مد خـــــل :
إن الأحلام المهدورة إما تجعلك مجنونا أو سكيرا .
خطوة إلى الأمام .. خطوتين إلى الخلف ’ أترنح يمينا ثم شمالا ’ أتمايل مثل ورقة خريف تعبث بها نسائمه , الطريق أمامي تتلوى مثل ثعبان ’ تبدو لي منحدرا ثم تصبح جبلا , لا أعرف إن كانت الأرض تطوف بي أم أنا الذي بها أطوف ’ أراني أحلق عاليا , بلا جناحين نحو الأفق . أشعر بالنشوة والإنعتاق من كل شيء و أقول أي شيء أجهر به بلا خوف أو وجل , أفعل ما يحلو لي دون خوف من رقيب أو حسيب ’ في معطفي المتهرئ أخفي زجاجة نبيذ .
هل عرفتم من أكون ؟؟
أنا الذي يتحلق من حوله الأطفال يصفقون ويصيحون بأعلى أصواتهم "السكير , السكير"
كنت مثلهم فيما مضى ’ أطوف بعمي السعيد السكير مع شلة من أصحابي وننادي بأعلى أصواتنا " عمي السعيد السكير , عمي السعيد السكير " ينهرنا يحاول صرفنا فيسقط أرضا
يتحامل على نفسه وينهض متثاقلا و يشتمنا ويقول لنا كلام بذيء ولكننا نظل خلفه حتى يصل أسفل الوادي
عمي السعيد السكير قضى في ليلة باردة ذات شتاء مضى , يوم كان نائما تحت الجسر هجم عليه الوادي بغتة وجرفه مع زجاجته إلى حتفه ’ ها أنا اليوم آخذ دوره , أفترش علب الكرتون وألتحف سقف الجسر على ضفة الوادي الذي كان ينام تحته عمي السعيد يوما .
إنها مفارقة الحياة وعجائب الزمن . أنا اليوم سكير عربيد يسخر مني الصغار والكبار .
أنا مضحكة للجميع , لكن لما لا يسال هؤلاء الضاحكون والمتغامزون أنفسهم على ما يضحكون ولما يضحكون ؟؟ ماذا لو رأوني يوم تخرجت من الجامعة وعاشوا معي ذلك الفتح العظيم بعد كد السنين , يوم سلموا لي ورقة جميلة كتبوا عليها ناجح بامتياز ’ وضعتها في إطار وعلقتها في غرفتي وبنيت عليها أحلام حياتي , كانت هي حصادي بعد ضياع السنين ’ كانت أمنيتي أن أكون طيار أمرق الأجواء مثل طائر السنونو المهاجر من بلد إلى بلد وها أنا أطير بغير طائرة بغير جناح لكن الحلم كان بعيدا جدا بعد الشمس عن الأرض ’ وألغيت حلمي هذا ورميته في أدراج الزمن ورحت أتنازل عن أحلامي حلما بعد حلم وصرت أطلب وظيفة لا تهم ما هي وكيف هي ’ المهم أن أحصل على لقمة العيش وتناثرت أحلامي كلها مثل وريقات عبثت بها نسمات الخريف وتساقطت حلما خلف حلم وأغلقت الأبواب بابا بعد باب , وأصبحت الشهادة الكبيرة وكد السنين وشقاء العمر مجرد شهادة تافهة ورقة حقيرة معلقة على جدار غرفتي التي يكاد سقفها يهوى على رأسي , وتمضي بي الأعوام ويشيب راسي وينحني ظهري ولم يكن لي مهربا إلا إلى هذه الحبيبة التي أتجرع إكسيرها فيجعلني أطير بغير جناح أعلو وأرتقي إلى الأجواء كريشة خفيفة ’ أطير وحيدا بلا طائرة بلا هواء .
لا تستعجبوا من حكايتي فهذا أنا , السكارى لهم أحلامهم أيها الناس ’ فلا تهزءوا منهم
السكارى لهم أمال مثل الجبال فلا تسفهوا أمالهم .
