[align=center]
...
لقد نجم عن المواجهة العمانية الفارسية أن توفي سلطان إبن مرشد قائد المقاومة العمانية داخل الحصن الرئيسي في صحار , وبعدها بأيام قلائل توفي سيف بن سلطان في قلعة الحزم بالرستاق وبوفاة الإمامين أعد المسرح لظهور رجل قوي شديد الإنضباط إستطاع أن يلعب دوراً فاعلاً في تحرير وطنه من الإحتلال الفارسي وهو الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي الأزدي الذي يعد المؤسس الأول لدولة البوسعيد , وقد كان يشغل منصب والي صحار تلك المدينة التاريخية التي شاء قدرها أن تلعب دوراً هاماً في بعض المقاومة الوطنية .
لقد لقي أحمد بن سيعد تأييداً كبيراً من المقاومة العمانية لدرجة أثارت الشك لدى الإمام سيف الذي ساورته الظنون في أن مؤامرة تدبر لخلعه عن الإمامة , لذلك أصدر أوامره وكان لا يزال مسيطراً على مسقط بالقبض على أحمد بن سعيد الذي أدرك ما يدبره له الإمام سيف فآثر العودة وهو في طريقه إلى مسقط .
لم يلبث سيف أن أفصح عن عدائه لأحمد بن سعيد , لذا فقد بعث بأسطول إلى صحار التي إستعصت على المهاجمين إلا أن أحمد بن سعيد آثر السلامة وأعلن ولاءه للإمام سيف , وقبل أن يبعث بواحد من أبنائه إلى مسقط ليكون رهينة لدى الإمام كضمان لحسن نية أحمد بن سعيد , تسارعت الأحداث وتطورت بشكل سريع حيث أعلن الإمام سيف إنسحابه من مسرح الأحداث نادماً على ما سببه لبلاده من ويلات وظل في الرستاق إلى أن وافاه الأجل في الوقت الذي إستمر في حصار الفرس على صحار , وأصيب سلطان بن مرشد بجروح كثيرة عجلت بوفاته هو الآخر .
لقد أدرك أحمد بن سعيد أن إختيار المهادنة هو أفضل السبل لإعادة ترتيب البست العماني , وتضيف المصادر العمانية أن الفرس طلبوا الصلح مع أحمد بن سعيد بهدف تأمين خروجهم من صحار بعد أن إستحال عليهم إحتلالها , بينما تؤكد المصادر الفارسية أن أحمد بن سعيد قد أبدى مرونة مع الفرس مما أكسبه ثقتهم لذا فقد قلبوا الإنسحاب من صحار لمواجهة المشاكل الداخلية التي بدأ يتعرض لها نادر شاه , الذي كان يخوض حرباً ضارية ضد العثمانيين , وسواء أكان الفرس هم الذين طلبوا رفع الحصار أو أن أحمد بن سعيد قد هادنهم فالمحصلة واحدة ,حيث إنحسر الوجود الفارسي عن صحار ومسقط ومطرح ولم يبق لهم إلا قوات قليلة إعتصمت بقلعتي الميراني والجلالي مما أتاح لأحمد بن سعيد فرصة التقاط الأنفاس .
ويجمع المؤرخون على أن أحمد بن سعيد قد تميز بقدر كبير من الحنكة والدهاء لذا فقد هادن الفرس حتى يعطي لنفسه فسحة من الوقت لحل المشكلات الداخلية وأجمع العمانيون على مبايعته إماماً في الرستاق عام 1744م وبعد أن إستوثق من إمكانات عدوه تعمد إهمال دفع الجزية للفرس ثم أبقى على الحامية الفارسية في الجلالي والميراني دون رواتب أو إمدادات , وإمعاناً في أطباق الحصار قرر إعفاء التجارة القادمة إلى بركا من الضرائب الجمركية مما أغرى السفن التجارية على التوقف في ميناء بركا بدلاً من مسقط مما ضاعف من تدهور اوضاع الحامية الفارسية سواء لنفاذ ذخيرتهم أو إنقطاع المؤن عنها .
