[FONT="Arial"][SIZE="4"]بسم الله الرحمن الرحيم
ما كان الشعر العربي وقد مرّ بعصور مختلفة إلا أن تتغير أغراضه وأساليبه، ويتدرج مستوى التغير من
توسع الغرض الشعري إلى اكتشاف أغراض جديدة … ونحسب أن اللغة هي مقياس مستوى التغير من
عصر إلى عصر، ذلك لأن استخدام اللغة سواء تعلق الأمر بالاستخدام النحوي أو التعبيري أو الأسلوبي،
هو الصورة التي تتجلى أمام الناقد، إذ تتوضح فيها اختلافات العصور ((وإذا أخذنا بالأطروحة العامة
المقبولة لدى علماء السيميائيات (والاثنولوجيا) اللسانية، والقائلة (إن منظومة لغوية ما (الشيء الذي
يعني ليس فقط مفرداتها بل أيضاً نحوها وتركيبها) تؤثر في طريقة رؤية أهلها للعالم وفي كيفية مفصلتهم
له، وبالتالي في طريقة تفكيرهم) أمكن القول أن الكلمة التي يُرجعُ بها إلى معناها اللغوي إنما يطلب
مدلولها كما كان يتحدد داخل المنظومة اللغوية التي تنتمي إليها، وبالتالي فهي لابد أن تحمل في معناها
اللغوي قليلاً أو كثيراً من خصائص رؤية أهلها للعالم وكيفية مفصلتهم له وطريقة تفكيرهم في ظواهره
وحوادثه)). ولا نستطيع الجزم بحقيقة التغيرات الحاصلة في الشعر العربي من خلال العصور دون النظر
والتمعن في اللغة، فالشعر عبارة عن لغة طوعت، وانحرف بها عن مسارها المعهود، ولم يكن هذا التطويع
والانحراف ليقطع اللغة الشعرية عن الأصل، بل جعل لها تميزاً، فأصبحت اللغة الشعرية نوعاً في اللغة،
وتغير النسق اللغوي فأصبح للشعر شكله الخاص المختلف عن طبيعة اللغة العربية وغاياتها، هذا الاتصال
والافتراق بين نمطين في اللغة .. الاستخدام الشعري والاستخدام العادي هو الذي هيأ أفقاً من المقارنات
لقياس مديات التطور عبر الحقب فهل حدث تحول لغوي حقيقي يمكن في ضوئه قياس مستوى التغير، لكي
يفرض تغيراً على مستوى التقبل أيضاً؟؟. وبين أيدينا شواهد مشهورة ذكرتها جل مصنفات الأدب، ونقلتها
كتب المحدثين المعنية بالنقد العربي القديم، مثل اكتشاف ذي الرمة لانتحال الشعر من خلال اللغة
المستخدمة فيه في مجلس القاضي بلال بن أبي بردة في البصرة، ولكننا لا نبحث عن هذه الجزئيات إلا إذا
ضمها نظام شامل من التحولات، وإن كانت في مجملها مهمة. في إطار دعوتنا إلى اكتشاف حقيقة التحول
في الحياة اللغوية بل الثقافية عامة. وبكلمة أخرى نبحث عما يجمع هذه الجزئيات في كل شامل موحد،
نبحث عن الأسباب وليس عن النتائج. لأن النتيجة ستكون بعد بحكم المحصلة البدهية، ونبحث عن الآلية
التي أحكمت التحول وجعلته واقعاً مشخصاً. من غير شك فإن ظهور الإسلام كان السبب في إحداث التحول
الكبير والمهم في بنية الحياة العربية، فقد أحدث تحولاً على مستوى اللغة وعلى مستوى الوعي، لعلاقة
الوثوق والاتحاد بين اللغة والوعي، سواء أكان وعي الذات أو وعي الآخر (الكون) .. وأحدث تحولاً على
مستوى التلقي، فقد كان المتلقي يصغي إلى الشعر والخطب ثم أصبح يصغي إلى القرآن … ورفع القرآن
