قراءة في معرضٍ ضوئي
لماذا ننفق على اللوحات الأجنبية وتبقى لوحات فنانينا حبيسة الجدران
كتب : أحمد بن سيف الهنائي، جريدة عمان، الأربعاء 31/12/2008م
النفس الراضية الجميلة تبحث عن الجمال في كل مكان، يستهويها التفتيش في حدائق الحياة المنتشرة، فالطيور تحلق في الفضاء، وكلنا يرى سربها، لكن هناك من يستطيع أن يؤطرها في حيّزٍ معين، يبرزها بطريقةٍ ساحرة، تأنس بها النفس، وينشرح لها الصدر، فالفنان الحقيقي هو الذي يحوّل الصحراء إلى لوحة زاهية تخلب اللب، وتفتح للنفس آفاقاً أكبر في السفر إلى عوالم الصحراء، وما توحيه من إشاراتٍ روحية، تزيل عناء الإجهاد اليومي ومتاعب الحياة.
ليس صعباً، أن تقرأ لوحةً بعدسة مصوّرٍ محترف، فهو لا يلتقطها بعينه فقط، بل تشاركه فيها أنفاس البشر، فتأتي الصور بأمزجةٍ مختلفة، يستطيع كل واحدٍ أن يتأملها بأعماقه الباحثة عما ينقصها ويسحرها، وهكذا تكون المتعة الحقيقية في مشاهدة لوحات الفنانين التشكيليين «بآلات تصويرهم» التي تحمل هي الأخرى روح الحياة والبحث عن الإبداع وغموض البساطة.
تم افتتاح معرض التصوير الضوئي في جمعية الفنون التشكيلية بمشاركة عدد من المصورين الواعدين، يحدوهم الأمل في نقل صورة الحياة اليومية، إلى المتابع برؤىً مختلفة، وأفكارٍ متناهية الإبداع متماهية الإمتاع، حضروا بلوحاتهم، لتحتضنها صالتي العرض بالجمعية، فكان الإقبال قوياً في الافتتاح كالعادة، لتقفر من جديد في صباح يومها التالي وحتى نهاية فترة العرض التي قُدِّر لها أن تستمر أسبوعاً كاملاً.
في الساعة الخامسة والربع عصراً، ذهبتُ إلى مقر الجمعية، لألقي نظرةً على تلك اللوحات المعروضة، ظننتُ أن المعرض سأجده يموج بالزوار والمتذوقين، لكني فُقتُ من حلمي الجميل، حينما وجدتُ نفسي داخل صالةٍ باردة مقفرة، وكأنها قبرٌ لا أنيس فيه ولا حبيب، قررت أن لا أكترث كثيراً، ولو أني أتيتُ لألتقي بالفنانين والجمهور، فلم أجد أياً منهم، فطفقتُ أتأمل اللوحات وأسبر أغوارها، حتى داهمني أول الداخلين، فشعرتُ بسعادة واكتشفتُ حينها أن هذا المكان ليس مهجوراً فِعلاً.
حسن بن عبدالله الرئيسي متابعٌ جيد للفن التشكيلي بوجهٍ عام، والتصوير الضوئي بشكلٍ خاص، كان يقف أمام اللوحات كثيراً، وكأنه يتبادل معها حديث الغرام أو بوح المحزون، يتأمل بخوفٍ وقلق، يرسل نظرات الألم والحسرة، فدنوتُ منه أحادثه، فأخبرني أنه يأسف كثيراً للحال الذي آل إليه الفن التشكيلي، وأن الصورة مقلوبة والوضع لا يُحْتمل، فالفن الذي يُفترض أن يبعث الحياة، هو اليوم يعاني الموت، فلا يوجد له رواجٌ في هذا البلد.
يواصل حديثه عن الدعم الغائب، وعن القصور الدائم من القطاع الخاص، خصوصاً الشركات الكبرى، التي لا تخجل من مواقفها السلبية وتجاهل المبدعين في هذا الوطن، تجدها تشتري اللوحات الأجنبية بأموالٍ طائلة، بينما لوحات الفنان العماني تبقى حبيسة جدران منزله إلى أن يأتي عليها الدهر فيجعلها أطلالاً بالية، في أحيانٍ أخرى لا يحتاج الفنان إلى دعمٍ مادي من تلك الشركات، بقدر ما يحتاج إلى دعمٍ معنوي في اعترافٍ بسيطٍ به، كأخذ صوره ولوحاته وتعلّق في مداخل الشركات وحوائط مكاتبها، ولو في فرعٍ واحدٍ على الأقل من فروعها في السلطنة.