أيها الأطفال لا تسخروا مني ففي يوم مضى كنت مثلكم , مثل العصافير الجميلة التي لا تمل التغريد والحركة كانت لي أحلاما وأمالا كبيرة نثرتها على أرض قلبي وها أنا بعد السنين أحصدها شوكا في وطن يبتلع كل شيء جميل ’ قد يأخذ الكثيرون منكم يوما دوري كما أخذت أنا دور عمي السعيد السكير , ستنالون شهادات كبيرة وتفرحون بها ثم تبحثون عن حصاد حلم كنتم قد زرعتموه يوما فلا تحصدون سوى زوابع من غبار ’ ثم تيأسون مثلما يئست وتبحثون عن أي شيء يجعلكم تشعرون بالحياة وبالانتماء إلى جنس البشر ’ ثم تهرولون إلى كل حدب وصوب وتحاولون الهروب إلى أي ارض , إلى أي بر فلا تجدون شيئا فكل شيء مقفل بإحكام . وهنا تبحثون مثلما بحثت أنا يوما عن حياة أخرى في عالم آخر فلا تجدون إلا هذه الزجاجة كما وجدتها أنا . لا تلوموني أيها الناس فكلكم ملام
أنا ضحيتكم جميعا ’ ضحية وطن لا يرحم وقلوب لا ترأف أنا صنيعتكم جميعا ’ فلا تلوموني اليوم ولا تعتبوا علي ولا تنظروا إلي نظرات الازدراء ’ فنظراتكم لا تهمني وحديثكم وضحككم علي لا يشغلني فأنا اليوم في عالم آخر غير العالم الذي تعيشون ’ في حياة أخرى غير الحياة التي تحيون
الآن أمضي كما كان عمي السعيد السكير يمضي أرفع زجاجة النبيذ عاليا إلى السماء أقابلها للشمس فأراها جميلة ’ أجمل من امرأة أشتهيها و هذا السائل الأحمر هذا السحر برائحة العنب الممزوج بالكحول لو تعرفون مذاقه ’ إنه أشهى من شفتين قرمزيتين لامرأة في العشرين تحتويك بكل جوارحها , إنها الحبيبة التي تفهمني وترحمني بالنسيان والرحيل إلى حياة غير الحياة التي تحيون .
عند المغيب عندما أصل إلى الجسر أفترش علب الكرتون و التحف سقف الجسر ..
يقولون لي إياك والنوم تحت الجسر قد يجرفك الوادي بغتة , أفلا يعلمون أن الوادي قد جرفني منذ تخلى عني المجتمع وتركني للضياع ’ الوادي جرفني يوم صادروا أحلامي وتركوني عرضة للفراغ أجتر الأوهام وأنتظر السراب تحت رحمة أمال مشنوقة ’
أيها الناس لا تخشوا علي فالوادي حملني وانتهى كل شيء .
إن الأحلام المهدورة إما تجعلك مجنونا أو سكيرا .
خطوة إلى الأمام .. خطوتين إلى الخلف ’ أترنح يمينا ثم شمالا ’ أتمايل مثل ورقة خريف تعبث بها نسائمه , الطريق أمامي تتلوى مثل ثعبان ’ تبدو لي منحدرا ثم تصبح جبلا , لا أعرف إن كانت الأرض تطوف بي أم أنا الذي بها أطوف ’ أراني أحلق عاليا , بلا جناحين نحو الأفق . أشعر بالنشوة والإنعتاق من كل شيء و أقول أي شيء أجهر به بلا خوف أو وجل , أفعل ما يحلو لي دون خوف من رقيب أو حسيب ’ في معطفي المتهرئ أخفي زجاجة نبيذ .
هل عرفتم من أكون ؟؟
أنا الذي يتحلق من حوله الأطفال يصفقون ويصيحون بأعلى أصواتهم "السكير , السكير"
كنت مثلهم فيما مضى ’ أطوف بعمي السعيد السكير مع شلة من أصحابي وننادي بأعلى أصواتنا " عمي السعيد السكير , عمي السعيد السكير " ينهرنا يحاول صرفنا فيسقط أرضا
يتحامل على نفسه وينهض متثاقلا و يشتمنا ويقول لنا كلام بذيء ولكننا نظل خلفه حتى يصل أسفل الوادي
عمي السعيد السكير قضى في ليلة باردة ذات شتاء مضى , يوم كان نائما تحت الجسر هجم عليه الوادي بغتة وجرفه مع زجاجته إلى حتفه ’ ها أنا اليوم آخذ دوره , أفترش علب الكرتون وألتحف سقف الجسر على ضفة الوادي الذي كان ينام تحته عمي السعيد يوما .
إنها مفارقة الحياة وعجائب الزمن . أنا اليوم سكير عربيد يسخر مني الصغار والكبار .
