حرب القوقاز كما يحلو للبعض تسميتها، حلقة لا أكثر في سلسلة طويلة متصلة ستكتمل بها ملامح الوجه القاتم للقرن الحادي والعشرين، بداية بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومرورا بأحداث أفغانستان والعراق، وليس انتهاء بما يحدث وسيحدث اليوم وغدا من أحداث خطيرة في كل مكان من العالم، مؤكدة ما سبق واشرنا إليه من نظرة مستقبلية لحتمية الصراع التاريخي على الهيمنة والسيادة الدولية، وذلك لتشكيل البناء الايديوبوليتيكي للقرن الحادي والعشرين، والذي بدوره سيكون المحرك التوربيني المستقبلي للهيمنة الجيواستراتيجية على العالم، وهو أمر يحدث في اغلب الأحيان مع مراحل الالتقاء والافتراق الزمني للتاريخ، وذلك بهدف تشكيل معالم خارطة المرحلة القادمة لعوالم ما بعد الفوضى السياسية، الناتجة عن ذلك الشرخ الزمني في حركة التاريخ السياسي، مؤكدين على أن ما يحدث اليوم على الصعيد الدولي, هو نتاج طبيعي لصراعات الهيمنة العالمية، والتي لابد أن تحدث لتوطيد أسس الاستقرار فيما بعد، وذلك لنيل المكانة الرئيسية والقيادية على مسرح السياسة الدولية خلال هذا القرن.
وتعد جغرافية منطقة القوقاز، وهي المنطقة الجبلية الواقعة بين بحر قزوين والبحر الأسود، وتقسمها جبال القوقاز وتتشارك فيها الجمهوريات الجنوبية لروسيا وجورجيا وأرمينيا وأذربيجان، واحدة من أهم مناطق التنافس الجيواستراتيجي خلال القرن المنصرم وبالطبع القرن الحالي، وذلك لما تمثله من أهمية بالغة لكلا القوتين الروسية والأميركية، وغيرها من القوى الراغبة في الهيمنة، وتتشارك معها تلك الأهمية الجيواستراتيجية خلال هذا القرن، كل من شبه جزيرة البلقان وهي منطقة تاريخية جغرافية تقع في الجزء الجنوبي الشرقي لقارة أوروبا، وتضم كلا من ألبانيا وكوسوفو وبلغاريا وصربيا والجبل الأسود والبوسنة والهرسك وكرواتيا ومقدونيا واليونان والجزء الأوروبي من تركيا، ويعتبر البعض كلا من رومانيا وسلوفينيا ومولدافيا من مجموعة دول البلقان بالرغم من عدم وقوعها في شبه الجزيرة بسبب روابطهما التاريخية والسياسية مع الإقليم، كذلك القارة الآسيوية وعلى وجه التحديد منطقة الشرق الأوسط النفطية.
وقد تناولنا في أطروحات سابقة الأهمية الجيواستراتيجية والجيوبوليتيكية للقارة الآسيوية، والتي تعتبر من نواح عديدة الطريق السهل والسريع للتربع على دفة السيادة العالمية، نظرا لما تملكه من مقومات جيواستراتيجية وجيوبولوتيكية تؤهلها لتكون الكنز الضائع للعديد من الطامحين للوصول الى دفة الهيمنة الدولية والسيادة على العالم خلال القرن الحادي والعشرين - انظر لنا دراسة الامبراطورية الاميركية واستراتيجية السيطرة على النفط الآسيوي، أما منطقة القوقاز وهي المعنية من خلال هذا الطرح، فتعد أهميتها المستقبلية بالغة وخطيرة ليس لروسيا وأميركيا فقط، بل هناك دول أخرى تتشارك معها ذلك الهاجس الجيواستراتيجي والجيوبوليتيكي، كإيران وتركيا على سبيل المثال لا الحصر، وتبرز خطورة وأهمية هذه البقعة من العالم بالنسبة لتلك الدول وغيرها، من خلال جغرافيتها المميزة، والتي تفصل بين قارتي أوروبا واسيا، وكذلك مكانتها الاستراتيجية الحساسة، والديموجرافية الأثنية العرقية المتنوعة، وكأرض لعدد من الصراعات والحروب التنافسية على الهيمنة بين امبراطوريات الثلاث العثمانية والفارسية والروسية، والتي أسفرت عما يسمى حروب القوقاز في القرن التاسع عشر.
