[align=center]الذئب و [blink]ليلى[/blink] ..[/align]
[align=center](( 1 ))[/align]
انتصف اليوم في ( كامبردج ) وبدأ الدارسون بمغادرة الجامعة , خرج ذياب كعادته مع جمعٌ من أقرانه , إلى ذات الناصية التي جرت به العادة أن يقف قربها إبان خروجه من الجامعة يحكي لأصحابه مغامرات الليلة السابقة .
وقف " ذياب " يحكي بينما أخذت أضواء الكاميرات تلاطف أهدابه وكأنها برقٌ مسائي لطيف , لم تنبعث تلك الأضواء من كاميرات الصحفيين ورجال الإعلام , إذ لم يكن ذياب شخصية سياسية هامة , ولم يكن كذلك شخصية رياضية شهيرة , بل كانت تنبعث من كاميرات الحسناوات فهو بالنسبة إليهن أهم السياسيين سياسة , وأكثر الرياضيين رياضة , فقد كان يسايس العقول ويتلاعب بالقلوب , وقد أطلقن عليه اسم " ذئب" لكثرة مغامراته ومشاكساته , ومع ذلك كن يتنافسن لاستمالته , فالرابحة منهن هي من تحظى بنصيب من " ذئب " وإن كان ذلك النصيب لا يتجاوز النظرة أو الابتسامة .
أخذ " ذئب " يعدد أسماء صويحباته الحالمات بالوجاهةِ والثراء ممن وقعن في أسره " وعباس " يحتقـن أنفاسه مع كل اسم جديد ينطق به " ذئب " إلى أن ضاق به ذرعاً فصاح به :
" إنهن لا يحببنك " أيها الذئب " إنهن لا يعشقنك أيها المغفل ولكنهنَّ يعشقن ما تملاً به جيوبهنَّ من مال ؟ "
فأشار له " ذئب " بسبابته وقال :
" صه يا عباس , فلستُ بأكثر ثراءً منك " .
رد عباس عليه قائلاً :
" إذا هي وسامتك من تجذبهن إليك , أو ربما كذبك عليهن وكلامك المعسول !! "
قاطعه " ذئب " وعينه تتطاير شرراً :
" بل هو عقلي وحسن تدبيري . الفتيات يا عباس يحببن من يستحق الحب فقط , فهنَّ جنس ناعم لطيف يعرفن معنى الحب ويضحين لأجله , الفتياتُ يا عباس يحببنني رغم أنني أجمع بينهن في وقت واحد وأقول لكل واحدة منهن " أحبك " فتفرح بها , وكأنها تسمع الكلمة مني للوهلة الأولى في كل مرة , فتبادر قريناتها قائلة لهن بفخر بالغ : " أسَمِعْتِ لقد قالها لي بشكلٍ مغاير " , كل واحدةٍ منهن يا عباس تقول لغريماتها ذلك في الوقت ذاته " , ثم أشار " ذئب " لبعض الفتيات المتناثرات هنا وهناك يَرْقبْنَه من بعيد , فقال : " أنظر يا عباس , تلك هند تنتظر مني نظرة , وهذه سلوى تكفيها مني ابتسامة , أما تلك فهي عبير , تتمنى مني هذه الإشارة " , فأشار إلى عبير بيده فتبسمت ولوحت بيدها وهتفت : هاي " ذئب " , وابتسم لسلوى فتبسمت ومالت برأسها معبرة عن السعادة والرضى , ثم نظر إلى هند بخبث فابتسمت وأرسلتْ له قبلة في الهواء , تفادى أن يلتقطها , وكأنها سقطت وتهشمت على الأرض , والمسكينة في غاية السعادة فقط لأن " ذئب " نظر إليها تلك النظرة .
