إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الشرق و الغرب ,, ما وراء الصورة المعتمة ؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الشرق و الغرب ,, ما وراء الصورة المعتمة ؟

    بداية وقبل الدخول الى تفاصيل ما نود الوصول إليه من خلال هذا الطرح , والذي يتناول الصورة المشوهة للجزء الشرقي من العالم , وخصوصا العالم العربي منه في الحضارة الغربية , او الجزء الغربي من العالم في أعين أبناء الشرق , كان لزاما ومن باب الإنصاف التاريخي والحضاري والإنساني لكلا الحضارتين أن نتفق على بعض النقاط التي نؤكد على اعتبارها من الثوابت التاريخية التي لا يمكن أن تؤثر بها عوامل المكان او الزمان او الرؤية الشخصية , وعلى رأسها أن في الحضارتين الشرقية والغربية من المآثر والانجازات ما يستحق الاحترام والإكبار والاقتداء , فلا يمكن أن تعمم التهم او تلقى جزافا دون مراعاة لعدد من الحيثيات التي كانت وراء هذا الشرخ الأسطوري بين العالمين او الحضارتين , وهذا على وجه التحديد ما جعل المسافة بين الشرق وخصوصا العربي المسلم منه , والغرب هوة سحيقة , وكأن لم تربطها او تجمعها سنوات طويلة من التواصل والتداخل والتبادل الثقافي والجوانب الحضارية والإنسانية المشتركة , مما اثر كثيرا في قدرة الطرفين على فهم العالم وتطوره والتواصل معه.
    كما أن هناك وبين كل هذا وذاك , يبقى الجانب الإنساني الذي لا يمكن أن نزج به بشكل او بآخر , بين براثن السياسة وأضراس الحروب والمفاهيم الشخصية لبعض القضايا , فهما على وجه التحديد كانا ولا زالا وسيظلان من الأسباب الرئيسية والمباشرة لرسم تلك الصورة الإنسانية والحضارية المغلوطة والمشوهة للشرق في عيون الغربيين , او الغرب في عيون الشرقيين , - وللأسف الشديد - ومن باب الحياد والإنصاف التاريخي , فان نظرة الغربي المشوهة الى الشرق لم توجه للعرب والمسلمين فقط , بل تعدت ذلك التخصيص الذي يتصوره الكثيرون الى بقية أجزاء الشرق ـ أي الشرق اللامتوسطي او الأقصى ـ وهو ما أطلق عليه في تلك الفترة بالخطر الأصفر ,(ويتجلى هذا مثلا في الصورة الساخرة التي رسمها الأدب الغربي الشعبي لليابانيين والصينيين , كقصار القامة وذوي الوجوه الصفراء الجامدة والنفوس التي يكتنفها الخداع والغموض , كذلك بادل الصينيون واليابانيون الغربيون باحتقار مماثل , فرعايا إمبراطورية السماء الصينية , او رعايا إمبراطورية الشمس اليابانية , يرون في الإنسان الغربي الأبيض نموذجا للبربري , المبتذل والغضوب وغير القادر على التحكم بمشاعره وتصرفاته , والذي يريد بأي ثمن فرض دينه وتجارته) - انظر كتاب شرق وغرب: الشرخ الأسطوري للأستاذ جورج قرم.
    وهو ما يؤكد أن الصورة المبتذلة والمشوهة للإنسان الشرقي وأديانه وحضاراته الإنسانية في عيون الغرب بشكل عام عبر التاريخ , لم توجه دائما وبشكل شخصي الى المسلمين والعرب او الدين الإسلامي والحضارة الإسلامية والعربية , بل تعدتها الى مختلف أرجاء الشرق الأوسط والأقصى , مما يعطي الأمر في هذا الجانب بعدا نفسيا وجغرافيا ومعرفيا , مع التأكيد على ضيق وتقلص مساحة الهوة بين الغرب والشرق الأقصى مع بداية العقود الخمسة الأخيرة من القرن العشرين , واتساعها أكثر فأكثر مع الشرق الأوسط المسلم والعربي خلال نفس الفترة , ولأسباب عديدة عجزنا نحن المسلمين والعرب في الشرق الأوسط خصوصا - وللأسف - من تحقيقها , واستطاع الشرق الأقصى ذلك وبتفوق , ومن أهمها ما حققه وفرضه الشرق الأقصى على الغرب بالقوة والاحترام في المجال العلمي والاقتصادي والعسكري , كما هو الحال مع اليابان والصين وفيتنام على سبيل المثال لا الحصر.
