إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

اللفظة في اللغة وإشكالياتها بين تياري التطور والتعصب .

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اللفظة في اللغة وإشكالياتها بين تياري التطور والتعصب .

    ما يحدث في الوقت الراهن أنه وحينما تريد فئة من الناس تباحث أي مشكلة لغوية فإن أول ما يخطر على بالهم هو أن يستشيروا قاموس لغوي . يعتمدون بعدها ما جاء في القواميس من دلالة اعتمادا تاما متجاهلين بذلك سهوا أو علما أن اللفظة في اللغة قائمة على اساس فكري معين ، وأن ذلك الفكر يحوي مداخل مختلفة قامت في ظل نسق اجتماعي معين . وأنه وحتى يتحقق للكلمة انتصابها التعريفي السليم عليهم الأخذ بما جاء في القواميس في ظل حضور فكر الحقبة التاريخية التي نشأت فيها اللفظة ثم أن يعمدوا إلى فكر الحقب اللاحقة بحثا ودراسة وربطا ، ذلك حتى يتسنى لهم استيضاح معالم الفكر الذي قامت على أساسه تلك اللفظة بما يتنافى وأن يجعلوها مطلقة بجمودها لتلائم ـــ طوعا أو قصرا ــــ مراحل الحقب المختلفة ، على ما حدث فيها من تطور وتغير .

    ما أريد ان اصل إليه مما جاء أعلاه هو أن الجمود كائن وواقع في حال ان تم معاملة الكلمة على أنها لفظة مجردة خالية من أي فكر انشأها ثم احتواها لتنموا بعدها في ظل تركيب اجتماعي معين تتأثر به وتؤثر فيه . ولأجل ان نفهم هذه المسألة ــــ مسألة أن يكون للمفردة فكر معين كائن في ظل تركيب اجتماعي ـــ على نحو أدق فإننا بحاجة لمزيد من التفصيل ، نذهب فيه أولا إلى تباحث فلسفة نشوء اللفظة ونموها ، أي ان نعي الكيفية التي يحدث فيها أن تنتقل ــ لأول مرة ـــ فكرة من مجال اللاشعور في باطننا إلى مجال الحضور والشعور في اذهاننا ( عملية الإدراك ) ؟! ثم الكيفية التي تتم لترجمة ذاك الإدراك إلى أسم ( لفظة ) ، ثم كيف يتحول ذلك الإسم إلى فكرة و مفهوم ، ثم كيف يوضع ذلك المفهوم في قالب فكري قائم على اساس علمي ، ثم ندرس بعدها ونستوضح كيف يتفاعل ذاك المفهوم في ظل التركيب الإجتماعي الدائم التغير والصيرورة . هذا ما نحتاجه لأجل أن نعالج قضايا اللفظة والإشكاليات المتعلقة بها ، لا ان نحكم تحكيما تاما القواميس الحديثة والقديمة التي قامت على أساس التناسخ والنقل دون اعتبار لتطور ماهية المفردة ومدى ملائمتها للتركيب الإجتماعي .

    نأخذ كمثال لفظة " الثقافة " ، القضية تتمثل في الجدل الدائر حول مفهوم الثقافة الحديث ( كما جاءت عن الفكر الغربي ) ، هل يصح للغة العربية احتواءها أم لا ؟! البعض يرى ان مفهوم الثقافة الحديث مستورد " منتحل " من الفكر الغربي ، وقد تبنى البعض وجهة نظره تلك بناءً على أن المفهوم الحديث للثقافة نشأ في الفكر الغربي ، ثم يتبعون بالقول أنه ما لم تكن هناك علاقة بين الجذر اللغوي للغة العربية وبين المفهوم المنتحل ــــ على حد تعبيرهم ـــ فلا يصح الأخذ بالمفهوم .

    مما أرى أجد أن الجذر اللغوي ليس المحدد الوحيد للحكم فيما اذا كان المفهوم قابل للاحتواء أم لا . ذلك أن الجذر اللغوي للمفهوم ـــ كما جاء في القواميس ــــ قد نشأ في ظل تركيب اجتماعي معين محاط بمدة زمنية محددة . وعدم ظهور مفهوم الثقافة بمفهومها الحديث في الجذر اللغوي ـــ المعجم ــــ لا يعني انتفاء وجود التركيب الاجتماعي المؤهل لاحتواء المفهوم أو عدم وجود المفهوم من الأساس ، بل في أحيان معينة قد يشير ذلك إلى أن لدى البناء العقلي للعقول الناطقة بالعربية مشكلة في التفاعل مع التركيب الإجتماعي ، وهذا ما قصده الفيلسوف مالك بن نبي حينما قال معلقا على القضية (( لعل في هذا الموقف نوعا من التعارض ، ولكنه تعارض لا يتصل بمسألة لغوية فحسب ، فإن الاختلاف بين الموقفين أكثر عمقا ، اذ هو الفرق بين واقع اجتماعي وبين درجة تقبلة بوصفه فكرة في مجال شعورنا ، أي عنصرا من عناصر الإدراك مندمج في بنائنا العقلي )) ثم واصل بقوله (( وهذا الواقع فيه من الدقة ما يحتاج معه إلى مزيد من الإيضاح ، فالحق أن المشكلة هي مشكلة ما جرينا عليه في تحديد معاني الأشياء بصفة عامة )).