يرى حسن أن مهندس الديكور في أي مؤسسة يستطيع أن يستفيد من تفاصيل اللوحات في تصميم الديكور، خصوصاً في انتقاء الألوان، فهذا هو الآخر يعدُّ دعماً للفنان الضوئي، كذلك الإعلام يتحملُ جزءا كبيراً من تهميش المبدعين وتجاهلهم، فنادراً ما تجد التلفزيون حاضراً في المعارض المستمرة، أما الإعلام المقروء فإنه دائماً ما يكتفي بالخبر المصغر عن افتتاح المعرض في اليوم الأول، وبعدها لا تسمع للمعرض حِساً.
يؤكد الرئيسي على أن الكاتب العماني يتحمل جزءًا من إهمال زميله الفنان، فدوره غائبٌ في نشر بساط هذا الفن في المجتمع، نادراً ما تجد كاتباً يقرأ لوحةً بطريقةٍ سلسة وبارزة، تجعل المشاهد يُقبل على ارتياد معارضها، المسؤولية جماعية، لذلك فإني أجد الجمعية العمانية للفنون التشكيلية مشاركةً هي الأخرى في كساد رواج فنانيها، فلا يفترض بها أن تكتفي بعرض اللوحات فقط، بل يجب أن يكون لها دور كبير في الإعلان والتسويق والتشجيع.
لكثرة اهتمام حسن بالفن التشكيلي فإنه دائم التطواف في بلدان متعددة، بحثاً عن معارض متميزة، فقد تعود الترداد على المغرب والأردن والإمارات ومصر وغيرها من البلدان العربية، وقد لفتته الضجة الإعلامية والإقبال منقطع النظير في المغرب العربي على اللوحات الفنية، والاقتتال على شرائها، وبأسعارٍ مبالغٍ فيها، هنالك يعيش الفنان مرفَّهاً، فلوحاته تأتيه بالذهب، لذا تجده متفرغاً لفنه، منقطعاً عن أي شيءٍ آخر غيره، فهو كنزه الذي لا يفنى.
وعليه فإني بادرته بالسؤال عن تقييمه للوحات العمانية بحكم تجواله الدائم للوحات الفنانين العرب، فأجاب بأن اللوحات العمانية لا تقل إبداعاً عن لوحات المغرب العربي، ولكن للأسف الشديد يبقى الفنان مظلوماً ولا يمنح الدعم الكافي ليسانده ويعينه على مواصلة إبداعه، أنا معجب بفنهم الجميل وفخورٌ بهم، في الوقت نفسه أرثي لحالهم، وأشعر بالغصة لأجلهم.
في أثناء حواري مع حسن شاهدتُ عائلة مصغرة مكونة من أبٍ وأم وثلاثة أطفال يجوبون أرض المعرض، متنقلين من لوحةٍ إلى أخرى، وهم يتبادلون الابتسامة اللطيفة، قررتُ أن أغتنم الفرصة لأخذ بعض انطباعاتهم عن المعرض والفن بشكلٍ عام، فرشحوا لي ابنتهم الصغرى نورين البالغة من العمر ست سنوات، ولصغر سنها فإنها لا تقرأ من الصور إلا رموزها الكبيرة، كالجبل والبحر والأشخاص، أخبرني والدها بأنها تعشق الكاميرا من صغرها، وتشعر بسعادةٍ كبيرة حينما تلتقطا عدستها، تجيد التحليل بلغتها البسيطة التي تعتمد على مخيلتها البريئة، لا تعرف من هذا العالم إلا روح الطفولة وجمال الطبيعة، كل ما استطاعت قوله أنها تفرح حينما ترى صورة تجذبها.
تراقب نورين أباها حينما يحمل الكاميرا، تتابعه بشدة أثناء التصوير، تتعجب منه حينما تراه واقفاً حينا، وجالساً أحياناً، ومتكئاً في وضعية، ومستلقياً في أخرى، ولا تدرك تلك الطفلة، أن الكاميرا فنٌ يحتاج إلى دقةٍ واصطياد، كل ما تخاله أن أباها يحاول إضحاكها لا أكثر.
