الفضائيّات العربيّة ما لها وما عليها !
لا شكّ و أنّه في عصر إنحسار القراءة و تدنّي سقف المقروئيّة بشكل مذهل في العالم العربي أصبحت الفضائيات العربية تشكّل عاملا بارزا في صناعة الرأي والتوجه الفكري والسياسي للمجتمع العربي , و أصبحت الملقي الوحيد على كمّ هائل من المتلقين بمختلف توجهاتهم ومستوياتهم , و إذا كانت القراءة في وقت سابق تشكّل الجسر الأساس نحو الوعي السياسي والثقافي وحتى الفهم الدقيق لتطورات المجتمع في تفاصيله كافة , فإنّ الفضائيات اليوم و التي دمجت بين الكلمة والصورة باتت المرجع الذي يصيغ الرؤية بإعتبار أنّ المعلومة هي المكوّن الذرّي للفكرة والرأي وقد أصبحت هذه المعلومة تأتي في الغالب عبر القنوات الفضائية , ولا شكّ فإنّ الطلاق البائن بين القراءة و المجتمع العربي يعدّ أهم سبب للتردي الثقافي والقحط الفكري في العالم العربي خصوصا إذا علمنا أنّ القنوات الفضائية في مجملها لا تحمل إستراتيجية معينة للنهوض بالعقل العربي وهي في المطلق خاضعة لدوائر القرار في العواصم العربية في تفاصيلها , إلى درجة أن بعض الفضائيات باتت ضمن اللعبة السياسية و المناورة التكتيكيّة لهذه الدولة وتلك , كما أنّ أغلب هذه القنوات ممولّة من قبل النظام الرسمي أو شخصيات مكلفة من قبل النظام الرسمي بالإشراف على هذه القناة بالوكالة .
ولم تفرض هذه القنوات الفضائية سلطتها على المواطن العربي فتجعله مشدودا إليها في فهم التداعيات والتطورات داخليّا وخارجيّا فحسب , بل حتى أصحاب القرار في العالم العربي باتوا يخطبون ودّ هذه الفضائيات لتمرير تصريحاتهم و آرائهم من خلالها , و أذكر أنني كنت في يوم من الأيّام أحتسي شايا مع مدير إحدى الفضائيات العربية فأتصل به مسؤول عربي كبير وكان راغبا في تمرير تصريح له عبر هذه القناة .
وعلى الرغم من أنّ الفضائيّات العربية ما زالت في بدايتها مقارنة ببعض الفضائيات الغربية العريقة إلاّ أنّ التجربة الضئيلة لهذه الفضائيات العربية تسمح لنا بتقييمها ونقدها في نفس الوقت , وحتى يكون النقد دقيقا والتحليل سليما لابدّ من الملاحظة بأنّ هناك نوعين من الفضائيات العربية فهناك قنوات خبرية متخصصّة على مدار الساعة في بث الخبر وتقوم برامجها على مجموعة برامج سياسية , و هناك قنوات تجمع بين الأخبار والبرامج المنوعة بمختلفها .