لقد أدرك قائد الحامية الفارسية خطورة موقفه وإستنجد بالشاه الذي خوله إتخاذه ما يراه مناسباً , وتذكر بعض الروايات أن نادر شاه قد إتفق مع رجل يدعى ماجد بن سلطان أحد أقرباء سيف بن سلطان وأتفقا على أن يجمع الأخير أنصاره وأن تسانده الحامية الفارسية في حكم عمان تحت السيادة الفارسية , وتضيف نفس الروايات أن الرياح قد قذفت بسفينة ماجد أثناء عودته من تبريز حيث قبض عليه وإنتزع منه قرمان الشاه القاضي بتسليمه مسقط ومطرح وأرسله الإمام أحمد بن سعيد مع أحد أعوائه إلى قائد الحامية الفارسية في مسقط الذي سلم إليه قلعتي الجلالي والميراني وتحدد المصادر العمانية تلك الحادثة على إعتبار إنها بداية عملية لعهد البوسعيد ونهاية عصر اليعاربة .
لقد أدرك الإمام أحمد بن سعيد منذ الوهلة الأولى أهمية إعادة الوحدة الوطنية , ومن اجل ذلك فقد بذل جهداً فائقاً مكنه من أن يعيد لعمان وحدتها وهيأ لها أن تلعب دوراً كبيراً خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر .
وإذا كان الإمام أحمد بن سعيد قد برز في تاريخ عمان الحديث كمؤسس لدولة البوسعيد , إلا أن المعلومات الخاصة بحياته قبل سطوع نجمه تؤكد أنه كان تاجراً أميناً صادقاً مهاباً ذا مروءه ينحدر من أسرة عربية أصيلة , وقد تميز بجرأة نادرة وشجاعة فائقة لفتت إليه الأنظار , والحقيقة أن الإمام أحمد بن سعيد قد صادف في بداية توليه الإمامه العديد من المشاكل , التي تشبه إلى حد كبير نفس المشاكل التي واجهها ناصر بن مرشد في بداية حكمه , قالبلاد تحت قبضة إحتلال أجنبي والقبائل منقسمةة تتنازعها الأهواء والأخطار تحيط بعمان من كل جانب .
ولا شك ان الدور الذي قام به الإمام أحمد بن سعيد في تثبيت دعائم الحكم قد إستغرق جهداً مضنياً ولعل أبرز ما واجهه من مشكلات داخلية في مستهل عهده ثورات اليعاربة بسبب فقدانهم الحكم إلا أن الإمام أحمد بن سعيد قد إستخدم إسلوب الحسم والقوة حينا واللين في كثير من الاحيان , كما عمد إلى إسلوب المصاهرة بهدف تهدئة القبائل المناوئه له ومن ذلك زواجه من أرملة سيف بن سلطان ومصاهرته لشيوخ بني الهلالي الذين توثقت علاقاتهم به منذ أن كان واليا بصحار كما عني بتوثيق علاقاتهم به منذ أن كان والياً على صحار , كما عني بتوثيق علاقات الجوار مع القبائل العربية القاطنة في جنوب فارس ومنطقة عربستان , وتحالفه مع قبائل بني كعبعند شط العرب ونهر الفاروق كما توطدت علاقاته مع قبائل بني معن القاطنة غرب بندر عباس , وكل هذه العلاقات كانت بهدف الحيلولة دون تمكن فارس من أن تنال أهدافها التوسعية في عمان ومن أجل ذلك فقد فشلت جهود كريم خان في السيطرة على القبائل العربية في بلاد فارس .
