ملعون أبوكم على أبو لوائح العيب التي تتعبدون لها .. تصنعون كل يوم أصناما ً ثم تركعون وتسجدون لها .. تتحدثون عن الوقار .. والالتزام .. والمهابة .. هذا تزييف أيها السادة المزيفون .. هذا مخالف لأبسط قواعد الحرية الإنسانية .. هذا خداع ذاتي ونفاق اجتماعي .
القي بربطة العنق وهذه السترة التي تكبلك وتحد من حرية الحركة .. وارفع أكمام القميص ولو شئت قم بثني أطراف البنطال الى ركبتيك ثم انطلق وخض في مياه الشاطيء .
يقولون هذا عيب .. عيب يارجل .. أين الوقار وأحكام السن التي بلغتها .؟. هذه تصرفات أولاد .. أطفال .. !!.
.. تتملكك الرغبة بالجلوس على الرصيف .
..عيب ..!!
تريد أن تقف أمام بائع الذرة المشوية وتشتري . ؟
.. عيب ..استحي على دمك ..!!
تتنقل بين البائعين تشارك الأطفال بما يرغبون به .. تمسك بيدك الآيس كريم وتتلذذ بلحسها ..! تشتهي لفافة فلافل ..تمسكها بيدك وتقضمها وأنت سائر في الطريق ..تنظر إلى الآخرين بعيون ضاحكة .. مشاغبة . وتمد لهم لسانك . تستفزهم ..وخاصة أولئك المتخشبين .. في بزاتهم الأنيقة وربطات العنق والياقات المتصلبة ..المنشاة .. يتصنعون الوقار .. هذه قشرة تخفي تحتها ربما أسوأ وأبشع أشكال النفاق .
... يقولون عيب .. ماذا تركت للأطفال يارجل ..؟ !!
تريد أن تجلس على صخور الشاطيء وتدلي قدميك في الماء وتلهو ..؟.
... عيب .. عيب يارجل .. اتقي الله .. ماذا تركت لعمرك ..؟!!. حتى أولادك سوف يخجلون منك ..؟ سيقول الناس عنك أنك مجنون .. ؟ .
عيب..عيب..عيب.. يحاصرونك .. يقيدونك .. بأوهامهم وتفاهتهم وغثاثتهم ومعاييرهم المزيفة .
مجنون .. مجنون .. همممم يا أيها المزيفون ..ومن منكم لا يشتهي أن يفعل ذلك .. ؟ !! من منكم لم يتمنى لو أنه لم يغادر الطفولة .. لكنكم أدمنتم الكذب والتزييف والنفاق وكبت هذا الولد الذي يريد أن يخرج من قفص الصدر والقلب والعقول العفنة وسجن الزيف والخداع .
هو يدق بقبضتيه الصدر والقلب .. يريد أن يفتح نوافذ العقل على الفضاءات والهواء النقي ..أنا أريد أن أطلق سراحه .. أريده أن يمارس طفولته ..وشيطنته .. وجنونه كاملا ً .. عفوا ً هذا ليس جنونا ً .. هنا قمة العقل .. قمة الانسجام مع الطبيعة والكون .. انسجام مع الذات .. أريده أن يعبث في الطريق .. أن يدفع بالعلب الفارغة والأحجار بقدميه .. أن يتشاقى مع الأطفال . وكأني به يمحو الزمن الفاصل .. يضاحكهم ويضاحكونه .. يبتسم لهم ويبتسمون له . يمدون بألسنتهم لبعضهم البعض.. يلاعبهم الكرة..يركض .. يسابقهم .. يقفز في الهواء .. يطارد العصافير .. ينفخ البالونات الملونة ويطيرها في الهواء .. يجري خلف الكرة . . خلف فراشة تائهة .. يعبث مع اليمام الذي يردد هديله الرخيم . يفتح ذراعيه وصدره للشمس والهواء والطبيعة ويصرخ بأعلى صوته .. يغني .. يمشي على يديه .. يضحك بقوة .. بملء صدره .. أريده عندما يتعب أن يجلس حيثما يريد ويرغب .. لافرق .. على الرصيف .. في الطريق .. على الرمال .. يستلقي على الرصيف البحري .. يدندن النغم الذي يحبه .. يصفر .. يرقص .. يصرخ .. يضحك ..يبكي .. يلبس ما يشاء .. يأكل ما تشتهي نفسه .. ينطلق .. يعبث .. يجن ....يركب دراجة .. يركب حمارا .. مالكم وماله .. لماذا تحشرون أنفسكم بكل شيء وتستنكرون .؟. تطلقون معاييركم الغبية ..البليدة ..الحمقاء .!!. اخرسوا أو افعلوا مثله .. تمصمصون شفاهكم .. وأنتم والله تتمنون لو تفعلون ذلك ولكنكم سجنتم هذا الطفل وكتمتم أنفاسه .. كبلتم أنفسكم بالمظاهر المزيفة الغبية ..البلهاء .. ويحكم ..هل هناك من يتنازل عن حريته بإرادته مقابل أوهام تافهة ..؟!!
