المقامة الحدية
حدثنا عمروس بن بشير، وكان في يوم مطير، أمام جمع غفير، قال: يممنا شطر الشرقية، والشمس فوق البرية، والمناخ يومها مضطرب، ولكننا آثرنا أن نغترب، فتوجهنا نحو رأس الحد، والبحر بين جزر ومد، فنصبنا خيمتنا على الشاطي، من غير تراخ أو تباطي، والكل منا قد شمر عن ساقه، والوقت يمضي في سباقه، وكنا ثمانية رجال، وهكذا كانت الحبال، وأمامنا البحر وخلفنا الجبال، ثم شرعنا بجمع الحطب، وتقريب الرطب، واتقاء العطب، فمنا من كان مشتغلا بإعداد العدة للطبخ، ومنا من كان يوقد النار بالنفخ، فأعددنا أكلنا، وقربنا صحننا، حتى ذهب ثلثا النهار، ولم نستطع الاصطبار، فجمعنا بين الغداء والعشاء جمع تأخير، لنذهب ما في البطن من تغيض وزفير، حتى إذا أرخى الليل سدوله، وودع الجسم نحوله، إذا بأخوين لنا، يلحقان بركبنا، ويستعيدان همتنا، بعد أن آنسا من جانب الخيمة نارا، وقد ازدادت النار أوارا، وما إن وصلا محل إقامتنا، ومكمن سعادتنا، ومنتهى بهجتنا، إذا بركوبهم يكدر صفونا، وينغص عيشنا، فقد أذاقته رمال الحد جحيمها، وأطبقته فيها فشكى حميمها، فعزمنا على تركه حتى يميط الليل لثامه، ويلقي الصبح سهامه، لنقدم له ما نسطيعه من عون، ونأتي بعدتنا من كل لون، فتحلقنا حول النار نتجاذب أطراف الحديث، ونسعى لتدفئة أجسامنا في سعي حثيث، وكل منا يروي قصته على المستمعين، وترانا حينها مجتمعين، حتى هبت رياح الليل، محملة بقطرات السيل، فخشينا من الويل، فاستشارنا الأمير بين البقاء والانصراف، إذ قد يأتينا من ذلك مجرد نفاف، ونستمتع به ولا نخاف، فجاء الخبر وليته ما جاء، أن سيأتي السيل وتتغير الأجواء، وبالأخص في المكان الذي أحببنا فيه البقاء، ويا لحزننا، وعظيم كربنا، فقد قرر الأمير أن نذهب إلى الشقق المفروشة، والغرف المخشوشة، لنقضي ما تبقى من ليلتنا فيها، حتى تهدأ الأنواء وما فيها، فأسلمنا أنفسنا إلى باريها، وفوضنا أمورنا إلى حاميها، فوضعنا جنبنا مستلقين، حتى غدونا نائمين، فأرحنا الجسم من عناء ذلك اليوم، فالراحة كل الراحة في ذلك النوم، حتى طلع الفجر...الخ (وللحديث بقية)!
حدثنا عمروس بن بشير، وكان في يوم مطير، أمام جمع غفير، قال: يممنا شطر الشرقية، والشمس فوق البرية، والمناخ يومها مضطرب، ولكننا آثرنا أن نغترب، فتوجهنا نحو رأس الحد، والبحر بين جزر ومد، فنصبنا خيمتنا على الشاطي، من غير تراخ أو تباطي، والكل منا قد شمر عن ساقه، والوقت يمضي في سباقه، وكنا ثمانية رجال، وهكذا كانت الحبال، وأمامنا البحر وخلفنا الجبال، ثم شرعنا بجمع الحطب، وتقريب الرطب، واتقاء العطب، فمنا من كان مشتغلا بإعداد العدة للطبخ، ومنا من كان يوقد النار بالنفخ، فأعددنا أكلنا، وقربنا صحننا، حتى ذهب ثلثا النهار، ولم نستطع الاصطبار، فجمعنا بين الغداء والعشاء جمع تأخير، لنذهب ما في البطن من تغيض وزفير، حتى إذا أرخى الليل سدوله، وودع الجسم نحوله، إذا بأخوين لنا، يلحقان بركبنا، ويستعيدان همتنا، بعد أن آنسا من جانب الخيمة نارا، وقد ازدادت النار أوارا، وما إن وصلا محل إقامتنا، ومكمن سعادتنا، ومنتهى بهجتنا، إذا بركوبهم يكدر صفونا، وينغص عيشنا، فقد أذاقته رمال الحد جحيمها، وأطبقته فيها فشكى حميمها، فعزمنا على تركه حتى يميط الليل لثامه، ويلقي الصبح سهامه، لنقدم له ما نسطيعه من عون، ونأتي بعدتنا من كل لون، فتحلقنا حول النار نتجاذب أطراف الحديث، ونسعى لتدفئة أجسامنا في سعي حثيث، وكل منا يروي قصته على المستمعين، وترانا حينها مجتمعين، حتى هبت رياح الليل، محملة بقطرات السيل، فخشينا من الويل، فاستشارنا الأمير بين البقاء والانصراف، إذ قد يأتينا من ذلك مجرد نفاف، ونستمتع به ولا نخاف، فجاء الخبر وليته ما جاء، أن سيأتي السيل وتتغير الأجواء، وبالأخص في المكان الذي أحببنا فيه البقاء، ويا لحزننا، وعظيم كربنا، فقد قرر الأمير أن نذهب إلى الشقق المفروشة، والغرف المخشوشة، لنقضي ما تبقى من ليلتنا فيها، حتى تهدأ الأنواء وما فيها، فأسلمنا أنفسنا إلى باريها، وفوضنا أمورنا إلى حاميها، فوضعنا جنبنا مستلقين، حتى غدونا نائمين، فأرحنا الجسم من عناء ذلك اليوم، فالراحة كل الراحة في ذلك النوم، حتى طلع الفجر...الخ (وللحديث بقية)!
تعليق