    مع الإشارة هنا الى نقطة هامة في هذا السياق - وهي من باب الإنصاف كذلك - , كما يشير إليها الأستاذ اليكسي فاسيليفيتش جوارافسكي المتخصص في تاريخ العلاقات الحضارية بين الشعوب والقارات والثقافات , والذي يعمل بمعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية , حيث يؤكد هذا الأخير بأنه(خلافا للموقف الإسلامي الهادئ وحتى اللامبالي أحيانا , كان موقف المسيحيين الغربيين من الإسلام انفعاليا وغير متسامح روحيا , لان الإسلام كان في تصورهم تحديا تطلب ردا ومقاومة واهتماما دائما به , وانه من اجل إدارة الصراع بنجاح مع عقيدة هذا المنافس , الخصم القوي والخطير , كان لابد من دراسته) , وهو ما تحقق فعلا من خلال الدراسات الإسلامية الكلاسيكية كخطاب غربي حول الإسلام بدءا من القرون الوسطى واستمرت بشكل متواصل حتى يومنا هذا , مع التأكيد على أن اغلب تلك الدراسات لم تكن منصفة وحيادية وعلمية , بقدر ما كانت تأخذ دائما طابع التشويه والتزييف والتحريف العلمي والتاريخي والحضاري.
    كما أننا نؤكد - ومن خلال هذه السطور - بأننا لن نستطيع أن نحيط بتفاصيل وحيثيات الأسباب والدوافع الحضارية والتاريخية والإنسانية التي زادت من حجم تلك الهوة بين الشرق المسلم العربي , والغرب عبر السنين من خلال هذه السطور المختصرة , كما أن تبسيط الأفكار في هذا الجانب لن يساعد كثيرا على تقديم الأسس الواضحة لفهم القضايا التاريخية المعقدة فهما سليما , ولذا وكما كنا دائما نكرر في مقالات كثيرة , بان مثل هذه المواضيع تحتاج الى دراسات متعمقة وتفصيلية , فلا يؤخذ بالظاهر لفهم الأحداث والمتغيرات الراهنة , او تعكس بعض التصرفات الفردية الحمقاء على أساس أنها وجهة نظر حضارية او ثقافية جماعية مشتركة , فتتخذ عذرا لتعميمها على الإنسان الغربي المسالم , كما أن الغرب لا يحق له أن يتخذ من تصرفات البعض في بلاد المسلمين شماعة يعلق عليها أسباب تدخلاته في الشرق الأوسط , وتحت أعذار واهية ومكشوفة كالديمقراطية وتحقيق العدالة والمساواة او غيرها , وليس ذلك سوى لتحقيق ما يصبو إليه من أطماع وهيمنة وسيادة على خيرات وثروات هذه الأمة العظيمة.
    وللأسف ، فان هذه الأسباب الأخيرة , ـ أي تعميم المفردات المبتذلة والقبيحة ـ وتوجيهها دون مراعاة او تمهل في اصدرا الأحكام , وبشكل مستهجن ومباشر الى الطرف الآخر من الحضارة , والازدواجية المعيارية في التعامل , كانت من ابرز الأسباب التي أدت الى تفاقم الهوة الحضارية واتساعها ما بين الشرق والغرب , وخصوصا خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين , وتحديدا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001 م , وهي على وجه الخصوص ما أردنا أن نشير إليه من خلال هذا الطرح , كونها تتكرر وبشكل مستمر حتى يومنا هذا , مواصلة تأجيج نار الفتنة وأذكاها بين طرفي العالم , وقد استغلها البعض من أصحاب المصالح السياسية والعسكرية وغيرهم لنيل مآربهم الشخصية , وتورط بها الكثيرون عبر وسائل الإعلام المشبوهة من كتاب وصحفيين والمحسوبين على الثقافة والتاريخ والسياسة والدين في كلا الجانبين , وفي هذا السياق يؤكد عضو الكونجرس الاميركي السابق عن ولاية الينوى الأستاذ بول فيندلي ما اشرنا إليه قائلا (لا اعتقد أن تنميط الإرهاب من نتائج مؤامرة عالمية كبرى تستهدف الإسلام , ولا حتى نتاج مؤامرة قومية على مستوى قومي أميركي , ولكنني اعرف أن نشر التنميطات المزيفة يمكن أن يخدم المصالح المتعصبة الضيقة).
