الكندي
هو أبو يوسف يعقوب بن إسحق بن الصباح.. بنالأشعث بن قيس.. وينتهي هذا النسب إلى يعرب.
كان أبوه إسحق أميرا على الكوفةللمهدي والرشيد، وكان جده الأعلى، الأشعث بن قيس، ملكا على جميع كندة، فهو عربيصميم، ولذلك لقبوه بفيلسوف العرب.
لم يذكر أحد من القدماء ممن ترجم للكنديتاريخا منصوصا لميلاده، ولا لوفاته. والمرجح أنه ولد في حدود سنة 185 هـ، 801 م،أما وفاته فقد اختلف فيها المحدثون. كما اختلفوا في ذكر مكان نشأته ودراسته، فمنهممن قال أنه تعلم في الكوفة وانتقل إلى بغداد، ومنهم من ذكر أن يعقوب ابن الصباح كانشريف الأصل بصريا، وكان جده ولي الولايات لبني هاشم ونزل البصرة وضيعته هناك،وانتقل إلى بغداد وهناك تأدب.
ومهما يكن من أمر، فليس ببعيد أن يكون الكنديقد نزل البصرة قبل ذهابه إلى بغداد، وقد كانت هذه البلدان- الكوفة والبصرة وبغداد- مراكز الثقافة على اختلاف فنونها في بلاد الإسلام.
كان الكندي غزير المادة،خصب الإنتاج في التأليف، لم يترك ناحية من نواحي العلم إلا كتب فيها، مما دعاالعلماء القدامى إلى تصنيف كتبه بحسب موضوعاتها.
فحين ترجم له ابن النديم: أحصى تصانيفه فإذا بها تبلغ زهاء مائتين وثماني وثلاثين رسالة، صنفها إلى سبعة عشرصنفا: فلسفية ومنطقية وحسابية وموسيقية وفلكية إلخ..
مؤلفات الكنديالموسيقية:
ذكر صاحب الفهرست أن للكندي سبع رسائل في الموسيقى هي:
·رسالته الكبرى في التأليف
·رسالته في في ترتيب النغم الدالة على طبائع الأشخاص العاليةوتشابه التأليف
·رسالته في الإيقاع
·رسالته في المدخل إلى صناعةالموسيقى
·رسالته في خبر صناعة التأليف
·رسالته في صناعة الشعر
·رسالته في الأخبار عن صناعة الموسيقى
مفهوم الموسيقى عند الكندي:
لعلنانستطيع أن نجمل رأي الكندي وفلسفته في الموسيقى في العبارة الآتية التي جاءت فيإحدى رسائله وهي: " الموسيقار الباهر الفيلسوف يعرف ما يشاكل كل من يلتمس إطرابه منصنوف الإيقاع والنغم والشعر، مثل حاجة الطبيب الفيلسوف إلى أن يعرف أحوال من يلتمسعلاجه أو حفظ صحته".
فالموسيقى في نظر الكندي: " معرفة لا بد اكتسابهابالدرس والتحصيل، وكما يتحتم على الطبيب أن يأخذ بعين الإعتبار أمورا كثيرة قبل أنيهيئ العلاج، كذلك يتحتم على الموسيقار أن يفعل قبل أن يصنع الألحان.
لهذايتناول الكندي موضوع الموسيقى من مختلف النواحي: النغمات، ما يتفق منها وما يتنافرعند التأليف، الإيقاعات وعدد نقراتها وما يرافق كل منها من الألحان، أثر الموسيقىفي النفس وما تبعثه ألحانها فيها من سرور وحزن وشجاعة، أثر الألحان المختلفة فيالصحة والأمزجة، المناسبة بين الأوتار والنغمات والأجرام السماوية وغير ذلك، فيضعلكل هذه الأمور، الدساتير التي ينبغي أن يسير بموجبها الموسيقار الباهر، مؤيداأقواله بالبراهين الرياضية، والأدلة المنطقية.
وهكذا يعتبر الكندي أول منأدخل الموسيقى إلى الثقافة العربية، فأصبحت من ضمن مناهج الدراسة العلمية، وجزءا منالفلسفة الرياضية. وكان هذا بطبيعة الحال نتيجة التأثر بالمدرسة الإغريقية، بمانقله العرب من العلوم اليونانية إلى العربية في مختلف نواحي المعرفة ومنهاالموسيقى.
فصارت كلمة " الموسيقى" باللغة العربية تعني علم الموسيقى بينماكلمة "الغناء" التي كانت قديما تعني أداء الألحان والموسيقى بصورة عامة، صارت تطلقعلى الفن العملي فقط.
ويضع الكندي الموسيقى في تصنيفه للعلوم ضمن العلمالأوسط، فيوضح بذلك وضع هذا العلم بين علمين، علم ما فوقه وما تحته، ويقسمه إلىأربع أقسام.