من شأن اللغة و
ما كان الشعر العربي وقد مرّ بعصور مختلفة إلا أن تتغير أغراضه وأساليبه، ويتدرج مستوى التغير من
توسع الغرض الشعري إلى اكتشاف أغراض جديدة … ونحسب أن اللغة هي مقياس مستوى التغير من
عصر إلى عصر، ذلك لأن استخدام اللغة سواء تعلق الأمر بالاستخدام النحوي أو التعبيري أو الأسلوبي،
هو الصورة التي تتجلى أمام الناقد، إذ تتوضح فيها اختلافات العصور ((وإذا أخذنا بالأطروحة العامة
المقبولة لدى علماء السيميائيات (والاثنولوجيا) اللسانية، والقائلة (إن منظومة لغوية ما (الشيء الذي
يعني ليس فقط مفرداتها بل أيضاً نحوها وتركيبها) تؤثر في طريقة رؤية أهلها للعالم وفي كيفية مفصلتهم
له، وبالتالي في طريقة تفكيرهم) أمكن القول أن الكلمة التي يُرجعُ بها إلى معناها اللغوي إنما يطلب
مدلولها كما كان يتحدد داخل المنظومة اللغوية التي تنتمي إليها، وبالتالي فهي لابد أن تحمل في معناها
اللغوي قليلاً أو كثيراً من خصائص رؤية أهلها للعالم وكيفية مفصلتهم له وطريقة تفكيرهم في ظواهره
وحوادثه)). ولا نستطيع الجزم بحقيقة التغيرات الحاصلة في الشعر العربي من خلال العصور دون النظر
والتمعن في اللغة، فالشعر عبارة عن لغة طوعت، وانحرف بها عن مسارها المعهود، ولم يكن هذا التطويع
والانحراف ليقطع اللغة الشعرية عن الأصل، بل جعل لها تميزاً، فأصبحت اللغة الشعرية نوعاً في اللغة،
وتغير النسق اللغوي فأصبح للشعر شكله الخاص المختلف عن طبيعة اللغة العربية وغاياتها، هذا الاتصال
والافتراق بين نمطين في اللغة .. الاستخدام الشعري والاستخدام العادي هو الذي هيأ أفقاً من المقارنات
لقياس مديات التطور عبر الحقب فهل حدث تحول لغوي حقيقي يمكن في ضوئه قياس مستوى التغير، لكي
يفرض تغيراً على مستوى التقبل أيضاً؟؟. وبين أيدينا شواهد مشهورة ذكرتها جل مصنفات الأدب، ونقلتها
كتب المحدثين المعنية بالنقد العربي القديم، مثل اكتشاف ذي الرمة لانتحال الشعر من خلال اللغة
المستخدمة فيه في مجلس القاضي بلال بن أبي بردة في البصرة، ولكننا لا نبحث عن هذه الجزئيات إلا إذا
ضمها نظام شامل من التحولات، وإن كانت في مجملها مهمة. في إطار دعوتنا إلى اكتشاف حقيقة التحول
في الحياة اللغوية بل الثقافية عامة. وبكلمة أخرى نبحث عما يجمع هذه الجزئيات في كل شامل موحد،
نبحث عن الأسباب وليس عن النتائج. لأن النتيجة ستكون بعد بحكم المحصلة البدهية، ونبحث عن الآلية
التي أحكمت التحول وجعلته واقعاً مشخصاً. من غير شك فإن ظهور الإسلام كان السبب في إحداث التحول
الكبير والمهم في بنية الحياة العربية، فقد أحدث تحولاً على مستوى اللغة وعلى مستوى الوعي، لعلاقة
الوثوق والاتحاد بين اللغة والوعي، سواء أكان وعي الذات أو وعي الآخر (الكون) .. وأحدث تحولاً على
مستوى التلقي، فقد كان المتلقي يصغي إلى الشعر والخطب ثم أصبح يصغي إلى القرآن … ورفع القرآن
من شأن اللغة و
تعليق