أول ما يخطر على البال – حين يوجه هذا السؤال إلى أحد مشتغل بالكتابة – أنه سيقول : إنني أهوى القراءة لأنني أهوى الكتابة !!!
و لكن الواقع أن الذي يقرأ ليكتب و كفى هو ( موصل رسائل ) ليس إلا .... أو هو كاتب بالتبعية و ليس كاتبا" بالأصالة . فلو لم يسبقه آخرون لما كان كاتبا" على الإطلاق , ولو لم يكن أحد قبله قد قال شيئا" لما كان عنده شيء يقوله للقراء .
و أنا أعلم فيما أعهده من تجاربي أنني قد أقرأ كتبا" كثيرة لا أقصد الكتابة في موضوعاتها على الإطلاق , و أذكر من ذلك أن أديبا" زارني فوجد على مكتبي بعض المجلدات في غرائز الحشرات , فقال مستغربا" و مالك أنت و للحشرات ؟؟ !!!
انك تكتب في الأدب و ما إليه , فأية علاقة للحشرات بالشعر و النقد والاجتماع ؟؟؟
و لو شئت لأطلت في جوابه , و لكنني أردت أن أقتضب الكلام بفكاهة تبدو كأنها جواب و ليس فيها جواب .
فقلت : أنسيت أنني أكتب أيضا" في السياسة !
قال : نعم نسيت و الحق معك ! فما يستغنى عن العلم بطبائع الحشرات رجل يكتب عن السياسة و السياسيين في هذه الأيام !!!
و الحقيقة كما قلت مرارا" أن الأحياء الدنيا هي مسودات الخلق التي تتراءى فيها نيات الخالق كما تتراءى في النسخة المنقحة , و قد تظهر من المسودة أكثر ما تظهر بعد التنقيح . فإذا اطلع القارىء على كتاب الحشرات , فليس من اللازم أن يطلع عليه ليكتب في موضوعه , و لكنه يطلع عليه لينفذ إلى بواطن الطبائع و أصولها الأولى , ويعرف كيف نشأ هذا الإحساس أو ذاك , فيتقرب بذلك من صدق الحس و صدق التعبير , و لو في غير هذا الموضوع .
كذلك لا أحب أن أجيب عن السؤال كما أجاب قارىء التاريخ في البيت المشهور :
و من وعى التاريخ في صدره أضاف أعمارا" إلى عمره
فليست إضافة أعمار إلى العمر بالشيء المهم إلا على اعتبار واحد , و هو أن يكون العمر المضاف مقدارا" من الحياة لا مقدارا" من السنين , أو مقدارا" من مادة الحس و الفكر و الخيال , لا مقدارا" من أخبار الوقائع و عدد السنين التي وقعت فيها .
فان ساعة من الحس و الفكر و الخيال تساوي مائة سنة أو مئات السنين , ليس فيها إلا أنها شريط لطائفة الأخبار و طائفة الأرقام .
كلا لست أهوى القراءة لأكتب , و لا أهوى القراءة لأزداد عمرا" في تقدير الحساب ......
و إنما أهوى القراءة , لأن عندي حياة واحدة في هذه الدنيا , و حياة واحدة لا تكفيني , و لا تحرك كل ما في ضميري من بواعث الحركة .
و القراءة دون غيرها هي التي تعطيني أكثر من حياة واحدة في مدى عمر الإنسان لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق وان كانت لا تطيلها بمقدار الحساب ...
فكرتك أنت فكرة واحدة ....
شعورك أنت شعور واحد ....
خيالك أنت خيال فرد إذا قصرته عليك ....
و لكنك إذا لاقيت بفكرتك فكرة أخرى , أو لاقيت بشعورك شعورا" آخر , أو لاقيت بخيالك خيال غيرك ..... فليس قصارى الأمر أن الفكرة تصبح فكرتين , أو أن الشعور يصبح شعورين , أو أن الخيال يصبح خيالين ....
كلا ... و إنما تصبح الفكرة بهذا التلاقي مئات من الفكر في القوة و العمق و الامتداد .
و المثل الأعلى على ذلك , محسوس في عالم الحس و المشاهدة , و محسوس في عالم العطف و الشعور .
ففي عالم المشاهدة يجلس المرء بين مرآتين فلا يرى إنسانا" واحدا" أو إنسانين اثنين , و لكنه يرى عشرات متلاحقين في نظره إلى غاية ما يبلغه النظر في كل اتجاه .
و في عالم العطف و الشعور نبحث عن أقوى عاطفة تحتويها نفس الإنسان فإذا هي عاطفة الحب المتبادل بين قلبين ... لماذا ؟؟ لأنهما لا يحسان بالشيء الواحد كما يحس به سائر الناس ...
لا يحسان به شيئا" و لا شيئين , و إنما يحسان به أضعافا" مضاعفة لا تزال تتجاوب و تنمو مع التجاوب إلى غاية ما تتسع له سائر الأحياء .
هكذا يصنع التقاء مرآتين , و هكذا يصنع التقاء قلبين ... فكيف بالتقاء العشرات من المرائي النفسية في نطاق واحد ؟؟؟
و كيف بالتقاء العشرات من الضمائر و الأفكار ؟؟؟ !!!
إن الفكرة الواحدة جدول منفصل .
أما الأفكار المتلاقية فهي المحيط الذي تتجمع فيه الجداول جميعا" و الفرق بينها و بين الفكرة المنفصلة كالفرق بين الأفق الواسع و التيار الجارف و بين الشط الضيق و الموج المحصور .