    حتى نوضح بشكل أكثر تفصيلا ، لقد
    جاءت في لسان العرب ــ أي لفظة الثقافة ــ على أنها سرعة التعلم ، وعند أبن دريد يقول "" ثقفت الشيء حذقته "" ، وعند العلامة فريد وجدي في دائر معارف القرن العشرين "" ثقف يثقف ثقافة : فطن وحذق ، وثقف العلم أسرع مدة أي أسرع أخذه ، وثقفه يتثقفه ثقفا : غلبه في الحذق ، والثقيف : الحاذق الفطن "" . وعند ابن خلدون اعتبر البعض ــ أمثال سلامة موسى الذي يعد عند البعض على أنه أول من عرّف الثقافة على أنه لفظ مرادف لمفهوم culture عند الإفرنج ـــ أن ابن خلدون أشار في مقدمته الشهيرة إلى الثقافة بمعناها الحديث ، إلا أن آخرون أمثال المفكر مالك بن نبي ذهب إلى أن ابن خلدون أورد الكلمة بصورة أدبية بوصفها مفردة لغوية دون الوقوف على كلمة ( ثقافة ) بوصفها مفهوما وتقديرها ظاهرة اجتماعية .


    وأما عن القواميس الحديثة فكلمة ثقافة لا تختلف كثيرا عما جاءت عليه في القواميس القديمة مع استثناء بعض المحاولات مثل محاولة الأستاذ أحمد حسن الزيَّات لانقاذ كلمة الثقافة ، فقد قرأ على مَجمع اللغة العربية في القاهرة مقالة عنوانها: ((حقّ المحدثين في الوضع اللغوي)) وقدّم للجميع بعد ذلك نحو خمسين كلمة تستعمل لمعان غير قاموسية، وكانت كلمة الثقافة أحداها. وقد وافق المجمع على استعمالها كما اقترح الزيَّات، وقد جاءت على أن (الثقافة مصدر ثقف: صار حاذقاً، والمحدثون يستعملونها اسماً من التثقيف وهو التعليم والتهذيب، ومنه قول القائل لولا تثقيفك وتوفيقك لما كنت شيئاً، فهي عندهم تقابل لفظ Culture عند الإفرنج)).

    مما جاء أعلاه نلحظ أن مرادف الثقافة في القواميس العربية خصوصا القديمة منها جاءت ــ حالها كحال أغلب الألفاظ ــ نسخا مكرره تناقلها فئة غالبة من أهل اللغة دون أن تكون لهم مباحث لفهم واقع الفكر الذي احتوى المفردة في ظل التركيب الاجتماعي الذي اختلف بعضه وتطور على مر مختلف الحقب . أي أن لغتنا لم تحظى بالقدر الكافي من البحث الذي يمكن لنا من خلاله ان نعي لنا مسارا لتطور الألفاظ اللغوية كما وجب لها ان تكون ، فالمشكلة في هذا المجال هي كما قال عنها " بن نبي " ، أي ان ما جاءت به القواميس القديمة من مرادفات للثقافة بالرغم من وجود الفترة التاريخية المزدهرة التي مرت بها الأمة العربية في فترة العصور الأموية وما جاء بعدها دون أن ينمو ويتطور المفهوم موقف فيه نوع من التعارض ، تعارض لا يتصل بمسألة لغوية فحسب ، فإلاختلاف بين الموقفين أكثر عمقا ، اذ هو الفرق بين واقع اجتماعي وبين درجة تقبلة بوصفه فكرة في مجال شعورنا ، ، أي أن المشكلة هي مشكلة ما جرينا عليه في تحديد معاني الأشياء بصفة عامة .

    (( بي نزوع إلى الكمال ، ولا أعرف معنى الكمال والإنتهاء ، كلما أنتهي إلى غاية أرفع منها دعامة الإبتداء ، لست أدري متى وإلى أين أشيد البناء فوق البناء ، فحياة الوجود رهن حياتي ، وفناء الوجود قيد فنائي "لطفي جعفر" ))

يعمل...
X