السلام عليكم
بعد غيابي لفترة ليست بالقليلة لظروف لاداعي لذكرها
حبيت أرجع بس مب خالية الإيدين عشان جيه
كتبت هالقصة القصيرة إنشالله تعجبكم وأنتظر
ردودكم وتعليقاتكم وإنتقاداتكم إن وجدت
وشكرا
حبيت أرجع بس مب خالية الإيدين عشان جيه
كتبت هالقصة القصيرة إنشالله تعجبكم وأنتظر
ردودكم وتعليقاتكم وإنتقاداتكم إن وجدت
وشكرا
إهداء إلى كل شعب ناضل ولازال يناضل من أجل الحرية وإلى كل شخص لازالت لديه مشاعر الولاء تجاه الوطن
الكاتبة : أنـــــــا
من أجل الحرية
كنت أنا وحبيبي هناك خلف المنزل نضحك ونعد بعضنا بالحب, قبل جبيني ثم أخرج من جيبه خاتما وأعطاني إياه , خانني انتباهي ساعتها وبدون إدراك ارتميت في أحضانه , شعرنا بالخجل من بعضنا لدقائق ولكن سرعان ما نسينا ما حدث بيننا ووعدنا بعضنا أن لا نخبر عائلتينا بما حدث كيلا نوبخ , كنا عائلتين نعيش في منزل العدو نخدمهم مقابل أن لا يبلغوا عنا السلطات , فقد كانت العساكر تجوب المدينة بحثا عن المواطنين الذين لم يقبلوا الولاء للحكومة الجديدة , وقد كنا قلة قليلة, أبي عاصم جندي سابق , وقد أقسم أن لا يخضع للعدو مهما كانت العواقب , وخصوصا بعد استشهاد والدتي برصاص العدو حين هاجموا منزلنا يوم الجمعة المنقضي ,كنت أنا وأخي يزن نفخر بوطنية والدنا ولازلنا , أنا في العشرين من عمري و أخي يزن في الثالثة عشر ,هربنا مع عائلة جارنا الوطني الآخر العم جهاد وزوجته ميريم وابنتهما ندى التي كانت حاملا في شهرها التاسع أما زوجها عصام فقد تخلى عنها لأنه وعائلته قبلوا بالخضوع إلى الحكومة الجديدة , ومرداس أخيها حبيبي الذي كان سيخطبني والذي كنت وإياه نعيش قصة حب كما يقال تحت الرصاص , أشعر أحيانا تجاهه بأنه طفل كبير , فلطالما كان يخبرني عن مخاوفه من الموت وكان يسألني دائما عن الشعور الذي سيشعر به حين يشنق على أيدي العدو, وكيف ستكون سكرات الموت فأكتفي بالقول أنه لن يشنق لأني سأكون إلى جانبه دائما لأحميه ,العم جهاد كان ينعته دائما بالجبان ولكني أرى أنه أكثر الرجال شجاعة ورجولة على سطح الأرض , فعلى الرغم من مخاوفه من الموت والشنق إلا أنه يرفض أن يخضع للعدو حتى وإن قتل , وهذا ما يجعلني أتعلق به أكثر وقد كان في الثالثة والعشرين من عمره , وأختهما نهى الصغيرة الأكثر شجاعة وذكاءا بيننا كانت في الخامسة من عمرها , استطاعت أن تكسب محبة عائلة السيد رونالد الذي كان يؤوينا , حتى أن مربية جوليت ابنته الصغيرة التي تعمل لديهم قالت لي ذات يوم أنها لم ترى طفلة أذكى من نهى وقد كانت نهى تناديني دوما بأمي لشدة حبها لي , كنا عائلتين نسكن في بيت الخدم وكان ضيقا جدا وتكسوه الرمال ومكشوف السطح ماعدا غرفتين وكانت تمتد في وسط منزلنا نخلة أسميتها ونهى شجرة الحرية لكنا لم نكن نشتكي فالحرية لا تعترف بالفقر وعندما أتى اليوم الحاصل وقد أسميناه حاصلا لأننا كنا نعلم إنه سيحصل