ا لتفكك الخلاق فى الصورة الشعرية قراءة فى ديوان الغزالة تشرب صورتها لعلى الحازمى
التجربة الرئيسة فى شعر على الحازمى (1) فى ديوانه الغزالة تشرب صورتها (2) - اذا جاز هذا التعميم - هى محاولتهالدائبة ان يتخطى الجزئى الى الكلى والخاص الى العام وان ينفذ من الواقع الحسى الى ما وراءه ويرى على الحازمى الوحدة من خلال الاعراض ومن هنا كانت وسائله الفنية نتيجة معاناة وجودية سابقة ولم تكن فى حد ذاتها هدفا
( تجلس الذكرى امام النبع تروى للغزالة
قصة العطش المقيم على الضفاف
وكيف لاح الغيم فى خجل على الماضى
ليزهر غصن قامتك النحيل) (3)
فالشاعر وصل الى درجة التصفية التى تخلص عندها الرؤيا وتنتفى كثافة الحس وفى تلك الاونة تتحول الحبيبة المنشودة الى رمز فيه شفافية التجريد ومثاليته وانبهامه او قل تتحول الى فكرة تقف على الحافة بين الحقيقة والوهم خارج نطاق الماضى و الحاضر
اما على المستوى الفنى للجمال فان النظرة المتأنية لا تخطىء اثر هذه النزعة الشكلية فى مفهوم الجمال عند على الحازمى حتى وضع الكلمات وعلامات الترقيم تخضع جميعا فى ديوان الحازمى لهندسة دقيقة تكاد توحى الى حاسة البصر بقدر ما توحى الاصوات الى حاسة السمع
ولئن كان الشعر جهدا ومعاودة فليس ثمة مجال - فى ظننا - لذلك الشىء المبهم الذى يسمونه الالهام اذ لا وجود لاية شرارة جمال الا وراءها عمر من التحضير ومن هنا نجد ان الشاعر على الحازمى حريصا على تنقية اسلوبه ومراوغة الحرف واللفظة وتصفية الجملة نسرة نسرة حتى يعثر على الصوت الدال واللفظة المشعة والجملة المصقولة :
كبرنا على الحب يا عائشة
وكدنا نضيع قبلتنا
فى الدروب المريضة بالوقت
والتعب القروى
لم نكن واضحين كما ينبغى
للفراش بان يتهافت فى ظلنا
كان صوتك اقرب
للعشب من نفسه
حين ينداح بين صفوف النخيل
وينأىعلى ضحكة فاتنة )( 4)
وقليلا ما نعثر عند على الحازمى على الروابط المنطقية بين جزئيات التشكيل اللغوى كأدوات التشبيه والتعليل والتعقيب والشرط حتى خرج شعره وفق ما كان يبتغى تمثالا من المرمر فيه جهد النحت والازميل وفيه حيوية وحياة بشكل خاص ومميز ولعل ابرز ما يتميز به الاداء الشعرى عند على الحازمى اعتماده بصفة اساسية على الصورة التجريدية وهى صورة يتبادل فيها الحس الفكرى والمادى والمعنوى وتنهار فيها الحواجز بين الواقع وما وراء الواقع فلا يعود ثمة وجود الا لبصيرة الشاعر التى تستوعب الاشياء والمعانى لتشكلها ذاتيا مثاليا
ومن اهم الوسائل التى يعتمد عليها الشاعر فى تجريد صوره :
اولا : ايحاءات الالوان وعلى الحازمى فى هذا يستفيد من نظرية العلاقات الرمزية فالالوان عنده ليست مدركات بصرية متميزة بل هى شتيت من الايحاءات والمعاى ومن ثم كان يصعب عليه احيانا ان يحدد نوعية اللون الذى يتحدث عنه اذ كيف يمكن تحديد المجردات:
(فكى بصبحك
من وثاق قصائدى السوداء طيرا
كم يسافر نحوك00)(5)
(لان الحياة مجاهل مأهولة بالضنى
تغزلين بصوف الحنين المجعد فى الشرفات
شرائط خضراء ,حمراء,صفراءقابلة
للتأرجحفى سقف روحك) (6)
