القصة القصيرة جدّاً
ً بقلم: محمد قرانيا
ثمة اهتمامٌ عالمي بالرواية، وقد أولاها النقاد كثيراً من الدراسات، لأنها سيدة الفنون الأدبية، ومع أن القصة القصيرة، لا تزال تجد لها أمكنةً على الساحة الثقافية، وتؤكد تواصلها في الصحافة والمجموعات القصصية، إلاّ أن ثمة اهتماماً زائداً ظهر –في الآونة الأخيرة- في الوطن العربي، باتجاه القصة القصيرة جداً، وربما كان مردّ هذا الاهتمام عائداً إلى أسبابٍ متعددةٍ، لعل من أهمها: العصر الذي يتسم بالسرعة، والذي أُطلق عليه في الغرب الثقافي عصر (الهمبرغر) وقالوا عنه في الشرق، عصر حبوب (الفيتامينات) الأدبية، وعصر (المعلّبات) الغذائية والثقافية، لأن كل شيءٍ في هذا الزمن الذي ندخل فيه القرن الحادي والعشرين، بات (معلّباً) بتوجيهٍ غربي، لسيادةِ نمطٍ ثقافيٍ واحدٍ، أو أنموذج مدروسٍ، تعبيراً عن قيمٍ إنسانيةٍ جديدة، عملت على إبرازها (الآلة) التي تطحن الإنسان في كل لحظةٍ من لحظات عمره، وتنظّم الساعةُ الإليكترونية مواقف حياته، في إنشاءات حضارية، وهو –في العالم الثالث، أو النامي، أو المتخلّف- يلمس بحدّةٍ ما يقع عليه من أساليب القهر والإرهاب، والظلم والاستغلال، وقد حاول الأقوياء الذين يفرضون (النموذج) المعبّر عن مصالحهم، أن يفلسفوا نظرياتهم بمسوّغات (شيطانية) ويقيموا قاعدةً للمواءمة بين الظلم والمنطق، بين الحضارة والقمع الوحشي، واستقبلنا –نحن في الشرق- في كتاباتنا ومؤسساتنا الثقافية والإعلامية، تلك القيم الجديدة، بإيجاد التسهيلات عن طريق (تعليبها) وأخذنا نفتح تلك المعلّبات في الحالات الاضطرارية والعادية، لئلا نسقط من الحزن، أو خداع النفس، أو الألم، والهمّ، والقهر، وفقدان الأمن من خوفٍ وجوع، وخواء روحي وخلقي لم يعهد له الشرق مثيلاً- باستثناء اجتياحات المغول والتتار، نتيجةً لازدهار ظلم الأقوياء، وخفوت أنين الضعفاء وسكان الأقبية الرطبة، حيث أصبح الظلم مبلوراً في صُورِ قوة السلاح، وقوة (الدولار) وقوة الثقافة، وقوة الخبث، وقوة القهر (المازوشية) وقوة التحلّل الذي بدأنا نشاهده في بيوتنا مع أبنائنا ونسائنا، وفي المنتجعات الخاصة والعامة، ثم عملنا على إدخاله إلى مخادع نومنا سرّاً في البداية، ثم علناً بعد أن خلعنا –في كثيرٍ من البيوت- أردية الحياء والخجل، وسال لعابنا أمام شهوة المغريات الرخيصة، والمثيرة وتبلّدت الأحاسيس والمشاعر، وأُعطيت الأخلاق إجازةً مفتوحة.
في القصة القصيرة جداً، شيءٌ كثيرٌ من الغربة، على الرغم من قول العرب "البلاغة في الإيجاز" وفيها تكثيفٌ وتكوينٌ وتشكيلٌ فنيّ يشبه تكثيف الغابة المثيرة التي تترك الإنسان –بعد أن يملأ ناظريه وعقله منها- يمضي في دروبها حائراً، يتلّمس لقدميه مواطئ، ويستهدي لباصرته نوراً هادئاً مريحاً "ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور"
قد تحمل القصة القصيرة جداً، والمكثفة، فكرةً مركّزة، لا تتطرق بصورة مباشرة إلى إشاراتٍ واضحةٍ، وإنما تخفي في داخلها ما طبعته هذه الحياة في الفكر، وفي الوجدان، من قيمٍ فكريةٍ وحضاريةٍ، في ومضاتٍ كتابية، قد تصل بفنها إلى القصة، أو الخاطرة، أو اللقطة الحية، أو الترنيمة أو اللمسة الحريرية الرقيقة التي تشبه تألّق الحلم.