وعلى صعيد القنوات الخبرية فما يميزّها أنّها تأسسّت بإرادة عليا و لأسباب سياسية بالدرجة الأولى ولتنفيذ أجندة إقليمية و دولية , وكثير من هذه الفضائيات تأبى الدخول في جدل سياسي حول السياسة الداخلية للدولة التي تموّل هذه القناة , وتكتفي ببثّ الإيجابي من الأخبار التي تتعلق بالدولة الممولّة, فيما الأخبار السلبية لا يسمح لها بالمرور إطلاقا , بالإضافة إلى ذلك فإنّ هذه القنوات محكومة في إيقاعها بالإيقاع الإعلامي الغربي , فبمجرد أن تبث قناة السي ن ن علي سبيل المثال خطابا لبوش في هذا الموقع أو ذاك تقوم هذه القناة بنقل نفس الحدث مع تعريب التعليق , وهكذا دواليك فيما يتعلق بثمانين بالمائة من الأخبار التي تتدفقّ إلى المطبخ التحريري باللغة الإنجليزية , صحيح أنّ بعض القنوات نجحت في صناعة الخبر من خلال مراسلين أكفاء لكن ما زالت قنواتنا الفضائية عاجزة عن تحقيق الإكتفاء الذاتي الخبري , وما زلنا في هذا السيّاق نعيش تبعيّة إخبارية كبيرة جدا , وكثيرا ما يقع التداخل بين النوايا السياسية للدولة الممولة لهذه القناة و المطبخ التحريري حيث يتم فرض هذا الشخص أو ذاك , أو هذا الضيف أو ذاك لحاجة في نفس يعقوب , الأمر الذي يجعل مقولة الإحتراف المهني مجرد غطاء لخروقات عديدة جدا , وعندما باتت بعض القنوات الفضائية مؤثرّة باتت تخضع لضغوطات سياسية محلية ودولية شأنها شأن النظام الرسمي العربي الذي يعيش تحت الضغط دوما , وهذا الأمر إنعكس على المنحنى الأدائي لهذه القناة وتلك .
و مع مرور الأيام وتكاثر الفضائيات باتت معظم الفضائيات متاشبهة في المضمون مختلفة في الشكل , فعناوين البرامج هي هي و الإختلاف في لفظين أو لفظين , وعندما تقوم هذه الفضائية بدعوة زيد من الناس تقوم الفضائية الأخرى بدعوته في اليوم التالي , ويظلّ هذا الإسم يجول بين الفضائيات لمدة شهر , ثم يأتي دور عمرو ليجول هو الأخر على هذه الفضائيات لمدة شهر , وكثير من معدي البرامج وبدل أن يوظفوا عقولهم و يجتهدون في مسألة خلق برامج رائدة , فكل عملهم أن يتسمروا أمام كم هائل من الفضائيات و يشاهدون برامج كل الفضائيات ويعملون على إستنساخها بعنوان جديد و جنريك جديد , وهذا ينطبق حتى على برامج المنوعات حيث الإستنساخ سيد الموقف , و كمثال على ذلك , برنامج الإتجاه المعاكس في قناة الجزيرة والذي يقابله قناة مواجهة في قناة أبي ظبي , و أكثر من رأي في قناة الجزيرة و يقابله تحت الرماد في قناة العالم , أو للنساء فقط ويقابله كلام نواعم في الأم ي سي , أو مراسلو الجزيرة في قناة الجزيرة وبرنامج محطات في قناة العربية , وبالمحصلة يجد المرء وهو يدقق ويمحص البرامج السياسية و الخبرية في مجمل القنوات العربية أنّها واحدة مضمونا وشكلا أحيانا وهذا ما يكرس ثقافة التكرار والإجترار التي جنت على العقل العربي والإسلامي .
