.
باسم الحنق القابع أخمص وريدي وباسم كل النهارات الباردة التي لاتتقن الدفيء إلا على وقع معاطف مهترئة ، انتهت صلاحية مقاومة الشتاء فيه منذ زمن ٍ أو يزيد!
دعونا الآن ، نخلق لنا وجعا ً يليق بثرثرة ٍ تبقى طويلاً في أرواحنا قبل أن تأتي
الريح الخماسينية وتأكلها كما أكلت قبلها قوم َ خلفان الأعور !
أ لم أخبركم بـ هذه الريح من قبل ..؟
وخلفان الأعور ؟!
يا الهي .. إن لم أكن قد فعلت فقد تركت الجزء الأكبر من ذاكرتي بعيداً عن محيطكم !!!
هذه الريح يا سادة لها قصة طويلة للغاية غير ما علمونا إياه في كتب الجغرافيا في أحد الصفوف امتوسطة حين كانت المدرسة حينها تردد أن الريح الخماسينية ريح موسمية تضرب الجزء الغربي من البلاد في موسم الصيف إن لم تخني الذاكرة .. وأظنها تخون كثيرا ً
هذه الريح لم تكن أكثر من طفلة هربت من بيت ذويها لأن والدها لم يكن يعرف حجم شغفها بالشوكولاه ، ولم يكن يفهم سبب عدم رغبتها في النومِ وقت القيلولة لتذهب في الحارة تلعب كرة القدم مع أولاد الحي .. كما لم تعد تستطيع تفهّم غضب والدها الذي يصل عادةً لربطها في رجل الطاولة الخشبية التي اشترها منذ ثلاث سنين من العامل الذي سافر لبلده بعد أن جمع مالا يخوّله لبناء قصر ٍ هنا على أرضه !
لم تعد تفهم سبب الندوب الكثيرة على ظهرها ويديها ، ولم تعد تفهم لماذا يتوجّب عليها ان تقبل به أبا ً أو بتلك الأنثى التي انحنى ظهرها أما ..!
الطفلة ذات السنين العشر لم تستطع تقبل أن القدر كتبها باسم ذلك الرجل من رجم تلك الأنثى ، هربت لتبحث عن رجل ٍ آخر تحبه ليكون أبا َ ، وأنثى أخرى جميلة تُكتب باسمها كأمٍ لها ،
ضاعت الطفلة في بلدٍ لا يحتفي إلا بالصحاري ، ولا يأتيه المطر إلا بعد توسّل الأكف التي عادةً تكون ملطّخةً بالكثير !!!!
بعد سنين عجـاف ، وبعد ما فعلته الشمس الحارقة في جسد الصغيرة ، وفي ليلةٍ تفتحت فيها أبواب السماوات ، دعت الطفلة بخشوع لم تكن تعرف له معنىً أن تستحيل لهواء ٍ تستطيع من خلاله أن تدخل أنوف الجميع دون استئذان ، وخاصة ً أنف والدها السابق لتعصر فيه الرغبة في القيلولة التي كاد يعبدها !!
ولأن السمـاء إذا فتحت أبوابها لا ترد دعاء ً ، استجيبت دعوتها وتحوّلت لريح خماسينية ، وطبعا الاسم نسبة لـ خمس ٍ سنين ٍ قضتها في الصحراء ِ شريدة !!!
ومنذها وهي تدخل وتخرج أنف ذلك الرجل حتى تمزّق شرايين أنفه وأصبح يعاني الرعاف طويلاً ، ويلعن الريح كثيرا كما كان يلعن الطفلة ولكن .. ب ضعف ٍ مختلف !!