أنا مضحكة للجميع , لكن لما لا يسال هؤلاء الضاحكون والمتغامزون أنفسهم على ما يضحكون ولما يضحكون ؟؟ ماذا لو رأوني يوم تخرجت من الجامعة وعاشوا معي ذلك الفتح العظيم بعد كد السنين , يوم سلموا لي ورقة جميلة كتبوا عليها ناجح بامتياز ’ وضعتها في إطار وعلقتها في غرفتي وبنيت عليها أحلام حياتي , كانت هي حصادي بعد ضياع السنين ’ كانت أمنيتي أن أكون طيار أمرق الأجواء مثل طائر السنونو المهاجر من بلد إلى بلد وها أنا أطير بغير طائرة بغير جناح لكن الحلم كان بعيدا جدا بعد الشمس عن الأرض ’ وألغيت حلمي هذا ورميته في أدراج الزمن ورحت أتنازل عن أحلامي حلما بعد حلم وصرت أطلب وظيفة لا تهم ما هي وكيف هي ’ المهم أن أحصل على لقمة العيش وتناثرت أحلامي كلها مثل وريقات عبثت بها نسمات الخريف وتساقطت حلما خلف حلم وأغلقت الأبواب بابا بعد باب , وأصبحت الشهادة الكبيرة وكد السنين وشقاء العمر مجرد شهادة تافهة ورقة حقيرة معلقة على جدار غرفتي التي يكاد سقفها يهوى على رأسي , وتمضي بي الأعوام ويشيب راسي وينحني ظهري ولم يكن لي مهربا إلا إلى هذه الحبيبة التي أتجرع إكسيرها فيجعلني أطير بغير جناح أعلو وأرتقي إلى الأجواء كريشة خفيفة ’ أطير وحيدا بلا طائرة بلا هواء .
لا تستعجبوا من حكايتي فهذا أنا , السكارى لهم أحلامهم أيها الناس ’ فلا تهزءوا منهم
السكارى لهم أمال مثل الجبال فلا تسفهوا أمالهم .
أيها الأطفال لا تسخروا مني ففي يوم مضى كنت مثلكم , مثل العصافير الجميلة التي لا تمل التغريد والحركة كانت لي أحلاما وأمالا كبيرة نثرتها على أرض قلبي وها أنا بعد السنين أحصدها شوكا في وطن يبتلع كل شيء جميل ’ قد يأخذ الكثيرون منكم يوما دوري كما أخذت أنا دور عمي السعيد السكير , ستنالون شهادات كبيرة وتفرحون بها ثم تبحثون عن حصاد حلم كنتم قد زرعتموه يوما فلا تحصدون سوى زوابع من غبار ’ ثم تيأسون مثلما يئست وتبحثون عن أي شيء يجعلكم تشعرون بالحياة وبالانتماء إلى جنس البشر ’ ثم تهرولون إلى كل حدب وصوب وتحاولون الهروب إلى أي ارض , إلى أي بر فلا تجدون شيئا فكل شيء مقفل بإحكام . وهنا تبحثون مثلما بحثت أنا يوما عن حياة أخرى في عالم آخر فلا تجدون إلا هذه الزجاجة كما وجدتها أنا . لا تلوموني أيها الناس فكلكم ملام
أنا ضحيتكم جميعا ’ ضحية وطن لا يرحم وقلوب لا ترأف أنا صنيعتكم جميعا ’ فلا تلوموني اليوم ولا تعتبوا علي ولا تنظروا إلي نظرات الازدراء ’ فنظراتكم لا تهمني وحديثكم وضحككم علي لا يشغلني فأنا اليوم في عالم آخر غير العالم الذي تعيشون ’ في حياة أخرى غير الحياة التي تحيون
الآن أمضي كما كان عمي السعيد السكير يمضي أرفع زجاجة النبيذ عاليا إلى السماء أقابلها للشمس فأراها جميلة ’ أجمل من امرأة أشتهيها و هذا السائل الأحمر هذا السحر برائحة العنب الممزوج بالكحول لو تعرفون مذاقه ’ إنه أشهى من شفتين قرمزيتين لامرأة في العشرين تحتويك بكل جوارحها , إنها الحبيبة التي تفهمني وترحمني بالنسيان والرحيل إلى حياة غير الحياة التي تحيون .
عند المغيب عندما أصل إلى الجسر أفترش علب الكرتون و التحف سقف الجسر ..
يقولون لي إياك والنوم تحت الجسر قد يجرفك الوادي بغتة , أفلا يعلمون أن الوادي قد جرفني منذ تخلى عني المجتمع وتركني للضياع ’ الوادي جرفني يوم صادروا أحلامي وتركوني عرضة للفراغ أجتر الأوهام وأنتظر السراب تحت رحمة أمال مشنوقة ’
أيها الناس لا تخشوا علي فالوادي حملني وانتهى كل شيء .
تعليق