إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

التحولات القادمة في بنية النظام الجيوسياسي العالمي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التحولات القادمة في بنية النظام الجيوسياسي العالمي

    في الفضاء , الكل يدور حول الشمس , فهي المحور الكوني الذي تدور حوله الأفلاك السيارة , فيما يعرف بالنظام الشمسي , بداية من أقربها إلى ذلك المحور - أي - عطارد , الى أبعدها عنه - أي - زينا " Xena " , أما على الأرض , فقد عرف العالم أكثر من نظام محوري دولي او بدائل للاستقطاب كما يحلو للبعض تسميتها , منها ما كان أحادي القطب كما هو الحال مع الولايات المتحدة الأميركية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي على سبيل المثال , والآخر ثنائي القطب كما حصل ذلك أثناء تقاسم الهيمنة والسيادة الدولية بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأميركية , ومنها ما أطلق عليه بالتعددية القطبية , كما حدث ذلك على سبيل المثال لا الحصر خلال حكم لويس الرابع عشر , حيث تمخض الخوف من هيمنة فرنسا في ذلك الوقت , الى نشوء تحالفات احتواء مناوئ لها ضم كلا من بريطانيا وهولندا واسبانيا , وأخيرا نظام حكم الكثرة او البولياركي " Polyarchy " , وهو النظام الذي نتوقع أن يبرز كسمة رئيسية تتحكم في بناء المنظومة الجيوبوليتيكية والجيواستراتيجية للقرن الحادي والعشرين.
    وحتى نقرب الصورة المعنية بشكل أوضح , سنحاول طرح هذا السؤال , وهو ماذا سيحدث للمنظومة الشمسية في حال قلت أو زادت جاذبية " المحور " - أي - الشمس في يوم من الأيام ؟ والجواب الذي حصلنا عليه من خلال نموذج الأرض , هو كالتالي: أن الأرض تقع على مسافة محكمة وبحسابات ربانية دقيقة , وهو ما يلعب دورا مهما في ضبط كمية الطاقة الشمسية الواصلة إلى كل جزء من أجزاءالأرض , وهذا على وجه التحديد ما يجعلها صالحة للحياة , وبالطبع فان هذا النظام ناتج ( الاتزان الدقيق بين كل من القوة الطاردة‏ " ‏النابذة‏ ‏" المركزية التي دفعت بالأرض إلى خارج نطاق الشمس وشدة جاذبية الشمس لها ‏، ولو أختل هذا الاتزان بأقل قدر ممكن فإنه سيعرض الأرض إما للابتلاع بواسطة الشمس حيث درجة حرارة قلبها تزيد عن خمسة عشر مليونا من الدرجات المطلقة‏ ،‏ أو تعرضها للانفلات من عقال جاذبية الشمس فتضيع في فسحة الكون المترامية , فتتجمد بمن عليها وما عليها ‏،‏ أو تحرق بواسطة الأشعة الكونية‏ ،‏ أو تصطدم بجرم آخر‏،‏ أو تبتلع بواسطة نجم من النجوم ) , وهو الحال نفسه مع بقية المنظومة.
    وهذا بصورة تقريبية , ما يجب أن تتسم به الأنظمة المحورية الدولية في نظامنا الأرضي , فهي من الضروري أن تملك ذلك الاتزان الدقيق بين كل من القوة الطاردة المركزية المتمثلة في السياسة الصلبة , او القوة العسكرية والسياسية , وشدة الجذب المتمثل في السياسة الطرية الناعمة , ولنتصور على سبيل التشبيه التقريبي أن الولايات المتحدة الأميركية هي كالشمس التي تدور في فلك هيمنتها جل دول العالم اليوم , أكان ذلك بشكل مباشر او غير مباشر , ماذا لو اختل ذلك التوازن المطلوب ما بين القوتين ؟ (فالقوتان الصلبة والناعمة مترابطتان لأنهما معا من جوانب قدرة المرء على تحقيق أغراضه بالتأثير على سلوك الآخرين , وما يميز بينهما هو الدرجة في طبيعة السلوك , وفي كون الموارد ملموسة , فالقوة الآمرة , - أي القدرة على تغيير ما يفعله الآخرون - يمكن أن تتركز على الإرغام او على الإغراء , أما قوة التعاون الطوعي - أي القدرة على تشكيل ما يريده الآخرون - فيمكن أن ترتكز على جاذبية ثقافة المرء وقيمه او مقدرته على التلاعب بجدول أعمال الخيارات السياسية بطريقة تجعل الآخرين يعجزون عن التعبير عن بعض التفضيلات : لأنها تبدو بعيدة عن الواقع أكثر من اللازم).