وقد تلجأ القصة إلى فكرةٍ تُقدّمها إلى القارئ في صورةِ رمزٍ موحٍ، ولغةٍ شعريةٍ، أو همسةٍ دافئةٍ، أو لوحةٍ واضحةٍ وضوح اللقطة الواقعية القريبة من التسجيلية (الفوتوغرافية) وقد تمتزج هذه العناصر، اللغةُ والرمزُ والصورةُ لتشكّل المعمار الفني الذي تشدّ به القارئ وتجذبه لتضعه في مجالها (المغناطيسي) ويمكن أن نمثل لذلك بقصةٍ قصيرةٍ جداً عنوانها (رسالة) من مجموعة (أصداء) لنجيب محفوظ، هذا نصها:
"وردةٌ جافةٌ مبعثرةُ الأوراق، عثرتُ عليها وراء صفٍ من الكتب، وأنا أُعيد ترتيب مكتبتي ابتسمتُ انحسرتْ غيابات الماضي السحيق عن نورٍ عابرٍ وأُفلت من قبضة الزمن حنينٌ عاش دقائق خمساً. وندّ عن الأوراق الجافة عبير الهمس، وتذكرت قول الصديق الحكيم: قوة الذاكرة، تتجلّى في التذكر، كما تتجلّى في النسيان".
وأسلوب القصّ، في القصص القصيرة جداً – على الرغم من أنها مزاج فنيّ وشخصي- لا يبعد كثيراً عن أسلوب القصة القصيرة العادية، من حيث الفكرةُ، والهدفُ والاهتمامُ، والعاطفة، ولكنها ربما تميّزت من شقيقتها الأطول، بما تحمله من خصائص القصّ الراقية التي تعتمد على الإدهاش والإثارة، وانتهاء القفلة بموقفٍ مؤثر غير متوقعٍ، أو المزج بين الحلم والواقع الذي ينوء الإنسان بثقله.
إن موضوع القصة القصيرة جداً، قد يكون مطروقاً أو معاداً، ولكن الطريقة الجديدة في التكثيف- هي التي تضفي عليه ألوان الجدّة والإثارة والإدهاش- وأحب أن أركّز على(الإثارة والدهشة) لأن القصة القصيرة جداً، تغدو بهما (كائناً حياً) قوامه التصوير السريع والفنيّ، الذي يخاطب الذهن، ولا يتسلّل إلى الوجدان فحسب، وإنما يخاطب العقل والفكر أيضاً، لأن من أوليات مهمات هذا الكائن الحي أن يتحوّل في عصر الكمبيوتر والإنترنيت والفضائيات، إلى (شاشة) تحطّ عليها الأنظار لتُجسّد المشاهد الكبيرة والصغيرة ، التي تبعث في القارئ- المشاهد- لذّة الاستقبال والتلّقي، بتصويراتٍ عاطفيةٍ اجتماعيةٍ وسياسيةٍ وحضاريةٍ، عَبْرَ حبكةٍ محكمةٍ تلحّ في النهاية على القيمة الإنسانية لمخلوق هذا العصر، الذي تحوّل فيه لدى كافكا إلى صرصورٍ، وتحوّل عند كولن ولسن إلى صوفي غربي، وتحول عند البرتومورافيا إلى شبحٍ يتلوّى بفحيح الجنس، ثم آخر (الصرعات) قد تحوّل إلى (صفر) عبر المنظور الأمريكي الذي روّج إلى نظامٍ دولي جديد، وإغراق العالم في (عولمة) تعيد الإنسان إلى القرون الوسطى، وتسويغ فعلة نيرون في إحراق روما.
