حدث لن ينساه العمانيون
الزمان: الأربعاء 06 يونيو 2007م
المكان: سلطنة عمان
جونامي...
ألا يُذكِّركم هذا الاسم بزائرٍ أشيع على أنه عقد العزم على زيارتنا تمامًا قبل شهرٍ من زيارة هذا الجونامي، ألم يقل ذاك المتنبئ الهندي بأن منطقة القرم ستغرق بفعل أمواج تسونامي، شهرٌ فقط يفصل بين التاريخين والحدثين، وحدث ما حدث في نهاية الأسبوع، فحتى المنجمون يصدفون عندما يكذبون بصدق، لم يكن للبحر دخلٌ فيما حدث، وكأنه تبرأ مما حدث براءة الذئب من دم يوسف، للأسف لم نعمل بتلك المقولة التي تفيد بأن نعرف عدونا مرة وأن نعرف صديقنا ألف مرة، وضعنا البحر والريح عدوين أمام أعيننا الشاخصة، وأدرنا ظهورنا لبطون الأودية، ذاك الصديق الذي لم نَشُكَّ فيه لحظةً ولم نَشْكِ منه يومًا ولم نتبرم من زيارته أبدًا بل إننا نَسعدُ ونستعدُّ له دائمًا، ونتواجد طربًا ونحن نستنشق روائحه التي تفوح من أديم أرض عذراء ما مسها قطرٌ ولا مطر.
هكذا يا جونامي - كما يحلو لي أن أسميك- حللت علينا في غيهب الليل مبرقًا مرعدًا ممطرًا نافثًا رياحًا بلا رياحين، هكذا قررت أن تباغتنا وتهجم علينا من قمة كل جبل ومن بطنِ كل وادٍ سحيقٍ ونحن نحسبك آتيًا على عكازك من قعر البحر الهائج، بعثت في قلوبنا الرعب، أبكيت الرجال، ومزقت قلوب العذارى، وألجمت ألسنة النساء، وأقعدت الشيوخ، وأيقظت الرُّضع من مخادعهم، ساعتها ارتفعت أكفف النساء والأطفال بالدعاء والاستغفار، وعلت الألسن بآيات الذكر الحكيم ، طلبًا ورجاءً بأن يلطف الله بعباده وبأن تحل رحمته عليهم، كانت الساعات كالجبال ثقيلةً وطويلةً، والليل استحال إلى ليالٍ سرمديةٍ، لم نرَ نهارًا ليلتها بل أنهارًا تتدفق بلا هوادة.
جونو... يا جونو...يا جنونو..يا مجنونو.. . جنَّنتنا... وتلاعبت بقلوبنا التي تكسرت على أرصفة ثواني الزمن، هذا الزمن الذي أعدتنا من خلاله إلى الوراء يوما فشهرا فسنة بل عشرات السنين، بلا ماءٍ ولا كهرباءَ، ولا غذاء ولا مأوى، وبلا صديق أو رفيق أو قريب، كانت القلوب قد بلغت الحناجر، وأعيننا الزائغة ترقبك،، تترقبك،، بوجلٍ، وبخوفٍ، لم نكن نريدك أن تقترب أكثر، ولا أسرع، ما أثقل تحركاتك وما أخطف ضرباتك، لكن سلّمنا الأمر لله، لكن لك منا العذر يا جونامي فقد أوصدنا دونك الأبواب، وسددنا عنك كل المنافذ حتى نفد صبرُ انتظارنا لك، أعذرنا لأننا لم نفرش لك الأرض ورودًا ولا السماوات ألعابًا ناريةً، أعذر نسائنا فقد ابتلع الهلع زغاريدهن حينما أقبلت وبعد أن أدبرت، أعذر بيوتنا فقد سقطت من على شرفاتها يافطات " أهلا وسهلا"، أعذرنا لأننا قلنا سرًا وجهرًا حوالينا ولا علينا يالله، آه يا جونو، أعذر جهلنا حينما استهنا بما أنت آت به، بل تحديناه ونحن أضعف من أن نتحدى بعوضة، أوكيف يموت الناس بالماء وقد جعل الله منه كل شيء حي! إبشريان الحياة يموت البشر؟! قتلت من قتلت،، وشردت من شردت، ومنهم نفرٌ ما يزالون ينتظرون، ينتظرون النجاة وطوق الموت محيط بهم، أحاط بنا جونامي من كل حدبٍ وصوب، أغرقنا، غمرنا وغمر بيوتنا من أدناها إلى أقصاها، ومن دانيها إلى قاصيها، دككت الجبال، وهدَمت البيوت، وجندلت المركبات، وقطعت الطرقات، وأسقطت الجسور المعلقة، وأصبت الأعمدة بالصدمات الكهربائية، وأحلت أشجار النخيل إلى أعواد كبريت متساقطة، وقطعت عنا شريان الحياة، وأصبت الشبكات الأثيرية بالشلل، ضاقت بك بطون السدود، فاقتحمتها، وسالت على إثرك الأودية في كل شق وأخدود، وأنت ما زلت تتردد بين قرى شرقية لا مسقطية ولا باطنية، تعطس هناك في البعيد، فتنزلق الأرض تحت أرجلنا هنا، تلك فقط كانت رفرفات من أطراف أجنحتك التي تدور وتدور وتدور، أنت إذن المعروف قديما باسمك التقليدي " الحيَّاس"، كنت تحيس وتحتاس بعيدا في البحر ونحن نحتاس بحيسانك في البر، فما كاد الصبح يتنفس حتى وقفنا على هول الكارثة، هل نحن في البندقية؟ الناس ينتقلون من بيت إلى آخر بالقوارب! يا له من منظر! يا له من مشهد!