في يوم من الأيام أن يعلم العدو أن عائلة السيد ورونالد تؤوينا , أذكر عندما كنت في المطبخ أنظف الأطباق وسمعت صوت دخول العساكر إلى منزل السيد رونالد باحثة عن عائلتينا , مشيت أمام أعينهم واتجهت إلى بيت الخدم لأخبرهم بقدوم الجيوش , كان الجميع موجودا ماعدا نهى فقد كانت تلعب مع جولييت ومربيتها في المنزل الكبير , بدأنا بتنفيذ خطة الهرب التي وضعناها بقيادة الجندي عاصم أي والدي, وكانت تقتضي أن ننزل جميعا في حفر تحت الأرض داخل المنزل كنا قد حفرناها مسبقا إلى حين انتهاء العدو من عملية التفتيش , وتولى يزن مهمة تغطية رؤوسنا وبعدها تسلق النخلة , كنا قادرين أن نتحمل البقاء تحت الرمال ولكن ندى كانت تقاوم قلة الأكسجين تحت الأرض بصعوبة كونها حاملا وفي شهرها التاسع , سار العدو فوق رؤوسنا وكان صوت أنفاس ندى يعلو شيئا فشيئا ولكن ولحسن الحظ خرج العدو من منزلنا بسرعة , نزل يزن من أعلى الشجرة وساعد ندى على الخروج والتي كانت مذعورة تماما من هول الموقف , قرر الجندي عاصم أن يقسمنا إلى ثلاثة فرق حتى نهرب دون أن يشعر بنا أحد , والدي عاصم وأخي يزن وندى في فرقة , وأنا وحبيبي مرداس في فرقة , والعم جهاد وزوجته في فرقة أخرى , كل ما أذكره من تلك الليلة يد والدي حين ضرب على ظهري بقوة كما لو أنه يخاطب أحد جنوده وهو يقول لي أنا أعتمد عليك يا وصال فلنلتقي جميعا في البلدة المجاورة عند الحدود , أمسكت بيد مرداس وجرينا سريعا وعندما هممنا بالخروج سمعت صوت نهى التي كان جولييت تمسكها وهي تناديني أمي أمي لا تتركيني , كنا قد قررنا ترك نهى عند عائلة السيد رونالد لأنها ستكون بأمان فحضوضها كانت أفضل , أذكر يد مرداس التي كانت ترتجف في يدي وهو يستعجلني في الهروب , لعل لدي عشق للغة الأيدي تلك , لم أستطع ترك نهى فجريت لها وحملتها بالرغم من إصرار جولييت على بقائها ولكن دون جدوى , فالأم لا يمكنها احتمال رؤية دموع أبنائها واشتياقهم لحظنها دون أن تجري إليهم لتحقيق ذلك , ففي تلك اللحظة نسيت أن نهى أخت حبيبي وليست ابنتي , جريت أنا ونهى ومرداس بأقصى سرعتنا , كانت نهى تجري أمامنا وكانت أسرع منا , أما مرداس فكانت رجليه تخذلانه ليسقط على الأرض ثم يبقى جالسا وهو يبكي بحرقة راجيا لي بأن أدعه وأهرب بسبب خوفه من أن يردينا العدو بالرصاص ونحن نجري , فكنت أجلس بجانبه وأنظر في عينيه الدامعتين ثم أمسك يده وأضعها على خدي ليلتمس دفئه وأقول له بأني أحبه ولن أتركه مهما كانت النتائج , ونهى تطلب منا الإسراع في الجري , أذكر جدران قريتنا الحبيبة الملطخة بالدماء وأنا أجرى بينها , أذكر بيوتنا البسيطة والتي كانت مليئة بالمحبة وكيف أصبحت مليئة بالأشباح , أذكر السياج الضخم الذي اجتازته نهى دون مشقة من الأسفل , وكانت تقف خلفه وتدعونا للنزول من أسفلة , كنت قادرة على الزحف من أسفله ولكن مرداس لا يمكنه إلا أن يقفز من أعلاه