عقد عباس حاجبيه بشدة عندما رأى ذلك منهن فقال في امتعاض : " حُمْقٌ .. هن فتياتٍ حُمْق .. إن الحماقة هي من تتلاعب بمشاعرهن أيها " الذئب " وليست نباهتك .. وإنني لا أتشرف أن أتعرف بأشباهِ النساء , أو بالأحرى ببقاياهن , فكل فتاةٍ يعرفها " ذئبٌ " مثلك , ما هي إلا بقايا أنثى " .
تدخل غسان لفض هذا العراك اللفظي بينهما وقال : " كلمة حقٍ يا عباس أن " ذئب " هو أكثر الفتيان فينا جرأةَ وأحسنّا تصرفاً , والكل منا يلحظ ذلك , ويُقهر من إلتفاف الفتيات حوله , حتى أن بعض رفيقاتنا يمتدحنه وهن معنا , دون أن يكترثنَ بمشاعرنا وغيرتنا منه " .
فأكمل قيس الحديث بقوله : " هذا صحيح حتى أنه يستطيع أن يلتف على أي فتاة فتكون بين يديه خلال دقائق , ألا تتذكرون كيف جعل من أستاذه اللغة لعبة بين يديه ؟!! "
فأكمل سعد : " مضحكة تلك الأستاذة . حين أتذكر أنها أخذت تلاحق " ذئب " أينما ذهب وهو غيرُ مكترثٍ بها لا يُلقي لها بالاً , ولا يُعيرها أدنى اهتمام , أنفجر ضحكاً عليها " .
يضحك الجميع إلا عباس الذي امتعض مجدداً حتى صاح : " إلا ليلى " .
بتعجب شديد أخذ " ذئب " يحدق بعباس إلى أن قال : " ل ي ل ى , لـ ـيـ ـلـ ـى , ليلى يا عباس!! "
رد عباس بنزعة انتصار : " أجل ليلى , ليلى أيها الذئب " .
واصل " ذئب " تعجبه واسترسل في السؤال عن ليلى من تكون ؟ وكيف يعرفها الرفاق , وهو لم يسمع بها قط وهو " الذئب " من بينهم ؟!! , فأجابه عباس : " ليلى هي تلك المحتشمة الوحيدة بالجامعة أيها الذئب , ليلى هي تلك الكتلة السوداء التي لا يُرى منها شئ ولا يُسمع لها صوت , ليلى هي تلك الفتاة العربية المسلمة التي أجبرت سلطات الجامعة النصرانية أن تحترم عفتها وحشمتها , وتدينها , فسمحت لها بارتداء الخمار , فكانت تلك سابقة لليلى فقط , ليلى أيها " الذئب " لا تدخل الجامعة إلا بعد أن تخضع لتفتيش دقيق من قبل بعض المسؤولات للتحقق من هويتها كل يوم , تلك هي ليلى !! أسمعتَ بليلى أيها " الذئب " ؟!! " .
زاد التعجب عند " ذئب " وكأنه يسمع اسم ليلى وهذه القصة لأول مرة .
فواصل عباس حديثه بشئ من الانتعاش والفخر : " لا عجب أن لا يسمع بليلى " ذئبٌ " مثلك !! ليلى يا ذئب , فتاة تفوقنا ثراء , فلن توقعها بثرائك , جميلة وكأن العالم أشباح دونها , فلن يغريها جمالك ووسامتك , ذكية وكأن الغباء يحيطها بوجود أمثالنا هنا وهناك , فلن تأسرها بلباقتك , وحنكتك , وحسن تصرفك وتدبيرك .
ليلى " يا ذئب " كبحر أخلاق , عفةٍ ودين , ونحن كمستنقع رذيلة , انحلال أخلاقٍ وذهابُ دين , ليلى أيها " الذئب " تزداد رفعة وسمواً بينما في الوقت نفسه يزداد كل من حولها هنا انحطاطاً ومجوناً " .
هنا قاطعه " ذئب " والذهول يكاد يفقده صوابه : " حسبك تهكماً يا عباس , فلست بأحسن حالاً منّا " .