ومن ذلك المنطلق وغيره فقد اعتبرت منطقة القوقاز بقعة مهمة للغاية لفرض الهيمنة على خارطة الشطرنج الدولية منذ قرون خلت لعدد من الامبراطوريات، وزادت أهميتها الجيواستراتيجية بظهور المتناطحين الكبار من جديد خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين - أي - روسيا والولايات المتحدة الاميركية، وعليه فإن منطقة القوقاز ستمثل خلال السنوات القليلة القادمة احد أهم بيادق اللعبة العالمية للهيمنة والسيادة الجيواستراتيجية والجيوبوليتيكة على العالم.
فأما بالنسبة لروسيا فتعد هذه المنطقة ذات أهمية بالغة كونها تمثل البعد القومي والجغرافي للامتداد السوفيتي السابق، والذي تعتبر روسيا اليوم الوريث الشرعي له، كذلك تعد منطقة القوقاز بالنسبة لروسيا قنطرة عبور للوصول إلى مياه المحيط الهندي، وخصوصا مع (الحرمان الروسي من النوافذ الساحلية التي فقدتها مع استقلال أوكرانيا وجورجيا وأذربيجان وأرمينيا، فإن روسيا غير مستعدة للتضحية بأي قدم بحري، حتى ولو كان على بحر مغلق كبحر قزوين، ولجمهورية فقيرة مثل جمهورية داغستان)، كذلك فإن لمنطقة القوقاز أهمية اقتصادية بالنسبة لروسيا لا تقل أهمية عن البعد القومي والجغرافي، وتتمثل من خلال محاولات السيطرة على منطقة بحر قزوين، (فتدفق النفط في منطقة بحر قزوين يجعل روسيا مستعدة - في سبيل إبقاء الأراضي في الجنوب كافة تحت سيطرتها- لدفع "أي ثمن"، خاصة في ظل التوغل الأميركي - الأوروبي في القوقاز وآسيا الوسطى، تحت عباءة شركات الاستثمار البترولية).
كذلك فإن روسيا التي عادت إلى الحياة من جديد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق, وبدأت بشكل قوي وصحيح لإعادة مكانتها الدولية على خارطة الشطرنج العالمية، لن ترضى مطلقا احتواءها من قبل خصمها التقليدي - أي - الولايات المتحدة الاميركية من خلال بعض دول القوقاز المنجذبة للقطب الاميركي، والنافرة من البيت الروسي كجورجيا وأرمينيا وأذربيجان، كما أنها لن تتنازل مطلقا عن نفوذها الاستعماري القيصري الذي امتد لحوالي الثلاثمائة سنة في القوقاز واسيا الوسطى بكل سهولة لخصم تعده العدو الأكبر لنفوذها الجيواستراتيجي العالمي، كما أن روسيا لن تسكت أبدا على التوجه الموالي للغرب في الاقتصاد، والموقف الانتقادي الفظ فيما يتصل بمعاهدات التكامل مع كومنولث الدول المستقلة من قبل بعض أطرافها النافرة كما فعلت أوزبكستان و كازاخستان وتركمانستان على سبيل المثال لا الحصر, إذا ما أرادت الاستمرار في خططها الرامية لاستعادة مكانتها الدولية من جديد، فذلك يمثل تهديدا خطيرا لأمنها القومي وطموحاتها المستقبلية، ويزيد مخاطر الطوق الاميركي عليها في المستقبل.
وقد لاحظ الكثير من المراقبين الدوليين، وخصوصا خلال السنوات 2004 - 2008، أن الولايات المتحدة الاميركية تتوجه بشكل واضح ومباشر في خططها المستقبلية، نحو احتواء الدب الروسي من جديد، بالرغم من نفيها القاطع لذلك التوجه في أكثر من مرة، وقد اعتبرت روسيا خطط الولايات المتحدة الاميركية لنصب الدرع الصاروخي الأميركي في شرقي أوروبا، ورفض انضمامها الى منظمة التجارة العالمية، والمحاولات الاميركية المتكررة لاقتصاص ريش الهيمنة والنفوذ السوفيتي السابق والروسي اليوم من أجنحتها الجيواستراتيجية وخصوصا في منطقة القوقاز والدول السوفيتية المستقلة، واحدة من تلك الخطط العدوانية الرامية لتهديد أمنها القومي واحتواء قوتها وتطويق نفوذها .