اما عن خلفان الأعور .. فهو ذلك الرجل الذي كان يسكن قبالة ممر الوالدي في بلدتي الصغيرة ، كان كثيراً ما يثرثر عن اعصار ٍ قادم ، وعن موت ٍ فجائي ّ يغتال المدينة وعن رجل لا شنب له ولا رأس، كنتُ اصدّقه كثيرا ً ، ربما لأنه أعمى ، و ربما لأنه كان أشيب الشعر ، وكم يغريني الشعر إذا اختلط ابيضه وبأسوده ، كنت الطفلة الوحيدة التي تتعمّد رمي الكرة بمحاذاته ، لأتسلل بالقرب منه وأشم فيه رائحة الصدق ، وكان كثيرا ما يشعر به ويشير بـ [ مقشاعه ] إلى جهة الجبل ، دون أن أدرك ما علاقتي بذلك الجبل ..!
كان والدي يحذرني كثيراً منه ، وكان اخوتي الكبار يهددونني بالضرب إذا ما اقتربت منه أو تحدّثت إليه ، ورغم كم التهديدات تلك إلا أنني أنظر إليه خلسة ً وأحاول الاقتراب منه بدعاوي خادعة من طفلة مشاكسة !
ذات مرة ، وحين اقتربت منه ، أخبرني أنه يشم فيّ رائحة ً غريبة عن هذه الأرض وأن التراب الملتصق بملابسي لم يكن تراب القرية ، وأنّ مشاكستي هذه رغم براءتها إلا أنها سبب حقيقيّ في فاجعة قادمة ، قهقهت كثيرا ً دون أن أدرك حقيقة َ أن خلفان الأعور لم يكن أكثر من عرّاف يرمي بتنبؤاته على المارين ، دون أن ندرك جميعا ً أن خلفان هذا كان يرى ما لم نره نحن ، وأن الاعصـار كان أكثر من جونو هزّ الوطن ، ولم تهتزّ صخرة العم خلفـان له بعد أكثر من عشر سنين من رحيله ..!
والغريب في الأمر أني كثيرا ما أراه في منامي منبهاً إياي بوجعٍ قادم .. حتى أصبح عرافي الخـاص والذي بسببه أصبحت أتهيئ للأوجاع بحلةٍ أكثر اتزانا ً ، وتقبّلاً ..!!
.
.
[ ثرثروا .. ففي الثرثرة سلامة ! ]
باسم الحنق القابع أخمص وريدي وباسم كل النهارات الباردة التي لاتتقن الدفيء إلا على وقع معاطف مهترئة ، انتهت صلاحية مقاومة الشتاء فيه منذ زمن ٍ أو يزيد!
دعونا الآن ، نخلق لنا وجعا ً يليق بثرثرة ٍ تبقى طويلاً في أرواحنا قبل أن تأتي
الريح الخماسينية وتأكلها كما أكلت قبلها قوم َ خلفان الأعور !
أ لم أخبركم بـ هذه الريح من قبل ..؟
وخلفان الأعور ؟!
يا الهي .. إن لم أكن قد فعلت فقد تركت الجزء الأكبر من ذاكرتي بعيداً عن محيطكم !!!
هذه الريح يا سادة لها قصة طويلة للغاية غير ما علمونا إياه في كتب الجغرافيا في أحد الصفوف امتوسطة حين كانت المدرسة حينها تردد أن الريح الخماسينية ريح موسمية تضرب الجزء الغربي من البلاد في موسم الصيف إن لم تخني الذاكرة .. وأظنها تخون كثيرا ً
هذه الريح لم تكن أكثر من طفلة هربت من بيت ذويها لأن والدها لم يكن يعرف حجم شغفها بالشوكولاه ، ولم يكن يفهم سبب عدم رغبتها في النومِ وقت القيلولة لتذهب في الحارة تلعب كرة القدم مع أولاد الحي .. كما لم تعد تستطيع تفهّم غضب والدها الذي يصل عادةً لربطها في رجل الطاولة الخشبية التي اشترها منذ ثلاث سنين من العامل الذي سافر لبلده بعد أن جمع مالا يخوّله لبناء قصر ٍ هنا على أرضه !
لم تعد تفهم سبب الندوب الكثيرة على ظهرها ويديها ، ولم تعد تفهم لماذا يتوجّب عليها ان تقبل به أبا ً أو بتلك الأنثى التي انحنى ظهرها أما ..!
