أبو عصام في المحكمة
10/11/2009
أبو عصام في المحكمة
(الحلقة الثانية من"أبو عصام")
باسل بحيص
كلية الطب البيطري
كانت المغادرة والخروج عن المألوف والعيش خارج الحدود دون قيود شيئا سهلا لا يحتاج وثيقة عبور، لكن المشكلة تكمن في العودة، صحيح انه عاد من جديد إلى وضعه القديم عاد إلى نفسه ليجدها في انتظاره على أحر من الجمر ولكن ليس بالسهولة التي توقعها، حيث كانت العودة شيء يقال عنه السهل الممتنع أو انه يصل درجة السهل المبطن بالمتاعب الثقيلة.
عاد إلى بيته متأملا أوراقه المبعثرة مختلط ألوانها في لوحة لم تعرف إلا ترتيب الألوان وانسجامها لتعزف أعذب الألحان الحياتية على أوتار التماس المباشر مع النفس، كان عذاب النفس أكثر حدة من وضعه الذي استقل به مؤقتا، فترتيب الأمور ليس بالسهولة المتوقعة، فالنفس كانت مبادرة لكن لم تقدم وثيقة العبور النهائي لذلك المستقل عنها، فمرحلة الترميم تحتاج إلى عمل دؤوب ووقت يطول أمده أو يقصر اعتمادا عليه.
وجد كثيرا من أعمدة عالمه الخاص قد انهارت أو غادرت وتركت خلفها أطلالا موحشة تغطيها رمال الهجر التي تذروها رياح الفرقة، تأمل من جديد تلك العيون الرابضة في طريقه متأملة التغيرات الحادثة له في زمن قياسي، ترنو تلك النظرات إلى درجة المسائلة، كيف ولماذا ومن السبب؟ كانت رسائل تبعثها الثوابت للمتغيرات تنتظر إجابة عليها.
لا يوجد إجابة واضحة محددة لما حدث، سوى اختلاق الأعذار الواهية أمام محكمة النفس، أعذار مبنية على الملل وسلبية الآخر التي أدت إلى سلبية المجتمع، كان ملف الدفاع يعتمد على شاهد التراكمات الذي رفض الحضور للشهادة خوفا من الوقوع في مصيدة التكذيب أو حتى خوفا من اليمين نفسه أمام القاضي الذي نصب نفسه معلنا ولادة قانون الطوارئ الخاص.
انهال الادعاء عليه بتهم لم يعرف لها أولا من آخر وما تجمع لديه من فكرة عن تلك التهم تلخصت بكلمة تتكرر في كل التهم ( أنت ظالم ...، عملت على ظلم...، لقد ظلمت...) كلمة الظلم قاسم مشترك بينها والفاعل واحد هو أنت، وسيتحتم عليك تحمل عاقبة فعلتك لتكون عبرة إن حاولت تدنيس أو حتى خدش عالمك الخاص مرة أخرى.
جاءت لحظة النطق بالحكم فعم صمت رهيب جاشت له العروق، فنطق القاضي بما يلي:ـ
بناء على ما تقدم لدينا من ملف الادعاء وملف الدفاع الذي لم يجرؤ شاهده على المثول أمام عدالتنا فإننا نجدك مذنبا بكل التهم المنسوبة إليك حيث كان بإمكانك سلوك طرق أخرى للخروج من الضغوطات، وعليه قررنا بأنه يسمح لك بالعودة لكن بالتدريج وليس دفعة واحدة لتكون تحت فترة مراقبة ومتابعة صارمة من النفس، كما يفرض عليك ترميم كل ما دمرت في تلك الفترة المشئومة ويفرض عليك إعادة ما حملت معك وكذلك إعادة من حملهم تيار موجك الهائج إلى مكانهم الأصل وهذا القرار يصدر وجاهيا وينفذ وغير قابل للاستئناف أو الطعن أو النقض.
كان هذا القرار من قبل محكمة النفس متوقعا لكن كان وقعه مدويا لأنه منذ مدة طويلة لم يمثل أمام تلك المحكمة ليصدر بحقه هذا الحكم القوي لكنه عادل وهو راض كل الرضا عن قرار المحكمة وفرض على نفسه تطبيقه بلا نقاش أو حتى أي امتعاض داخلي منه ولم يظهر عليه سوى الندم وكره النفس على الهجر الممقوت بلا سبب.
بدأ فعليا بمحاولة العودة إلى ما كان عليه قبل الانقلاب على النفس، وعمل على ترميم المدمر تدريجيا، محاولا تدارك ما أضاع من مكتسبات كانت بين يديه وهو الآن لا يخاف لومة لائم لأنه يطبق عدالة النفس نحو نفسها وعاد مصالحا لحضنه الدافئ ناطقا بحروف لغته الأم مرسلا هدوء التأمل بين قسمات وجه غاب عن عيون الشمس الذهبية في فترة كان بأمس الحاجة إليها.
إلى اللقاء في الحلقة القادمة ...