في قصص المجموعة انفتاحٌ عريضٌ على العصر بكل غلواء أثريائه، وعهر الطبقة الاجتماعية الأرستقراطية، الطافية على رؤوس الفقراء، وانسياق البسطاء وراء النماذج الكرتونية الغربية، وتخلخل القيم في النفوس، وتحكّم سلاح الأقوياء بالشعوب المستضعفة.. وفيها فوق كل ذلك، مرايا ترينا وجوهنا على حقيقتها مجردةً بغير أصباغ، وتضع أصابعنا التي أحرقت أمام عيوننا مباشرةً، وترينا أنفسنا التي فقدت كثيراً كثيراً من البراءة والحب والخير والجمال والحق..
والله من وراء القصد
محمد قرانيا-أريحا 20/9/1998
2
القصة القصيرة في سورية
ً بقلم: محمد قرانيا
لعب جيل الروّاد الأوائل دوراً بارزاً في إرساء القواعد الرئيسة للفن القصصي.
ومن هؤلاء: محمد النجار 1902-1962 ويطلق عليه «أبو القصة السورية» وفؤاد الشايب 1911-1970 ، وعلي خلقي 1911-1984 ، وجبرائيل سعادة، اليان ديراني، علي مظفر سلطان، عبد الله يوركي حلاق، شكيب الجابري، ديب نحوي.. وغيرهم).
وبرزت بعد استقلال سورية أحداث كبرى جديدة، أسهمت في نضج الصراعات الفكرية والأدبية.ومن هذه الأحداث، ظهور الروابط الأدبية، والتجمعات الثقافية، وكانت القصة القصيرة سيدة الأجناس الأدبية، كما كان القاصون روّاداً حملوا لواء العمال و الفقراء، ورفعوهم إلى مصاف الأبطال في قصصهم. وشنّوا من أجل الالتزام بهم، معارك أدبية وفكرية، تستند إلى الأيديولوجيا اليسارية. وساعدهم على ذلك ازدياد عدد الصحف والمجلات، وتعدد النوادي الفكرية والثقافية والتجمعات الأدبية، إضافة إلى الإيمان بدور الأدب في عمليات التغيير الاجتماعي، ورواج سوق النشر والتأليف والترجمة، وسيادة المناخ الديمقراطي، وتعدد الانتماءات السياسية والفكرية في المجتمع، وبين الأدباء أنفسهم.
وتتباين الآراء حول دور القصة القصيرة. فهناك من يرى أنها حاجة اجتماعية، قبل أن تكون حاجة فنية، وأن ّ التأكيد على المضامين الاجتماعية والسياسية هي الأهم، وليس على الأساليب الفنية أو الفكرية، أي أنّ الدور الاجتماعي للقصة يعتبر الأساس لكتابتها. وبرز رأي آخر مغاير لهذا الرأي، يؤكد على أن القصة هي فن خالص لا يفترض مباشرة العلاقة مع المتلقي، كما في فنون الاتصال الجماهيري أو الفنون الشعبية. وأنّ القصة تعتمد في فنيّتها على ما تقوله أساساً.
ويؤكد الناقد المغربي «محمد برادة» أنه ومنذ البدايات القصصية الأولى، وفي غمرة التقليد والترجمة، انصبّ اهتمام الدارسين على وضع التعريفات، وقياس القصص بما تجيزه الموازين النقدية الأوروبية، مما جعل نقد القصة القصيرة محصوراً في معيارية عاجزة عن التقاط ملامح التأصيل والتمثل، والتي كان بعض القصّاصين الروّاد ينجزونها بترابط مع سلسلة التحولات الاجتماعية والسياسية التي عرفتها المجتمعات العربية بإيقاع سريع منذ الثلاثينيات.