أما بالنسبة للولايات المتحدة الاميركية وباختصار شديد، فان منطقة القوقاز وخصوصا بعد عودة الامبراطورية الروسية الى الواجهة منذ العام 2001 وحتى اليوم " عهد روسيا بوتين - ميدفيديف "، وارتفاع أسعار النفط، والإحساس الاميركي بانسلال الهيمنة العالمية من بين أصابعها على حساب نظام الكثرة، او البولياركي خلال القرن الحادي والعشرين، فهي تطمح للسيطرة على هذه المنطقة بهدف إحكام الطوق على روسيا لجعلها تختنق بأنفاسها داخل حدودها، هذا من جهة، أما من جهة أخرى فإنها تسعى لتسهيل سيطرتها على نفط آسيا الوسطى- بحر قزوين، - انظر، جلسات مجلس النواب الاميركي التي تناولت المصالح الاميركية في جمهوريات آسيا الوسطى، لجنة فرعية عن آسيا والمحيط الهادي، لجنة البيت الأبيض للعلاقات الدولية، واشنطن 12 فبراير 1998م -، وقد اقر الكونجرس السادس بعد المائة مرسوم استراتيجية طريق الحرير في العام 1999 م، وذلك بهدف تعديل المساعدة الخارجية الصادر في العام 1961 م للاستحواذ على دعم يخدم الاستقلال الاقتصادي والسياسي لبلدان جنوب القوقاز واسيا الوسطى .
وفي مقال نشرته صحيفة صنداي تلجراف، كتب الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن إدوارد لوتواك مقال قال فيه : (إن لدى الاتحاد الروسي كل المقومات التي تجعل منه قوة عظمى وهي نخبة حاكمة مصممة، وترسانة نووية ضخمة، وقوات مسلحة كافية جرى الآن تحديثها، وجهاز مخابرات أعيد إحياؤه، وأضاف أن عودة روسيا لممارسة القواعد الخطرة لسياسات القوى العظمى ترغم كل الدول الأخرى على تغيير سلوكها, مشيرا إلى أن من سوء الطالع أن هذه ليست لعبة، والمشاركة فيها ليست طوعية, ومضى إلى القول إن القرار الروسي القاضي بنبذ "القوة الناعمة" لصالح القوة العسكرية الباطشة سيكون له تأثير مباشر على أوروبا وذراعها العسكري المتمثل في حلف الناتو) وهذا ما يؤكد المخاوف الاميركية المتكررة، والتي تدفعها لإحكام السيطرة على الامبراطورية الروسية بشكل او بآخر.
المهم في الأمر ان حرب القوقاز وان هدأت قليلا، بإعلان الرئيس الروسي الانسحاب غير الكامل لقواته من جورجيا، إلا أنها لم تنته فعليا بعد، - وبتصوري الشخصي - فإنها لن تنهي أبدا، فهي مجرد معركة في حرب القرن بين النسر الاميركي والدب الروسي، كذلك فان امتدادات هذه الحرب وما خلفته وراءها من انعكاسات سلبية، على عدد من الجوانب في العلاقة بين روسيا وأميركيا من جهة، وروسيا وأوروبا من جهة أخرى، ستؤثر في تطور مراحل الصراع وسرعته خلال السنوات القليلة القادمة، مما ينبئ بتصعيد خطير بين الامبراطوريتين المتنافستين، وشرخ اكبر في العلاقات الدولية، وهذا يعني بكلمات أخرى، أن حرب أوسيتيا الجنوبية " ليست عبثاً لا طائل تحته"، كما قالت "فايننشيال تايمز"، بل هي في الواقع (شجرة تختفي وراءها غابة كاملة من مشاريع الحروب والمجابهات.. وبالطبع المؤامرات) المستقبلية المخيفة، وهو ما سيتأكد للعالم قبل انقضاء العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وختاما فإن الفترة من 2009 - 2010 ستحدد ملامح العلاقة بين الولايات المتحدة الاميركية وروسيا خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، ومنها الى ملامح الصراع الجيواستراتيجي للهيمنة على العالم خلال القرن بأكمله، والذي ستفعل صورته من خلال العوامل التالية :- استمرار الولايات المتحدة الاميركية في تحدي الرغبة الروسية وتهديد أمنها القومي، والإصرار المتكرر لرفض عضويتها في منظمة التجارة العالمية، واحتمال تقليص العلاقة الروسية مع حلف شمال الأطلسي بسبب أحداث أوسيتيا وجورجيا وامتداداتها، وردود الأفعال الروسية على الدرع الصاروخي الاميركي في شرق أوربا، وتفعيل التهديد الروسي النووي لبولندا، ومن سيتبعها من حلفاء الولايات المتحدة الاميركية بسبب نشر بطاريات الدفاع والهجوم المشترك، والذي يضع مصداقيتها وصحة تهديداتها المستقبلية في موقف لا تحسد عليه، وتصميم الإقليمين الانفصاليين " أبخازيا واوسيتيا الجنوبية على الانفصال عن جورجيا، وانضمام أوكرانيا وجورجيا لحلف شمال الأطلسي، كذلك من خلال التوجهات الاميركية الروسية نحو سباق تسلح عالمي خطير غير مسبوق، لذا فان الشهور القادمة ستكون حافلة بالأحداث الخطيرة والمتغيرات المتسارعة، والتي تنبئ بحرب باردة جديدة لا محالة منها، مهما حاول العديد من الأطراف الدولية نفي ذلك او حيلولة دونه.
