قصة حدثت في الحارة ..
تعيش في الحارة عجوز عمياء لوحدها في بيتها بعد أن توفى زوجها منذ سنين، ولسوء حظها أنها لم تنجب أولاد ليراعوها وخاصتاً في عجزها وكبر سنها لكونها عمياء لا تبصر،
يعيش في نفس الحارة أحد إخوتها مع أولاده وقد قطع صلته بها منذ سنين لمشاكل مزمنة بينهما أشيعها لسعات لسانها الذي لا يرحم لا قريب ولا بعيد وهي مشكلتها العويصة والمزمنة والتي لم تجد لها حل إلى الآن،
بجوارها تسكن عائلة أخيها الآخر المتوفى منذ سنين وهم يراعوها حق رعايتها إلى أن استجد في الآمر أن طلب ولد أخيها أن يبادلها بيته ببيتها لكونه واسع بخلاف بيته الصغير المكتظ بعائلته ولغرض الحصول على قرض سكني تنطبق عليه شروط بيتها بخلاف بيته الصغير الذي لا تنطبق عليه الشروط، فرفضت رفضا قاطعا وبنتيجته قطع صلته هو الآخر بها،
بقت العجوز وحيدة كعادتها في بيتها وأصبح أهالي أحد الجيران يؤمنون لها طعامها إلى أن تكفّلت بها ابنة أختها وأخذتها إلى بيتها لتسكنها وتداريها معها في حارة أخرى تبعد عن الحارة، وكالعادة تحملوا لسعات لسانها الذي لا يرحم أحدا أبدا إلى أن ألحت لهم بالرجوع لبيتها، فأرجعوها بعد محاولات فاشلة لِثَنيهَا عن قرارها ولكن بدون جدوى،
بعدها بمدة أخذتها ابنة أختها الأخرى وأسكنتها معها ولنفس الأحداث السابقة مع أختها أرجعتها هي الأخرى إلى بيتها،
رجعت العجوز تعيش لوحدها في بيتها وذات يوم حدثت لها حادثة أليمة في بيتها ..!!
حيث سمعوها الجيران تستغيث وهرعوا لنجدتها واكتشاف الأمر فوجدوها ملقية على الأرض وهي تصرخ وتتألم قريب السلم المؤدي إلى سطح البيت، فنقلوها إلى المستشفى وهم في دهشة من أمرها وعلامات الاستفهام تحوم في رؤوسهم عن سبب الحادثة .؟؟
وفي المستشفى عندما سألوها عن الحادثة كان العجب من ردها بأن الشيطان أملى لها الصعود فوق سلم البيت المؤدي إلى السطح وسقطت من فوقه..
لم يقنع ردها ذلك كل من سمع بقصتها تلك،
فمنهم من ادعى بأنها أرادت الانتحار لسأمها من عيشتها، ومنهم من قال بأنها أضلت الطريق وانقادت إلى السلم، ومنهم من قال غير ذلك، وصارت قصتها تُداولها ألسنة أهالي الحارة وكلاً يدلو بدلوه في ما تُملي له وقائع سبب الحادثة.
المهم أن العجوز تم إسعافها في المستشفى وتطلب علاجها إجراء عملية جراحية لها في الحوض بسبب كسر عظامها في تلك المنطقة من جسمها أثر سقوطها من فوق مكان مرتفع، واتصلت إدارة المستشفى بأخيها لكي يأتي للتوقيع على إجراء العملية لها فرفض رفض تام بأنه ليس له خصاصة بها وهي تتحمل نتائج أفعالها إلى أن تدخل أصحابي القلوب الرحيمة من أهالي الحارة الطيبين وأقنعوا أخيها بعد محاولات طويلة بالذهاب للتوقيع وإجراء العملية لأخته وتَسهّل الأمر لعلاجها،،
مكثت العجوز فترة العلاج إلى أن اتصلت إدارة المستشفى بالشخص الذي أحظرها بأن حالتها الصحية تحسنت وموعد رخصتها قد حان لكي يأتي ويستلمها وأنها تحتاج فقط للمساعدة للحركة من شخص آخر حتى تتحسن صحتها وتتعافى بالكامل، وهنا تأتي الصدمة للعجوز ..!!
حيث أن الشخص رفض استلام العجوز والسبب صلت القرابة البعيدة التي تربطه بها وأنه ليس من محارمها وكيف سيداريها في محنتها ووضعها الصحي الذي يتوجب مساعدتها الدائمة في حركتها وخاصتاً عند احتياجها لدورة المياه،
فاتصلت إدارة المستشفى بأخيها فرفض رفضاً تاماً استلامها مع تهديد زوجته له إن شرع بالتفكير فقط بدعوة المستشفى له تجاه أخته سوف يرى شيء لا يُحمد عقباه،
فاستدلت الإدارة لشخص كانت العجوز قد أوكلته باستلام راتبها من الشئون الاجتماعية واتصلت به لاستلامها فرفض هو الآخر استلامها مبررا رفضه بحدود توكيلها له باستلام راتبها وتسليمه لها فقط دون رعايتها أو التكفل بها،
وطبعاً أخت العجوز وبنات أختها المتزوجات رفضن الأمر تماماً لانشغال كل واحدة منهن بتربية أولادهن وليس برعايتهن لعجوز خرفاء عمياء عاجزة ومريضة.
وصل الأمر إلى أن تتصل إدارة المستشفى بشيخ المنطقة التي تسكنها العجوز للتصرف في الأمر ولم يكن تصرفه خيرا من تصرف أهلها بها فبقت العجوز تحت رحمة ممرضات المستشفى اللتين بدورهن لا يخفى على الجميع طريقة معاملتهن للمرضى كبار السن عند دعوة حاجة الزمان لرحمتهن.
وطال العناء بالعجوز حزينة تدور عليها الدوائر حول قسوة أهلها بها ونفيهم ألاذع لوصية الرب بأهل القرابة التي أوصى بها المسلمين وشدد عليها وتوعد لعقوقهما بالجزاء الأوفر يوم القيامة،
وبقا من يزور العجوز ويأتي بأخبار نفسيتها البائسة هم أختها وأبنتا أختها وأهل المعروف من أصحابي القلوب الطيبة التي تلف الرحمة قلوبهم تجاه الناس الضعفاء الدراويش من مثيلاتها،
وقد زرتها شخصيا وشاهدت بعيني عناء نفسيها المنكسرة التي يتقطع لها القلب وسألتها عن حالتها وقالت بأنها تود الخروج إلى بيتها وسأمها من المكوث في المستشفى ولكن لم يأتي أحد لاستلامها.
ولا زالت العجوز قابعة في المستشفى إلى وقت نشري لقصتها هذه تنكسر أبواب قسوة الزمان في وجهها، وهذا حال الناس الضعفاء في هذه الدنيا وحال من لا يحسب حساب قسوة الزمان ولملمة الشمل مع أهله لكي يبقوا له ذخراً عندما تدور دوائر الدنيا عليه ويحتاج لهم في شدته،،
فعسى الله أن يكون في عون العجوز وعون جميع من هم في مثل حالتها، وعسى الله أن يجازي أهلها على فعلتهم تجاه صلة الرحم بها كيفما كانت الأسباب ومهما بلغت وتعددت حوادث ومشاكل وخلافات الدهر بينهم.. والله المستعان في أمره.
تعليق