كونه رجل ضخم الجثة , فكنت عند وعدي له بأني سأكون إلى جانبه في كل خطوة يخطوها , تسلقت وحبيبي ذلك السياج العالي على الرغم من ضعف أوصالي كأنثى , وعندما اجتزناه لم تكن نهى هناك , بحثنا عنها حول السور ولكنا لم نجدها, ثم قررنا أنا ومرداس أن ننقسم للبحث عنها ثم الالتقاء عند السور , بحثت عنها مطولا ولكن لم أجدها فعدت أدراجي ووقفت عند السور على أمل أن يجدها مرداس , ثم أقبل مرداس وقد حملها بين يديه , جريت إليه ثم نظرت لنهى التي كانت ملطخة بالدماء وقد فارقت الحياة , كان صدرها شبه مفتوح فقد مرت خلاله آلاف الرصاصات , أذكر كيف انهالت دموعي بحرقة دون توقف كالنهر الجاري خصوصا بسبب شعوري بالذنب لأني كنت السبب في ما حدث لها , أذكر كيف كانت الصرخات المقهورة حبيسة في صدري وتضغط علي كي اسمح لها بالخروج ولكن دون جدوى , فقد عودني الجندي عاصم أي والدي أن أبقى كل ما أشعر به من ألم ووجع وأحزان في صدري حتى لا يحس من حولي بالشفقة والتوجع على حالي , كان مرداس ينظر إلي وهو فاقدا للأمل تماما منتظرا لي بأن أصدر الأوامر بالاستسلام للموت , قبلت جبين نهى الصغيرة وساعدت مرداس على إنزالها ووضعناها قرب السياج الذي اجتازته بكل شجاعة , غطى مرداس وجهها بمعطفه وجرينا , وصلنا حتى جسر البلدة الذي تسير عليه عربات التجار والذي يقع في وسط البلدة تماما , نزلنا أسفله أنا ومرداس وكانت أنفاسنا قد انقطعت تماما من الجري وقد قررنا قضاء تلك الليلة الكئيبة أسفله, والغريب فيما حدث لمرداس بعد مقتل نهى أنه لم يعد يشتكي ولم يعد يوقفني ليبكي ولعل السبب مقارنته بين حاله وحال الصغيرة نهى التي كانت أشجع منه في أغلب المواقف وحتى ملامحها وهي ميتة لم يكن يبدو عليها الخوف أو الذعر مما حدث وإنما الإصرار والشجاعة فقط , كانت قدوتي قبل أن أكون قدوتها , نام مرداس تلك الليلة والدموع في عينية , أما أنا فلم أستطع النوم فالشعور بالذنب تجاه نهى كان أكبر همومي , لا أدري ما الذي جعلني أنتزعها من أحضان جولييت لترافقني في رحلة الموت تلك , قتلت نهى ولا أعتقد بأن مرداس سيثق بي بعد اليوم في حمايته , ماذا سأقول للجندي عاصم , هل سأقول له أني تسببت بمقتل أحد جنوده بسبب سوء التخطيط ,جلست أنظر للقمر تلك الليلة متخيلة ملامح نهى والدماء التي كانت تغطيها , ولم أفق حتى سمعت صوت مرداس وهو يوقظني قائلا انهضي يا وصال فقد طلعت الشمس , يجب علينا أن نصل للحدود قبل الليل , نهضت ورأيت مرداس يحدق بي وبيده تفاحة , أخذت التفاحة وأشرت عليه أن نقتسمها فيما بيننا ولكنه أبى قائلا أنه أكل حصته فقد قطف تفاحتين من شجرة قريبة واحدة لي وواحدة له , أكلت التفاحة ثم سرنا أنا ومرداس حتى أننا مررنا أمام أحد الجنود ولكنه لم يعرنا تلك الأهمية , قابلنا رجل كان جارنا في السابق ولكنه استسلم للعدو هو وعائلته ومن حينها لم نره , وعندما صافحني كانت يداه