لقد كانت القصة القصيرة منذ بداياتها «طليعة منبّئة» عن إرهاصات الأشكال الأدبية الجديدة الكبيرة التي لم يحن أوانها بعد، ولكنّها تضع نفسها في نصوص قصصية متحررة من ا لسجع والبلاغة، ومتفتّحة على اللغة اليومية، وعلى التقاط المستجد والطارئ في السلوكيات والعلائق والمشاعر، وبظهور نماذج فاضحة في الخمسينيات عند «إدوار الخراط، وغائب طعمة فرمان، وفؤاد التكرلي، ويوسف إدريس».
القصة مدخل متمرّد على سجن خطابات السلطة وبلاغاتها، ومعبر إلى تشييد فضاء رحب، يستعيد المخيّلة الموؤدة، ويحتفل بنكهة اللغة الطازجة وطراوة المعرفة الكاشفة.
تناول النقّاد الحوامل الفنيّة للقصة القصيرة، والعناصر التي تنهض بوساطتها، كي تتحول إلى قصة لها شكل ومضمون،بعيداً عن الحكائية الصافية والإنشائية والسرد المجّاني.
وركّز «رشاد رشدي» على فنّ القصة، باعتبار أنّ كلّ قصة قصيرة ما هي إلاّ تجربة في التكنيك. ويتجلّى المعيار الأساسي في ناحيتين:
ـ البناء: ويشمل : «الحدث والشخصية والمعنى ولحظة التنوير».
ـ والنسيج : ويشمل: «اللغة والسرد والوصف والحوار».
وعلى هذا الأساس برز اتجاهان:
الأول: يعتمد على بناء القصة، واحتواؤه لخبر أو مجموعة من الأخبار المترابطة، ينشأ منها حدث أو فعل يقوم به شخص أو أكثر. ويفضّل أن تكون شخصية واحدة، ولا يجوز الفصل أو التفرقة بين الشخصية والحدث، لأن الحدث هو الشخصية وهي تعمل.
والثاني: يهتم في نسيج القصة، من لغة ووصف وسرد وحوار، وضرورة أن تتعاون هذه الأغراض مجتمعة على خدمة الحدث وتصويره وتطويره.
وفي المقابل يحدّد الناقد «جميل سلطان» مجموعة من الشروط الفنية للقصة، منها ما هو إيجابي كـ «البساطة، ووجود الحركة والحياة في القصة، والتحليل النفسي أو الاجتماعي، وتجرّد القاص عن تعليقه الشخصي على الأحداث، وألاّ تخلو القصة من دعابة أو تهكّم أو هزل أو نقد أو نكتة». ومنها ما هو سلبي، بحيث ألاّ تكون القصة «حاملة على الضجر وضيق الصدر وتعب الفكر، وأكبر سلبية هو إطالة القصة، واكتفاء الكاتب بأن يختار من الأحداث الفنية أميزها وأهمها».
ويتطرق الناقد «حسين القبّاني» من خلال نظرته الشمولية على جسد وروح القصة. وكيف يتكامل بناء الجسد وينضج، ويتخلص من عشوائية الطفولة، إلى جانب نموّ الروح والفكر وتطورهما تطوراً سليماً.
ويتناول القبّاني في مشروعه للمعمار الفني في بناء القصة:
أولاً: موضوع القصة «هيكل القصة»
الذي يقوم وينهض على ثلاث دعائم أساسية هي: «العقدة، الصراع الناشئ عن العقدة، الخلل الناشئ عن الصراع».
ويقوم الصراع على ثلاثة أنواع:
«صراع ضد الظروف والأقدار
صراع بين الشخصيات
صراع داخل الشخصية».
ولا يغفل الناقد بجعل النهاية مفاجئة للقارئ، وألاّ تكون «ذيلاً» سخيفاً.
ويتوقف عند مجموعة من الأسئلة:
هل سيفطن القارئ بعد الأسطر الأولى إلى ما سوف تنتهي إليه القصة؟
هل ستكون النهاية في قوة البداية؟
ثانياً- عقدة القصة:
تكون عقدة القصة العادية التركيبية في منتصفها أو قبل نهايتها لكي تحلّ. وتسير خطوط الحدث المتشابكة في القصة التحليلية في اتجاهات متوازية، تلتقي عند الحل في النهاية دون أن تفقد عنصر التشويق فيها.
