توفي، مساء أمس، في عمان، الدكتور جورج حبش الأمين العام السابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين نتيجة متاعب صحية أعقبت عملية جراحية أجراها في مستشفى الأردن عن عمر يناهز 83 عاماً ورحلة طويلة مع النضال والمرض. وكان الدكتور حبش دخل المستشفى في 19 الشهر الجاري إثر تقلص حاد في عضلة القلب، وأجريت له عملية توسعة للشرايين بالبالون وزراعة شبكتين، إلا أنه ونتيجة ضعف عضلة القلب حدثت الوفاة بسبب مضاعفات هبوط في القلب وفق ما صرح به طبيبه المعالج الدكتور حران زريقات إلى "المستقبل".
ومن المقرر أن يدفن حبش في عمان، وذلك حال التئام شمل أسرته التي ستحضر لتوديع جثمانه.
ينظر لحبش كأحد أبرز القادة الفلسطينيين وتحظى شخصيته باحترام كبير في الأوساط الفلسطينية والعربية، ويكاد يجمع الفلسطينيون على تلقيبه بالحكيم تقديراً لدوره في النضال من أجل القضية الفلسطينية منذ 1948.
أثناء دراسة حبش للطب في الجامعة الأميركية في بيروت أعلن ديفيد بن غوريون قيام دولة إسرائيل، ومنذ ذلك اليوم تحولت اهتماماته القومية إلى عقيدة سياسية دفعته بعد ذلك بسنوات لاعتزال مهنة الطب والتفرغ للعمل السياسي، وتحول اسمه إلى أحد الأسماء التاريخية في السياسة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين.
ولد في مدينة اللد في آب 1925 لأب ثري يعمل في مجال التجارة وفي أسرة من سبعة أبناء، وتوجه إلى بيروت سنة 1944 ليلتقي فيها مع الفكر القومي العربي الذي شكل أول روافده الفكرية ومرجعيته السياسية. بعد النكبة وتحول أسرته إلى لاجئين، توجه حبش بعد انتهائه من دراسته الجامعية إلى عمان ليعمل على إنشاء عيادته الخاصة في 1952 ويطلق في السنة نفسها نواة لحركة القوميين العرب في الأردن، حيث استخدم العيادة التي كان يقدم خدماتها بالمجان لأبناء المخيمات الفلسطينية منبراً لأفكاره السياسية.
ولكن التجربة لم تستمر طويلا فانتقل إلى سوريا التي شهدت سيادة المد القومي في تلك السنوات، ونتيجة لعلاقاته المتميزة مع المصريين والسوريين، تمكن حبش من استغلال لحظة الاحتشاد المعنوي التي أسفرت عنها الوحدة بين القطرين في 1958 ليعزز من مواقعه في السياسة، إلا أن هذه التجربة تحديداً أدت لاحقاً الى خروجه من حركة القوميين العرب، ولحظة الانفصال تحول جورج حبش إلى مطارد من القادة الانفصاليين في سوريا وصدر بحقه حكم بالإعدام في 1961.
اضطر نتيجة الأوضاع الساخنة في المنطقة والتجاذبات في النفوذ الإقليمي بين الدول العربية للسفر إلى بيروت، ومن هناك عاد إلى تنظيم أفكاره ورؤاه بخصوص حركة ثورية فلسطينية، ولكن نكسة 1967 دفعت به للدخول في المواجهة من جديد، ونتيجة لتزعزع يقينه بالأداء العملي للنظرية القومية العربية، تبنى مع فريق كبير من المناضلين في حركة القوميين العرب الأفكار الماركسية اللينينة، وتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في نهاية 1967، ليتعرض بعدها للاعتقال في سوريا ويتم تهريبه منها إلى الأردن سنة 1969، ولكن اندفاعه الثوري ورهاناته على القوى العالمية ورغبته بدمج حركته في إطار الحركة الشيوعية العالمية بالإضافة إلى قيام بعض القوى المتطرفة في الجبهة بتوريط الحركة في عمليات اتسمت بالعنف و أثرت على مكانة الجبهة وخياراتها، دفعته إلى الخروج من الأردن والعودة إلى لبنان مجدداً.
وجورج حبش الذي أطلق عليه مريدوه من أنصار الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لقب "الحكيم" الذي تحول إلى لقب معترف به بين الفلسطينيين مهما اختلفوا مع آرائه أو وقفوا في وجهها، لم يكن بوسعه أن يتجاوز محطة الحرب الأهلية في لبنان 1975 حيث تحول إلى طرف في هذه الحرب ليخرج بعد ذلك مع القوات الفلسطينية التي غادرت بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في 1982 إلى دمشق، مؤكداً تمسكه بخيار المقاومة كحل للقضية الفلسطينية، وبهذا الموقف تشبث الحكيم طيلة الفترات اللاحقة.
سنة 1990 عاد حبش إلى عمان ليستقر فيها حتى وفاته في ضيافة المملكة الأردنية الهاشمية، وتدخل لمصلحته الراحل الملك الحسين ليضغط على الفرنسيين لكي يعيدوه الى الأردن بعد قيام وحدة مكافحة الإرهاب باعتقاله أثناء زيارة علاجية لباريس في سنة 1982. وبعد اتفاقية أوسلو 1993 لم يتخذ حبش موقفاً سلبياً تجاه السلام، ولكنه اشترط لعودته إلى فلسطين عودة جميع اللاجئين أولاً. بقي في الأردن أميناً عاماً للجبهة الشعبية حتى عام 2000 حيث تقدم باستقالته من منصب الأمين العام ليبقى بمثابة الأب الروحي لجميع كوادر الحركة التي مرت بظروف صعبة في السنوات الأخيرة.
رحلة حبش مع المرض بدأت في 1967 حيث أصيب بأول جلطة في القلب وتواصلت متاعبه الصحية لأكثر من ثلاثين عاماً، ولكن تشبثه بالمقاومة في مجال النضال السياسي ألهمه التشبث بالمقاومة في رحلة المرض، حتى كانت أيامه الأخيرة.
على إثر إعلان وفاة جورج حبش أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس الحداد وتنكيس الأعلام لمدة ثلاثة أيام بما يليق بهذا "القائد التاريخي" ودوره في المقاومة الفلسطينية والنضال التحرري العربي، كما أعلن أنه سيتلقى التعازي في الحكيم اعتباراً من اليوم في مقر المقاطعة برام الله.
تعليق