متعرقتان وترتجفان,وكنا سنرحل ولكنه استوقفنا وسألنا إن كنا قد خضعنا للعدو ويبدو على وجهه الشك فأجبته بنعم وتابعنا طريقنا ,وعندها تذكرت قول والدي أن من يخون بلده قادر على أن يخون أصحابه , ثم ودعته ومرداس وسرنا بعيدا , وبينما كنت أسير إلى جانب مرداس ويدينا متشابكتين إذ بمرداس يلتفت للخلف بين حين وآخر وكأنه خائف من شيء , التفتت للخلف ورأيت احد العساكر ثم طلبت من مرداس أن لا يشعر العسكري بتوترنا ولم أكد انهي عبارتي حتى سمعت العسكري وهو ينادينا لنقف , توقفت على الرغم من محاولات مرداس لردعي عن التوقف , أقبل العسكري ناحيتنا ثم بدأ بالتحدث إلينا بلغة أجنبية لم أفهم منها حرفا , ثم أخرج بطاقة تعريف من جيبه مشيرا بأنه يريدنا أن نظهر بطاقتينا , ولم يكن بحوزتنا أية بطاقات , نظرت إلى مرداس وكأني كنت انتظر منه حلا , ثم أجاب مرداس العسكري محاولا أن يشرح له أننا لم نحضر بطاقتينا وأنهما في المنزل فقد كان يفهم بضع كلمات من لغتهم , ابتسم العسكري ثم سأل مرداس سؤالا لم أفهمه ولكن بدا على وجه مرداس الفهم والغضب في آن واحد, ثم مد العسكري يديه نحوي محاولا أن يلمس وجهي فما كان من مرداس إلا أن دفعه وأسقطه أرضا فغضب العسكري وشهر سلاحه , وقفت أنا أمام مرداس وأنا أقول للعسكري اقتلني أنا ولكن لا تقتل حبيبي , ضحك الضابط ضحكة بدا عليها الاستهزاء والسخرية ثم أطلق رصاصة في الهواء جعلت قلبي يخفق ألف نبضة في الثانية كما خيل إلي , ثم أشار لنا بأن نذهب , ذهبنا أنا ومرداس ونحن نكاد غير مصدقين بأنه تركنا نرحل دون أن يقتلنا أو يؤذينا , كنت شبه متأكدة أنا جارنا الذي التقيناه منذ قليل هو من أبلغ عنا , أقبل الليل ولم نصل الى الحدود وكانت قدمينا منهكتين تماما من المسير , طلب مني مرداس أن نقف ونستريح في أحد المنازل المهجورة , دخلنا ذلك المنزل الكئيب الذي نكلت به أيدي الاحتلال ودمرته فجلست على كرسي في وسطه ثم أقبل مرداس وبيده زجاجة نبيذ قائلا أن هناك الكثير من زجاجات النبيذ في هذا المنزل ويبدو أن العدو قد أحتفل ليلة البارحة بانتصاره علينا , ثم أسقط الزجاجة على الأرض حتى تكسرت , حينها لم أنطق بكلمة لأني كنت أعلم ما يشعر به مرداس حينها , فعندما يشعر الإنسان بأن ليس بيده حيلة لاسترجاع ما سلب منه فهو وببساطة ينقهر, اقترب مني مرداس ووضع رأسه على صدري وهو يبكي ويقول بأنه كان يحلم بأن يقيم لي زفافا فخما في منزلنا وعلى أرض الوطن, رفعت رأسه ومسحت دموعه ثم قمت واتجهت نحو نافذة المنزل ونظرت خارجا وطلبت من مرداس أن ينام , نام مرداس وبقيت أراقب من تلك النافذة الناس الذين يسيرون في الشارع والذين استسلموا للعدو ضنا منهم أنهم سيجدون الحرية والسلام باستسلامهم ولكن ملامح وجوههم تأبى أن تعكس ذلك وهذا ما جعلني أصبح أكثر توقا للوصول الى الحدود وملاقاة والدي من أجل الحرية, ذهبت لمرداس الذي كان قد استغرق