المسكري: هذه الإساءات ليست فردية بل إنها مؤسسية ممنهجة -
كتب: ماجد الندابي:-- نظمت جمعية الكتاب والأدباء مساء أمس جلسة حوارية حملت عنوان "الفيلم المسيء.. قضية معاصرة.. وأفق للتساؤل" شارك فيها مجموعة من الادباء والمفكرين والتربويين والقانونيين، وذلك بالنادي الثقافي بالقرم.
في بداية الأمسية التي أدارها د.زكريا المحرمي تحدث فيها عن الفيلم المسيء للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتي أثارت ردود أفعال مختلفة في العالم الإسلامي والعربي بعضها كان عنيفا يدلل على ضمور حاد في الفكر الحضاري الإسلامي، ذاكرا أن المثقف بدأ يتعاطى مع هذه القضايا التي تمثل فكر المجتمع، وكذلك مؤسسات المجتمع المدني التي أخذت تتطرق إلى مثل هذه القضايا، الذي يمثل حراكا ثقافيا يتناسب مع حراك المجتمع العماني الذي يشهد ولادة طبقة وسطية تقع بين النخب التي تعيش في العالم البرجوازي ورجالات الشارع، وهذه الطبقة الوسطية يمثلها العماني المتعلم.
ومن ثم ألقى د.محمود السليمي ورقته "الفيلم.. قراءة في الفعل وردة الفعل" التي ابتدأها بذكر مجموعة من المصطلحات التي من أبرزها مصطلح "العولمة" التي تحولت إلى شكل من أشكال انتزاع الخصوصيات، وهي بخلاف الإسلام الذي يتصف بالعالمية ويكفل لكل مجتمع خصوصياته.
وذكر السليمي أن هنالك الكثير من الدعوات التي يتبناها اليمين المتطرف والتي يدعو فيها إلى استباحة المقدسات باسم الحرية، بل ويعلنها صريحة كمثل ما فعل الرئيس الأمريكي الأسبق الذي دعا إلى حرب صليبية بملأ فيه.
رب ضارة نافعة
وأشار إلى أن الفيلم المسيء يمكن أن تستقي من أحداثه الأمة الإسلامية مجموعة من الدروس والعبر، بل يجب عليها الانتقال من موقف النقد السلبي وهو الإدانة والإعداء، إلى موقف إيجابي عميق يتعدى الإدانة إلى التحليل. مبينا إلى أن الإساءة تنتقل من حيث المكان من دولة غربية إلى أخرى، مثل الدنمارك وفرنسا وصولا إلى أمريكا.
واستشهد السليمي بمقولة "رب ضارة نافعة" وهو أن الكثير من الغربيين عندما تثار مثل هذه القضايا يدفعهم الفضول إلى التعرف على أساسيات هذا الدين وإلى معرفة شخصية الرسول الأعظم مما يدفع البعض منهم إلى الدخول إلى الإسلام.
مؤكدا على أهمية الانتقال من إدانة الفيلم إلى دراسة نفسيات أولئك الذين يفتنون بهذه السفاسف والأمور التافهة من المواطنين الغربيين، وكيف يمكن الوصول إليهم وإلى عقلياتهم من أجل رسم صورة صحيحة للإسلام. وقد ألقى مجموعة من الأبيات الشعرية التي نظمها في ذكر الرسول الأكرم، وذكر مناقبه.
بعدها تحدث الشيخ سيف المسكري رئيس النادي الثقافي عن الفيلم "في ظل الدعوات المتكررة لحوار الحضارات" طارحا مجموعة من التساؤلات التي تبين مجموعة من المفارقات الفكرية، وأول تلك التساؤلات هو: ما الهدف من حوار الحضارات؟ وعلى أي أساس يتم ذلك الحوار؟ وما هي النتائج المرجوة منه؟ مضيفا أن هذه الدعوات للحوار التي تأتي من قبلنا هل تأتي من موقف ضعف أو من موقف قوة؟ ومن يدعو إلى هذا الحوار؟ تاركا الإجابة إلى الحضور، ومضيفا إلى أن المسلمين اليوم يحتاجون إلى حوار بين بعضهم البعض قبل أن يطالبوا بحوار بين الحضارات.
وقد أرجع المسكري عملية ضعف الصحوة الإسلامية إلى سببين رئيسين، أولهما هو الخلافات بين المسلمين أنفسهم، وثانيها هو تشكل صورة نمطية عن العرب والمسلمين بأنهم إرهابيين وخاصة في الإعلام الغربي، مستعيدا مجموعة من الذكريات والمواقف التي تؤيد هذه الآراء.
حرية غير منصفة
وأوضح إلى أن هذه الإساءات ليست فردية بل إنها إساءات مؤسسية ممنهجة، وهدفها أكبر مما نعتقد، مبينا إلى أن الغرب ينظر إلى القضايا المسيئة إلى العرب والمسلمين على أنها حرية رأي في حين تثور منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية المختلفة إذا كانت هنالك بعض الأفكار التي تمس مجموعة من القضايا التاريخية، مستدلا بسلمان رشدي في كتابة آيات شيطانية التي تعرض فيها إلى القرآن الكريم فقال الغرب أنها حرية الفكر والتعبير، ولكن عندما يشكك فقط في محرقة الهولوكوست فإن ذلك يعتبر معاد للسامية ويجب أن يحاكم كل من يقوم بذلك.