وفي هذه الأزمات تظهر إنسانية بعض البشر وحيوانية الآخرين منهم، أصبح البشريون يدًا واحدة تعيد ما كان إلى ما كان، وتقارب بين الزمان والمكان، فتحت المنازل للغرباء ووزعت الأغذية والمياه والملابس والأغطية، وأصبح المتحيونون يكتالون الماء بالميزان، ويضعون جشع قلوبهم المتحجرة فوق مصلحة المحتاجين، لكنهم في النهاية الفئة الخاسرة.
رحماك يا الله، رحماك يا رب العالمين، اللّهم ارحم من قضى، وألطف بمن بقى، اللهم ارحمنا وألطف بنا، اللهم أبعد الكوارث والمحن عن سلطنة الأمن والأمان، برحمتك يا أرحم الراحمين. أعزائي ... الموضوع منقول للعلم . . .
تحيه عطرة للكاتب .
الزمان: الأربعاء 06 يونيو 2007م
المكان: سلطنة عمان
جونامي...
ألا يُذكِّركم هذا الاسم بزائرٍ أشيع على أنه عقد العزم على زيارتنا تمامًا قبل شهرٍ من زيارة هذا الجونامي، ألم يقل ذاك المتنبئ الهندي بأن منطقة القرم ستغرق بفعل أمواج تسونامي، شهرٌ فقط يفصل بين التاريخين والحدثين، وحدث ما حدث في نهاية الأسبوع، فحتى المنجمون يصدفون عندما يكذبون بصدق، لم يكن للبحر دخلٌ فيما حدث، وكأنه تبرأ مما حدث براءة الذئب من دم يوسف، للأسف لم نعمل بتلك المقولة التي تفيد بأن نعرف عدونا مرة وأن نعرف صديقنا ألف مرة، وضعنا البحر والريح عدوين أمام أعيننا الشاخصة، وأدرنا ظهورنا لبطون الأودية، ذاك الصديق الذي لم نَشُكَّ فيه لحظةً ولم نَشْكِ منه يومًا ولم نتبرم من زيارته أبدًا بل إننا نَسعدُ ونستعدُّ له دائمًا، ونتواجد طربًا ونحن نستنشق روائحه التي تفوح من أديم أرض عذراء ما مسها قطرٌ ولا مطر.
هكذا يا جونامي - كما يحلو لي أن أسميك- حللت علينا في غيهب الليل مبرقًا مرعدًا ممطرًا نافثًا رياحًا بلا رياحين، هكذا قررت أن تباغتنا وتهجم علينا من قمة كل جبل ومن بطنِ كل وادٍ سحيقٍ ونحن نحسبك آتيًا على عكازك من قعر البحر الهائج، بعثت في قلوبنا الرعب، أبكيت الرجال، ومزقت قلوب العذارى، وألجمت ألسنة النساء، وأقعدت الشيوخ، وأيقظت الرُّضع من مخادعهم، ساعتها ارتفعت أكفف النساء والأطفال بالدعاء والاستغفار، وعلت الألسن بآيات الذكر الحكيم ، طلبًا ورجاءً بأن يلطف الله بعباده وبأن تحل رحمته عليهم، كانت الساعات كالجبال ثقيلةً وطويلةً، والليل استحال إلى ليالٍ سرمديةٍ، لم نرَ نهارًا ليلتها بل أنهارًا تتدفق بلا هوادة.