    والحقيقة أن الولايات المتحدة الأميركية قد بدأت تفقد بطريقة او بأخرى تلك القدرة على التوازن بين قوتها الناعمة الطرية وسياساتها الصلبة , - وللأسف - فإن ذلك الخلل في نظام الجاذبية المحورية للقطب المهيمن - أي - الولايات المتحدة الأميركية , لم يكن على حساب القوة الصلبة , ولصالح القوة الطرية الناعمة , بل على العكس من ذلك , مما اضعف هذه الأخيرة لحساب قوتها الطاردة المركزية , ومكن ما حولها من الأجرام من الإفلات من عقال جاذبيتها لأسباب مختلفة , والدليل واضح بشكل لافت للعيان على ذلك في عدد من الأمثلة , أبرزها على الإطلاق من الناحية الجيواستراتيجية , عودة روسيا والصين من جديد الى الواجهة الدولية كقوة منافسة بعد سنوات من الترهل والتبعية الغير مباشرة للقطب الأميركي , هذا بالإضافة الى ظهور بعض جيوب التمرد والتنمر وإعلان حالة العصيان السياسي , من قبل بعض دول العالم كما هو حاصل اليوم مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وكوريا الشمالية وبعض دول أميركا الجنوبية على سبيل المثال لا الحصر , أما من الناحية الاقتصادية فقد آن للاقتصاد الأميركي أن يتراجع أمام بعض الاقتصاديات الدولية النامية كالصين واليابان , هذا من جهة , أما من جهة أخرى , فقد بدا العالم يشاهد بعض مظاهر الشيخوخة المبكرة على هيكلية البناء الجيوبوليتيكي للولايات المتحدة الأميركية , وذلك من خلال صور التسرع وضعف السيطرة على قراراتها الدولية , وغيرها من صور التراجع الجيوبوليتيكي الأميركي.
    وبناء على ذلك التصور , فان الجغرافية السياسية للقرن الحادي والعشرون ستشهد حالة فريدة جدا من نوعها , ستتشكل من خلال تراجع دور السيادة الأميركية ولكن ليس نهايتها , وبروز الصين وروسيا كقوى موازنة لتلك الهيمنة , وتشكل تحالفات دولية " عسكرية واقتصادية " جديدة على وجه التحديد في مختلف أنحاء العالم , وخصوصا تلك المعنية بالروابط والمصالح الخاصة العابرة للحدود القومية , - وبمعنى آخر - ستتلاشى دور المحورية او المركزية القطبية خلال القرن الحادي والعشرون , وذلك على حساب نظام حكم الكثرة او البولياركي " Polyarchy " , وهو نظام يمثل( طيفا واسعا متباين الألوان من التحالفات وعلاقات الخصومة المتشكلة حول مئات القضايا والمشكلات: التشريعية منها والإقليمية , وعلى مختلف الأصعدة الاقتصادية والبيئية والثقافية والأخلاقية , ويبقى مفتقرا إلى نوع من محور التعاون والصراع المهيمن مع امتلاكه لعدد من جيوب النظام العالمية والإقليمية والمتخصصة وظيفيا , بعضها مفروض عنوة وبعضها الآخر طوعي ) بحسب تعريف أستاذ التعاون الدولي في قسم العلوم السياسية بجامعة برانديز , سيوم براون , ولمزيد من الاطلاع : انظر مقالنا " الوحوش الرقمية ونشوء نظرية اللامركزية الكونية والحتمية التاريخية للصراع الجيواستراتيجي على العالم والفوضى القادمة في السياسات العسكرية ".
    وختاما فإن التحولات القادمة في بنية النظام الجيوسياسي العالمي خلال القرن الحادي والعشرون , ستتشكل بطريقة متسارعة جدا , بحيث أن العالم سيشهد إرهاصاتها خلال السنوات الأولى من العقد القادم , وسيغلب عليها في كثير الأحيان طابع الفوضى والانفلات وتبعثر السلطة على مختلف الأصعدة والجوانب السياسية منها والاقتصادية والعسكرية ... الخ , كما ستبرز من جديد ظاهرة التحالفات المقنعة , وقد بدا ذلك بالفعل في التشكل مع انهيار برجي التجارة العالميين بالولايات المتحدة الأميركية بتاريخ 11 / 9 / 2001 م , وربما قبل ذلك , وها نحن اليوم لا نزال بعد لم نعبر العقد الأول منه , ونلاحظ تلك العوامل سالفة الذكر قد بدأت بالبروز والتشكل بطريقة تؤكد ذلك المسار , بداية من ارتفاع أسعار النفط الى درجة لم يشهدها العالم من قبل , وانتشار ظاهرة الإرهاب والعنف والفوضى العسكرية والتسلح العالمي بطريقة خطيرة ومخيفة , وتراجع دور الهيمنة الأميركية ومكانتها في العالم , مما ينبأ بانفلات النظام العالمي من عقال المركزية الأميركية , وتبعثره بين القوى الناشئة , وما أكثرها خلال هذا القرن , وهذا ما سيجعل من القرن الحادي والعشرين القرن الذي ستشهد البشرية من خلاله أشرس الحروب الكونية , والصراعات الدولية , التي لا مفر من استخدام الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية فيها

  • #2
    الأستاذ / محمد سعيد الفطيسي

    شكرا لك على هذا المقال التحليلي بامتياز..