بعدها تحدثتُ لوالدها، فعلمتُ أنه أحد المشاركين في المعرض بلوحتين، دخل إلى هذا العالم الجميل في عام 1996م، ومن يومها يشارك كل سنة في معرض الجمعية، ولديه صفحة شخصية في موقع على شبكة الإنترنت، يعرض فيها كل صوره التي يلتقطها باستمرار.
يسافر سليمان بن محمد الريامي كثيراً من أجل التقاط صور مميزة لطبيعة مغايرة، فكثيراً ما يتردد على جمهورية باكستان وشرق آسيا وشرق أفريقيا، تستهويه تنزانيا وغاباتها الكثيفة، التي تجد الكاميرا مرتعاً خصبا لعدستها، يحب أبو نورين الطبيعة كثيراً، يميل للحياة البرية، يرصد دقائق الحركة فيها.
يشعر سليمان بأن المعرض يتطور باستمرار، والإقبال في المشاركة فيه بدأت تزداد، خصوصاً الفتيات، اللاتي بدأن يفرضن أنفسهن بقوة في معارض الجمعية، يمني النفس بأن تنشأ جمعية خاصة مستقلة عن جمعية الفنون التشكيلية، فالتصوير الضوئي أصبح هواته كثيرين.
بعدها تركت لنفسي فرصة محاورة بعض الصور، واستنطاقها قدر الإمكان، فتولد لدي شعورٌ جميل آسر، يرتفع بك إلى مدىً بعيد، تتخلص فيه النفس من شوائب الهموم، ومطاردة الرزق، ومشاحنات البشر، فاستوقفتني إحدى اللوحات، وهي اللوحة الفائزة بالمركز الأول للفنان المصوّر أحمد بن عبد الله الشكيلي في صورة للطبيعة باللونين الأبيض والأسود، غضب الأمواج بدأ فيها يشعرك بالخوف من واقع الحياة، التي أصبحت فيه قوى الشر تتصارع بجبروت في محاولة إبادة الخير، إلا أن تلاطمها ينتهي حينما تصل إلى الجبل الشاهق المحاذي للشاطئ، فتشعر أن صمود الخير سيستمر، ولن تستطيع الأمواج العاتية أن تزعزع ثبات الجبل الراسي، الغيوم الملبدة في لونها الأبيض يوحي بانهمار بشائر قادمة، فيبسم القلب، تلك الفسحة القليلة التي قضيتها في تمعن اللوحة منحني عزماً على كتابة قصيدة في صباح الغد، خصوصاً وأنا أرى إشراق الروض في كل صباح.
نتائج المعرض في قسم الطبيعة باللونين الأبيض والأسود جاءت كالتالي:
الفائز بالمركز الأول: أحمد بن عبد الله الشكيلي
الفائز بالمركز الثاني: سالم بن محمد الوردي
الفائز بالمركز الثالث: رشا بنت سعود العبدلي
أما القسم الثاني الملون المسمى باللحظة الحاسمة جاءت نتائجه كالآتي:
الفائز بالجائزة الكبرى: حمد بن سلام السليمي
الفائز بالمركز الأول: أحمد بن محمد الطوقي
الفائز بالمركز الثاني: عبد الكريم بن يحيى الهنائي
الفائز بالمركز الثالث محمد بن شرهان البلوشي
أغلب الناس اشتكى من الدعم، وكثيراً ما نجد الفنانين يشتكون من قلة الدعم، لكن ما أدهشني غياب الفنان المشارك في المعرض، فأين هو من شرح صوره للزوار، بل أين هو ليفرض نفسه شامخاً وهو يقف أمام أنفس ما يملك من موهبة، وهي لوحاته التي تعب في التقاطها، لماذا نثور على تقصير الآخرين في حقنا، ولا نكترث بالتقصير في حق أنفسنا والآخرين، ثم إلى متى سنظل نضرب على وتر الدعم في كل أمسيةٍ ومحفل؟ ألا يجد هذا البلد من يساهم ويدعم ويشجع؟ وأنت أيها القطاع الخاص هل ستكفت يديك في كل مرة؟ أم أنك ستبسطها في قادم الأيام، فتساهم في دفع عجلة بناء الإنسان والعمران، فكلنا اليوم عمان وكلنا نبضٌ واحد.