والفكرة التي تجدها في هذه القناة هي عينها التي تجدها في تلك القناة , و التحليل الموجود هنا هو عينه الموجود هناك , صحيح أنّ مناهج الدراسات الإعلامية و السياسية تكاد تكون واحدة في العالم العربي , لكن الإعلام هو لعبة الذكاء والعقل أيضا فلابد من الخروج من دائرة النص إلى دائرة الإجتهاد في المجال الإعلامي وهذا لن يتأتى إلاّ بإنتقاء شخصيات إعلامية مقتدرة على صياغة رؤية إعلامية مهما كان توجهها السياسي و الإستعانة بها في هذه الفضائيات بدل الإقتصار على الوساطات والمحسوبيات التي نخرت جسدنا الإعلامي وحالت دون أن تكون لإعلامنا هوية معينة , و الخوف أن تستفيق جماهيرنا العربية على الخديعة الكبرى وتكتشف أنّ هذه الفضائيات تندرج في سياق لعبة سياسية كبيرة لا يفقه الجمهور المتلقي بالتأكيد أبعادها
لا شكّ و أنّه في عصر إنحسار القراءة و تدنّي سقف المقروئيّة بشكل مذهل في العالم العربي أصبحت الفضائيات العربية تشكّل عاملا بارزا في صناعة الرأي والتوجه الفكري والسياسي للمجتمع العربي , و أصبحت الملقي الوحيد على كمّ هائل من المتلقين بمختلف توجهاتهم ومستوياتهم , و إذا كانت القراءة في وقت سابق تشكّل الجسر الأساس نحو الوعي السياسي والثقافي وحتى الفهم الدقيق لتطورات المجتمع في تفاصيله كافة , فإنّ الفضائيات اليوم و التي دمجت بين الكلمة والصورة باتت المرجع الذي يصيغ الرؤية بإعتبار أنّ المعلومة هي المكوّن الذرّي للفكرة والرأي وقد أصبحت هذه المعلومة تأتي في الغالب عبر القنوات الفضائية , ولا شكّ فإنّ الطلاق البائن بين القراءة و المجتمع العربي يعدّ أهم سبب للتردي الثقافي والقحط الفكري في العالم العربي خصوصا إذا علمنا أنّ القنوات الفضائية في مجملها لا تحمل إستراتيجية معينة للنهوض بالعقل العربي وهي في المطلق خاضعة لدوائر القرار في العواصم العربية في تفاصيلها , إلى درجة أن بعض الفضائيات باتت ضمن اللعبة السياسية و المناورة التكتيكيّة لهذه الدولة وتلك , كما أنّ أغلب هذه القنوات ممولّة من قبل النظام الرسمي أو شخصيات مكلفة من قبل النظام الرسمي بالإشراف على هذه القناة بالوكالة .
ولم تفرض هذه القنوات الفضائية سلطتها على المواطن العربي فتجعله مشدودا إليها في فهم التداعيات والتطورات داخليّا وخارجيّا فحسب , بل حتى أصحاب القرار في العالم العربي باتوا يخطبون ودّ هذه الفضائيات لتمرير تصريحاتهم و آرائهم من خلالها , و أذكر أنني كنت في يوم من الأيّام أحتسي شايا مع مدير إحدى الفضائيات العربية فأتصل به مسؤول عربي كبير وكان راغبا في تمرير تصريح له عبر هذه القناة .
وعلى الرغم من أنّ الفضائيّات العربية ما زالت في بدايتها مقارنة ببعض الفضائيات الغربية العريقة إلاّ أنّ التجربة الضئيلة لهذه الفضائيات العربية تسمح لنا بتقييمها ونقدها في نفس الوقت , وحتى يكون النقد دقيقا والتحليل سليما لابدّ من الملاحظة بأنّ هناك نوعين من الفضائيات العربية فهناك قنوات خبرية متخصصّة على مدار الساعة في بث الخبر وتقوم برامجها على مجموعة برامج سياسية , و هناك قنوات تجمع بين الأخبار والبرامج المنوعة بمختلفها .