    ان التحولات التي تحدث في العالم تؤثر على بعض التحالفات القديمة او تشكل تحالفات جديدة تكون ضمن محور معين وذو هدف واحد..

    احترامي لك وتقديري
    وطنـي لو شُغِلْتُ بالخلدِ عنه
    نازَعَتني إليه في الخُلدِ نفسي

    تعليق


    • #3
      الإستاذ محمد سعيد الفطيسي: أهلاً بك إستاذنا، وأهلاً بمقالك الهادف.

      أتفق معك في أشكال الهيمنة التي مارستها الدول العظمى، وما زالت تمارسها بحكم القوة والرغبة في السيطرة على العالم والتحكم في مجرياته حسب أهواء ورغبات هذه القوى العظمى. ومن هذه الأشكال والتي لا تخفى على أي باحث أو مؤرخ أو متابع لما يجري ما يعرف بالتعددية القطبية أو ثنائية القطب أو أحادية القطب.

      وجميع هذه الأشكال من الهيمنة جاءت نتيجة التنافس في السيطرة والنفوذ بين الدول العظمى، إلى أن أصبحت تنحصر بين دولتين عظميين هما القطب السوفييتي يقابله القطب الإمريكي، الدولتان المهيمنتان على مجرى السياسة الدولية. صحيح إن التنافس على النفوذ والسيطرة أدى إلى قيام حرب باردة بين معسكريهما إلا أن هذه الحرب قد خلقت جواً من التوازن بين القوى.

      لكن ثنائية القطب هذه لم تدم طويلاً، إذ سرعان ما إنهار القطب السوفييتي، تاركاً العالم في مصير قطب واحد يسعى إلى بسط النفوذ والسيطرة وإرغام الدول في الإنضمام إلى تحالفه. هذا القطب القوي هي الولايات المتحدة الإمريكية القوة العظمى التي لا تضاهيها أي قوة في وجه الأرض. فقد نادى زعمائها بسياسة القطب الواحد إثر إنهيار الإتحاد السوفييتي في بداية التسعينات. فأخذت الولايات المتحدة الإمريكية في بسط نفوذها وسيطرتها على دول كثيرة بمختلف الطرق سواء كانت بالمعونات الإقتصادية أو بالتحالف أو بحماية الأمن الإقليمي لهذه الدول.

      ولكن في المقابل فإن هناك دول تأبى الرضوخ والإستسلام للهيمنة الإمريكية، وترفض السير في فلك هذه السياسة وفي هذا التحالف مع القطب الإمريكي الساعي إلى فرض نفوذه وسيطرته على غيره، والمتجاهل لحق الشعوب في تقرير مصيرها وحريتها وإستقلالها وسيادتها. لذلك تسعى الولايات المتحدة إلى محاربة هذه الدول بشتى الطرق: بقطع العلاقات الدبلوماسية أو بقطع المعونات الإقتصادية أو بفرض عقوبات إقتصادية على هذه الدول بالضغط عليها. وإعتبرت عدة دول منها إيران وسوريا وكوريا الشمالية والعراق وليبيا وأفغانستان كمحور شر وداعم للإرهاب، وإستطاعت من إسقاط بعض أنظمة بعض الدول كأفغانستان والعراق بحجة محاربة الإرهاب وإحلال الديمقراطية بين شعوب هذه الدول، وتصالحت مع البعض كليبيا وكوريا الشمالية، والبعض ما زال ينتظر دوره كإيران وسوريا.

      إنه من غير المنطقي ومن غير الأخلاقي أن تقوم دولة واحدة وتفرض نفوذها وسيطرتها على شعوب ودول العام، فالدول والشعوب من حقها أن تعيش حرة ومستقلة وتنعم بخيراتها ومواردها دون تدخل أجنبي. ولقد أضاعت هذه الهيمنة الإمريكية على العرب الكثير من الفرص كان بمقدورهم إستعادة الأرض الفلسطينية وردع إسرائيلي لولا إستخدام حق النقض الفيتو من قبل إمريكا، فإمريكا هي الحليف القوي الداعم والملتزم بضمان أمن إسرائيل.

      شكراً لك مجدداً الإستاذ الفطيسي على هذا المقال الرائع،،،

      وإلى لقاء.
      ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك


      زورونا في سلسلة ( إقرأ معي )

      الكتاب الأول

      تعليق


      • #4
        لقد بدا ذلك بالتحقق 0000
        وما يحدث هذه الايام بين روسيا وجورجيا ليس اكثر من فتيل لتلك التحولات المتسارعة

        تعليق

        يعمل...
        X