لماذا ننفق على اللوحات الأجنبية وتبقى لوحات فنانينا حبيسة الجدران
كتب : أحمد بن سيف الهنائي، جريدة عمان، الأربعاء 31/12/2008م
النفس الراضية الجميلة تبحث عن الجمال في كل مكان، يستهويها التفتيش في حدائق الحياة المنتشرة، فالطيور تحلق في الفضاء، وكلنا يرى سربها، لكن هناك من يستطيع أن يؤطرها في حيّزٍ معين، يبرزها بطريقةٍ ساحرة، تأنس بها النفس، وينشرح لها الصدر، فالفنان الحقيقي هو الذي يحوّل الصحراء إلى لوحة زاهية تخلب اللب، وتفتح للنفس آفاقاً أكبر في السفر إلى عوالم الصحراء، وما توحيه من إشاراتٍ روحية، تزيل عناء الإجهاد اليومي ومتاعب الحياة.
ليس صعباً، أن تقرأ لوحةً بعدسة مصوّرٍ محترف، فهو لا يلتقطها بعينه فقط، بل تشاركه فيها أنفاس البشر، فتأتي الصور بأمزجةٍ مختلفة، يستطيع كل واحدٍ أن يتأملها بأعماقه الباحثة عما ينقصها ويسحرها، وهكذا تكون المتعة الحقيقية في مشاهدة لوحات الفنانين التشكيليين «بآلات تصويرهم» التي تحمل هي الأخرى روح الحياة والبحث عن الإبداع وغموض البساطة.
تم افتتاح معرض التصوير الضوئي في جمعية الفنون التشكيلية بمشاركة عدد من المصورين الواعدين، يحدوهم الأمل في نقل صورة الحياة اليومية، إلى المتابع برؤىً مختلفة، وأفكارٍ متناهية الإبداع متماهية الإمتاع، حضروا بلوحاتهم، لتحتضنها صالتي العرض بالجمعية، فكان الإقبال قوياً في الافتتاح كالعادة، لتقفر من جديد في صباح يومها التالي وحتى نهاية فترة العرض التي قُدِّر لها أن تستمر أسبوعاً كاملاً.
في الساعة الخامسة والربع عصراً، ذهبتُ إلى مقر الجمعية، لألقي نظرةً على تلك اللوحات المعروضة، ظننتُ أن المعرض سأجده يموج بالزوار والمتذوقين، لكني فُقتُ من حلمي الجميل، حينما وجدتُ نفسي داخل صالةٍ باردة مقفرة، وكأنها قبرٌ لا أنيس فيه ولا حبيب، قررت أن لا أكترث كثيراً، ولو أني أتيتُ لألتقي بالفنانين والجمهور، فلم أجد أياً منهم، فطفقتُ أتأمل اللوحات وأسبر أغوارها، حتى داهمني أول الداخلين، فشعرتُ بسعادة واكتشفتُ حينها أن هذا المكان ليس مهجوراً فِعلاً.
حسن بن عبدالله الرئيسي متابعٌ جيد للفن التشكيلي بوجهٍ عام، والتصوير الضوئي بشكلٍ خاص، كان يقف أمام اللوحات كثيراً، وكأنه يتبادل معها حديث الغرام أو بوح المحزون، يتأمل بخوفٍ وقلق، يرسل نظرات الألم والحسرة، فدنوتُ منه أحادثه، فأخبرني أنه يأسف كثيراً للحال الذي آل إليه الفن التشكيلي، وأن الصورة مقلوبة والوضع لا يُحْتمل، فالفن الذي يُفترض أن يبعث الحياة، هو اليوم يعاني الموت، فلا يوجد له رواجٌ في هذا البلد.
يواصل حديثه عن الدعم الغائب، وعن القصور الدائم من القطاع الخاص، خصوصاً الشركات الكبرى، التي لا تخجل من مواقفها السلبية وتجاهل المبدعين في هذا الوطن، تجدها تشتري اللوحات الأجنبية بأموالٍ طائلة، بينما لوحات الفنان العماني تبقى حبيسة جدران منزله إلى أن يأتي عليها الدهر فيجعلها أطلالاً بالية، في أحيانٍ أخرى لا يحتاج الفنان إلى دعمٍ مادي من تلك الشركات، بقدر ما يحتاج إلى دعمٍ معنوي في اعترافٍ بسيطٍ به، كأخذ صوره ولوحاته وتعلّق في مداخل الشركات وحوائط مكاتبها، ولو في فرعٍ واحدٍ على الأقل من فروعها في السلطنة.