منقول
10/11/2009
أبو عصام في المحكمة
(الحلقة الثانية من"أبو عصام")
باسل بحيص
كلية الطب البيطري
كانت المغادرة والخروج عن المألوف والعيش خارج الحدود دون قيود شيئا سهلا لا يحتاج وثيقة عبور، لكن المشكلة تكمن في العودة، صحيح انه عاد من جديد إلى وضعه القديم عاد إلى نفسه ليجدها في انتظاره على أحر من الجمر ولكن ليس بالسهولة التي توقعها، حيث كانت العودة شيء يقال عنه السهل الممتنع أو انه يصل درجة السهل المبطن بالمتاعب الثقيلة.
عاد إلى بيته متأملا أوراقه المبعثرة مختلط ألوانها في لوحة لم تعرف إلا ترتيب الألوان وانسجامها لتعزف أعذب الألحان الحياتية على أوتار التماس المباشر مع النفس، كان عذاب النفس أكثر حدة من وضعه الذي استقل به مؤقتا، فترتيب الأمور ليس بالسهولة المتوقعة، فالنفس كانت مبادرة لكن لم تقدم وثيقة العبور النهائي لذلك المستقل عنها، فمرحلة الترميم تحتاج إلى عمل دؤوب ووقت يطول أمده أو يقصر اعتمادا عليه.
وجد كثيرا من أعمدة عالمه الخاص قد انهارت أو غادرت وتركت خلفها أطلالا موحشة تغطيها رمال الهجر التي تذروها رياح الفرقة، تأمل من جديد تلك العيون الرابضة في طريقه متأملة التغيرات الحادثة له في زمن قياسي، ترنو تلك النظرات إلى درجة المسائلة، كيف ولماذا ومن السبب؟ كانت رسائل تبعثها الثوابت للمتغيرات تنتظر إجابة عليها.
لا يوجد إجابة واضحة محددة لما حدث، سوى اختلاق الأعذار الواهية أمام محكمة النفس، أعذار مبنية على الملل وسلبية الآخر التي أدت إلى سلبية المجتمع، كان ملف الدفاع يعتمد على شاهد التراكمات الذي رفض الحضور للشهادة خوفا من الوقوع في مصيدة التكذيب أو حتى خوفا من اليمين نفسه أمام القاضي الذي نصب نفسه معلنا ولادة قانون الطوارئ الخاص.
انهال الادعاء عليه بتهم لم يعرف لها أولا من آخر وما تجمع لديه من فكرة عن تلك التهم تلخصت بكلمة تتكرر في كل التهم ( أنت ظالم ...، عملت على ظلم...، لقد ظلمت...) كلمة الظلم قاسم مشترك بينها والفاعل واحد هو أنت، وسيتحتم عليك تحمل عاقبة فعلتك لتكون عبرة إن حاولت تدنيس أو حتى خدش عالمك الخاص مرة أخرى.
جاءت لحظة النطق بالحكم فعم صمت رهيب جاشت له العروق، فنطق القاضي بما يلي:ـ
بناء على ما تقدم لدينا من ملف الادعاء وملف الدفاع الذي لم يجرؤ شاهده على المثول أمام عدالتنا فإننا نجدك مذنبا بكل التهم المنسوبة إليك حيث كان بإمكانك سلوك طرق أخرى للخروج من الضغوطات، وعليه قررنا بأنه يسمح لك بالعودة لكن بالتدريج وليس دفعة واحدة لتكون تحت فترة مراقبة ومتابعة صارمة من النفس، كما يفرض عليك ترميم كل ما دمرت في تلك الفترة المشئومة ويفرض عليك إعادة ما حملت معك وكذلك إعادة من حملهم تيار موجك الهائج إلى مكانهم الأصل وهذا القرار يصدر وجاهيا وينفذ وغير قابل للاستئناف أو الطعن أو النقض.
كان هذا القرار من قبل محكمة النفس متوقعا لكن كان وقعه مدويا لأنه منذ مدة طويلة لم يمثل أمام تلك المحكمة ليصدر بحقه هذا الحكم القوي لكنه عادل وهو راض كل الرضا عن قرار المحكمة وفرض على نفسه تطبيقه بلا نقاش أو حتى أي امتعاض داخلي منه ولم يظهر عليه سوى الندم وكره النفس على الهجر الممقوت بلا سبب.
بدأ فعليا بمحاولة العودة إلى ما كان عليه قبل الانقلاب على النفس، وعمل على ترميم المدمر تدريجيا، محاولا تدارك ما أضاع من مكتسبات كانت بين يديه وهو الآن لا يخاف لومة لائم لأنه يطبق عدالة النفس نحو نفسها وعاد مصالحا لحضنه الدافئ ناطقا بحروف لغته الأم مرسلا هدوء التأمل بين قسمات وجه غاب عن عيون الشمس الذهبية في فترة كان بأمس الحاجة إليها.
إلى اللقاء في الحلقة القادمة ...
منقول