    ومن أمثلة ذلك ما تناقلته وسائل الإعلام الاميركية ومن بعدها العربية في الآونة الأخيرة , وخلال الأيام الماضية حول استغلال المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية العرب لترجيح كفة تأييد الأميركيين لصالحه , وذلك من خلال تحقير المرشح الديمقراطي اوباما وتوجيه الاتهام له بكونه مسلم او عربي , كذلك من خلال دفاع ماكين عن المرشح الديمقراطي عندما نعتته سيدة من مؤيدي المرشح الجمهوري خلال إحدى الحملات الانتخابية بأنه عربي , وعندها قال ماكين " لا يا سيدتي , إنه رب أسرة جدير بالاحترام , " وكأن الرجل العربي أقل من "رب أسرة جدير بالاحترام" , وغيرها الكثير منذ الاستفزازات والاتهامات العنصرية التي تفتقر الى الموضوعية والحياد والتنميطات المستهجنة منذ بداية الحملة الانتخابية الاميركية , وفي هذا السياق دعا رئيس المعهد العربي الأميركي جيمس زغبي المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية إلى الكف عن استغلال العرب لترجيح كفة تأييد الأميركيين لصالحه , وأعرب زغبي عن انزعاجه من المستوى الذي يستغل فيه اسم "عربي" وكأنه وحل يقذف به المرشح الديمقراطي باراك أوباما , فمنذ متى أصبحت كلمة "عربي" او"مسلم" كلمات قذرة وبذيئة ؟ وتعادل "التطرف" و"انعدام الشرف !! , او أن هناك أمراً خاطئاً في أن يكون المرء أميركياً عربياً أو أميركياً مسلما.
    لذا فانه بات من جهة , ضرورة أن تتم صياغة فكر وسطي مشترك بين طرفي الحضارة في الشرق والغرب , يأخذ في اعتباره الإنصاف والحياد والموضوعية الحضارية والتاريخية , فلا يعتبر الغرب المسيحي او حتى العلماني منه في عيون الشرقيين بوابة للانحطاط والتفسخ والمجون لا أكثر , دون النظر الى الجوانب الحضارية الأخرى , وخصوصا العلمية والتكنولوجية منها على سبيل المثال لا الحصر , ولا يعتبر الشرق في عيون الغربيين بكلا طرفيه , وخصوصا الشرق الأوسط منه موئلا للإرهاب والشر والتخلف , ومحطة للثروات البترولية والنفطية لا غير , ودون مراعاة لجوانب ثقافية وعلمية وإنسانية للحضارة الإسلامية والعربية , كانت أوروبا وحضارتها على وجه الخصوص أول المستفيدين منها في فترة من الفترات , أما من جهة أخرى فانه لابد من ضرورة نشر الوعي الثقافي التسامحي بين أبناء الحضارتين , وخصوصا في كيفية قبول العقائد والديانات الأخرى , وبالتالي كيف يمكن لهذا الوعي أن يصالح ويوفق ويقرب بين الطرفين , لا أن يزيد من اتساع تلك الهوة بالصدام الحضاري بينهما , انظر كتاب الإسلام بين الشرق والغرب لرئيس البوسنة والهرسك السابق الأستاذ والمفكر والمحامي علي عزت بيجوفيتش.
يعمل...
X