وإمتدت علاقات الإمام أحمد بن سعيد إلى الهند , حيث ساعد شاه علم إمبراطور المغول وعاونه في حروبه ضد القراصنة الذين كانوا يعوقون التجارة بين بانجالور في ساحل الهند الغربية وبين مسقط , وتوجت هذه العلاقات بينهما بأبرام معاهدة 1766م التي وضعت الأسس لعلاقات إقتصادية وسياسية كانت على درجة كبيرة من الأهمية حيث إقتضت إنشاء دار في مسقط لمبعوث الحاكم المغولي الذي أصبح يعرف ببيت نواب .
وتبدو عبقرية الإمام أحمد بن سعيد في أن البلاد شهدت ولأول مرة بعد أكثر من عشرين عاماً من التفكك نوعاً من السلطة المركزية بعد أن توحدثت القبائل المتناحرة وإتخذت الإجراءات الكفيلة بترسيخ أسس الدولة الحديثة , حيث أعيد بناء القوات المسلحة بما يتناسب وحجم التحديات التي كانت تواجه عمان وقتئذ , ثم وضعت قواعد جديدة لتحديث الأنشطة الإقتصادية والتعليمية , وقام بإعادة بناء الإسطول الحربي والتجاري , وفي عهده أصبحت مسقط من اهم المدن التجارية في الخليج وغدا ميناؤها من أهم الموانئ التجارية في بحار الشرق وفقا لشهادات المؤرخين الأوروبيين .
والملاحظ أن عمان وفي أقل من عشر سنوات قد إستعادت كل مقوماتها ووصلت البلاد إلى درجة من الإستقرار والرقي لدرجة أن التقارير الإنجليزية والهولندية وقتئذ قد إعترفت بالسيادة العمانية على كثير من شواطئ الخليج العربي والمحيد الهندي وأشادت بفطنة وذكاء الإمام أحمد بن سعيد , الذي إستمال إليه أبناء وطنه وإتسم بالتسامح في تعامله مع الأجانب وإمتد نفوذه إلى شواطئ الهند وشرق إفريقيا .
ويعترف ريسو بأن عمان في عهد الإمام أحمد بن سعيد قد إستعادت قدرتها بشكل مذهل وإنها قد إستفادت من تدهور الأوضاع في فارس وكذا تدهور القوى الأوروبية في الخليج خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر , ويشير تقرير هولندي صدر عام 1749م إلى أن الإمام أحمد بن سعيد قد إستطاع بمهارة شديدة من أن يستميل إليه كل العرب القاطنين على السواحل الفارسية وقد إستخدم إمكاناتهم العسكرية في صراعه مع فارس , لذا فقد إستطاع أن ينقل الحرب العمانية الفارسية إلى الأراضي الفارسية مما أجهز على الأهمية التجارية لبندر عباس .
ويمكن القول بأنه إذا كانت دولة اليعاربة قد وصفت بأنها دولة بحرية حربية فمن المناسب وصف دولة البوسعيد بأنها دولة بحرية حربية تجارية .
وتجمع المصادر العربية والاوروبية على أن الإمام أحمد بن سعيد قد نقل البلاد نقله هائله من خلال سلطة مركزية عنيت بكل مجالات التمنية إعتماداً على رصيد ضخم من التجربة البحرية والتجارية , وفي الوقت الذي عمت منطقة الخليج حالة من الفوضى السياسية والإقتصادية كان العمانيون يمضون قدماً نحو ترسيخ قواعد الدولة الحديثة التي حظيت وفي أقل من عشر سنوات بتقدير وإحترام كل القوى الأوروبية المتنافسة , لذا فقد حرصت كل الدول الأوروبية على إقامة وكالات تجارية في المدن العمانية وخصوصاَ مسقط التي أصبحت منذ 1790م واحدة من أهم المدن الآسيوية وفقاً لتقرير أعدته شركة الهند الإنجليزية , ويؤكد التقرير على أن مسقط تمارس نشاطاً تجارياً يفوق حجم التجارة في كل المدن الخليجية الآخرى .
...[/align]
...
