على مدى أسبوع حلقت فيه الثقافة العمانية فوق المشهد المصري -
القاهرة ـ بدريّة العامرية -
على ضفاف نهر النيل الشاهد الأزلي على الحضارة المصرية وفي ساقية الصاوي بالتحديد كان للثقافة العمانية حضور استثنائي في «يوم عمان المفتوح» الذي نظمته الجمعية العمانية للكتاب والأدباء ضمن أيامها الثقافية في مصر. وكان اليوم المفتوح خاتمة تلك الأيام الثقافية التي جددت العلاقات الأزلية بين السلطنة وجمهورية مصر العربية.
افتتح الفعالية الدكتور أسامة أحمد كمال محافظ القاهرة بحضور سعادة الشيخ خليفة بن علي بن عيسى الحارثي سفير السلطنة المعتمد لدى مصر ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية، وعدد من المهتمين بالثقافة والفنون، والطلبة العمانيين والمقيمين بمصر.
شمل «يوم عمان المفتوح» والذي يعتبر بمثابة المهرجان عددا من الفعاليات والمناشط التي قدمت سلطنة عمان كما هي عليه شعبا وحضارة، حيث افتتح بالساقية معرض للصور، أبرز الحياة العمانية بما هي عليه من تنوع وتمايز وجمال، فبدءا بالإنسانِ وعاداته وفنونه وأزيائه، انتقالا للطبيعةِ بسحر جبالها وجمال سهولها، وصولا لبحارِها وجماليات تناسق ألوانها.
كما تمّ افتتاح معرض للكتاب العماني، عرض فيه قرابة 400 عنوان تتحدّث عن عمان تاريخيّا وحضاريّا، كما كان من بين العناوين الكثير من أعمال الكتّاب والأدباء العمانيين تراوحت بين فنون الأدب والدراسات والتاريخ، وقد كان لنادي الطلبة العمانيين بمصر مشاركة بمعروضات حرفية، وأزياء تقليدية وحديثة عبّرت عن الأصالة والحداثة والتراث الذي تحتفظ به عمان.
وقد شهدت قاعة النهر بالساقية إقامة جلسات أدبية على فترتين، شارك فيها عدد من الكتّاب والأدباء العمانيين؛ بنصوص قصصية ومقاطع من أعمال روائيّة وقصائد شعرية، إذ تواصلت فعاليّات اليوم المفتوح منذ افتتاحه في الثانية عشرة حتّى التاسعة مساء، كما قدمت كل من الناقدة والكاتبة المسرحية آمنة الربيع والفنانة التشكيلية بدور الريامية فنّا أدائيّا لمقاطع منتخبة من نصوص الشاعر العماني سيف الرحبي، أدِّيت كحوارية بين الشاعر والعرافة، حملت عنوان"صلاة من الربع الخالي".
هذا وقد أشاد محافظ القاهرة الدكتور أسامة أحمد كمال في تصريح له بهذا التعاون الثقافي العماني المصري، متمنيّا أن يدوم مثل هذا التواصل والتثاقف بين كافة الدول العربيّة، مضيفا: نتمنى أن تذوب المعوقات إن وجدت، فلنا جميعا مشهد واحد وحضارة واحدة، وعلينا كوطن عربي أن نعمل على إذابة وتذليل كل الفوارق العربية، فإمكاناتنا كدول عربية كبيرة بشرية ومادية كثروات معدنية أو بترول أو غيره، ولدينا تقدم علمي لا يمكن نكرانه، فلو جمعنا قواتنا المختلفة العلمية والسياسية والاقتصادية سيكون لنا شأن ووزن يتناسب وما لهذه المنطقة من تاريخ وإمكانات.
مؤكِّدا أن ثمة هدرا كبيرا في السابق للإمكانات مستطردا: كان التوجه أن نعمل كجزر معزولة، لكن في ظني آن الأوان لتعود الأواصر تتلاحم وتترابط، ونتبوأ المكانة التي نستحقها كعالم عربي، على أرض مصر نرحب بكل العرب، فهي بلدهم الثاني، والقاهرة عاصمة الجميع.