ثالثاً- الشخصية:
وهي المحور الذي تدور حوله القصة كلّها، وإن كاتب القصة العصرية يلزم من الناحية الفنية،برسم شخصيات قصصه من الداخل، أي من خلال تفكيرها و سلوكها، وإنّ الابتعاد أو الجوانب الثلاثة التي تتكوّن منها الشخصية بصفة عامة هي:
ـ الجانب الخارجي «البرّاني»، ويشمل المظهر العام والسلوك الظاهري للشخصية.
ـ الجانب الداخلي «الجوّاني»، ويشمل الأحوال النفسية والفكرية، والسلوك الناتج عنها.
ـ الجانب الاجتماعي، ويشمل المركز الذي تشغله الشخصية في المجتمع، وظروفها الاجتماعية.
رابعاً- الأسلوب..
يتصوّر القبّاني أنّ الأسلوب، هو من أهم العناصر التي تقوم عليه القصة، و يتوقف نجاحها إلى حدّ كبير على الأسلوب. وأنّ الأسلوب الركيك الجاف يفسد قوّتها وأصالتها. ويمنع القارئ من متابعة قراءتها. وينعكس الأسلوب الاستعراضي المبني على البهرجة اللفظية سلباً، أما إذا كانت المحسّنات اللفظية تخدم القصة، بهدف معين، فإنّها تضفي عليها مزيداً من الجمال والأصالة والحيوية.
ويصل القبّاني إلى نتيجة مفادها، أنّ أسلوب القصة هو الرداء الذي تبدو به أمام القارئ، والألفاظ هي النسيج الذي يصنع منه الرداء، ويقدّم مجموعة من الملاحظات أو النصائح عند الكتابة، تتضمّن:
ـ وحدة الأسلوب.
ـ اللازمة التي لا تثير الملل.
ـ الحرص على عدم التقليد.
ـ الوضوح
ـ الإيجاز.
ـ الزهو والفخامة.
خامساً: الحوار..
إذا كان أهم غرض يؤديه الحوار في القصة المطوّلة هو التعبير عن آراء المؤلف التي يضعها على ألسنة الشخصيات، فإنّ أهم غرض يؤديه في القصة القصيرة، هو تطوير موضوعها للوصول بها إلى النهاية المنشودة.
إنّ الحوار يخفّف من رتابة السرد، ويريح القارئ، ويبعد عنه الشعور بالملل، ويساعد على رسم شخصيات القصة، وتصوير موقف معيّن أو صراع عاطفي، أو حالة نفسية، كالخوف أو الكبت أو الغيرة.
وتناول بعض النقاد عناصر أخرى بشيء من التفصيل، كالـ «الحبكة»، باعتبارها تشكل المستوى الأعلى للقصة، فهي التي تحقق نجاح المبدع، لأنّ المبدع القادر على بناء شبكة متداخلة من خيوط الحدث، ونسجه بأداة حديثة، يستطيع أن يجعل الشخصية تؤدي دورها الكامل، وتقوم بالأعمال الموكلة إليها، وتتحرك بشكل درامي، وهي التي تقوم بالعملية الاسترجاعية أو التنبؤية بين الماضي والمستقبل. ومن هؤلاء النقاد الدكتور «محمد يوسف نجم» الذي يعرف الحبكة بأنها: سلسلة الحوادث التي تجري فيها، مرتبطة عادة برباط السببية.
ويجب النظر أولاً إلى المواد الأولية التي تستمد منها، وإلى قيمة هذه المواد عندما تعارض الحياة نفسها.. والحبكة في حقيقتها نوع من الحكاية. ويمكن أن تقسم القصة من حيث تركيب الحبكة إلى نوعين متميزين هما:
ـ القصة ذات الحبكة المفككة
ـ القصة ذات الحبكة العضوية المتماسكة.