لقد نجم عن المواجهة العمانية الفارسية أن توفي سلطان إبن مرشد قائد المقاومة العمانية داخل الحصن الرئيسي في صحار , وبعدها بأيام قلائل توفي سيف بن سلطان في قلعة الحزم بالرستاق وبوفاة الإمامين أعد المسرح لظهور رجل قوي شديد الإنضباط إستطاع أن يلعب دوراً فاعلاً في تحرير وطنه من الإحتلال الفارسي وهو الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي الأزدي الذي يعد المؤسس الأول لدولة البوسعيد , وقد كان يشغل منصب والي صحار تلك المدينة التاريخية التي شاء قدرها أن تلعب دوراً هاماً في بعض المقاومة الوطنية .
لقد لقي أحمد بن سيعد تأييداً كبيراً من المقاومة العمانية لدرجة أثارت الشك لدى الإمام سيف الذي ساورته الظنون في أن مؤامرة تدبر لخلعه عن الإمامة , لذلك أصدر أوامره وكان لا يزال مسيطراً على مسقط بالقبض على أحمد بن سعيد الذي أدرك ما يدبره له الإمام سيف فآثر العودة وهو في طريقه إلى مسقط .
لم يلبث سيف أن أفصح عن عدائه لأحمد بن سعيد , لذا فقد بعث بأسطول إلى صحار التي إستعصت على المهاجمين إلا أن أحمد بن سعيد آثر السلامة وأعلن ولاءه للإمام سيف , وقبل أن يبعث بواحد من أبنائه إلى مسقط ليكون رهينة لدى الإمام كضمان لحسن نية أحمد بن سعيد , تسارعت الأحداث وتطورت بشكل سريع حيث أعلن الإمام سيف إنسحابه من مسرح الأحداث نادماً على ما سببه لبلاده من ويلات وظل في الرستاق إلى أن وافاه الأجل في الوقت الذي إستمر في حصار الفرس على صحار , وأصيب سلطان بن مرشد بجروح كثيرة عجلت بوفاته هو الآخر .
لقد أدرك أحمد بن سعيد أن إختيار المهادنة هو أفضل السبل لإعادة ترتيب البست العماني , وتضيف المصادر العمانية أن الفرس طلبوا الصلح مع أحمد بن سعيد بهدف تأمين خروجهم من صحار بعد أن إستحال عليهم إحتلالها , بينما تؤكد المصادر الفارسية أن أحمد بن سعيد قد أبدى مرونة مع الفرس مما أكسبه ثقتهم لذا فقد قلبوا الإنسحاب من صحار لمواجهة المشاكل الداخلية التي بدأ يتعرض لها نادر شاه , الذي كان يخوض حرباً ضارية ضد العثمانيين , وسواء أكان الفرس هم الذين طلبوا رفع الحصار أو أن أحمد بن سعيد قد هادنهم فالمحصلة واحدة ,حيث إنحسر الوجود الفارسي عن صحار ومسقط ومطرح ولم يبق لهم إلا قوات قليلة إعتصمت بقلعتي الميراني والجلالي مما أتاح لأحمد بن سعيد فرصة التقاط الأنفاس .
ويجمع المؤرخون على أن أحمد بن سعيد قد تميز بقدر كبير من الحنكة والدهاء لذا فقد هادن الفرس حتى يعطي لنفسه فسحة من الوقت لحل المشكلات الداخلية وأجمع العمانيون على مبايعته إماماً في الرستاق عام 1744م وبعد أن إستوثق من إمكانات عدوه تعمد إهمال دفع الجزية للفرس ثم أبقى على الحامية الفارسية في الجلالي والميراني دون رواتب أو إمدادات , وإمعاناً في أطباق الحصار قرر إعفاء التجارة القادمة إلى بركا من الضرائب الجمركية مما أغرى السفن التجارية على التوقف في ميناء بركا بدلاً من مسقط مما ضاعف من تدهور اوضاع الحامية الفارسية سواء لنفاذ ذخيرتهم أو إنقطاع المؤن عنها .