واستقطب اليوم المفتوح في ساقية الصاوي الكثير من الجمهور. وقال عبدالله عبدالستار أحمد مشرف عام الساقية: أرى أن السلطنة وخاصة الملحقية الثقافية تقوم بنشاط ملحوظ في مصر، فمنذ تولي الدكتور سعيد العيسائي منصبه كملحق ثقافي في مصر يقوم بدور فاعل وملموس، ليس على مستوى الساقية فقط بل في عدة أماكن مختلفة، حيث نراه نشطا في معظم الفعاليات والجامعات والمنتديات، وله إثراء مشهود في الحياة الثقافية في مصر، مضيفا: بلا شك الساقية كمركز تنويري تتشرف باحتواء يوم عمان المفتوح، لتعرف الزائرين على ثقافة عمان الشقيقة، حيث ان الساقية جاءت لتسقي الفكر والثقافة.
وحول الأيّام الثقافيّة العمانية بمصر، يقول الشّاعر المصري محمد صلاح عطيطة: إن ما استمعت واستمتعت به وشاهدته في الأيام الثقافية العمانية بمصر من أصوات أدبية عمانية أسعدني كثيرا وأصابني بالدهشة من تطور المشهد الأدبي السردي الذي يواكب الحداثة والتجديد في الكتابة، وخصوصا القصة القصيرة، فتنوع أساليبها ما بين مفردات جديدة و تصويرمشهد درامي بالغ الروعه والتناص مع النص القرآني بتأدب شديد واستخدام جيد؛ فضلا عن تنوع الأصوات ما بين مبدعين من الرجال والنساء. وعن رأيه في مثل هذه التظاهرات الثقافية يقول: إن مثل هذه الفعاليات هي تجربة تواصل حضارات وثقافات ناجحة جدا، نتمنى أن تتكرر مرارا بين الشعبين المصري والعماني.
من جانبه قال الكاتب العماني سالم الحميدي والذي يشغل منصب سكرتير أول بسفارة السلطنة في القاهرة: الأيام الثقافية العمانيه في جمهورية مصر العربية الشقيقة، كانت لبهاء طلتها، وجمال روحها خفيفة كفراشة حطت على ورقة خضراء فلم تثقلها وأبقت الأثر ممتدا في ذاكرة الشجرة، أحبة وأصدقاء أعادوا للكون استدارة إشراقه لينير قصة وشعرا ويتوهج وعدا وإبداعا يتناسل في زوايا المكان، ويبقي في رحم الأرض بذرة خالدة لا يمكن وأدها، هذا الفن المتحقق والذاهب في الروعة حد الخرافة هو استثمار البشرية ورصيدها نحو مفاهيم التسامح والتفاهم بدل العدوان والكراهية.
ويرى الشّاعر والكاتب العماني أحمد بن هلال العبري أنّ لمثل هذه التظاهرات أثرٌ كبير في التبادل الثقافي، إذ يقول: الحراك الثقافي في دائرة العروبة ركيزة أساسية لتطوير الإبداع من جهة ونشره من جهة أخرى..فالتفاعل الذي يجري في مثل هذه الأيام ينمي الذائقة ويولد الأفكار ويتيح سماوات جديدة للإبداع..إن فكرة اللقاء والمجالسة قديمة في إرثنا المعرفي فلم يكتف العلماء بقراءة الكتب بل سعوا للقاء مؤلفيها وحضور حلقات العلم..وهذا ما ترجمت جانبا منه الأيام الثقافية العمانية..فقد أتاحت الفرصة لكلا الجانبين الاستفادة من هذه السانحة الجميلة..فضلا عن أنها أتاحت لنا التعرف على مؤسسات ثقافية رائدة مثل دار الأوبرا والمجلس الأعلى للثقافة وساقية الصاوي ومكتبة الإسكندرية وهي مؤسسات مهمة للمثقف والمبدع.