ففي الأولى، تبنى القصة على سلسلة من الحوادث أو المواقف المنفصلة التي تكاد لا ترتبط برباط ما، ولا تعتمد وحدة العمل القصصي فيها على تسلسل الحوادث، ولكن على البيئة التي تتحرك فيها القصة، أو على الشخصية الأولى فيها، أو على النتيجة العامة التي تنظم الحوادث والشخصيات جميعاً. وعلى العكس إنّ القصة ذات الحبكة المتماسكة، إذ تقوم على حوادث مترابطة، يأخذ بعضها برقاب بعض، تسير في خط مستقيم حتى تبلغ مستقرها.
ومن المآخذ على القصة ذات الحبكة المتماسكة، أنها قد تنقلب أحياناً إلى عمل آلي، حتى أنّ القارئ يشعر فيها بإحكام الصنعة، وقد تؤدي إلى الافتعال والصدفة. وهناك شرطان أساسيان يجب أن يتوفرا في الحبكة القصصية المتقنة وهما:
ـ أن تتحرك بطريقة طبيعية خالية من الصدفة والافتعال.
ـ أن تكون مركّبة بطريقة مقبولة مقنعة، لا نشعر فيها بآلية العمل القصصي.
وتقسم الحبكة من حيث مضمونها إلى نوعين:
ـ الحبكة البسيطة: حيث تكون القصة مبنية على حكاية واحدة.
ـ الحبكة المركّبة: حيث تكون القصة مركبة من حكايتين أو أكثر.
والمسألة الأخيرة من وجهة نظر الدكتور محمد يوسف نجم، التي تستحق النظر عند دراسة حبكة القصة، هي طريقة عرض الحوادث أو تطويرها. ومن هذه الطرق:
1-طريقة السرد المباشر
2- طريقة الترجمة الذاتية
3- طريقة الوثائق أو الرسائل المتبادلة
4- طريقة تيار الوعي أو النموذج الداخلي.
ويمكننا أن نتوقف قليلاً عند «تودوروف» الذي حدد مستويين في بنية العمل القصصي:
ـ المستوى الأول: هو مستوى القصة كـ «تاريخ» أو كوقائع تخص هذا الكون التخيّلي لعالم القصة. ونتعرف إليها من خلاله. وعلى هذا المستوى يمكننا أن ننظر في المنطق الذي يحكم الأفعال في نظام الحافز الذي يدفع حركة الفعل في الشخصيات، وفي العلاقات فيما بينها.
ـ المستوى الثاني: هو مستوى القصة كـ «قول»، أي كلام واقعي له وجود مادي، يوجهه الراوي للقارئ.
وعلى المستوى الثاني ننظر في زمن القص، الذي هو زمن تخيلي يختلف عن زمن الوقائع ويفارقه. وزمن الوقائع هو زمن متعدد الأبعاد، يحمل في الوقت الواحد أحداثاً عدة، أما زمن القص هو زمن أحادي ينمو بالكلام على التوالي. إنه زمن انتظام الصياغة، وتكونها في جمل تتتالى وترتصف. وهكذا يحتضن زمن القص المتخيل زمنين هما: الماضي والحاضر. وفي حركة الرجوع إلى الوراء في لعبة الإيهام هذه، يبدو «الماضي» كأنه هو الواقعي، أي ا لموجود فعلاً.
وميّز تودوروف نموذجين للراوي:
ـ الراوي الذي هو مجرد شاهد، وهو راو ينقل الأحداث، ويحكي عن الشخصيات.
ـ الراوي الذي يختفي خلف الشخصيات، بحيث تتقدّم الأحداث، كمشهد يجري أمام أعيننا، وبحيث تنطق الشخصيات بلسانها.
