الحسى والمتخيل فى خائنة الشبه لحسن الصلهبى
ان الشعر ينطوى - شأن الفن بعامة - على خاصية حسية بالضرورة ما دامت مدركات الحس هى المادة الخام التى يبنى بها الشاعر تجاربه وما دام الشاعر لا يتعدى الممكن ولكن هذه الحسية لا تعنى الانحصار فى اطار حاسة بعينها وان كان ثمة تركيز على حاستى البصر والسمع وكما لاتعنى المحاكاة الحرفية للاحساسات بوجه عام فذلك مجرد نسخ يفقد المحاكاة طابعها التخيلى
ان الشعر تخيل وتخييل فى آن وكونه كذلك يعنى انه لا ينسخ المدركات بل يؤلف بينها ويعيد تشكيلها مكتشفا العلاقات التى تقرب بين العناصر المتباعدة بعبارة اخرى الخاصية الحسية للشعر تقتصر - فحسب - على طبيعة مادته من حيث صلة هذه المادة بالمدركات وصلة هذه المدركات بالانفعالات الانسانية هى البواعث الاولى للنظموالمؤثر الاساسى فى المتلقى
وعند الشاعر حسن الصلهبى فى ديوانه خائنة الشبه هذا التكييف للخاصية الحسية فى الشعر ينفى الحسية الخشنة المصاحبةللانفلات الغرائزى وسيطرة الحواس كما ينفى الحرفية الآلية فيجعل حسن الصلهبى العلاقة بين الشعر والمدركات علاقة تنطوى على نوع من التجريد وهذا شرط ملازم فى خائنة الشبه لكل خاصية حسية وعند حسن الصلهبى الشعر يصاغ من مدركات حسية وهى المادة الاولية لكل ابداع ولكن صلة هذه المواد الحسية باصلها فى الواقع صلة معقدة نتيجة فاعلية التخيل
انها تتعدل بفضل التخيل الذى يجعل القصيدة قادرة علىالجمع بين الاحساسات المتباينة فى علاقات جديدة تجعلنا نجفل فى حال من التعجب
"تدلى السواد على كأسه
تعرى .. فأبدى طلاء الجباه
ويجتره الليل فى صحوه
يجرجر رجليه حتى رماه
ايرنو؟..لماذا؟..لاشلائه
فالحانه حشرجات الشفاه
يريد.. فمن ذا يروى ظماه؟
ويبذرفى مقلتيه اشتباه " ( 1 )
ومن هنا يمكن الاتتناقض الحسية مع التجريد بل تظل الخاصية الحسية للشعر قائمه على ضرب من التجريد يميزها عن مجرد نسخ المدركات ويوائم بينها وبين قدرة التخيل على التحرر من اثقال المادة ولولا هذا التجريد لما استطاع الشعر ان يصور الاشياء على ماهى عليه
ولكن - رغم هذا التجريد - لا يمكن للشعر ان يصور شيئا الا على نحو ما من شأن الحس ان يؤدى اليه ومهما تباعد الشعر عن الواقع وابتكر اشكالا وصورا خيالية لا وجود لها فى عالم الحس فانه لا يمكن ان يبتكر شيئا لم يؤد اليه الحس بنحو من الانحاء :
يمر يمر بى العابرون
لاهثين
بهم عرى السؤال
ونار الجرح ملتصقة
اسير يغرق مائى فخذ قافيتى
وتستلذ بنارى الغيمة الشبقة
فألبس الريح
ازهو ملء قامتها
ويلبس الدهر - غيرى -ثوب من سبقه
ويعرج الدرب بى
لكن لى لغة
تظل للقادم المحجوب مخترقة "(2)
فالتخيل هنا تابع للحس ومن هنا كان الشاعر يتخيل الاشياء التى لا يعرفها عن طريق ما يعرفه من مدركات الحس المألوفة وان دخلت اشعار حسن الصلهبى فى اطار الاختلاقالامتناعى الا انها تظل مرتبطة بالعالم الذى تدركه الحواس من ناحية مادتها التى يمكن ان ترجع الى عناصر سبق للحس ادراكها ومن ناحية مغزاها الذى يجعل من الشىء مثالا موازيا للواقع بغض النظر عن قبول العقل له او عدم قبوله
الشاعر فى هذا الديوان يتعامل مع الاشياء ويشكلها تشكيلا جديدا لكن الاشياء منها ما تدركه الحواس ومنها ما لا يمكن ادراكه بالحواس .. الشىء الذى تدركه الحواس يسهل تخيله عن طريق استرجاع الصور التى ارتسمت له خلال عملية الادراك والتى تظل جاهزة فى القوة الحافظة باعتبارها مادة للتخييل - اما الاشياء التى لا تدركها الحواس فامرها مختلف يستحيل بالقطع ان تدرك ادراكا حسيا كادراكنا الاشياء المادية هذه الاشياء المادية هذه الاشياء غير الحسية ليست موضوعا مباشرا للحواس لانها ادخلت فى اطار الافكار الجديدة المجردة كالموت والحب والعدالة والخير باعتبارها محض مجردات مفارقة للحس بمعنى او باخر كما تشكل بواعث للشاعر تدفعه للابداع
غير ان الشاعر حسن الصلهبى لا يتعامل مع هذه الاشياء باعتبارها مجردات وانما يتعامل مع جانبها الآخر الذى يمكن ان يكون موضوعا للتخييل واعنى الجانب الذى يتصل بالانفعالات الانسانية والذى يبدو فيه المجرد من خلال مجموعة من الاغراض الحسية او مجموعة من هيئات الاحوال المطيفة به والملازمة له :
" فتشت عن آه
ورجعت من اوجاعها تتبرم
لابد من ألم الولادة
كلما غالى شفى
واذا ترفق يسقم
فاظعن ..