وتعد جغرافية منطقة القوقاز، وهي المنطقة الجبلية الواقعة بين بحر قزوين والبحر الأسود، وتقسمها جبال القوقاز وتتشارك فيها الجمهوريات الجنوبية لروسيا وجورجيا وأرمينيا وأذربيجان، واحدة من أهم مناطق التنافس الجيواستراتيجي خلال القرن المنصرم وبالطبع القرن الحالي، وذلك لما تمثله من أهمية بالغة لكلا القوتين الروسية والأميركية، وغيرها من القوى الراغبة في الهيمنة، وتتشارك معها تلك الأهمية الجيواستراتيجية خلال هذا القرن، كل من شبه جزيرة البلقان وهي منطقة تاريخية جغرافية تقع في الجزء الجنوبي الشرقي لقارة أوروبا، وتضم كلا من ألبانيا وكوسوفو وبلغاريا وصربيا والجبل الأسود والبوسنة والهرسك وكرواتيا ومقدونيا واليونان والجزء الأوروبي من تركيا، ويعتبر البعض كلا من رومانيا وسلوفينيا ومولدافيا من مجموعة دول البلقان بالرغم من عدم وقوعها في شبه الجزيرة بسبب روابطهما التاريخية والسياسية مع الإقليم، كذلك القارة الآسيوية وعلى وجه التحديد منطقة الشرق الأوسط النفطية.
وقد تناولنا في أطروحات سابقة الأهمية الجيواستراتيجية والجيوبوليتيكية للقارة الآسيوية، والتي تعتبر من نواح عديدة الطريق السهل والسريع للتربع على دفة السيادة العالمية، نظرا لما تملكه من مقومات جيواستراتيجية وجيوبولوتيكية تؤهلها لتكون الكنز الضائع للعديد من الطامحين للوصول الى دفة الهيمنة الدولية والسيادة على العالم خلال القرن الحادي والعشرين - انظر لنا دراسة الامبراطورية الاميركية واستراتيجية السيطرة على النفط الآسيوي، أما منطقة القوقاز وهي المعنية من خلال هذا الطرح، فتعد أهميتها المستقبلية بالغة وخطيرة ليس لروسيا وأميركيا فقط، بل هناك دول أخرى تتشارك معها ذلك الهاجس الجيواستراتيجي والجيوبوليتيكي، كإيران وتركيا على سبيل المثال لا الحصر، وتبرز خطورة وأهمية هذه البقعة من العالم بالنسبة لتلك الدول وغيرها، من خلال جغرافيتها المميزة، والتي تفصل بين قارتي أوروبا واسيا، وكذلك مكانتها الاستراتيجية الحساسة، والديموجرافية الأثنية العرقية المتنوعة، وكأرض لعدد من الصراعات والحروب التنافسية على الهيمنة بين امبراطوريات الثلاث العثمانية والفارسية والروسية، والتي أسفرت عما يسمى حروب القوقاز في القرن التاسع عشر.
ومن ذلك المنطلق وغيره فقد اعتبرت منطقة القوقاز بقعة مهمة للغاية لفرض الهيمنة على خارطة الشطرنج الدولية منذ قرون خلت لعدد من الامبراطوريات، وزادت أهميتها الجيواستراتيجية بظهور المتناطحين الكبار من جديد خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين - أي - روسيا والولايات المتحدة الاميركية، وعليه فإن منطقة القوقاز ستمثل خلال السنوات القليلة القادمة احد أهم بيادق اللعبة العالمية للهيمنة والسيادة الجيواستراتيجية والجيوبوليتيكة على العالم.