في النوم وأيقظته لنتابع طريقنا , نهض مرداس وقبل يدي ثم خرجنا أنا وهو من المنزل لنفاجئ بأحد العساكر وقد أذهب الخمر عقله وبيده الزجاجة ثم سألنا أسئلة لم نفهم منها شيء , فما كان من مرداس إلا أن دفعه وكسر الزجاجة على رأسه ليسقط مغشيا عليه وأخذ سلاحه , جرينا أنا ومرداس سريعا في ذلك الطريق الطويل بين المنازل المهجورة وكان أكثر ما آلمني حينما تعثرت بإحدى الجثث والتي كان يبدو عليها أنها بقيت هناك لفترة طويلة دون دفن فلم أكن لأصدق أن الإنسان قد يعامل بهذه الحقارة وعلى أرض وطنه فكيف إذا كان في وطنهم , كنت أبكي ودموعي لم تتوقف عن الجريان من الحرقة أما مرداس فكانت تبدو عليه ملامح الصبر والحزم , ولم أكد أمسح دموعي حتى سمعت ومرداس صوت إطلاق النار , كانت العساكر تلاحقنا وكادت تقتلنا , أذكر كيف كان الموت قريبا منا تلك الليلة فقد كانوا خلفنا تماما , دخلنا أنا ومرداس إلى إحدى كنائسهم التي على ما يبدو قد شيدت حديثا واختبأنا تحت المقاعد وبصعوبة , كان مرداس يختبئ على بعد عدة مقاعد مني وكان ينظر إلي وشفتاه ترتجفان وصوت أنفاسه يكاد يخنقه , مر أحد العساكر بجانبه وداس على طرف إصبعه وقد تحمل الألم دون أن يصرخ أو يصدر صوتا ولكنه وعلى ما يبدو لم يستطع الصبر أكثر فقام وشهر سلاحه وبدأ بإطلاق النار في كل صوب , قام أحد العساكر وضربه على رأسه حتى أفقده وعيه , كنت سأصرخ حينها ولكني تذكرت كلام والدي حين قتلت والدتي انه إذا كانت لديك فرصة للنجاة فاغتنمها لأنك ستعود لتكون أقوى, أخذ العساكر حبيبي وكانوا يجرونه على الأرض وعلى ركبتيه , لم يطلقوا النار عليه لأنهم كانوا في الكنيسة فهم يحترمون مقدساتهم على ما يبدو , ولكنهم لا يحترمون مقدسات الآخرين , أخذوا حبيبي خارجا وكنت شبه متأكدة أنهم سيقتلونه , أذكر حين وقفت وسط الكنيسة ونظرت إلى تمثال مريم العذراء وأنا أبكي بحرقة حتى كدت أصدق أن دموعي لن تتوقف عن الجريان للأبد , خرجت بحذر من الكنيسة وتبعت أثر جر حبيبي على الأرض حتى وصلت إلى باحة منزل مهجور وفي وسطه عمود وقد علق عليه مرداس , كانت الدماء تغطيه من رأسه وحتى أخمص قدميه , كان ساكنا هناك على العمود , ضننت أنه ميت , بعد لحظات رأيته يتحرك وكنت سأجري إليه ولكن أقبل أحد العساكر وهو يضحك , فقد كانوا يعذبونه , لما يعذبون حبيبي , لما لم يختارني القدر لأعذب أنا , أسئلة باتت تهاجم بالي ساعتها , انتظرت هناك حتى ذهب العسكري ليقضي حاجته في مكان غير بعيد , جريت لحبيبي مرداس ومسحت الدماء من على وجهه وقبلته على جبينه وأنا أناديه بصوت غير مسموع ليستفيق ويحدثني , استفاق مرداس وكان يتألم وقال لي أنه يحبني , أذكر كيف تجمدت حينما طلب مني أن أقتله سريعا لأنه يتوجع , وهنا بدأت مشاعر الأنثى بالتسلل إلى نفسي فلم أكن أقوى على قتل طير فكيف بقتل حبيبي , أخذ مرداس يترجاني ويكاد صوته يصبح أنينا من