ولا تخف انشداهك
لا تعر للظل صوتا
فالصدى لا يلجم
متأبطا وجعا
شريدا .. واجفا
فى الروح حمى
والبصيرة طلسم )( 3 )
من هذه الزاوية يمكن ان يكون المعنوى موضوعا للتخيل الشعرى ويمكن ان يتقارب الحسى مع المجرد فيصبح كلاهما قابلا للتشكيل فى محاكاة شعرية
اذن ما ندركه بالحس هو الذى نتخيله
لان التخيل تابع للحس اما ما ادركناه بغير الحس فلا يمكن تخيله او تخييله الا بما يكون دليلا عليه مما هو تابع للحس اى بما يكون دليلا على حاله من هيئات الاحوال المطيفة به والملازمة له حال وجوده والهيئات المشاهدة لما التبس به ووجد عنده وكل ما لم يحدد من الامور غير المحسوسة بشىء من هذه الاشياء :
( أخافك حين تهزين جذعى
لانك ريح
تنوشين غصنا جريح
فيمسى ضريح
وها انت تحترفين النمو
على ساعدى
تلفين غصنك حول فروعى
وتعترشين يدى
اتسقين عشبى ليخضر
دون جناح ؟
وتبقينه فى مهب الريح
كنار الجراح ) (4 )
ويبدو ان الامر هنا لا يقتصر على الشعر فحسب وانما هو اكثر شمولا عند حسن الصلهبى من ذلك لارتباطه بالجانب المعرفى لدى شاعرنا انه يتخيل الشىء المادى عندما يستدعى الى مخيلته الصور التى كونها لحظة ان كان واقعا فى المجال الادراكى المباشر لحواسه اماالاشياء غير المادية فانه يتخيلها بهيئات الاحوال الملازمة لها بل انه لا يستطيع - فيما يبدو ان يفكر فى المجرد والمعنوى او يتخيلهما الا من خلال مدركات الحس المرتبطة بهما بشكل او باخر وبذلك يمكن للمعنوى ان يصبح موضوعا لتخيله
لذلك نرى الشاعر يخيل لنا الاشياء الحسية باقوال دالة على خواصها الحسية المباشرة كما يخيل لنا المجردات بمدركات حسية ترتبط بها بشكل او باخر
واذا كانت الخاصية الحسية تلفتنا فى شعر الصلهبى الى صفة نوعية ملازمة لشعره فانها تلفتنا مباشرة الى ان الشعر لا يقدم العام الا من خلال الخاص وانه يعرض التجارب العامة من خلال معطيات حسية خاصة وبهذا المعنى يمكن ان نفهم شعر حسن الصلهبى فى ديوانه خائنة الشبه .