الطفلة ذات السنين العشر لم تستطع تقبل أن القدر كتبها باسم ذلك الرجل من رجم تلك الأنثى ، هربت لتبحث عن رجل ٍ آخر تحبه ليكون أبا َ ، وأنثى أخرى جميلة تُكتب باسمها كأمٍ لها ،
ضاعت الطفلة في بلدٍ لا يحتفي إلا بالصحاري ، ولا يأتيه المطر إلا بعد توسّل الأكف التي عادةً تكون ملطّخةً بالكثير !!!!
بعد سنين عجـاف ، وبعد ما فعلته الشمس الحارقة في جسد الصغيرة ، وفي ليلةٍ تفتحت فيها أبواب السماوات ، دعت الطفلة بخشوع لم تكن تعرف له معنىً أن تستحيل لهواء ٍ تستطيع من خلاله أن تدخل أنوف الجميع دون استئذان ، وخاصة ً أنف والدها السابق لتعصر فيه الرغبة في القيلولة التي كاد يعبدها !!
ولأن السمـاء إذا فتحت أبوابها لا ترد دعاء ً ، استجيبت دعوتها وتحوّلت لريح خماسينية ، وطبعا الاسم نسبة لـ خمس ٍ سنين ٍ قضتها في الصحراء ِ شريدة !!!
ومنذها وهي تدخل وتخرج أنف ذلك الرجل حتى تمزّق شرايين أنفه وأصبح يعاني الرعاف طويلاً ، ويلعن الريح كثيرا كما كان يلعن الطفلة ولكن .. ب ضعف ٍ مختلف !!
اما عن خلفان الأعور .. فهو ذلك الرجل الذي كان يسكن قبالة ممر الوالدي في بلدتي الصغيرة ، كان كثيراً ما يثرثر عن اعصار ٍ قادم ، وعن موت ٍ فجائي ّ يغتال المدينة وعن رجل لا شنب له ولا رأس، كنتُ اصدّقه كثيرا ً ، ربما لأنه أعمى ، و ربما لأنه كان أشيب الشعر ، وكم يغريني الشعر إذا اختلط ابيضه وبأسوده ، كنت الطفلة الوحيدة التي تتعمّد رمي الكرة بمحاذاته ، لأتسلل بالقرب منه وأشم فيه رائحة الصدق ، وكان كثيرا ما يشعر به ويشير بـ [ مقشاعه ] إلى جهة الجبل ، دون أن أدرك ما علاقتي بذلك الجبل ..!
كان والدي يحذرني كثيراً منه ، وكان اخوتي الكبار يهددونني بالضرب إذا ما اقتربت منه أو تحدّثت إليه ، ورغم كم التهديدات تلك إلا أنني أنظر إليه خلسة ً وأحاول الاقتراب منه بدعاوي خادعة من طفلة مشاكسة !
ذات مرة ، وحين اقتربت منه ، أخبرني أنه يشم فيّ رائحة ً غريبة عن هذه الأرض وأن التراب الملتصق بملابسي لم يكن تراب القرية ، وأنّ مشاكستي هذه رغم براءتها إلا أنها سبب حقيقيّ في فاجعة قادمة ، قهقهت كثيرا ً دون أن أدرك حقيقة َ أن خلفان الأعور لم يكن أكثر من عرّاف يرمي بتنبؤاته على المارين ، دون أن ندرك جميعا ً أن خلفان هذا كان يرى ما لم نره نحن ، وأن الاعصـار كان أكثر من جونو هزّ الوطن ، ولم تهتزّ صخرة العم خلفـان له بعد أكثر من عشر سنين من رحيله ..!
والغريب في الأمر أني كثيرا ما أراه في منامي منبهاً إياي بوجعٍ قادم .. حتى أصبح عرافي الخـاص والذي بسببه أصبحت أتهيئ للأوجاع بحلةٍ أكثر اتزانا ً ، وتقبّلاً ..!!
.
.
[ ثرثروا .. ففي الثرثرة سلامة ! ]
تعليق