لقد أدرك قائد الحامية الفارسية خطورة موقفه وإستنجد بالشاه الذي خوله إتخاذه ما يراه مناسباً , وتذكر بعض الروايات أن نادر شاه قد إتفق مع رجل يدعى ماجد بن سلطان أحد أقرباء سيف بن سلطان وأتفقا على أن يجمع الأخير أنصاره وأن تسانده الحامية الفارسية في حكم عمان تحت السيادة الفارسية , وتضيف نفس الروايات أن الرياح قد قذفت بسفينة ماجد أثناء عودته من تبريز حيث قبض عليه وإنتزع منه قرمان الشاه القاضي بتسليمه مسقط ومطرح وأرسله الإمام أحمد بن سعيد مع أحد أعوائه إلى قائد الحامية الفارسية في مسقط الذي سلم إليه قلعتي الجلالي والميراني وتحدد المصادر العمانية تلك الحادثة على إعتبار إنها بداية عملية لعهد البوسعيد ونهاية عصر اليعاربة .
لقد أدرك الإمام أحمد بن سعيد منذ الوهلة الأولى أهمية إعادة الوحدة الوطنية , ومن اجل ذلك فقد بذل جهداً فائقاً مكنه من أن يعيد لعمان وحدتها وهيأ لها أن تلعب دوراً كبيراً خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر .
وإذا كان الإمام أحمد بن سعيد قد برز في تاريخ عمان الحديث كمؤسس لدولة البوسعيد , إلا أن المعلومات الخاصة بحياته قبل سطوع نجمه تؤكد أنه كان تاجراً أميناً صادقاً مهاباً ذا مروءه ينحدر من أسرة عربية أصيلة , وقد تميز بجرأة نادرة وشجاعة فائقة لفتت إليه الأنظار , والحقيقة أن الإمام أحمد بن سعيد قد صادف في بداية توليه الإمامه العديد من المشاكل , التي تشبه إلى حد كبير نفس المشاكل التي واجهها ناصر بن مرشد في بداية حكمه , قالبلاد تحت قبضة إحتلال أجنبي والقبائل منقسمةة تتنازعها الأهواء والأخطار تحيط بعمان من كل جانب .
ولا شك ان الدور الذي قام به الإمام أحمد بن سعيد في تثبيت دعائم الحكم قد إستغرق جهداً مضنياً ولعل أبرز ما واجهه من مشكلات داخلية في مستهل عهده ثورات اليعاربة بسبب فقدانهم الحكم إلا أن الإمام أحمد بن سعيد قد إستخدم إسلوب الحسم والقوة حينا واللين في كثير من الاحيان , كما عمد إلى إسلوب المصاهرة بهدف تهدئة القبائل المناوئه له ومن ذلك زواجه من أرملة سيف بن سلطان ومصاهرته لشيوخ بني الهلالي الذين توثقت علاقاتهم به منذ أن كان واليا بصحار كما عني بتوثيق علاقاتهم به منذ أن كان والياً على صحار , كما عني بتوثيق علاقات الجوار مع القبائل العربية القاطنة في جنوب فارس ومنطقة عربستان , وتحالفه مع قبائل بني كعبعند شط العرب ونهر الفاروق كما توطدت علاقاته مع قبائل بني معن القاطنة غرب بندر عباس , وكل هذه العلاقات كانت بهدف الحيلولة دون تمكن فارس من أن تنال أهدافها التوسعية في عمان ومن أجل ذلك فقد فشلت جهود كريم خان في السيطرة على القبائل العربية في بلاد فارس .
