباينة، ولكن ليس من المعقول أن نلغي مصالح الشعب السوري، أو أي شعب آخر، لأنه انتهى زمن هيمنة الدول على الآخرين.
ولكن الشعب السوري الذي تتحدثون عن مصالحه هو من ثار على نظامه؟
- «يشير لي بكلا ساعديه» قائلا: الشعب السوري ثار على نظامه، والتونسي ثار على نظامه، والمصري ثار على نظامه.. الخ.. فلنترك الناس يقررون ما يريدون.
أزمة مصر
إذن اسمح لي أن أسألكم السؤال الذي أريد طرحه عليكم.. من الملاحظ انكم حتى الآن لم تعلنوا عن موقف واضح مما يجري على الساحة المصرية، حيث لم يصدر من مسقط أي تعليق رسمي عن التغيير الذي جرى في «30» يونيو العام الماضي، مما يثير علامات استفهام.. هل أنتم مع السلطة المنتخبة التي تم اقتلاعها، أم مع التغيير الذي تم بشراكة شعبية وعسكرية؟
- ولماذا نقحم أنفسنا في أمور الآخرين، ولماذا يكون لنا رأي فيما يريده الآخرون لأنفسهم، وبصراحة هذه هي مشكلة العرب، فلا ينبغي لنا أن نلغي شخصية المصريين، ونكون حكاما أو قضاة فيما يكون بينهم، فنحن يا أخي ما نتعامل مع أفراد، سواء كانوا في الحكم أو خرجوا منه، بل نحن نتعامل مع بلد، وهم لهم الخيار، ان يقرروا ما يريدون، وعلينا إذا طلبوا شيئا نساعدهم كأشقاء في مصر أو سوريا، وغيرها، المهم ألا ننصب أنفسنا قضاة، على هذا وذاك وما ينبغي أن يكون لنا هذا، ولا يجوز لأحد أن ينصب نفسه قاضيا على الآخر.
هل تلمسون تدخل أطراف خليجية في الأزمة المصرية؟
- هذا واضح من الأمر، ولكن لكل له قناعاته، اذ لم يعد هناك شيء مخفٍ.
معالي الوزير ما دامت الأمور ليست مخفية، لماذا تنازلت سلطنة عمان عن استضافة القمة العربية، وتركتها لدولة قطر، حتى كان ذلك مثار جدل وتساؤل كثير من المراقبين عن أسباب عزوف السلطنة عن احتضان الحدث العربي، فما تعليقكم؟.. وهل يعني ذلك عدم إيمان العمانيين بجدوى القمم العربية؟
- هي ليست بهذا، ولكن الحقيقة أن القمم العربية صارت بروتوكولية أكثر منها مؤتمرات عمل، وهذا الخطأ ليس من القادة، ولكنه خطؤنا نحن وزراء الخارجية، والأمانة العامة للجامعة العربية، بمعنى أننا غير منظمين، وبالتالي تنعقد القمم، وتصدر عنها القرارات، ولكنها لا يتم تنفيذها، لغياب التنظيم، ويكفي أن لدينا من مشاريع القرارات التي كانت حاضرة على أجندة كل القمم، منذ الستينيات من القرن الماضي، ومازالت حتى الآن لم تنفذ، ولم تر النور، ومنها القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، التي تصدر قرارا وراء قرار، والمحصلة النهائية لا شيء، وكأن المسألة بروتوكولية.. وفيما يتعلق بالاستضافة القطرية، كانت قطر متحمسة وعندها مشاريع كبيرة، والشيخ حمد كان متحمسا لإحداث نقلة في الجامعة العربية والدفع بالأمور نحو الأفضل، ونأمل أن تتم مراجعة أداء الجامعة وتفعيله، بعد عواصف «الربيع العربي» التي حدثت، وحرصا على ترسيخ مفهوم العمل العربي المشترك، لا ينبغي ان نستمر بهذا الأسلوب، ولكن لابد أن تكون هناك روح جديدة، ولننظر إلى مستقبل العالم العربي، حتى نعرف هل نحن مجرد مجموعة دول فحسب، أم هناك تعديلات جوهرية لابد وأن تكون في أدائنا، وفي محيطنا العربي، ويبدو أن جزءاً من المشكلة الحقيقية تكمن في التمويل، حيث إن ميزانية الجامعة العربية لا تزيد على «60» مليوناً، ربما كان هذا الرقم مناسبا في الماضي ، أما الآن فهذه الموازنة أظن أنها لا تكفي سوى لصرف مرتبات الموظفين.