ونضيف ان هذه الا يحاءات اللونية انما هى - فيما نحسب - محض انطباعات ذاتية غير ملزمة وربما يرى شاعر اخر غير ما رأه على الحازمى ولعل ثالثا يرى غير ما رأياه وهكذا
ولهذه النظرة ما يدعمها من الناحية النفسية فقد عرض سيريل بيرت فى كتابه كيف يعمل العقل لصنف من الناس يمكن ان نسميه بالصنف الربطى وهو الذى ينظر الى الاشياء لا من حيث هى ولكن من حيث ما تثيره فى نفسهمن ذكريات
وكما علق بوذانكويت على هذا الصنف بقوله" رغم انه قد يبدو من الصحيح ان نربط شعورنا باللون الاحمر بصور الدم والنار او شعورنا باللون الازرق بصورة السماء قان لدى شكوكا قوية فيما اذا كان ينبغى ان يدرس ارتباطهما حقا بوصفه ارتباطا اساسيا" (7) وهذا حق لان مثل تلك الارتباطات اللونية فردية محضة ترتبط بذكريات واحداث ومواقف خاصة ولا تمثل قاعدة موضوعية صالحة للتطبيق فى كل الحالات
ثانيا:التشكيل الذاتى للصورة الشعرية
اما ثانية الوسيلتين اللتين يعتمد عليهما الشاعر فى تجريد صوره فهى ذاتية العلاقات التى يقيمها بين عناصر هذه الصور فالصورة الشعرية لدى الحازمى ليست احتذاء للواقع وعلاقاته الطبيعية ولكنها بالاحرى تشكيل جديد لهذا الواقع وصياغة ذاتية لعناصره الحسية والمعنوية بحيث تغدو مفردات الطبيعة رمزية نفسية لا وجود لها الا فى المخيلة وبحيث تلتئم جميعا لتخلق الاحساس الذى يعيشه الشاعر
(معا باليدين
سنقطع درب السؤال الاخير
الى حلمنا
سنمضى الى قبلة الاغنيات الشريدة
سنمضى
وان يسقط العمر من روحنا قطعة
لن نعود اليها
سنتركها فوق كف من الرمل
كيما تؤلب فجر الهديل البعيد
ستزهر
باسمى واسمك من برعم
غائر فى النشيد
سنولد ثانية 00 لا تخافى
سنولد0000
لو بعد الف سنة ) (8)
على ان الشاعر لايكتفى فى تشكيل صوره بتراسل معطيات الحواس لان هذه الوسيلة - مهما كانت قيمتها التجريدية - لاتزال فى نطاق المحسوسات ومن ثم نراه كثيرا ما يلجأ الى تبادل مجالات الادراك ذاتها ما بين معنويات ووجدانيات ومحسوسات
والرمز عند على الحازمى يتجلى فى وضعين رئيسين
فهو تارة صورة شعرية مركبة وتارة اخرى اطار كلى للقصيدة تتأزر فى بنائه وسائل الاداء المختلفة من الفاظ وصور وايقاعات ومن ثم يمكن ان نطلق علي الرمز فى الحالة الاولى الرمز الجزئى وفى الثانية الرمز الكلى
وهنا نلمح اثر الفسفة فى تفكير الحازمى وامتزاجها بالمثالية الرمزية وهما تفسير ما يبدو فى نتاجه من نزعة الى تظليل المادة بالفكر ورد الواقع المتكثر الى الجوهر الواحد على نحو ما رد افلاطون صور الوجود الحسى الى عالم المثل الكامل
---------------------------------------
الهوامش
(1)على الحازمى - شاعر من السعودية
صدر له بوابة الجسد -دار المدينة -جدة 1993
- خسران-شعر-دار شرقيات- القاهرة -2000
- الغزالة تشرب صورتها - الدار البيضاء- المغرب - 2004
(2) الغزالة تشرب صورتها - الدار البيضاء - المغرب-2004
(3) السابق ص 21 قصيدة يحيك خيبته مناديلا
(4) السابق ص 31-32 قصيدة عائشة
(5) السابق ص 79 للوصول الينا
(6)السابق ص 49 وانت القريبة من ربك
(7) انظر : د/ عز الدين اسماعيل - الاسس الجمالية فى النقد العربى -ط 1 - دار الفكر العربى - 1955- القاهرة ص 107