ومن ثم قدم المحامي جهاد الطائي الأمين العام للجنة حقوق الإنسان ورئيس جمعية المحامين مداخلة بعنوان "أليس من حقوق الإنسان أن تحفظ معتقداته ورموزه الدينية" معرفا في بدايتها بمصطلح حقوق الإنسان، التي ذكر أنها المعايير الأساسية التي تكفل الحياة الكريمة للإنسان، والتي تنقسم إلى ثلاثة أقسام وهي: قوانين مدنية وسياسية، وقوانين اقتصادية واجتماعية ، وقوانين بيئية وتنموية.
مؤكدا على ان قوانين حقوق الإنسان كفلت حقوق الديانة والاعتقاد، مبينا موقف القران الكريم التي يكفل فيها حرية الدين والاعتقاد ممن خلال مجموعة من الآيات القرآنية التي أوردها. وبين أن القانون الدولي يحمي الاديان والمعتقدات ويحمي الشعائر الدينية في السلم والحرب. ذاكرا مجموعة من القوانين والصكوك القانونية والحقوقية التي تؤيد حماية الأديان بموادها المختلفة.
بعدها قدمت د.فاطمة بنت أنور اللواتية ورقة بعنوان "الدفاع عن المقدسات.. نظرة تربوية" ذكرت فيها مجموعة من النظريات التي تتناول العوامل المؤثرة على الفرد في المجتمع، وهي نظرية "برونفبرينر"، مفرقة بين التأثير الظاهر والتأثير الخفي، وكيف أن الإعلام له دور كبير في التأثير على الرأي العام ونشر الأفكار.
يجب مراجعة الذات التي نخرها التخلف
كما قدم د.علي ثويني مداخلة بعنوان "من أجل درء مهازل الرد على الفيلم" ذاكرا أنه في تلك الضبابية وفي خضم الظنون بنظرية المؤامرة، لابد من وقفة واعية للنخب التي لابد أن تقول كلمتها، بأن الإسلام براء مما يلصق به، وإن الأجدر بنا الالتفات الى مشاكل مجتمعاتنا وحلها بالأخلاق والعقل وعلى أسس إسلامية، أجدى وأبدى من انفلات مظاهرة هنا وحرق أعلام غربية هناك تشفيا وانتقاما، ينم عن جهل بعقلية الآخر المستهدف.
وأضاف أن حرق أعلام تلك الدول ليس ذو شأن لدى العامة، التي يمسها الأمر ويشملها، لكنه يثير ضفائن ويديم أزمنة الأزمة. وما علينا إلا مراجعة الذات التي نخرها التخلف وابتذلت بها القيم، والتي لا يمكن أن نحارب الغربيين إلا بها ومن خلالها. فالدنمارك التي نحاربها هي الأكثر استقامة والأقل فسادا على الأرض ، وعلى العكس فإن العراق وفلسطين والصومال هي الأكثر فسادا في مجتمعات الدنيا وهي مسلمة، وإن جل الدول العربية والإسلامية غارقة في الفساد بكل المقاسات. فكيف لنا نحارب منظومات راسخة للقيم بهزالنا ونكوصنا، والأجدى أن نرتقي بالقيم ونوسع الاهتمام ببث الوعي والتثاقف، والاعتناء بالحلول الاجتماعية والنفسية على حساب الانشغالات السياسية التي أمست شغل من لا شغل له في تلك المجتمعات، وأن نقابل الفلم المسيء للرسول الأكرم بعدم الاكتراث والعمل الدؤوب لإصلاح ذات البين ودرء الفتن ولاسيما الطائفية التي يراد لها أن تعم وتسود في مجتمعاتنا المغلوب على أمرها.
وتحدث الكاتب سالم بن علي المشهور عن "الإساءة إلى النبي الأكرم وموقف القرآن منها" ذاكر أن هذه الإساءة هي قديمة بقدم الدعوة المحمدية، وأن القران لم يقصي تلك الإساءات بل أوردها بنصها" ذاكرا مجموعة من القواعد القرآنية التي يتم من خلالها التعامل مع هذه الإساءات.
وألقى د. عبدالكريم جواد مداخلة بعنوان "الفن.. الحد الفاصل ما بين حرية الإبداع والإساءة" وأورد فيها مفهوم الإبداع الذي يعتبر خطا أحمرا لا يجوز المساس به، ولكن هل كل إنتاج فني هو إبداع، مستشهدا بالمخرج المسرحي "بيتر بروك" التي أخرج عمله عن الميثولوجيا الهندية، أثار حفيظة رجال الدين الهنود، واعتبروها أكبر إساءة للثقافة الهندية في العصر الحديث. ولكن في حقيقة الأمر أن بروك مارس العمل التجريبي المسرحي لأجل إيجاد لغة حركية غير منطوقة تشترك فيها كل الشعوب، بالإضافة إلى تقديم معاني إنسانية وعالمية. وطرح من خلال عمله ما يمكن أن يسمى بالإبداع.
ولكن الفيلم المسيء للرسول الأعظم، لم يقدم أي مستوى من مستويات الإبداع في كل جوانب العمل الفني ولم يطرح سوى الإساءة بإجماع من كل النقاد السينمائيين.