ما زلت أحتفظ بها في أغلفتها البلاستيكية الشفافة المغلقة من جانبين ، فهي بمثابة برهان على قطع شوط من الإنجاز العلمي بأرقام تعبر عن الواقع وبشكل شهري وليس بتقدير عام كما هي اليوم الشهادات الدراسية التي تمنح للطالب في نهاية السنة الدراسية فقط ، فكل شيء في تلك الشهادات الكارتونية التي تختلف ألوانها باختلاف السنة الدراسية تعبر عن ما ينجزه الطالب خلال سنته الدراسية من خلال الاختبارات الشهرية التي تفرض عليه مذاكرة دروسه أولاً بأول فما سيصنعه خلال ذلك الشهر سيدون بالأرقام ليخرج في نهاية العام بمجموع كلي حصيلة لما جناه في عامه الدراسي ، فكان تقييم أكثر مصداقية للطالب فمن خلال تلك الشهادة يستطيع أن يلاحظ مستواه بإختلاف الدرجات التي تعلو في شهر وقد تدنو في شهر آخر ... على الرغم من أنها تبقى ذكرى تؤرخ للطالب إنتقاله من صف دراسي إلى آخر فشهادته في الثالث الثانوي أو ما يسمى اليوم بالدبلوم العام هي الوسيلة التي تنقله من مرحله المدرسة إلى المرحلة التي تليها سواء كان العمل أو تكملة الدراسة .
كانت الأرقام هي التي تجعل الطالب يقيم نفسه وفي أي تقدير هو ممتاز كان أو مقبول ، فهي تجعل الطالب يتيقن لأخطائه والتي تحسب له بالدرجة فيعلم أن أخطائة بعدد درجاته.
لست بصدد الحديث عن الشهادة الدراسية بين اليوم والأمس ، فكل مرحله حياتيه لها طبيعتها بإختلاف فكر القائمين والمختصين عليها في تلك الفترة والذين يرون أن ما ينطبق على الأمس لا يمكن الأخذ به اليوم ، لكن هناك تقييم سنوي مشابهه يذكرني بتلك الشهادات وهو التقييم في العمل الذي لا بد أن يخضع له أي موظف لكن بطريقة عكسية أي يأتي من الشخص المُقيّم (الموظف) إلى المسئول وعلى أساسه يجتاز الموظف مرحله مالية أم يظل كما هو ، لكن السؤال كيف يمكن تقيم جميع الموظفين بنفس المعايير والأسس ، فهل من المعقول أن تُقييم موظف أكمل عاماً بموظف تجاوز في وظيفة الثلاثين عاماً بنفس معايير التقييم أو موظف إداري بموظف آخر فني أو خريج ثانوية أو دبلوم عام بآخر يحمل درجة جامعية وغيرها من الاختلافات التي تحتضنها بيئة العمل ومع ذلك فأن هذا التقييم هو من يرقى الموظف إلى درجة مالية أعلى أو يجعله يتمهل ...ناهيك أن الدورات تحسب من ضمن المعايير الايجابية التي يُقيّم عليها كيف ذلك ؟ إن كانت جهة العمل هي التي تحدد مغ إذا كان بإمكان الموظف الذهاب إلى الدورة من عدمه وان حدث فأن ذلك لا يتركرر سنوياً .
ومع كل هذا وذاك فأن نتائج التقييم ترجع للمسئول نفسه وضميره لأنه هو من يجيز ذلك التقييم ليرفع إلى إدارة المؤسسة أو الجهة المعنية ، وكثيراً هي الأحداث حول ذلك فقد يكون خلافاً شخصياً بين الموظف ومسئوله حدث في فترة التقييم تؤثر على مستوى التقييم ، كما قد يكون المسئول عاطفي وحنون بالتالي فهو يقييم الجميع بدرجات تؤهلهم للانتقال إلى درجة مالية أعلى (الترقيه) ، بغض النظر عن عمله فالموظفين لديه سواء في العمل المُجد والمجتهد في عمله أو من يأتي لتسجيل الحضور فقط ، كما أن أهمية شخصية المسئول لها آثر كبير في وقت التقييم فإذا كان ذات شخصية ضعيفة فأنه يتآثر بضغوطات الموظف لرفع الدرجة وأن كان لا يستحقها ويكون له ذلك حتى لا يهدر وقته في مناقشة ذلك الملف وهذا في حالة كان المسئول ديمقراطي وأطلع الموظف على التقييم والحصيلة أن الكل مبدع ويستحق الامتياز ، أما في حالة المسئول الديكتاتوري وقام بأداء التقييم ورفعه دون علم الموظف فما عليه إلا الدعاء لأن هناك من لديه اعتقاد أن تلك الوريقات يجب أن تظل سرية لا يطلع عليها المُقيّم فيمكنه أن يستشف نتيجته بتأخر ترقيته أو عدم قبول طلب ما قدم عليه.
لن أقول بأننا بحاجة إلى تحكيم ضمائرنا لأنه من الصعب ضمان ذلك في هذه الأيام لكن ، من الممكن إيجاد وسائل أخرى يُقيّم من خلالها الموظف تكون أكثر إنصافاً وشفافية ، كاستحداث نظام إلكتروني يطلع عليه الموظف والمسئول والجهة التي يرفع لها التقرير بحيث يضع كلاً منهم ملاحظاته لمناقشتها تمهيداً لوضع النتيجة النهائية.
تعليق