نشرتُ هذه المادة في جريدة الرؤية، وأضعها هنا.. لعلَّ أن تلقى شيئاً من الأنس بها.
سعود العنسي، في ذكرى رحيله الرابعة
حياةٌ مليئةٌ بالعلم والتنقل
حياةٌ مليئةٌ بالعلم والتنقل
يرحلٌ أناسٌ عن عالمنا، فيمحى ذكراهم مع تداول الأيام واندراس رسمهم، فلا يبقى ذكرهم إلا في حيزٍ ضيقٍ، من ابنٍ يحمل اسمهم، وما عداه فينقطع ذكرهم من بين الناس، وآخرون يرحلون؛ إلا أن ذكرهم بين الناس لا يزال عطراً وسيرتهم حميدة، لما خلفوه من آثارٍ تسجل حضورهم، كالكتابة والمباني العملاقة والمساجد وغيره.
من بين الذي رحلوا عن عالمنا، وظلت روحهم بيننا، الكاتب الدبلوماسي سعود بن سالم بن حسن العنسي، الذي خلف وراءه عدداً من المؤلفات والأبحاث والرسالات، كان، رحمه الله، يحمل هم قضايا مجتمعه، ويسعى لنشر فكره ورأيه، ليتلاقح مع أفكار الآخرين في إطارٍ متزن، كتب في عديد الصحف والمجلات العمانية، وجمع بعضها في كتابه الشهير (قضايا معاصره).
البارحة، كانت ذكرى رحيله الثالثة، عن حياتنا الدنيوية، يوم أن صعدت روحه إلى باريها في الثاني من أغسطس لعام 2006م، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، فارتأينا أن نحيي ذكراه مجدداً، وإن كانت لا تزال عالقة في النفوس، لما ترك من حياةٍ عمليةٍ حافلة بالوطنية، ورحلةٍ رائعةٍ مع القلم والكتابة ومخاطبة العقول والوجدانيات.
كان قدومه للحياة مبشراً بالخير، حيث أنه ولد في العام الذي اشتهر بعام (السيل)، ذلك العام الذي شهد إنهمار أمطارٍ غزيرةٍ متوالية وجارفة، ألا وهو 1949م، ولد وتربى ونشأ وترعرع في مدينة صلالة، سلك طريق العلم منذُ نعومة أظافره، فلاذ من الجهل، ونأى عن الأمية، فاختار أن يكون في صفوف المتعلمين في (الكتاتيب)، وبدأ رحلةً جديدةً مع تدبر آي الله الكريم وحفظه، جدَّ واجتهد، ثابر واهتمّ، فأكرمه الله بحفظ القرآن الكريم وهو في ابن عشر سنين.
توفي والده إثر مرضٍ أقعده على الفراش لمدة ثلاث ليالٍ، تركه يتيماً وهو لا يزال في عقده الأول، ولم تمنحه الحياة حنكةً ودراية، سلاحه الوحيد ما تعلمه في مدرسة الكتاتيب، فأنعم به من سلاحٍ لا يصدأ، فما كان منه إلا أن قرر طلب الرزق وهو في هذا العمر، ركب البحر بصحبة شبابٍ من صلالة في أول سفينةٍ، ورحل خارج حدود الوطن، كي يقتات ويعيل أهله وأحبته.
ساقه القدر إلى دولة الإمارات، عاش فيها باحثاً عن عملٍ وعلم، وبتوفيقٍ من الله تمكن من الحصول على بعثاتٍ دراسية، من مصادر مختلفة، ليكمل تعليمه الابتدائي بالإمارات والكويت، ويواصل رحلة الدراسة في قاهرة المعتز وينهي الثانوية سنة 1968م، بعدها درس في جامعة عين شمس والجامعة السورية، ليتوقف عن الدراسة بسبب ظروفٍ ألمت به، ليصارع كل الصعاب والعقبات فيصرعها، ويعود للدراسة منتظماً في جامعة بيروت، ويحصل على ليسانس علم الاجتماع بتقديرٍ جيد في العام 1974م.
كان العنسي، رحمه الله، شعلةً من النشاط والحماس، يعشق القراءة والمتابعة، ولا يرضى بأن يكون خاملاً، لذا كان عضواً بارزاً في الحركة الطلابية العمانية والخليجية في جميع الجامعات التي درس فيها، وترأس روابط وجمعيات وكونفدراليات طلبة عمان والخليج العربي في القاهرة ودمشق وبيروت طوال الستينات.
مع بداية النور القابوسي المشعّ، عاد إلى السلطنة بعد غيابٍ دام إثنا عشر عاماً، في تحصيل الدراسة، عاد فوجد عُمان تحتفل بمرور عامٍ على بداية عهد النهضة المباركة، هاله ما رأى من تطورٍ وتغيّر، سعد بالحال، وبدأ يساهم في بناء الوطن، حاله حال كل المواطنين الذين رحبوا بعهد البناء والتطوير، ليتولى العديد من المناصب والمسؤوليات الرسمية في عام 19973م، كمسؤول عن مكتب المساعدات الاجتماعية بمكتب معالي وزير الدولة ووالي ظفار عام 1973م، وسكرتير للجنة دعم المجهود الحربي العربي في حرب أكتوبر 1973م بمحافظة ظفار، وعين عام 1974م نائب مدير ثم مديراً لدائرة الصحافة بوزارة الإعلام بمسقط، ومقرراً لأول مؤتمر لتنمية المجتمعات المحلية بالسلطنة، ورئيساً لأعمال لجنته الثالثة عام 1974م، وانتقل بعد ذلك للعمل مديراً إدارياً للكهرباء بوزارة المواصلات، ثم مدير بوزارة شؤون الديوان السلطاني وارسل في دورة جامعية لدراسة نظام الحكم المحلي في بريطانيا، وعاد للعمل بدائرة الاعلام بوزارة الخارجية ثم مديراً لدائرة الدراسات والبحوث بها، فقائماً بالأعمال بالنيابة بسفارة السلطنة بتونس عام 1976م، وانتقل بعد ذلك قنصلا عاما للسلطنة بكراتشي في باكستان منذ عام 1978، فسفيراً مفوضاً فوق العادة في جيبوتي لغاية عام 1980 وسفيراً مفوضاً فوق العادة للسلطنة لدى دولة الكويت لغاية أوائل عام 1984 ومن عام 1984 إلى1987 عمل سفيراً ومندوباً دائما للسلطنة لدى الأمم المتحدة وسفيراً غير مقيم لدى جمهورية كولومبيا.
تعليق