فأما بالنسبة لروسيا فتعد هذه المنطقة ذات أهمية بالغة كونها تمثل البعد القومي والجغرافي للامتداد السوفيتي السابق، والذي تعتبر روسيا اليوم الوريث الشرعي له، كذلك تعد منطقة القوقاز بالنسبة لروسيا قنطرة عبور للوصول إلى مياه المحيط الهندي، وخصوصا مع (الحرمان الروسي من النوافذ الساحلية التي فقدتها مع استقلال أوكرانيا وجورجيا وأذربيجان وأرمينيا، فإن روسيا غير مستعدة للتضحية بأي قدم بحري، حتى ولو كان على بحر مغلق كبحر قزوين، ولجمهورية فقيرة مثل جمهورية داغستان)، كذلك فإن لمنطقة القوقاز أهمية اقتصادية بالنسبة لروسيا لا تقل أهمية عن البعد القومي والجغرافي، وتتمثل من خلال محاولات السيطرة على منطقة بحر قزوين، (فتدفق النفط في منطقة بحر قزوين يجعل روسيا مستعدة - في سبيل إبقاء الأراضي في الجنوب كافة تحت سيطرتها- لدفع "أي ثمن"، خاصة في ظل التوغل الأميركي - الأوروبي في القوقاز وآسيا الوسطى، تحت عباءة شركات الاستثمار البترولية).
كذلك فإن روسيا التي عادت إلى الحياة من جديد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق, وبدأت بشكل قوي وصحيح لإعادة مكانتها الدولية على خارطة الشطرنج العالمية، لن ترضى مطلقا احتواءها من قبل خصمها التقليدي - أي - الولايات المتحدة الاميركية من خلال بعض دول القوقاز المنجذبة للقطب الاميركي، والنافرة من البيت الروسي كجورجيا وأرمينيا وأذربيجان، كما أنها لن تتنازل مطلقا عن نفوذها الاستعماري القيصري الذي امتد لحوالي الثلاثمائة سنة في القوقاز واسيا الوسطى بكل سهولة لخصم تعده العدو الأكبر لنفوذها الجيواستراتيجي العالمي، كما أن روسيا لن تسكت أبدا على التوجه الموالي للغرب في الاقتصاد، والموقف الانتقادي الفظ فيما يتصل بمعاهدات التكامل مع كومنولث الدول المستقلة من قبل بعض أطرافها النافرة كما فعلت أوزبكستان و كازاخستان وتركمانستان على سبيل المثال لا الحصر, إذا ما أرادت الاستمرار في خططها الرامية لاستعادة مكانتها الدولية من جديد، فذلك يمثل تهديدا خطيرا لأمنها القومي وطموحاتها المستقبلية، ويزيد مخاطر الطوق الاميركي عليها في المستقبل.
وقد لاحظ الكثير من المراقبين الدوليين، وخصوصا خلال السنوات 2004 - 2008، أن الولايات المتحدة الاميركية تتوجه بشكل واضح ومباشر في خططها المستقبلية، نحو احتواء الدب الروسي من جديد، بالرغم من نفيها القاطع لذلك التوجه في أكثر من مرة، وقد اعتبرت روسيا خطط الولايات المتحدة الاميركية لنصب الدرع الصاروخي الأميركي في شرقي أوروبا، ورفض انضمامها الى منظمة التجارة العالمية، والمحاولات الاميركية المتكررة لاقتصاص ريش الهيمنة والنفوذ السوفيتي السابق والروسي اليوم من أجنحتها الجيواستراتيجية وخصوصا في منطقة القوقاز والدول السوفيتية المستقلة، واحدة من تلك الخطط العدوانية الرامية لتهديد أمنها القومي واحتواء قوتها وتطويق نفوذها .
أما بالنسبة للولايات المتحدة الاميركية وباختصار شديد، فان منطقة القوقاز وخصوصا بعد عودة الامبراطورية الروسية الى الواجهة منذ العام 2001 وحتى اليوم " عهد روسيا بوتين - ميدفيديف "، وارتفاع أسعار النفط، والإحساس الاميركي بانسلال الهيمنة العالمية من بين أصابعها على حساب نظام الكثرة، او البولياركي خلال القرن الحادي والعشرين، فهي تطمح للسيطرة على هذه المنطقة بهدف إحكام الطوق على روسيا لجعلها تختنق بأنفاسها داخل حدودها، هذا من جهة، أما من جهة أخرى فإنها تسعى لتسهيل سيطرتها على نفط آسيا الوسطى- بحر قزوين، - انظر، جلسات مجلس النواب الاميركي التي تناولت المصالح الاميركية في جمهوريات آسيا الوسطى، لجنة فرعية عن آسيا والمحيط الهادي، لجنة البيت الأبيض للعلاقات الدولية، واشنطن 12 فبراير 1998م -، وقد اقر الكونجرس السادس بعد المائة مرسوم استراتيجية طريق الحرير في العام 1999 م، وذلك بهدف تعديل المساعدة الخارجية الصادر في العام 1961 م للاستحواذ على دعم يخدم الاستقلال الاقتصادي والسياسي لبلدان جنوب القوقاز واسيا الوسطى .
