كان سعيد كغيرة ممن سنحت لهم ظروف الحياة للبدء في تعمير منزل الأحلام ليجعل عصارة عمله وجهده في ذلك البيت ويعمره بمواصفات هي الأرقى وبتصاميم يود أن تكون مختلفة شكلاً ومضموناً والأهم من كل هذا وذاك بأن يختار وبإتقان أعلى جودة مهما كانت القيمة لتعيش معه سنوات طويلة لذلك كان البحث عن أفضل بلاد التصنيع شغله الشاغل ، تحمس سعيد في هذه التفاصيل جعله مصيدة لأصحاب الضمائر الميتة التي باعت أمانتها من أجل الحصول على المال بأية طريقة كانت .
أحد المعارف المقربين أغراه بأبواب خشبية ذات جوده عالية ومظهرها يدل على ذلك ومصنوعة في المكسيك، وذات تصميم فريد مما جعل سعيد لا يتردد في دفع المبلغ المطلوب دفعة واحده لتركيب أكثر من واحد وثلاثين باباً ،إلا أنه لم يمر أسبوع حتى بدأت هذه الأبواب بالتشقق ليكتشف بأنها تختلف عن النموذج الذي رآه وبأنها محشية من الداخل بأردى أنواع الخشب وقد جلبها له من الصين معقل التقليد ...
وقبل ذلك قام نفس الشخص باقتراح تاجر أمريكي يجلب المطابخ من أمريكا وبمواصفات عالية ونادرة ...وما أن سمع سعيد اسم أمريكي حتى بادر بعقد صفقة مع التاجر والذي أتضح بأنه ليس تاجراً بعد ذلك ، حيث قام بدفع أكثر من عشرة آلاف وهو فرحاً ومتأملاً ... إلا أن تأجيل موعد التسليم من شهر إلى شهر ، وهروب التاجر الأمريكي من الرد على الاتصالات الهاتفية واختفائه بعد ذلك تماماً جعل سعيد يتجه للقضاء ليتفاجأ بأنها ليست القضية الأولى وبأن هناك غيره الكثير كما أن مثل هكذا قضايا تحتاج إلى مبالغ طائلة تدفع للمحاميين ... على الرغم من ذلك لم يأتي هذا نفعاً مع التاجر النصاب فقد غير مكان سكنه بعد أن وصله استدعاء من المحكمة لحضور المحاكمة ، فأصبح سعيد يقضي وقته في المحاكم في انتظار قرار الرحمة من التاجر لحضور المحاكمة وإذا لم يقرر فأن الحكم سيكون غيابياً دون أي فائدة لسعيد وستبقى قصته عظة لعشاق المستورد...
هذه القصة ذكرتني بقطار كهف الهوته والذي زرته مؤخراً لأكتشف بعد أن وصلت في الواحدة ظهراً بأن القطار معطل وبأنه لا بد من أخذ حمام شمسي لمسافة أربعمائة متر قبل الدخول للكهف ، فالقطار النمساوي الصنع والذي يصل قيمته أربعمائة وخمسين ألف ريال عماني عمل لفترة قصيرة بعد افتتاح الكهف وبعدها أصبح تحفة إلى جانب السكة الحديدية والتي تشعرك وكأنك في منطقة سير قطار مهجورة .
مهندسين وفنيين متخصصين من اليابان وغيرها أتوا لمعاينة القطار فاكتشفوا بأن القطار غير مهيأ للعمل في مناطق ذات حرارة مرتفعة مما يجعل البطارية المحركة له تذوب فهو غير صالح للاستخدام ... لكن أين مكان الشركة النمساوية المصدره للقطار من كل ذلك ؟! للأسف بأن غياب الضمان ولو لفترة بسيطة جعلها غير مسئولة مما حدث للقطار ، أفيعقل بأن مشروع كهذا وبذلك المبلغ الطائل ليس له ضمان...
هنا كأنني أقرأ فقرة من كتاب في بلاد الرجال للكاتب الليبي هشام مطر عندما يتحدث عن استيراد صديق أبيه موسى لتواير وإطارات من نيوزلندا بكميات كبيرة لمجرد أنها من نيوزيلندا وبعد بيعها أخذت في الذوبان وهي في السيارات لعدم مواكبتها لدرجات الحرارة العالية فهي صممت لنيوزلندا الباردة وليست لليبيا الحارة ولكن العشق الجنوني للمستورد جعله يخسر تجارته وثقت الناس به...
تعليق