·علم العدد والمعدودات وهو الأرثماطيقي
·علم التأليفوهو الموسيقى
·علم الجاومطرية وهو الهندسة
·علم الأسطرونومية وهوالتنجيم
وبهذا صارت الموسيقى عند العرب أحد العلوم الرياضية، وعنصرا منعناصر الحكمة الرباعية المسماة Quadrivium والتي أخذوها عن اليونان. وإن فهم هذهالنقطة هو في غاية الأهمية، خشية أن يتبادر إلى الأذهان أن العرب نقلوا ألحانهم عناليونان، أو أن الموسيقى العربية من أصل يوناني أو رومي أو فارسي كما يدعي بعضالباحثين.
فهناك الكثير من الشواهد التاريخية التي تثبت أن الموسيقى العربيةكانت تختلف عن موسيقى هذه الأمم. فالكندي في مواضع كثيرة من رسائله يشير إلى هذافيقول: " إن لكل قوم من هذه الآلة (أي العود) مذهبا هو ليس لغيرهم.. فمذهب الفرساستعمال الخفة بعد وقوفهم على طرقهم المعلومة، إذ هي شبيهة لهم بالأصول.. ومذهبالروم أيضا في الألحان الثمانية الأسطوخسية.. وكذلك أيضا مذهب العرب بالضرب اللائقبغنائهم، كأصولهم الثمانية أي الثقيل والخفيف والهزج". ويقول في موضع آخر: "وتعليمفنون كثيرة أعني عربي وفارسي ورومي وغير ذلك..".
*التأثير النفسي للموسيقىفي نظر الكندي: ويسهب الكندي في تأثير الموسيقى في نفوس الكائنات الحية، فيقول: وكيف أن الفلاسفة صنعوا آلات كثيرة تناسب تأليف الأجساد الحيوانية، ويظهر منهاأصوات مشاكلة للتركيب الأنسى، ليظهروا بذلك مقدار شرف الحكمة وفضلها".
يم يذكرأمثلة لذلك، فالدلفين والتمساح إذا سمعت الزمر وصوت البوق فإنها تطرب وتخرج إلىالماء، والخيول والغزلان تلذها أصوات الأوتار، والطواويس عندما تسمع الألحان تنتشرأجنحتها وتختال علامة الفرح، والطيور عامة تعجبها الأصوات الحنونة، فتقف مصغية. أماتأثيرها في الإنسان فواضح أكثر، فهناك الألحان المفرحة والمحزنة، ومنها ما يبعث فيالنفس الشجاعة والإقدام، ومنها ما يبعث الهدوء والنوم.
وهكذا نرى الكندييصنف الألحان حسب تأثيرها في النفس إلى ثلاثة صنوف:
·اللهوي والطربي والتلذذيوالتنعّمي، وهي الألحان المطلوبة
·الجرأة والنجدة واليأس والإقدام، وهيالألحان الجريئة
·للبكاء والحزن والنوح والرقاد، وهي الألحانالشجية
فللطفولة ألحانها، وللشباب والشيخوخة كذلك، والألحان في الصيفوالشتاء وألحان الصباح والمساء والليل، وغير ذلك على نحو ما نقرأه بإسهاب في مواضعكثيرة من رسائله.
التأثير الطبي للموسيقى:
ويتناول الكندي أيضا الألحان منناحية طبية، فيبين أن الألحان تؤثر في الجسم فتساعد على الهضم، وتبعث في الكيموساتالتلطيف والتنظيف. ثم يتناول النغمات والأوتار والإيقاعات ويذكر ما يفيد منهالأعضاء الجسم فيقول: " نغمات الزير مناسبة لإيقاع الماخوري، وهما مقويان للمرارالأصفر، محركان له، مسكنان للبلغم مطفئان له. ونغمات المثنى مناسبة للثقيل الأولوالثاني، وهي مقوية للدم، محركة له، مسكنة للسوداء، مطفية له..". ويفعل هذا معنغمات المثلث والبم أيضا. وهكذا يجعل الكندي من النغمات والنقرات وصفات طبية لأعضاءالجسم.
السلم الموسيقي للكندي:
يعتبر الكندي أول من دون الموسيقى بالأحرفالأبجدية، يشهد على ذلك السلم الموسيقي الذي دونه في مخطوطته الموسيقية، وذلك نسبةإلى أوتار العود.
وهكذا وجدت مخطوطة للكندي سجل فيها لحنا مدونا يضعه كتمرينودرس أول للتلميذ الذي يتعلم الضرب على العود. وهذا اللحن يعتبر أقدم وثيقة موسيقيةللحن مدون، لا عند العرب فقط بل في تاريخ العود الذي كان معروفا منذ الألف الثانيقبل الميلاد. وقد حلل هذا اللحن ووضع نغماته في إطار إيقاعي حسب السلم الموسيقيالحديث.
تعليق