الحوار اليمني
في إطار حديثنا عن الشؤون العربية.. كيف تتابعون الحوار الوطني اليمني الذي وضعت مخرجاته نصوصا موثقة لبناء يمن جديد، وكيف تنظرون إلى رفض القيادي اليمني علي سالم البيض لمخرجات الحوار، واعلان تمسكه بمطلب استعادة دولة الجنوب السابقة؟
- ما من شك أن اليمن يمر بمصاعب كثيرة، وحصلت فيه اخطاء، وتجاوزات، واستئثار من هنا وهناك،واليمنيون يقرون أنفسهم بذلك، بمن فيهم الجنوبيون داخل اليمن بشكل عام، هناك مشاكل ينبغي البحث لها عن حدود، فنحن لسنا في زمن المعجزات، حتى المعجزات التي جاءت في زمن الرسول (صلى الله عليه وسلم) حتى معها كانت هناك في مشاكل«انشقاق القمر، والغمامة»، فهذه اول شيء ان يتحدث اليمنيون عن دولة اتحادية أو فيدرالية ، وقد تكون مخرجاً للجميع، وانا اطلعت على مخرجات الحوار ونصوصه، وهي ايجابية، وقد تكون هى المخرج لليمن الجديد، لان المنطق يقول النظام المركزي في اي دولة او مجتمع بالقوانين التى تدار فيها الدول في ذاك الزمن لم تعد مناسبة له الآن.
لكنّ هناك طرفاً مؤثراً على الساحة اليمنية يرفض الدولة الاتحادية الجديدة ويطالب بعودة دولة الجنوب السابقة؟
- هناك طرف مؤثر او غير مؤثر، هذا الأمر سيكون فيه جدل في اليمن، وهذا من منطق الأشياء، ولكن ما هو الأفضل.. أن يكون عندهم طريق يحسنون الظن فيه أنه سوف يخرجهم إلى بر الأمان أم غير ذلك.
في إطار حديثكم عن بر الأمان ، لماذا أبعدتم القيادي اليمني الجنوبي علي سالم البيض عن سلطنة عمان؟
- نحن ما أبعدناه ، فهو الذي أبعد نفسه، عندما قرر ان يعيش في الخارج، لأنه من المتطلبات لمثل حالته طالما هو ضيف في السلطنة فلا يتدخل في سياسة بلده، لكنه قرر المغادرة بمحض إرادته، ونحن نقدره ونعلم أنه كان نائبا لرئيس الجمهورية، وكان له دوره في وحدة بلده، وله مكانته بين جماعته، لكنهم اختلفوا على موضوع خطير وهو مسألة استمرار الوحدة، ونحن نعتقد ان لكل مرحلة قاعدة من التطور، فهذا النظام الجديد الذي يقوده الرئيس عبدربه منصور هادي هو الاكثر ملاءمة للواقع اليمني الحالي، وأما العودة للماضي فهذا أمر صعب؟
رغم أن العودة إلى الماضي تعد أمرا صعبا.. اسمحوا لي أن أعود معكم وبكم يا ابا محمد إلى الوراء، حيث كنتم واحدا من «ثوار ظفار»،لأسألكم كيف تابعتم الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها عمان، وما موقفكم من ثورات الربيع العربي؟
- «شوف»، هذه ليست لها علاقة بذاك، ونحن لنا خصوصية للعمانيين والحقائق تدل على هذا، وما صار عندنا من مطالبات ما تدخل فيها أحد من الخارج، والحمدلله، لأن العمانيين لا يقبلون بتدخل أحد من الخارج، لا كبير ولا صغير، ولذلك ما مكنا أحداً من التدخل في أمورنا الداخلية، والحمدلله كما ترى الآن، أرضنا تنعم بالأمن والأمان، والاستقرار، وبمشيئة الله لنا ولغيرنا، ولكن الواحد ما يريد أن يتحدث على صفحات «الجرائد»، ولكن الزمن كفيل بأن يكشف عن كل شيء، فما يصير في سوريا وليبيا، ومصر، مفهوم، وقس على ذلك.
بحكم شخصيتك الثورية السابقة، هل كنت تتعاطف مع مطالب العمانيين؟
- المسألة ليست تعاطفاً، هذا بلد، له امتداد في التاريخ، ولذلك تعامل مع هذا الموضوع بامتداده التاريخي ونظرتها للمستقبل، فنحن ليس لدينا أحزاب ولا نظريات.
بعيدا عن النظريات والتنظير.. من الملاحظ يا معالي الوزير ان سلطنة عمان، هي الدولة الوحيدة بين دول مجلس التعاون التي ليس فيها منصب ولي العهد بما يسمح بالانتقال السلس للسلطة، فما سبب ذلك؟.. ألا يشكل هذا الفراغ قلقا للعمانيين، وما الآلية المتبعة لمواجهة التطورات المستقبلية؟
(ينظر لي نظرة ملؤها الثقة بالنفس) ويرد قائلاً:
- هذا السؤال لن أجيب عنه!
الحوار الذي اجراه الصحفي أحمد علي مع الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في صحيفة الوطن القطرية
اضغط علي الصورة حتى تراها باكثر وضوح ...
تعليق