هزّ عباس رأسه موافقاً " ذئب " على ذلك فقال : " وأنا لم أقل بأني الأفضل أيها " الذئب " أنا وأنت و كل هؤلاء الذئاب , وتلك النعاج التي نفترسها كلنا أيها " الذئب " نسخة واحدة , نسخة سوداء لا بياض فيها " .
تجرع " ذئب " ريقه وقال في حنق : " تحدث عن نفسك وحسب يا عباس , فلسنا كما تقول !! نحن يا عباس نهر من الحب الغادق , والمشاعر الجياشة , ولابد لهذا النهر من أن يفيض , ولابد من أن يعم خيره كل الأرجاء القريبة منه " .
يضحك الجميع إلا عباس الذي حاول الحديث , لكن " ذئب " لم يمهله فبادره قائلاً : " لا تخرجنا مما نحن فيه يا عباس , فلازلنا نتحدث عن ليلى "
قال عباس : " أجل أيها " الذئب " لازلنا نتحدث عن ليلى , فماذا تريد أن تعرف ؟!! "
صمت " ذئب " واستدار ماشياً جاعلاً عباس وبقية الرفاق خلفه طارقاً رأسه , واضعاً يمناه على ذقنه والأخرى خلف ظهره , ثم استدار رافعاً رأسه مشيراً إلى عباس وهو يقول بصوتٍ مرتفع : " لقد قلت عنها إنها لا يُرى منها شئ ولا يُسمع لها صوت ثم أضفت بأنها غاية في الجمال !! , فكيف عرفت ذلك يا عباس ؟!! "
أجابه عباس بثقة خبيثة : " ليلى أيها الذئب لم يرها رجل قط , حتى أنا لم أرها , ولكن رفيقاتنا الغير أمينات يرددنّ ذلك , تلك صاحبتك هند , واقفة منذ ساعة تترقب منك نظرة , نظرة تكفيها , أدْنُ منها , وأنْعِشْ أملها بقربك ثم أسألها عن ليلى " .
دنى " ذئب " من هند , التي طارت بها الدنيا من مقدم " ذئب " نحوها , ولكن " ذئب " لم يمهلها حق التعبير عن سعادتها به حين بادرها سائلاً عن ليلى .
أخذت هند تتحدث عن ليلى وتسترسل في الحديث عنها ـ أوصافها ومناقبها ـ تمتدحها حيناً وتذمها حيناً آخر , فهي كما تراها فتاةٍ مثالية في تعاملها مع الفتيات , لا تتحدث مع أي فتاةٍ حتى تأسرها وتؤثر في شخصيتها , كانت كالمصلح الديني , لا تتردد في مساعدة من يلجأ إليها بشتى أنواع الإعانة : مادية أو معنوية , دينية أو دنيوية , وكانت ليلى ـ من وجهة نظر هند في الوقت نفسه ـ فتاة غبية ساذجة تدفن جمالها وأنوثتها في ذلك السواد التي تتوشحه , فهي لا تعيش حياتها كفتاةٍ في مقتبل العمر , وفاتنةٍ قد تأسر كلُّ من يراها من الشُّبان , فهي فتاةٌ لا ككل الفتيات , هي فتاة موت لا فتاة حياة…..