جونو... يا جونو...يا جنونو..يا مجنونو.. . جنَّنتنا... وتلاعبت بقلوبنا التي تكسرت على أرصفة ثواني الزمن، هذا الزمن الذي أعدتنا من خلاله إلى الوراء يوما فشهرا فسنة بل عشرات السنين، بلا ماءٍ ولا كهرباءَ، ولا غذاء ولا مأوى، وبلا صديق أو رفيق أو قريب، كانت القلوب قد بلغت الحناجر، وأعيننا الزائغة ترقبك،، تترقبك،، بوجلٍ، وبخوفٍ، لم نكن نريدك أن تقترب أكثر، ولا أسرع، ما أثقل تحركاتك وما أخطف ضرباتك، لكن سلّمنا الأمر لله، لكن لك منا العذر يا جونامي فقد أوصدنا دونك الأبواب، وسددنا عنك كل المنافذ حتى نفد صبرُ انتظارنا لك، أعذرنا لأننا لم نفرش لك الأرض ورودًا ولا السماوات ألعابًا ناريةً، أعذر نسائنا فقد ابتلع الهلع زغاريدهن حينما أقبلت وبعد أن أدبرت، أعذر بيوتنا فقد سقطت من على شرفاتها يافطات " أهلا وسهلا"، أعذرنا لأننا قلنا سرًا وجهرًا حوالينا ولا علينا يالله، آه يا جونو، أعذر جهلنا حينما استهنا بما أنت آت به، بل تحديناه ونحن أضعف من أن نتحدى بعوضة، أوكيف يموت الناس بالماء وقد جعل الله منه كل شيء حي! إبشريان الحياة يموت البشر؟! قتلت من قتلت،، وشردت من شردت، ومنهم نفرٌ ما يزالون ينتظرون، ينتظرون النجاة وطوق الموت محيط بهم، أحاط بنا جونامي من كل حدبٍ وصوب، أغرقنا، غمرنا وغمر بيوتنا من أدناها إلى أقصاها، ومن دانيها إلى قاصيها، دككت الجبال، وهدَمت البيوت، وجندلت المركبات، وقطعت الطرقات، وأسقطت الجسور المعلقة، وأصبت الأعمدة بالصدمات الكهربائية، وأحلت أشجار النخيل إلى أعواد كبريت متساقطة، وقطعت عنا شريان الحياة، وأصبت الشبكات الأثيرية بالشلل، ضاقت بك بطون السدود، فاقتحمتها، وسالت على إثرك الأودية في كل شق وأخدود، وأنت ما زلت تتردد بين قرى شرقية لا مسقطية ولا باطنية، تعطس هناك في البعيد، فتنزلق الأرض تحت أرجلنا هنا، تلك فقط كانت رفرفات من أطراف أجنحتك التي تدور وتدور وتدور، أنت إذن المعروف قديما باسمك التقليدي " الحيَّاس"، كنت تحيس وتحتاس بعيدا في البحر ونحن نحتاس بحيسانك في البر، فما كاد الصبح يتنفس حتى وقفنا على هول الكارثة، هل نحن في البندقية؟ الناس ينتقلون من بيت إلى آخر بالقوارب! يا له من منظر! يا له من مشهد!
وفي هذه الأزمات تظهر إنسانية بعض البشر وحيوانية الآخرين منهم، أصبح البشريون يدًا واحدة تعيد ما كان إلى ما كان، وتقارب بين الزمان والمكان، فتحت المنازل للغرباء ووزعت الأغذية والمياه والملابس والأغطية، وأصبح المتحيونون يكتالون الماء بالميزان، ويضعون جشع قلوبهم المتحجرة فوق مصلحة المحتاجين، لكنهم في النهاية الفئة الخاسرة.
رحماك يا الله، رحماك يا رب العالمين، اللّهم ارحم من قضى، وألطف بمن بقى، اللهم ارحمنا وألطف بنا، اللهم أبعد الكوارث والمحن عن سلطنة الأمن والأمان، برحمتك يا أرحم الراحمين. أعزائي ... الموضوع منقول للعلم . . .
تحيه عطرة للكاتب .
تعليق