(8)الغزالة تشرب صورتها ص 37 -38 قصيدة عائشة
التجربة الرئيسة فى شعر على الحازمى (1) فى ديوانه الغزالة تشرب صورتها (2) - اذا جاز هذا التعميم - هى محاولتهالدائبة ان يتخطى الجزئى الى الكلى والخاص الى العام وان ينفذ من الواقع الحسى الى ما وراءه ويرى على الحازمى الوحدة من خلال الاعراض ومن هنا كانت وسائله الفنية نتيجة معاناة وجودية سابقة ولم تكن فى حد ذاتها هدفا
( تجلس الذكرى امام النبع تروى للغزالة
قصة العطش المقيم على الضفاف
وكيف لاح الغيم فى خجل على الماضى
ليزهر غصن قامتك النحيل) (3)
فالشاعر وصل الى درجة التصفية التى تخلص عندها الرؤيا وتنتفى كثافة الحس وفى تلك الاونة تتحول الحبيبة المنشودة الى رمز فيه شفافية التجريد ومثاليته وانبهامه او قل تتحول الى فكرة تقف على الحافة بين الحقيقة والوهم خارج نطاق الماضى و الحاضر
اما على المستوى الفنى للجمال فان النظرة المتأنية لا تخطىء اثر هذه النزعة الشكلية فى مفهوم الجمال عند على الحازمى حتى وضع الكلمات وعلامات الترقيم تخضع جميعا فى ديوان الحازمى لهندسة دقيقة تكاد توحى الى حاسة البصر بقدر ما توحى الاصوات الى حاسة السمع
ولئن كان الشعر جهدا ومعاودة فليس ثمة مجال - فى ظننا - لذلك الشىء المبهم الذى يسمونه الالهام اذ لا وجود لاية شرارة جمال الا وراءها عمر من التحضير ومن هنا نجد ان الشاعر على الحازمى حريصا على تنقية اسلوبه ومراوغة الحرف واللفظة وتصفية الجملة نسرة نسرة حتى يعثر على الصوت الدال واللفظة المشعة والجملة المصقولة :
كبرنا على الحب يا عائشة
وكدنا نضيع قبلتنا
فى الدروب المريضة بالوقت
والتعب القروى
لم نكن واضحين كما ينبغى
للفراش بان يتهافت فى ظلنا
كان صوتك اقرب
للعشب من نفسه
حين ينداح بين صفوف النخيل
وينأىعلى ضحكة فاتنة )( 4)
وقليلا ما نعثر عند على الحازمى على الروابط المنطقية بين جزئيات التشكيل اللغوى كأدوات التشبيه والتعليل والتعقيب والشرط حتى خرج شعره وفق ما كان يبتغى تمثالا من المرمر فيه جهد النحت والازميل وفيه حيوية وحياة بشكل خاص ومميز ولعل ابرز ما يتميز به الاداء الشعرى عند على الحازمى اعتماده بصفة اساسية على الصورة التجريدية وهى صورة يتبادل فيها الحس الفكرى والمادى والمعنوى وتنهار فيها الحواجز بين الواقع وما وراء الواقع فلا يعود ثمة وجود الا لبصيرة الشاعر التى تستوعب الاشياء والمعانى لتشكلها ذاتيا مثاليا
ومن اهم الوسائل التى يعتمد عليها الشاعر فى تجريد صوره :
اولا : ايحاءات الالوان وعلى الحازمى فى هذا يستفيد من نظرية العلاقات الرمزية فالالوان عنده ليست مدركات بصرية متميزة بل هى شتيت من الايحاءات والمعاى ومن ثم كان يصعب عليه احيانا ان يحدد نوعية اللون الذى يتحدث عنه اذ كيف يمكن تحديد المجردات:
(فكى بصبحك
من وثاق قصائدى السوداء طيرا
كم يسافر نحوك00)(5)
(لان الحياة مجاهل مأهولة بالضنى
تغزلين بصوف الحنين المجعد فى الشرفات
شرائط خضراء ,حمراء,صفراءقابلة
للتأرجحفى سقف روحك) (6)
ونضيف ان هذه الا يحاءات اللونية انما هى - فيما نحسب - محض انطباعات ذاتية غير ملزمة وربما يرى شاعر اخر غير ما رأه على الحازمى ولعل ثالثا يرى غير ما رأياه وهكذا
