سأظل مريضة به
وضعت يدها على رأسي وتمتمت بآيات من القرآن ،نفثت من ريقها في كفيها ومسحت بهما على جسدي بخشوع مصطنع لايليق بعرافة مثلها ،تنحنحت ثم قالت :/مماتشكين ياابنتي ؟
أجبت:
_ولماذا تسألين ؟لن أشفى !صدقيني لن أشفى .
_"المرض يابنتي ابتلاء ،ومامن داء إلا وله دواء "
_ولكني سأظل مريضة به ماحييت !
_من هو ؟
استنكرت سؤالها ،أليست عرافة ؟ألا تمتهن قراءة الغيب ؟
أجبتها ،وكيف لاتعرفينه ؟!
اسألي عن جنونه العاصفة ،اسألي ماء الفلج عن دفئه،اسألي عن وقاره تراب الأرض ،أسألي النجوم عن سحابة الحزن في عينيه .
تعرفه الشمس ،يعرفه القمر ،تعرفه الصحراء ،تعرفه كل الفصول ،كلهم يعرفونه .
تمتمت العجوز :لاحول ولاقوة إلا بالله ،وتقرر مسايرتي ،إذن أين ذهب ؟
_لا أدري ،ليتني أدري ،كان هنا ،كان بجواري يحكي لي قصة ثم اختفى ،قبل جبهتي واختفى ،لا أستغرب اختفائه كما لم أستغرب ظهوره ،اختفى بغموض تماما مثلما ظهر ،أتراه يكون عاد إلى العدم مرة اخرى ؟
أيتها العرافة ،هل تعرفين إلى العدم طريق ؟هل الموت وحده سبيل الفناء ؟
أول مرة رأيته فيها كانت ذات حلم ،دخل من النافذة ،وقف على رأسي ،كان يحمل القمر بين يديه ،ويقضمه بين أسنانه ،وعلى وجهه علامات فرح أشبه بالحزن او حزن اشبه بالفرح،ثم نظر بصرامة في عيني ،وأخرج من جيبه كبريتا أشعل به مؤخرة رأسي ،لم أتحرك ،فقط بقيت أرقبه حتى امتطى فرسه ،وطار به نحو السماء التي اخرجت لسانها كضفدعة جائعة والتقمته .
طلبت العجوز من امي ان تحضر بخور وماء ورد هامسة لها :البنت معيونة
ناديت امي بنزق طفلة تغرق :أمي ،اختبرت احساس الامومة به ،كان طفلي ،كنت أدلله حينا واوبخه آخر ،تماما كما تفعل الأمهات ،يأتيني باكيا فأضمه إلى صدري ،أغيب عنه فيتبع رائحتي ،التقيت به ذات صباح في أرض لست اعرفها وزمن لست أذكره ،
بكت أمي ولكني انتهكت حرمة دموعها وأكملت
سألني /هل ترحلين معي ؟
أجبته/ولكني أخشى الذئاب !
ابتسم ساخرا /لاتخافي ،عندي من النار مايكفي لإخافتها.
وافقته على الرحيل ،كنا نترجل ظهر فرسه معا كل صباح مجنون ونعود بعد أن تأكل الشمس نصف السماء ،وذات يوم محموم ابتسم ابتسامته التي لاتزيد عينيه إلا حزنا
وقال/-أخشى إدمانك .
فقلت /-أخشى فقدك
-ولكنك ستفقديني لامحالة ،التقينا فقط كي نفترق .
لم اعترض فانا ايضا كنت اعرف اني ماوجدته إلا لأفقده،وأن اللعنة ستلاحقني حتى أنسى شكل وجهه.
-إذا ماافترقنا ،ماذا ستصنعين ؟
-سأظل مريضة بك ،،،،وسأنتظرك دوما ،،،سأنتظر الصباح بعد كل غروب ،وسأسأل شمسه عنك .وانت ماذا ستفعل ؟
-ابتسم ولاطفني قائلا:سأظل حريصا على مرضك بي ،وسأصنع المستحيل لأبعدك عن الشفاء مني ،،،سأرسم وجهك على كل النجوم ،وسأعلم الموج كيف يهتف باسمك.
هل تصدقيني أمي؟
كنت التهم نعاسي كل صباح ،وأرتدي الفرح ،وأغني مع الشروق،ثم يأتي هو منسابا كروح طيبة ويوثق الامساك بيدي -تماما كماكان يفعل ابي -ونبدأ الرحيل
اسألي العرافة امي ،هل تجيد تفسير الاحلام ؟
لقد رأيته البارحة ،كان الذئب يلاحقني ،ثم ظهر هو فجأة ،اقترب مني وجرح عنقي بخنجره ورحل ،نزفت بشدة ،نزفت ياسمينا غزيرا حتى تغطى الكون كله بالبياض .
أرجوك أمي لاتدعي لي بالشفاء ،لقد وعدني ووعدته ،سأظل مريضة به .
تعليق