يرى حسن أن مهندس الديكور في أي مؤسسة يستطيع أن يستفيد من تفاصيل اللوحات في تصميم الديكور، خصوصاً في انتقاء الألوان، فهذا هو الآخر يعدُّ دعماً للفنان الضوئي، كذلك الإعلام يتحملُ جزءا كبيراً من تهميش المبدعين وتجاهلهم، فنادراً ما تجد التلفزيون حاضراً في المعارض المستمرة، أما الإعلام المقروء فإنه دائماً ما يكتفي بالخبر المصغر عن افتتاح المعرض في اليوم الأول، وبعدها لا تسمع للمعرض حِساً.
يؤكد الرئيسي على أن الكاتب العماني يتحمل جزءًا من إهمال زميله الفنان، فدوره غائبٌ في نشر بساط هذا الفن في المجتمع، نادراً ما تجد كاتباً يقرأ لوحةً بطريقةٍ سلسة وبارزة، تجعل المشاهد يُقبل على ارتياد معارضها، المسؤولية جماعية، لذلك فإني أجد الجمعية العمانية للفنون التشكيلية مشاركةً هي الأخرى في كساد رواج فنانيها، فلا يفترض بها أن تكتفي بعرض اللوحات فقط، بل يجب أن يكون لها دور كبير في الإعلان والتسويق والتشجيع.
لكثرة اهتمام حسن بالفن التشكيلي فإنه دائم التطواف في بلدان متعددة، بحثاً عن معارض متميزة، فقد تعود الترداد على المغرب والأردن والإمارات ومصر وغيرها من البلدان العربية، وقد لفتته الضجة الإعلامية والإقبال منقطع النظير في المغرب العربي على اللوحات الفنية، والاقتتال على شرائها، وبأسعارٍ مبالغٍ فيها، هنالك يعيش الفنان مرفَّهاً، فلوحاته تأتيه بالذهب، لذا تجده متفرغاً لفنه، منقطعاً عن أي شيءٍ آخر غيره، فهو كنزه الذي لا يفنى.
وعليه فإني بادرته بالسؤال عن تقييمه للوحات العمانية بحكم تجواله الدائم للوحات الفنانين العرب، فأجاب بأن اللوحات العمانية لا تقل إبداعاً عن لوحات المغرب العربي، ولكن للأسف الشديد يبقى الفنان مظلوماً ولا يمنح الدعم الكافي ليسانده ويعينه على مواصلة إبداعه، أنا معجب بفنهم الجميل وفخورٌ بهم، في الوقت نفسه أرثي لحالهم، وأشعر بالغصة لأجلهم.
في أثناء حواري مع حسن شاهدتُ عائلة مصغرة مكونة من أبٍ وأم وثلاثة أطفال يجوبون أرض المعرض، متنقلين من لوحةٍ إلى أخرى، وهم يتبادلون الابتسامة اللطيفة، قررتُ أن أغتنم الفرصة لأخذ بعض انطباعاتهم عن المعرض والفن بشكلٍ عام، فرشحوا لي ابنتهم الصغرى نورين البالغة من العمر ست سنوات، ولصغر سنها فإنها لا تقرأ من الصور إلا رموزها الكبيرة، كالجبل والبحر والأشخاص، أخبرني والدها بأنها تعشق الكاميرا من صغرها، وتشعر بسعادةٍ كبيرة حينما تلتقطا عدستها، تجيد التحليل بلغتها البسيطة التي تعتمد على مخيلتها البريئة، لا تعرف من هذا العالم إلا روح الطفولة وجمال الطبيعة، كل ما استطاعت قوله أنها تفرح حينما ترى صورة تجذبها.
تراقب نورين أباها حينما يحمل الكاميرا، تتابعه بشدة أثناء التصوير، تتعجب منه حينما تراه واقفاً حينا، وجالساً أحياناً، ومتكئاً في وضعية، ومستلقياً في أخرى، ولا تدرك تلك الطفلة، أن الكاميرا فنٌ يحتاج إلى دقةٍ واصطياد، كل ما تخاله أن أباها يحاول إضحاكها لا أكثر.