وعلى صعيد القنوات الخبرية فما يميزّها أنّها تأسسّت بإرادة عليا و لأسباب سياسية بالدرجة الأولى ولتنفيذ أجندة إقليمية و دولية , وكثير من هذه الفضائيات تأبى الدخول في جدل سياسي حول السياسة الداخلية للدولة التي تموّل هذه القناة , وتكتفي ببثّ الإيجابي من الأخبار التي تتعلق بالدولة الممولّة, فيما الأخبار السلبية لا يسمح لها بالمرور إطلاقا , بالإضافة إلى ذلك فإنّ هذه القنوات محكومة في إيقاعها بالإيقاع الإعلامي الغربي , فبمجرد أن تبث قناة السي ن ن علي سبيل المثال خطابا لبوش في هذا الموقع أو ذاك تقوم هذه القناة بنقل نفس الحدث مع تعريب التعليق , وهكذا دواليك فيما يتعلق بثمانين بالمائة من الأخبار التي تتدفقّ إلى المطبخ التحريري باللغة الإنجليزية , صحيح أنّ بعض القنوات نجحت في صناعة الخبر من خلال مراسلين أكفاء لكن ما زالت قنواتنا الفضائية عاجزة عن تحقيق الإكتفاء الذاتي الخبري , وما زلنا في هذا السيّاق نعيش تبعيّة إخبارية كبيرة جدا , وكثيرا ما يقع التداخل بين النوايا السياسية للدولة الممولة لهذه القناة و المطبخ التحريري حيث يتم فرض هذا الشخص أو ذاك , أو هذا الضيف أو ذاك لحاجة في نفس يعقوب , الأمر الذي يجعل مقولة الإحتراف المهني مجرد غطاء لخروقات عديدة جدا , وعندما باتت بعض القنوات الفضائية مؤثرّة باتت تخضع لضغوطات سياسية محلية ودولية شأنها شأن النظام الرسمي العربي الذي يعيش تحت الضغط دوما , وهذا الأمر إنعكس على المنحنى الأدائي لهذه القناة وتلك .
و مع مرور الأيام وتكاثر الفضائيات باتت معظم الفضائيات متاشبهة في المضمون مختلفة في الشكل , فعناوين البرامج هي هي و الإختلاف في لفظين أو لفظين , وعندما تقوم هذه الفضائية بدعوة زيد من الناس تقوم الفضائية الأخرى بدعوته في اليوم التالي , ويظلّ هذا الإسم يجول بين الفضائيات لمدة شهر , ثم يأتي دور عمرو ليجول هو الأخر على هذه الفضائيات لمدة شهر , وكثير من معدي البرامج وبدل أن يوظفوا عقولهم و يجتهدون في مسألة خلق برامج رائدة , فكل عملهم أن يتسمروا أمام كم هائل من الفضائيات و يشاهدون برامج كل الفضائيات ويعملون على إستنساخها بعنوان جديد و جنريك جديد , وهذا ينطبق حتى على برامج المنوعات حيث الإستنساخ سيد الموقف , و كمثال على ذلك , برنامج الإتجاه المعاكس في قناة الجزيرة والذي يقابله قناة مواجهة في قناة أبي ظبي , و أكثر من رأي في قناة الجزيرة و يقابله تحت الرماد في قناة العالم , أو للنساء فقط ويقابله كلام نواعم في الأم ي سي , أو مراسلو الجزيرة في قناة الجزيرة وبرنامج محطات في قناة العربية , وبالمحصلة يجد المرء وهو يدقق ويمحص البرامج السياسية و الخبرية في مجمل القنوات العربية أنّها واحدة مضمونا وشكلا أحيانا وهذا ما يكرس ثقافة التكرار والإجترار التي جنت على العقل العربي والإسلامي .
والفكرة التي تجدها في هذه القناة هي عينها التي تجدها في تلك القناة , و التحليل الموجود هنا هو عينه الموجود هناك , صحيح أنّ مناهج الدراسات الإعلامية و السياسية تكاد تكون واحدة في العالم العربي , لكن الإعلام هو لعبة الذكاء والعقل أيضا فلابد من الخروج من دائرة النص إلى دائرة الإجتهاد في المجال الإعلامي وهذا لن يتأتى إلاّ بإنتقاء شخصيات إعلامية مقتدرة على صياغة رؤية إعلامية مهما كان توجهها السياسي و الإستعانة بها في هذه الفضائيات بدل الإقتصار على الوساطات والمحسوبيات التي نخرت جسدنا الإعلامي وحالت دون أن تكون لإعلامنا هوية معينة , و الخوف أن تستفيق جماهيرنا العربية على الخديعة الكبرى وتكتشف أنّ هذه الفضائيات تندرج في سياق لعبة سياسية كبيرة لا يفقه الجمهور المتلقي بالتأكيد أبعادها
تعليق