الهوامش
-------- ( 1 ) حسن الصلهبى 0 خائنة الشبه - الطبعة الثانية 2003- نادى ابها الادبى - المملكة العربية السعودية - ص 9
(2) السابق ص 13
(3) السابق ص 27
( 4 ) السابق ص 72 علما بان الديوان مقسم الى قسمين الاول بعنوان خائنة الشبه ويضم 25 قصيدة والثانى بعنوان وطن للعابرين ويضم 5 قصائد وبالديوان خاصة وشعر الصلهبى عامة دلالات عديدة آثرنا الوقوف عند احداها فقط لنتيح لاكثر من باحث الوقوف عند شعر حسن الصلهبى الذى يستحق الكثير
ان الشعر ينطوى - شأن الفن بعامة - على خاصية حسية بالضرورة ما دامت مدركات الحس هى المادة الخام التى يبنى بها الشاعر تجاربه وما دام الشاعر لا يتعدى الممكن ولكن هذه الحسية لا تعنى الانحصار فى اطار حاسة بعينها وان كان ثمة تركيز على حاستى البصر والسمع وكما لاتعنى المحاكاة الحرفية للاحساسات بوجه عام فذلك مجرد نسخ يفقد المحاكاة طابعها التخيلى
ان الشعر تخيل وتخييل فى آن وكونه كذلك يعنى انه لا ينسخ المدركات بل يؤلف بينها ويعيد تشكيلها مكتشفا العلاقات التى تقرب بين العناصر المتباعدة بعبارة اخرى الخاصية الحسية للشعر تقتصر - فحسب - على طبيعة مادته من حيث صلة هذه المادة بالمدركات وصلة هذه المدركات بالانفعالات الانسانية هى البواعث الاولى للنظموالمؤثر الاساسى فى المتلقى
وعند الشاعر حسن الصلهبى فى ديوانه خائنة الشبه هذا التكييف للخاصية الحسية فى الشعر ينفى الحسية الخشنة المصاحبةللانفلات الغرائزى وسيطرة الحواس كما ينفى الحرفية الآلية فيجعل حسن الصلهبى العلاقة بين الشعر والمدركات علاقة تنطوى على نوع من التجريد وهذا شرط ملازم فى خائنة الشبه لكل خاصية حسية وعند حسن الصلهبى الشعر يصاغ من مدركات حسية وهى المادة الاولية لكل ابداع ولكن صلة هذه المواد الحسية باصلها فى الواقع صلة معقدة نتيجة فاعلية التخيل
انها تتعدل بفضل التخيل الذى يجعل القصيدة قادرة علىالجمع بين الاحساسات المتباينة فى علاقات جديدة تجعلنا نجفل فى حال من التعجب
"تدلى السواد على كأسه
تعرى .. فأبدى طلاء الجباه
ويجتره الليل فى صحوه
يجرجر رجليه حتى رماه
ايرنو؟..لماذا؟..لاشلائه
فالحانه حشرجات الشفاه
يريد.. فمن ذا يروى ظماه؟
ويبذرفى مقلتيه اشتباه " ( 1 )
ومن هنا يمكن الاتتناقض الحسية مع التجريد بل تظل الخاصية الحسية للشعر قائمه على ضرب من التجريد يميزها عن مجرد نسخ المدركات ويوائم بينها وبين قدرة التخيل على التحرر من اثقال المادة ولولا هذا التجريد لما استطاع الشعر ان يصور الاشياء على ماهى عليه
ولكن - رغم هذا التجريد - لا يمكن للشعر ان يصور شيئا الا على نحو ما من شأن الحس ان يؤدى اليه ومهما تباعد الشعر عن الواقع وابتكر اشكالا وصورا خيالية لا وجود لها فى عالم الحس فانه لا يمكن ان يبتكر شيئا لم يؤد اليه الحس بنحو من الانحاء :
يمر يمر بى العابرون
لاهثين
بهم عرى السؤال
ونار الجرح ملتصقة
اسير يغرق مائى فخذ قافيتى
وتستلذ بنارى الغيمة الشبقة
فألبس الريح
ازهو ملء قامتها
ويلبس الدهر - غيرى -ثوب من سبقه
ويعرج الدرب بى
لكن لى لغة
تظل للقادم المحجوب مخترقة "(2)
فالتخيل هنا تابع للحس ومن هنا كان الشاعر يتخيل الاشياء التى لا يعرفها عن طريق ما يعرفه من مدركات الحس المألوفة وان دخلت اشعار حسن الصلهبى فى اطار الاختلاقالامتناعى الا انها تظل مرتبطة بالعالم الذى تدركه الحواس من ناحية مادتها التى يمكن ان ترجع الى عناصر سبق للحس ادراكها ومن ناحية مغزاها الذى يجعل من الشىء مثالا موازيا للواقع بغض النظر عن قبول العقل له او عدم قبوله
الشاعر فى هذا الديوان يتعامل مع الاشياء ويشكلها تشكيلا جديدا لكن الاشياء منها ما تدركه الحواس ومنها ما لا يمكن ادراكه بالحواس .. الشىء الذى تدركه الحواس يسهل تخيله عن طريق استرجاع الصور التى ارتسمت له خلال عملية الادراك والتى تظل جاهزة فى القوة الحافظة باعتبارها مادة للتخييل - اما الاشياء التى لا تدركها الحواس فامرها مختلف يستحيل بالقطع ان تدرك ادراكا حسيا كادراكنا الاشياء المادية هذه الاشياء المادية هذه الاشياء غير الحسية ليست موضوعا مباشرا للحواس لانها ادخلت فى اطار الافكار الجديدة المجردة كالموت والحب والعدالة والخير باعتبارها محض مجردات مفارقة للحس بمعنى او باخر كما تشكل بواعث للشاعر تدفعه للابداع
غير ان الشاعر حسن الصلهبى لا يتعامل مع هذه الاشياء باعتبارها مجردات وانما يتعامل مع جانبها الآخر الذى يمكن ان يكون موضوعا للتخييل واعنى الجانب الذى يتصل بالانفعالات الانسانية والذى يبدو فيه المجرد من خلال مجموعة من الاغراض الحسية او مجموعة من هيئات الاحوال المطيفة به والملازمة له :
" فتشت عن آه
ورجعت من اوجاعها تتبرم
لابد من ألم الولادة
كلما غالى شفى
واذا ترفق يسقم
فاظعن ..