بعدها تحدثتُ لوالدها، فعلمتُ أنه أحد المشاركين في المعرض بلوحتين، دخل إلى هذا العالم الجميل في عام 1996م، ومن يومها يشارك كل سنة في معرض الجمعية، ولديه صفحة شخصية في موقع على شبكة الإنترنت، يعرض فيها كل صوره التي يلتقطها باستمرار.
يسافر سليمان بن محمد الريامي كثيراً من أجل التقاط صور مميزة لطبيعة مغايرة، فكثيراً ما يتردد على جمهورية باكستان وشرق آسيا وشرق أفريقيا، تستهويه تنزانيا وغاباتها الكثيفة، التي تجد الكاميرا مرتعاً خصبا لعدستها، يحب أبو نورين الطبيعة كثيراً، يميل للحياة البرية، يرصد دقائق الحركة فيها.
يشعر سليمان بأن المعرض يتطور باستمرار، والإقبال في المشاركة فيه بدأت تزداد، خصوصاً الفتيات، اللاتي بدأن يفرضن أنفسهن بقوة في معارض الجمعية، يمني النفس بأن تنشأ جمعية خاصة مستقلة عن جمعية الفنون التشكيلية، فالتصوير الضوئي أصبح هواته كثيرين.
بعدها تركت لنفسي فرصة محاورة بعض الصور، واستنطاقها قدر الإمكان، فتولد لدي شعورٌ جميل آسر، يرتفع بك إلى مدىً بعيد، تتخلص فيه النفس من شوائب الهموم، ومطاردة الرزق، ومشاحنات البشر، فاستوقفتني إحدى اللوحات، وهي اللوحة الفائزة بالمركز الأول للفنان المصوّر أحمد بن عبد الله الشكيلي في صورة للطبيعة باللونين الأبيض والأسود، غضب الأمواج بدأ فيها يشعرك بالخوف من واقع الحياة، التي أصبحت فيه قوى الشر تتصارع بجبروت في محاولة إبادة الخير، إلا أن تلاطمها ينتهي حينما تصل إلى الجبل الشاهق المحاذي للشاطئ، فتشعر أن صمود الخير سيستمر، ولن تستطيع الأمواج العاتية أن تزعزع ثبات الجبل الراسي، الغيوم الملبدة في لونها الأبيض يوحي بانهمار بشائر قادمة، فيبسم القلب، تلك الفسحة القليلة التي قضيتها في تمعن اللوحة منحني عزماً على كتابة قصيدة في صباح الغد، خصوصاً وأنا أرى إشراق الروض في كل صباح.
نتائج المعرض في قسم الطبيعة باللونين الأبيض والأسود جاءت كالتالي:
الفائز بالمركز الأول: أحمد بن عبد الله الشكيلي
الفائز بالمركز الثاني: سالم بن محمد الوردي
الفائز بالمركز الثالث: رشا بنت سعود العبدلي
أما القسم الثاني الملون المسمى باللحظة الحاسمة جاءت نتائجه كالآتي:
الفائز بالجائزة الكبرى: حمد بن سلام السليمي
الفائز بالمركز الأول: أحمد بن محمد الطوقي
الفائز بالمركز الثاني: عبد الكريم بن يحيى الهنائي
الفائز بالمركز الثالث محمد بن شرهان البلوشي
أغلب الناس اشتكى من الدعم، وكثيراً ما نجد الفنانين يشتكون من قلة الدعم، لكن ما أدهشني غياب الفنان المشارك في المعرض، فأين هو من شرح صوره للزوار، بل أين هو ليفرض نفسه شامخاً وهو يقف أمام أنفس ما يملك من موهبة، وهي لوحاته التي تعب في التقاطها، لماذا نثور على تقصير الآخرين في حقنا، ولا نكترث بالتقصير في حق أنفسنا والآخرين، ثم إلى متى سنظل نضرب على وتر الدعم في كل أمسيةٍ ومحفل؟ ألا يجد هذا البلد من يساهم ويدعم ويشجع؟ وأنت أيها القطاع الخاص هل ستكفت يديك في كل مرة؟ أم أنك ستبسطها في قادم الأيام، فتساهم في دفع عجلة بناء الإنسان والعمران، فكلنا اليوم عمان وكلنا نبضٌ واحد.
تعليق