وإمتدت علاقات الإمام أحمد بن سعيد إلى الهند , حيث ساعد شاه علم إمبراطور المغول وعاونه في حروبه ضد القراصنة الذين كانوا يعوقون التجارة بين بانجالور في ساحل الهند الغربية وبين مسقط , وتوجت هذه العلاقات بينهما بأبرام معاهدة 1766م التي وضعت الأسس لعلاقات إقتصادية وسياسية كانت على درجة كبيرة من الأهمية حيث إقتضت إنشاء دار في مسقط لمبعوث الحاكم المغولي الذي أصبح يعرف ببيت نواب .
وتبدو عبقرية الإمام أحمد بن سعيد في أن البلاد شهدت ولأول مرة بعد أكثر من عشرين عاماً من التفكك نوعاً من السلطة المركزية بعد أن توحدثت القبائل المتناحرة وإتخذت الإجراءات الكفيلة بترسيخ أسس الدولة الحديثة , حيث أعيد بناء القوات المسلحة بما يتناسب وحجم التحديات التي كانت تواجه عمان وقتئذ , ثم وضعت قواعد جديدة لتحديث الأنشطة الإقتصادية والتعليمية , وقام بإعادة بناء الإسطول الحربي والتجاري , وفي عهده أصبحت مسقط من اهم المدن التجارية في الخليج وغدا ميناؤها من أهم الموانئ التجارية في بحار الشرق وفقا لشهادات المؤرخين الأوروبيين .
والملاحظ أن عمان وفي أقل من عشر سنوات قد إستعادت كل مقوماتها ووصلت البلاد إلى درجة من الإستقرار والرقي لدرجة أن التقارير الإنجليزية والهولندية وقتئذ قد إعترفت بالسيادة العمانية على كثير من شواطئ الخليج العربي والمحيد الهندي وأشادت بفطنة وذكاء الإمام أحمد بن سعيد , الذي إستمال إليه أبناء وطنه وإتسم بالتسامح في تعامله مع الأجانب وإمتد نفوذه إلى شواطئ الهند وشرق إفريقيا .
ويعترف ريسو بأن عمان في عهد الإمام أحمد بن سعيد قد إستعادت قدرتها بشكل مذهل وإنها قد إستفادت من تدهور الأوضاع في فارس وكذا تدهور القوى الأوروبية في الخليج خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر , ويشير تقرير هولندي صدر عام 1749م إلى أن الإمام أحمد بن سعيد قد إستطاع بمهارة شديدة من أن يستميل إليه كل العرب القاطنين على السواحل الفارسية وقد إستخدم إمكاناتهم العسكرية في صراعه مع فارس , لذا فقد إستطاع أن ينقل الحرب العمانية الفارسية إلى الأراضي الفارسية مما أجهز على الأهمية التجارية لبندر عباس .
ويمكن القول بأنه إذا كانت دولة اليعاربة قد وصفت بأنها دولة بحرية حربية فمن المناسب وصف دولة البوسعيد بأنها دولة بحرية حربية تجارية .
وتجمع المصادر العربية والاوروبية على أن الإمام أحمد بن سعيد قد نقل البلاد نقله هائله من خلال سلطة مركزية عنيت بكل مجالات التمنية إعتماداً على رصيد ضخم من التجربة البحرية والتجارية , وفي الوقت الذي عمت منطقة الخليج حالة من الفوضى السياسية والإقتصادية كان العمانيون يمضون قدماً نحو ترسيخ قواعد الدولة الحديثة التي حظيت وفي أقل من عشر سنوات بتقدير وإحترام كل القوى الأوروبية المتنافسة , لذا فقد حرصت كل الدول الأوروبية على إقامة وكالات تجارية في المدن العمانية وخصوصاَ مسقط التي أصبحت منذ 1790م واحدة من أهم المدن الآسيوية وفقاً لتقرير أعدته شركة الهند الإنجليزية , ويؤكد التقرير على أن مسقط تمارس نشاطاً تجارياً يفوق حجم التجارة في كل المدن الخليجية الآخرى .
...[/align]
تعليق