الألم, أقبل العسكري وهربت أنا واختبأت ,وعدت وبيدي قضيبا حديديا وحطمت به رأس العسكري حتى فارق الحياة , نظرت إلى مرداس وحررته من العمود وظللت اقبل يديه وجبينه لدقائق وترجيته أن يرافقني ولكنه أبى وقال لي أنه متأكد أني سأصل للحدود وسأنال حريتي ولكن ليس برفقته ثم أتبع كلامه وقال لي أرجوك اقتليني بسلاح العسكري لأني أتألم فجراحي عديدة ولا أمل من نجاتي يا وصال , اقتليني أرجوك ,فكرت مطولا ثم أخذت سلاح العسكري ودون أية كلمة أفرغت عدة رصاصات في رأس حبيبي لأريحه من آلامه , قبلت جبينه وسرت بعيدا ويداي ملطختان بالدماء , فقد أنهيت حياة شخصين منذ قليل , نظرت إلى مرداس بصمت ثم عدت إليه وحضنته وجلست أبكي عليه طالبة منه مسامحتي , حبيبي مات تلك الليلة وبقيت حية ولم يبق لي إلا القليل لأصل إلى الحدود لملاقاة أبي وأخي يزن وعائلة العم جهاد, أخذت ملابس ذلك العسكري وإرتديتها , خرجت من ذلك المنزل وقد أقسمت أن أصل إلى الحدود وإن أعترض أحدهم طريقي سوف أقتله دونما رحمة , سرت وسرت دونما توقف فقد نسيت الإحساس بثلاث التعب والحزن والعطش , سرت أمام العساكر ولم يشك أحدهم بأمري حتى أن أحدهم أوقفني وبدأ بالحديث معي بلغة لم أفهمها وكل ما قمت به أني أومأت برأسي وابتسمت فابتسم ورحل , وصلت إلى الحدود ورأيت عشرات الباحثين عن الحرية ولكن لم تكن عائلتي بينهم , بحثت هنا وهناك , كنت أجري بزي العسكري ذاك وأسال الجميع إن رأى أحدهم الجندي عاصم والدي , لم يره أحد ولكنهم أشاروا علي بأن أتوجه لإحدى المباني هناك على الحدود لأتعرف على الجثث إن كان والدي بينهم , ذهبت إلى المبني وكنت أسير بين آلاف الجثث , فقد رأيت من الأموات ما يكفي لأعيش بينهم دون أن أشعر بالذعر , أذكر كيف كانت ركبتاي ترتجفان وأنا أسير هناك متمنية أنا لا أجد والدي صريعا بينهم , وبينما كنت أسير بين الجثث رأيت صبيا صغيرا يجلس عند إحدى الجثث ويبكي , اقتربت منه على حذر , إنه يزن , يزن أخي الصغير , والجثة للجندي عاصم , جلست على الأرض وحضنت أخي يزن بقوة, فقال وبحرقة أن الجميع قد قتل ما عداه فقد ساعده والدي على الفرار وسلم نفسه للعدو حيث قتل , قبلت جبين الجندي عاصم وقمت بتحيته تحية العساكر تقديرا لجهوده لإنقاذ أحد جنوده , مررت على جثة العم جهاد وزوجته ميريم وإبنتهما ندى وأخبرتهم بما حدث للصغيرة نهى وحبيبي مرداس , خرجنا أنا وأخي يزن من ذلك المبني ومعنا كل أحزاننا فقد نلنا حريتنا الشخصية ولكننا فقدنا أناس كان لهم المكانة الكبيرة في قلوبنا, وها أنذا اليوم في الخامسة والعشرين وأخي يزن في الثامنة عشر إنظممنا إلى المقاومة وننتظر تحرير وطننا من أيدي العدو بفارغ الصبر , فالحرية لا تأتي بالمفاوضات والوعود الكاذبة والأحلام الوردية فقط بل بالتخطيط والعمل , لازال خاتم حبيبي مرداس في أصبعي ولازلت أحلم بالعودة إلى منزلنا الصغير في البلدة .
تعليق