قولوا لي ..من منكم شاهد أرضاً ..فلاة .. في يوم ربيعي ..مليئة بالأزهار البرية ولم يشتهي أن يجري فيها على سجيته .. من منكم شاهد جدولا ً ولم يتمنى أن يعبث في مياهه .. من منكم دخل غابة ولم تساوره نفسه كي يتسلق أشجارها .. أو يرفع عقيرته بالغناء انسجاماً مع طيورها .
ويحكم ..هو هذا الطفل الذي تقمعونه وتغلقونه عليه ابواب زنازين نفوسكم النتنة .. يريد أن يخرج فلما لاتطلقون سراحه ..؟!! فقط راقبوا فطرة الأطفال وستتأكدون .
- حفيدي الذي بالكاد يحسن المشي والجري .. رافقته إلى حديقة عامة أردت أن اعيد استذكار كيف يتصرف الطفل على سجيته .. عندما شاهد المربعات الخضراء المفروشة بالعشب .. بدأ محاولة التفلت من قبضة يدي متململا ً أشار بيده الى الفسحة العشبية وهو يهم بالبكاء وكأنه يطالب بلعبة تخصه .. أدخلته اليها وتركته . فجأة صار متمكنا ً من السير والجري والقفز .. قدم لي درسا ً بليغاً في كيفية التعامل الفطري مع الطبيعة والانسجام معها ..تحول الى فراشة لاتستقر على مكان .. يقف أمام االزهور يتأملها ثم يعاود الجري .. يتشقلب على العشب ..يعبث به.. ثم يعاود النهوض ضاحكا ً بصوته الناعم كزقزقة العصافير .. بلغ منه التعب مبلغاً ومع ذلك كان بصره وقلبه متعلقين بتلك الفسحة الخضراء .. لايريد العودة الى حيث التنبيهات والتعليم وتلقين العادات المزيفة .
. هل شاهدتم خلق الله حيث لايتدخل أحد بشؤون الآخرين في غير هذه البلاد البليدة المزيفة ..المنافقة . التي تتحدث بالفضيلة والأخلاق والمهابة والوقار المزيف وتمارس في السر أسوأ السلوكيات وأكثرها خسة وانحطاطا ً.. !!
وترددون .. عيب .. عيب . العيب فيكم .. العيب أنتم . ملعون أبوكم ياولاد الكلب .. قال عيب ..قال .؟!!
ليتحرر هذا الولد ويتشاقى كما يشاء . لأنه الأنقى نفسا ً وعقلا ً . ما أروعها من شقاوة ..ولا تسأل فيهم .. ولا يهمك .. جربوها .. اخرجوا من بين أكوام الزيف والنفاق والكذب وتماهوا مع الطبيعة وفطرتها .. وستكتشفون حجم السعادة التي أضعتموها .