ولهذه النظرة ما يدعمها من الناحية النفسية فقد عرض سيريل بيرت فى كتابه كيف يعمل العقل لصنف من الناس يمكن ان نسميه بالصنف الربطى وهو الذى ينظر الى الاشياء لا من حيث هى ولكن من حيث ما تثيره فى نفسهمن ذكريات
وكما علق بوذانكويت على هذا الصنف بقوله" رغم انه قد يبدو من الصحيح ان نربط شعورنا باللون الاحمر بصور الدم والنار او شعورنا باللون الازرق بصورة السماء قان لدى شكوكا قوية فيما اذا كان ينبغى ان يدرس ارتباطهما حقا بوصفه ارتباطا اساسيا" (7) وهذا حق لان مثل تلك الارتباطات اللونية فردية محضة ترتبط بذكريات واحداث ومواقف خاصة ولا تمثل قاعدة موضوعية صالحة للتطبيق فى كل الحالات
ثانيا:التشكيل الذاتى للصورة الشعرية
اما ثانية الوسيلتين اللتين يعتمد عليهما الشاعر فى تجريد صوره فهى ذاتية العلاقات التى يقيمها بين عناصر هذه الصور فالصورة الشعرية لدى الحازمى ليست احتذاء للواقع وعلاقاته الطبيعية ولكنها بالاحرى تشكيل جديد لهذا الواقع وصياغة ذاتية لعناصره الحسية والمعنوية بحيث تغدو مفردات الطبيعة رمزية نفسية لا وجود لها الا فى المخيلة وبحيث تلتئم جميعا لتخلق الاحساس الذى يعيشه الشاعر
(معا باليدين
سنقطع درب السؤال الاخير
الى حلمنا
سنمضى الى قبلة الاغنيات الشريدة
سنمضى
وان يسقط العمر من روحنا قطعة
لن نعود اليها
سنتركها فوق كف من الرمل
كيما تؤلب فجر الهديل البعيد
ستزهر
باسمى واسمك من برعم
غائر فى النشيد
سنولد ثانية 00 لا تخافى
سنولد0000
لو بعد الف سنة ) (8)
على ان الشاعر لايكتفى فى تشكيل صوره بتراسل معطيات الحواس لان هذه الوسيلة - مهما كانت قيمتها التجريدية - لاتزال فى نطاق المحسوسات ومن ثم نراه كثيرا ما يلجأ الى تبادل مجالات الادراك ذاتها ما بين معنويات ووجدانيات ومحسوسات
والرمز عند على الحازمى يتجلى فى وضعين رئيسين
فهو تارة صورة شعرية مركبة وتارة اخرى اطار كلى للقصيدة تتأزر فى بنائه وسائل الاداء المختلفة من الفاظ وصور وايقاعات ومن ثم يمكن ان نطلق علي الرمز فى الحالة الاولى الرمز الجزئى وفى الثانية الرمز الكلى
وهنا نلمح اثر الفسفة فى تفكير الحازمى وامتزاجها بالمثالية الرمزية وهما تفسير ما يبدو فى نتاجه من نزعة الى تظليل المادة بالفكر ورد الواقع المتكثر الى الجوهر الواحد على نحو ما رد افلاطون صور الوجود الحسى الى عالم المثل الكامل
---------------------------------------
الهوامش
(1)على الحازمى - شاعر من السعودية
صدر له بوابة الجسد -دار المدينة -جدة 1993
- خسران-شعر-دار شرقيات- القاهرة -2000
- الغزالة تشرب صورتها - الدار البيضاء- المغرب - 2004
(2) الغزالة تشرب صورتها - الدار البيضاء - المغرب-2004
(3) السابق ص 21 قصيدة يحيك خيبته مناديلا
(4) السابق ص 31-32 قصيدة عائشة
(5) السابق ص 79 للوصول الينا
(6)السابق ص 49 وانت القريبة من ربك
(7) انظر : د/ عز الدين اسماعيل - الاسس الجمالية فى النقد العربى -ط 1 - دار الفكر العربى - 1955- القاهرة ص 107
(8)الغزالة تشرب صورتها ص 37 -38 قصيدة عائشة
تعليق