وفي مقال نشرته صحيفة صنداي تلجراف، كتب الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن إدوارد لوتواك مقال قال فيه : (إن لدى الاتحاد الروسي كل المقومات التي تجعل منه قوة عظمى وهي نخبة حاكمة مصممة، وترسانة نووية ضخمة، وقوات مسلحة كافية جرى الآن تحديثها، وجهاز مخابرات أعيد إحياؤه، وأضاف أن عودة روسيا لممارسة القواعد الخطرة لسياسات القوى العظمى ترغم كل الدول الأخرى على تغيير سلوكها, مشيرا إلى أن من سوء الطالع أن هذه ليست لعبة، والمشاركة فيها ليست طوعية, ومضى إلى القول إن القرار الروسي القاضي بنبذ "القوة الناعمة" لصالح القوة العسكرية الباطشة سيكون له تأثير مباشر على أوروبا وذراعها العسكري المتمثل في حلف الناتو) وهذا ما يؤكد المخاوف الاميركية المتكررة، والتي تدفعها لإحكام السيطرة على الامبراطورية الروسية بشكل او بآخر.
المهم في الأمر ان حرب القوقاز وان هدأت قليلا، بإعلان الرئيس الروسي الانسحاب غير الكامل لقواته من جورجيا، إلا أنها لم تنته فعليا بعد، - وبتصوري الشخصي - فإنها لن تنهي أبدا، فهي مجرد معركة في حرب القرن بين النسر الاميركي والدب الروسي، كذلك فان امتدادات هذه الحرب وما خلفته وراءها من انعكاسات سلبية، على عدد من الجوانب في العلاقة بين روسيا وأميركيا من جهة، وروسيا وأوروبا من جهة أخرى، ستؤثر في تطور مراحل الصراع وسرعته خلال السنوات القليلة القادمة، مما ينبئ بتصعيد خطير بين الامبراطوريتين المتنافستين، وشرخ اكبر في العلاقات الدولية، وهذا يعني بكلمات أخرى، أن حرب أوسيتيا الجنوبية " ليست عبثاً لا طائل تحته"، كما قالت "فايننشيال تايمز"، بل هي في الواقع (شجرة تختفي وراءها غابة كاملة من مشاريع الحروب والمجابهات.. وبالطبع المؤامرات) المستقبلية المخيفة، وهو ما سيتأكد للعالم قبل انقضاء العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وختاما فإن الفترة من 2009 - 2010 ستحدد ملامح العلاقة بين الولايات المتحدة الاميركية وروسيا خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، ومنها الى ملامح الصراع الجيواستراتيجي للهيمنة على العالم خلال القرن بأكمله، والذي ستفعل صورته من خلال العوامل التالية :- استمرار الولايات المتحدة الاميركية في تحدي الرغبة الروسية وتهديد أمنها القومي، والإصرار المتكرر لرفض عضويتها في منظمة التجارة العالمية، واحتمال تقليص العلاقة الروسية مع حلف شمال الأطلسي بسبب أحداث أوسيتيا وجورجيا وامتداداتها، وردود الأفعال الروسية على الدرع الصاروخي الاميركي في شرق أوربا، وتفعيل التهديد الروسي النووي لبولندا، ومن سيتبعها من حلفاء الولايات المتحدة الاميركية بسبب نشر بطاريات الدفاع والهجوم المشترك، والذي يضع مصداقيتها وصحة تهديداتها المستقبلية في موقف لا تحسد عليه، وتصميم الإقليمين الانفصاليين " أبخازيا واوسيتيا الجنوبية على الانفصال عن جورجيا، وانضمام أوكرانيا وجورجيا لحلف شمال الأطلسي، كذلك من خلال التوجهات الاميركية الروسية نحو سباق تسلح عالمي خطير غير مسبوق، لذا فان الشهور القادمة ستكون حافلة بالأحداث الخطيرة والمتغيرات المتسارعة، والتي تنبئ بحرب باردة جديدة لا محالة منها، مهما حاول العديد من الأطراف الدولية نفي ذلك او حيلولة دونه.