ولا تخف انشداهك
لا تعر للظل صوتا
فالصدى لا يلجم
متأبطا وجعا
شريدا .. واجفا
فى الروح حمى
والبصيرة طلسم )( 3 )
من هذه الزاوية يمكن ان يكون المعنوى موضوعا للتخيل الشعرى ويمكن ان يتقارب الحسى مع المجرد فيصبح كلاهما قابلا للتشكيل فى محاكاة شعرية
اذن ما ندركه بالحس هو الذى نتخيله
لان التخيل تابع للحس اما ما ادركناه بغير الحس فلا يمكن تخيله او تخييله الا بما يكون دليلا عليه مما هو تابع للحس اى بما يكون دليلا على حاله من هيئات الاحوال المطيفة به والملازمة له حال وجوده والهيئات المشاهدة لما التبس به ووجد عنده وكل ما لم يحدد من الامور غير المحسوسة بشىء من هذه الاشياء :
( أخافك حين تهزين جذعى
لانك ريح
تنوشين غصنا جريح
فيمسى ضريح
وها انت تحترفين النمو
على ساعدى
تلفين غصنك حول فروعى
وتعترشين يدى
اتسقين عشبى ليخضر
دون جناح ؟
وتبقينه فى مهب الريح
كنار الجراح ) (4 )
ويبدو ان الامر هنا لا يقتصر على الشعر فحسب وانما هو اكثر شمولا عند حسن الصلهبى من ذلك لارتباطه بالجانب المعرفى لدى شاعرنا انه يتخيل الشىء المادى عندما يستدعى الى مخيلته الصور التى كونها لحظة ان كان واقعا فى المجال الادراكى المباشر لحواسه اماالاشياء غير المادية فانه يتخيلها بهيئات الاحوال الملازمة لها بل انه لا يستطيع - فيما يبدو ان يفكر فى المجرد والمعنوى او يتخيلهما الا من خلال مدركات الحس المرتبطة بهما بشكل او باخر وبذلك يمكن للمعنوى ان يصبح موضوعا لتخيله
لذلك نرى الشاعر يخيل لنا الاشياء الحسية باقوال دالة على خواصها الحسية المباشرة كما يخيل لنا المجردات بمدركات حسية ترتبط بها بشكل او باخر
واذا كانت الخاصية الحسية تلفتنا فى شعر الصلهبى الى صفة نوعية ملازمة لشعره فانها تلفتنا مباشرة الى ان الشعر لا يقدم العام الا من خلال الخاص وانه يعرض التجارب العامة من خلال معطيات حسية خاصة وبهذا المعنى يمكن ان نفهم شعر حسن الصلهبى فى ديوانه خائنة الشبه .
الهوامش
-------- ( 1 ) حسن الصلهبى 0 خائنة الشبه - الطبعة الثانية 2003- نادى ابها الادبى - المملكة العربية السعودية - ص 9
(2) السابق ص 13
(3) السابق ص 27
( 4 ) السابق ص 72 علما بان الديوان مقسم الى قسمين الاول بعنوان خائنة الشبه ويضم 25 قصيدة والثانى بعنوان وطن للعابرين ويضم 5 قصائد وبالديوان خاصة وشعر الصلهبى عامة دلالات عديدة آثرنا الوقوف عند احداها فقط لنتيح لاكثر من باحث الوقوف عند شعر حسن الصلهبى الذى يستحق الكثير
تعليق