استغلت هند اهتمام " ذئب " بحكاية ليلى وأرادت أن يطول به المقام معها , وإن كانت تتحدث عن فتاةٍ أخرى , فواصلت حديثها الشّيّقِ عن ليلى و " ذئب " في ذهول مما يسمع , حتى قالت : " كانت ليلى تردد دائماً حينما تطلب منها سلطات الجامعة أن تكشف وجهها عبارتها المشهورة : " إنّ وجهي أثمن وأنقى من أن ينظر إليه رجلٌ غريب أو فتاة لعوب "
, فهي لا تكشف وجهها إلا أمام بعض الفتيات التي تثق بهن وتدنينهن منها … "
وبينما هند تواصل حديثها عن ليلى إّذ " بذئب " يتركها دون أن تتمه ليعود إلى رفاقه هاتفاً : " أنني أعترف يا رفاق أن عباس قد تفوق عليّ هذه المرة , فمن يعرف ليلى هذه حتماً هو المنتصر , وها أنا ذا أعلن هزيمتي أمام صديقي الحميم , وأتعهد لكم جميعاً أن أبتعد عن هذا المسلك الهزيل وأن لا أنافس عباس أو أيّاً منكم على فتاة إذا لم أستطع ضم ليلى الجميلة هذه إلى قائمة فتياتي الحسناوات " . وأخذ يقهقه بصوت مرتفع حتى استاء منه الجميع .
لكن عباس سرعان ما قطع عليه قهقهته فقال له : " لن تفلح هذه المرة أيها " الذئب " فكل الذئاب التي حولك حاولت ذلك مع ليلى ولكنها فشلت , فشلت ثم عادت خائبة كسيرة كالنعاجٍ والنعاج لا أنياب لها أيها " الذئب " .
نظر " ذئب " إلى رفاقه متسائلاً : " هل صحيح ما يقوله عباس ؟!! "
أطرق الجميع رؤوسهم في سكون , تأكيداً لما قاله عباس , فصاح بهم " ذئب " قائلاً : " وداعاً يا رفاق , وداعاً يا أشباه الذئاب , بل وداعاً يا نعاج , وداعاً فلن أعود إليكم إلا وأنا منتصر ظافر بليلاي " .
فصاح به حسان : " ألن ترافقنا إلى الملهى هذا المساء ؟! "
وصاح قيس : " ماذا دهاك يا " ذئب ؟!! فكم من ليلى في مصائدنا ؟!! "
وأضاف سعد : " عُد يا " ذئب " ستفد علينا مواعيدنا الجديدة هذه الليلة " .
[align=left]((( يتبع ))[/align]
[align=center](( 1 ))[/align]
انتصف اليوم في ( كامبردج ) وبدأ الدارسون بمغادرة الجامعة , خرج ذياب كعادته مع جمعٌ من أقرانه , إلى ذات الناصية التي جرت به العادة أن يقف قربها إبان خروجه من الجامعة يحكي لأصحابه مغامرات الليلة السابقة .
وقف " ذياب " يحكي بينما أخذت أضواء الكاميرات تلاطف أهدابه وكأنها برقٌ مسائي لطيف , لم تنبعث تلك الأضواء من كاميرات الصحفيين ورجال الإعلام , إذ لم يكن ذياب شخصية سياسية هامة , ولم يكن كذلك شخصية رياضية شهيرة , بل كانت تنبعث من كاميرات الحسناوات فهو بالنسبة إليهن أهم السياسيين سياسة , وأكثر الرياضيين رياضة , فقد كان يسايس العقول ويتلاعب بالقلوب , وقد أطلقن عليه اسم " ذئب" لكثرة مغامراته ومشاكساته , ومع ذلك كن يتنافسن لاستمالته , فالرابحة منهن هي من تحظى بنصيب من " ذئب " وإن كان ذلك النصيب لا يتجاوز النظرة أو الابتسامة .
أخذ " ذئب " يعدد أسماء صويحباته الحالمات بالوجاهةِ والثراء ممن وقعن في أسره " وعباس " يحتقـن أنفاسه مع كل اسم جديد ينطق به " ذئب " إلى أن ضاق به ذرعاً فصاح به :
" إنهن لا يحببنك " أيها الذئب " إنهن لا يعشقنك أيها المغفل ولكنهنَّ يعشقن ما تملاً به جيوبهنَّ من مال ؟ "
فأشار له " ذئب " بسبابته وقال :
" صه يا عباس , فلستُ بأكثر ثراءً منك " .