و لكن الواقع أن الذي يقرأ ليكتب و كفى هو ( موصل رسائل ) ليس إلا .... أو هو كاتب بالتبعية و ليس كاتبا" بالأصالة . فلو لم يسبقه آخرون لما كان كاتبا" على الإطلاق , ولو لم يكن أحد قبله قد قال شيئا" لما كان عنده شيء يقوله للقراء .
و أنا أعلم فيما أعهده من تجاربي أنني قد أقرأ كتبا" كثيرة لا أقصد الكتابة في موضوعاتها على الإطلاق , و أذكر من ذلك أن أديبا" زارني فوجد على مكتبي بعض المجلدات في غرائز الحشرات , فقال مستغربا" و مالك أنت و للحشرات ؟؟ !!!
انك تكتب في الأدب و ما إليه , فأية علاقة للحشرات بالشعر و النقد والاجتماع ؟؟؟
و لو شئت لأطلت في جوابه , و لكنني أردت أن أقتضب الكلام بفكاهة تبدو كأنها جواب و ليس فيها جواب .
فقلت : أنسيت أنني أكتب أيضا" في السياسة !
قال : نعم نسيت و الحق معك ! فما يستغنى عن العلم بطبائع الحشرات رجل يكتب عن السياسة و السياسيين في هذه الأيام !!!
و الحقيقة كما قلت مرارا" أن الأحياء الدنيا هي مسودات الخلق التي تتراءى فيها نيات الخالق كما تتراءى في النسخة المنقحة , و قد تظهر من المسودة أكثر ما تظهر بعد التنقيح . فإذا اطلع القارىء على كتاب الحشرات , فليس من اللازم أن يطلع عليه ليكتب في موضوعه , و لكنه يطلع عليه لينفذ إلى بواطن الطبائع و أصولها الأولى , ويعرف كيف نشأ هذا الإحساس أو ذاك , فيتقرب بذلك من صدق الحس و صدق التعبير , و لو في غير هذا الموضوع .
كذلك لا أحب أن أجيب عن السؤال كما أجاب قارىء التاريخ في البيت المشهور :
و من وعى التاريخ في صدره أضاف أعمارا" إلى عمره
فليست إضافة أعمار إلى العمر بالشيء المهم إلا على اعتبار واحد , و هو أن يكون العمر المضاف مقدارا" من الحياة لا مقدارا" من السنين , أو مقدارا" من مادة الحس و الفكر و الخيال , لا مقدارا" من أخبار الوقائع و عدد السنين التي وقعت فيها .
فان ساعة من الحس و الفكر و الخيال تساوي مائة سنة أو مئات السنين , ليس فيها إلا أنها شريط لطائفة الأخبار و طائفة الأرقام .
كلا لست أهوى القراءة لأكتب , و لا أهوى القراءة لأزداد عمرا" في تقدير الحساب ......
و إنما أهوى القراءة , لأن عندي حياة واحدة في هذه الدنيا , و حياة واحدة لا تكفيني , و لا تحرك كل ما في ضميري من بواعث الحركة .
و القراءة دون غيرها هي التي تعطيني أكثر من حياة واحدة في مدى عمر الإنسان لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق وان كانت لا تطيلها بمقدار الحساب ...
فكرتك أنت فكرة واحدة ....
شعورك أنت شعور واحد ....
خيالك أنت خيال فرد إذا قصرته عليك ....
و لكنك إذا لاقيت بفكرتك فكرة أخرى , أو لاقيت بشعورك شعورا" آخر , أو لاقيت بخيالك خيال غيرك ..... فليس قصارى الأمر أن الفكرة تصبح فكرتين , أو أن الشعور يصبح شعورين , أو أن الخيال يصبح خيالين ....
كلا ... و إنما تصبح الفكرة بهذا التلاقي مئات من الفكر في القوة و العمق و الامتداد .
و المثل الأعلى على ذلك , محسوس في عالم الحس و المشاهدة , و محسوس في عالم العطف و الشعور .
ففي عالم المشاهدة يجلس المرء بين مرآتين فلا يرى إنسانا" واحدا" أو إنسانين اثنين , و لكنه يرى عشرات متلاحقين في نظره إلى غاية ما يبلغه النظر في كل اتجاه .
و في عالم العطف و الشعور نبحث عن أقوى عاطفة تحتويها نفس الإنسان فإذا هي عاطفة الحب المتبادل بين قلبين ... لماذا ؟؟ لأنهما لا يحسان بالشيء الواحد كما يحس به سائر الناس ...
لا يحسان به شيئا" و لا شيئين , و إنما يحسان به أضعافا" مضاعفة لا تزال تتجاوب و تنمو مع التجاوب إلى غاية ما تتسع له سائر الأحياء .
هكذا يصنع التقاء مرآتين , و هكذا يصنع التقاء قلبين ... فكيف بالتقاء العشرات من المرائي النفسية في نطاق واحد ؟؟؟
و كيف بالتقاء العشرات من الضمائر و الأفكار ؟؟؟ !!!
إن الفكرة الواحدة جدول منفصل .
أما الأفكار المتلاقية فهي المحيط الذي تتجمع فيه الجداول جميعا" و الفرق بينها و بين الفكرة المنفصلة كالفرق بين الأفق الواسع و التيار الجارف و بين الشط الضيق و الموج المحصور .
تعليق