مضيفا: إن من التقينا بهم من الشعراء والقاصين والباحثين سجلوا في أذهاننا صورة جميلة للأدب المصري لاسيما بعد الثورة المصرية، وأرىأن تمضي قافلة الأسابيع الثقافية العمانية في مسيرتها في دائرة عربية وأخرى أجنبية بحيث يتم التناوب في ذلك مع وجود ركائز ثابتة وأخرى متغيرة على غرار معرض التسامح الديني الذي تنظمه وزارة الأوقاف؛ لنتمكن من توصيل صوت الأديب العماني إلى أقصى الدنيا، ولا يكفي البقاء في الإطار العربي رغم أهميته.
وعن رأيه في ما قدِّم من فعاليّات يقول: لقد نجحت الأيام الثقافية العمانية كنشاط تنفذه إحدى مؤسسات المجتمع المدني بالخروج إلى خارج الوطن بصوت بعيد عن الرسميات المعتادة وهو ما زاد مساحة التلقي عند الجمهور. وهنا أسجل شكري لإدارة الجمعية وسفارة السلطنة بمصر والإخوة الاعلاميين والمواقع الإلكترونية التي تابعت تفاصيل المشاركة أولا بأول، وهو عامل مهم في نجاح الشاعر أو الأديب بصورة عامة.فقد انتهى زمن العالم أو المثقف الذي يحج إليه طلبة العلم وأصبح مطالبا أن يقول ها أنا ذا...وأخيرا أرجو من إدارة الجمعية تقييم التجربة للعمل على تطويرها مستقبلا.
وتقول أسماء بنت سعيد الهنائية (طالبة عمانية بجامعة القاهرة): اسمحي لي بداية أن أهنئ الجميع بمناسبة السنة الجديدة الهجرية الجديدة والعيد الوطني المجيد، وليس بوسعي التعبير عن جمال هذا الملتقى العماني في الساقية، والذي يحمل عنوان رسالة في حب عمان حيث تجمعت مختلف الثقافات في هذا اليوم لمشاهدة اليوم العماني الجميل ومشاركتهم في أفراحهم ومشاهدة التراث العماني العريق والتعرف على ثقافة العمانيين وتاريخهم.
كما أبدت رؤى بنت سعيد بن راشد بن عمار الحارثية (طالبة عمانية بجامعة حلوان) سعادتها، حيث تقول: أولا أهنئ حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ورعاه والشعب العماني بمناسبة العيد الوطني، لقد تم بهذا اليوم العماني المفتوح (الثقافة رسالة محبة وسلام)، عرض صور تعبر عن ثقافة وتاريخ سلطنة عمان، وقد حضر وفد كبير من الشعراء العمانيين ومجموعة من الأخوة المصريين، ومن وجهة نظري أرى أن المعرض قد نجح في إبراز ثقافة عمان وتاريخها العريق لهم ، وهذا أمر يثلج الصدر.
الجدير بالذكر أنّ فعاليات الأيام الثقافية التي ابتدأت يوم الأحد الماضي كانت قد وجدت إقبالا مشهودا له من قبل الجمهور المصري في القاهرة، حيث تمّ الافتتاح يوم الأحد بدار الأوبرا برعاية معالي صلاح عبدالمقصود وزير الإعلام المصري، وفي سعي من الجمعية للتعريفِ بالسّلطنة نظّمت يوم الإثنين ندوة بعنوان " عمان الحاضر الماضي" بمؤسسة الأهرام، قدمت فيها أربع ورقات تتحدّث عن الحياة الاجتماعية والعمرانية والأدبية في عمان، مشاركة الحضور في تاريخ المشهد الاجتماعي والثقافي العماني. كما انتقلت فعاليّات الأيّام الثقافية إلى الإسكندريّة حيث شهدت مكتبة الإسكندرية الثلاثاء الماضي ثالث أيام عمان الثقافية توقيع اتفاقيتا تعاون مع اتحاد كتاب المغرب، واتحاد كتاب الأردن، وأمسية سرديّة شارك فيها عددٌ من الكتّاب والرّوائيين العمانيين.
وكان لاتحاد كتّاب مصر حضورٌ في أيام عمان الثقافية حيث أقيمت يوم الأربعاء بالمجلس الأعلى للثقافة أمسية شعرية مشتركة بين شعراء عمان ومصر.