رد عباس عليه قائلاً :
" إذا هي وسامتك من تجذبهن إليك , أو ربما كذبك عليهن وكلامك المعسول !! "
قاطعه " ذئب " وعينه تتطاير شرراً :
" بل هو عقلي وحسن تدبيري . الفتيات يا عباس يحببن من يستحق الحب فقط , فهنَّ جنس ناعم لطيف يعرفن معنى الحب ويضحين لأجله , الفتياتُ يا عباس يحببنني رغم أنني أجمع بينهن في وقت واحد وأقول لكل واحدة منهن " أحبك " فتفرح بها , وكأنها تسمع الكلمة مني للوهلة الأولى في كل مرة , فتبادر قريناتها قائلة لهن بفخر بالغ : " أسَمِعْتِ لقد قالها لي بشكلٍ مغاير " , كل واحدةٍ منهن يا عباس تقول لغريماتها ذلك في الوقت ذاته " , ثم أشار " ذئب " لبعض الفتيات المتناثرات هنا وهناك يَرْقبْنَه من بعيد , فقال : " أنظر يا عباس , تلك هند تنتظر مني نظرة , وهذه سلوى تكفيها مني ابتسامة , أما تلك فهي عبير , تتمنى مني هذه الإشارة " , فأشار إلى عبير بيده فتبسمت ولوحت بيدها وهتفت : هاي " ذئب " , وابتسم لسلوى فتبسمت ومالت برأسها معبرة عن السعادة والرضى , ثم نظر إلى هند بخبث فابتسمت وأرسلتْ له قبلة في الهواء , تفادى أن يلتقطها , وكأنها سقطت وتهشمت على الأرض , والمسكينة في غاية السعادة فقط لأن " ذئب " نظر إليها تلك النظرة .
عقد عباس حاجبيه بشدة عندما رأى ذلك منهن فقال في امتعاض : " حُمْقٌ .. هن فتياتٍ حُمْق .. إن الحماقة هي من تتلاعب بمشاعرهن أيها " الذئب " وليست نباهتك .. وإنني لا أتشرف أن أتعرف بأشباهِ النساء , أو بالأحرى ببقاياهن , فكل فتاةٍ يعرفها " ذئبٌ " مثلك , ما هي إلا بقايا أنثى " .
تدخل غسان لفض هذا العراك اللفظي بينهما وقال : " كلمة حقٍ يا عباس أن " ذئب " هو أكثر الفتيان فينا جرأةَ وأحسنّا تصرفاً , والكل منا يلحظ ذلك , ويُقهر من إلتفاف الفتيات حوله , حتى أن بعض رفيقاتنا يمتدحنه وهن معنا , دون أن يكترثنَ بمشاعرنا وغيرتنا منه " .
فأكمل قيس الحديث بقوله : " هذا صحيح حتى أنه يستطيع أن يلتف على أي فتاة فتكون بين يديه خلال دقائق , ألا تتذكرون كيف جعل من أستاذه اللغة لعبة بين يديه ؟!! "
فأكمل سعد : " مضحكة تلك الأستاذة . حين أتذكر أنها أخذت تلاحق " ذئب " أينما ذهب وهو غيرُ مكترثٍ بها لا يُلقي لها بالاً , ولا يُعيرها أدنى اهتمام , أنفجر ضحكاً عليها " .
يضحك الجميع إلا عباس الذي امتعض مجدداً حتى صاح : " إلا ليلى " .
بتعجب شديد أخذ " ذئب " يحدق بعباس إلى أن قال : " ل ي ل ى , لـ ـيـ ـلـ ـى , ليلى يا عباس!! "
رد عباس بنزعة انتصار : " أجل ليلى , ليلى أيها الذئب " .
واصل " ذئب " تعجبه واسترسل في السؤال عن ليلى من تكون ؟ وكيف يعرفها الرفاق , وهو لم يسمع بها قط وهو " الذئب " من بينهم ؟!! , فأجابه عباس : " ليلى هي تلك المحتشمة الوحيدة بالجامعة أيها الذئب , ليلى هي تلك الكتلة السوداء التي لا يُرى منها شئ ولا يُسمع لها صوت , ليلى هي تلك الفتاة العربية المسلمة التي أجبرت سلطات الجامعة النصرانية أن تحترم عفتها وحشمتها , وتدينها , فسمحت لها بارتداء الخمار , فكانت تلك سابقة لليلى فقط , ليلى أيها " الذئب " لا تدخل الجامعة إلا بعد أن تخضع لتفتيش دقيق من قبل بعض المسؤولات للتحقق من هويتها كل يوم , تلك هي ليلى !! أسمعتَ بليلى أيها " الذئب " ؟!! " .
زاد التعجب عند " ذئب " وكأنه يسمع اسم ليلى وهذه القصة لأول مرة .
فواصل عباس حديثه بشئ من الانتعاش والفخر : " لا عجب أن لا يسمع بليلى " ذئبٌ " مثلك !! ليلى يا ذئب , فتاة تفوقنا ثراء , فلن توقعها بثرائك , جميلة وكأن العالم أشباح دونها , فلن يغريها جمالك ووسامتك , ذكية وكأن الغباء يحيطها بوجود أمثالنا هنا وهناك , فلن تأسرها بلباقتك , وحنكتك , وحسن تصرفك وتدبيرك .
ليلى " يا ذئب " كبحر أخلاق , عفةٍ ودين , ونحن كمستنقع رذيلة , انحلال أخلاقٍ وذهابُ دين , ليلى أيها " الذئب " تزداد رفعة وسمواً بينما في الوقت نفسه يزداد كل من حولها هنا انحطاطاً ومجوناً " .
هنا قاطعه " ذئب " والذهول يكاد يفقده صوابه : " حسبك تهكماً يا عباس , فلست بأحسن حالاً منّا " .
هزّ عباس رأسه موافقاً " ذئب " على ذلك فقال : " وأنا لم أقل بأني الأفضل أيها " الذئب " أنا وأنت و كل هؤلاء الذئاب , وتلك النعاج التي نفترسها كلنا أيها " الذئب " نسخة واحدة , نسخة سوداء لا بياض فيها " .
تجرع " ذئب " ريقه وقال في حنق : " تحدث عن نفسك وحسب يا عباس , فلسنا كما تقول !! نحن يا عباس نهر من الحب الغادق , والمشاعر الجياشة , ولابد لهذا النهر من أن يفيض , ولابد من أن يعم خيره كل الأرجاء القريبة منه " .
يضحك الجميع إلا عباس الذي حاول الحديث , لكن " ذئب " لم يمهله فبادره قائلاً : " لا تخرجنا مما نحن فيه يا عباس , فلازلنا نتحدث عن ليلى "
قال عباس : " أجل أيها " الذئب " لازلنا نتحدث عن ليلى , فماذا تريد أن تعرف ؟!! "
صمت " ذئب " واستدار ماشياً جاعلاً عباس وبقية الرفاق خلفه طارقاً رأسه , واضعاً يمناه على ذقنه والأخرى خلف ظهره , ثم استدار رافعاً رأسه مشيراً إلى عباس وهو يقول بصوتٍ مرتفع : " لقد قلت عنها إنها لا يُرى منها شئ ولا يُسمع لها صوت ثم أضفت بأنها غاية في الجمال !! , فكيف عرفت ذلك يا عباس ؟!! "
أجابه عباس بثقة خبيثة : " ليلى أيها الذئب لم يرها رجل قط , حتى أنا لم أرها , ولكن رفيقاتنا الغير أمينات يرددنّ ذلك , تلك صاحبتك هند , واقفة منذ ساعة تترقب منك نظرة , نظرة تكفيها , أدْنُ منها , وأنْعِشْ أملها بقربك ثم أسألها عن ليلى " .
دنى " ذئب " من هند , التي طارت بها الدنيا من مقدم " ذئب " نحوها , ولكن " ذئب " لم يمهلها حق التعبير عن سعادتها به حين بادرها سائلاً عن ليلى .
أخذت هند تتحدث عن ليلى وتسترسل في الحديث عنها ـ أوصافها ومناقبها ـ تمتدحها حيناً وتذمها حيناً آخر , فهي كما تراها فتاةٍ مثالية في تعاملها مع الفتيات , لا تتحدث مع أي فتاةٍ حتى تأسرها وتؤثر في شخصيتها , كانت كالمصلح الديني , لا تتردد في مساعدة من يلجأ إليها بشتى أنواع الإعانة : مادية أو معنوية , دينية أو دنيوية , وكانت ليلى ـ من وجهة نظر هند في الوقت نفسه ـ فتاة غبية ساذجة تدفن جمالها وأنوثتها في ذلك السواد التي تتوشحه , فهي لا تعيش حياتها كفتاةٍ في مقتبل العمر , وفاتنةٍ قد تأسر كلُّ من يراها من الشُّبان , فهي فتاةٌ لا ككل الفتيات , هي فتاة موت لا فتاة حياة…..
استغلت هند اهتمام " ذئب " بحكاية ليلى وأرادت أن يطول به المقام معها , وإن كانت تتحدث عن فتاةٍ أخرى , فواصلت حديثها الشّيّقِ عن ليلى و " ذئب " في ذهول مما يسمع , حتى قالت : " كانت ليلى تردد دائماً حينما تطلب منها سلطات الجامعة أن تكشف وجهها عبارتها المشهورة : " إنّ وجهي أثمن وأنقى من أن ينظر إليه رجلٌ غريب أو فتاة لعوب "
, فهي لا تكشف وجهها إلا أمام بعض الفتيات التي تثق بهن وتدنينهن منها … "
وبينما هند تواصل حديثها عن ليلى إّذ " بذئب " يتركها دون أن تتمه ليعود إلى رفاقه هاتفاً : " أنني أعترف يا رفاق أن عباس قد تفوق عليّ هذه المرة , فمن يعرف ليلى هذه حتماً هو المنتصر , وها أنا ذا أعلن هزيمتي أمام صديقي الحميم , وأتعهد لكم جميعاً أن أبتعد عن هذا المسلك الهزيل وأن لا أنافس عباس أو أيّاً منكم على فتاة إذا لم أستطع ضم ليلى الجميلة هذه إلى قائمة فتياتي الحسناوات " . وأخذ يقهقه بصوت مرتفع حتى استاء منه الجميع .
لكن عباس سرعان ما قطع عليه قهقهته فقال له : " لن تفلح هذه المرة أيها " الذئب " فكل الذئاب التي حولك حاولت ذلك مع ليلى ولكنها فشلت , فشلت ثم عادت خائبة كسيرة كالنعاجٍ والنعاج لا أنياب لها أيها " الذئب " .
نظر " ذئب " إلى رفاقه متسائلاً : " هل صحيح ما يقوله عباس ؟!! "
أطرق الجميع رؤوسهم في سكون , تأكيداً لما قاله عباس , فصاح بهم " ذئب " قائلاً : " وداعاً يا رفاق , وداعاً يا أشباه الذئاب , بل وداعاً يا نعاج , وداعاً فلن أعود إليكم إلا وأنا منتصر ظافر بليلاي " .
فصاح به حسان : " ألن ترافقنا إلى الملهى هذا المساء ؟! "
وصاح قيس : " ماذا دهاك يا " ذئب ؟!! فكم من ليلى في مصائدنا ؟!! "
وأضاف سعد : " عُد يا " ذئب " ستفد علينا مواعيدنا الجديدة هذه الليلة " .
[align=left]((( يتبع ))[/align]
تعليق