ويركز الروائي اللبناني «إلياس خوري» على لغة القص، واللغة برأيه المشكلة الأكثر إلحاحاً في البناء القصصي بأسره، لأن اللغة كما يرى هي انعكاس لمشكلة المجتمع مع تطور لغته، ويتساءل: كيف تتحدد لغة القصة؟ تتحدد لغة القصة من ثلاث زوايا متكاملة:
ـ الزاوية الأولى: هي الازدواج اللغوي المحكي والمكتوب.
ـ الزاوية الثانية: هي عناصر التجديد اللغوي التي اتخذت لنفسها أكثر من مقترب /المقترب الشعري أو شبه الشعري، المقترب التراثي/
ـ الزاوية الثالثة: هي التركيب اللغوي.
إن القصة الحديثة تكثف الحدث، وتعتمد على عدد محدود من الشخصيات، وتكتب بضمير المتكلم، ويفضل أن تكون القصة متداخلة الأحداث «عقدة مركبة» ومتداخلة الأزمنة، مع إلغاء نهائي للمقدمات الكلاسيكية والسرد الإنشائي والمباشرة والتعليمية،وذكر التفاصيل والجزئيات غير الضرورية.
ووصف «تشيخوف» القصة الجيدة، بأنها قصة محذوفة مقدمتها، أي مواجهة الأحداث مباشرة، بلا مقدمات، قد تصرف القارئ عن متابعة قراءته.
بينما كان «إدغار آلان بو» يهتم ببداية القصة إلى درجة أنه قال: «إنها هي التي تحدد نجاح القصة أو فشلها».
إن نجاح أية قصة هو في قوتها التمثيلية، أو في دقة رسم الشخصيات، أو في سخريتها وفكاهيتها، وهذا ما يجعلها تحتل المكان الأول في الأدب القصصي.
لقد حملت القصة الحديثة معها إلغاء النهايات التي يصفها القارئ من خلال السياق العام للقص، فتبرد عاطفته، وتهبط درجة حماسته، لأنه قبل أن ينهي قراءة القصة، يعرف نهايتها، من هنا كانت النهايات المغايرة التي تحرف خط سير المتلقي أثناء قراءته (180) درجة، لها أهمية حداثية وعصرية، حيث تكون النهايات مفتوحة دون أن تتحدد لحظة التنوير،مما يحرك ذهن المتلقي ويدفعه لمتابعة القصة، فتترك عندئذ الأثر الكبير الذي يظل راسخاً في الذاكرة لفترة زمنية طويلة.
ولا تقل النهاية أهمية عن البداية، فهي ليست مجرد ختام لأحداث القصة، بل هي التنوير النهائي الذي يحمل جوهر القصة وخلاصتها. إن النقد الحديث ينظر إلى القصة القصيرة، كوحدة عضوية لا يجوز درس جزء منها معزولاً عن بقية الأحداث. وكل عنصر من عناصرها يجب أن يسهم بقسطه كاملاً في سبيل الوصول إلى التأثير النهائي.
ولم يكن غريباً أن تصبح القصة القصيرة نوعاً رئيساً، ومهيمناً في الفترات الحداثية، وما بعد الحداثة من آداب العالم.
وكانت القصة أسبق من غيرها في استيعاب تبدل الوعي، وامتصاص التيارات والأساليب التي غمرت الساحة الإبداعية والأدبية. وشهدت القصة انقسامات وصراعات وتطورات.
لقد اعترف العديد من منظري ونقاد القصة القصيرة. بحيرتهم إزاء تعريف القصة، وذلك لتطورها عن أشكال قصصية أبسط أولاً،
ولاختلاطها بأشكال قصصية أكثر تعقيداً خلال عمليات نموها المتصلة ثانياً،
ولتداخلها بمجالات الأدب الشعبي الأرحب «الرموز والأساطير والتخييل والتحفيز» أكثر من أجناس الأدب الأخرى ثالثاً.
واعتراف «شلوفسكي» وهو من أبرز منظري فن القصة أنه لم يعثر على تعريف للقصة القصيرة، فهناك كما يقول: (القصة والقصة الوحيدة الحدث،والأقصوصة، والقصة داخل القصة، والقص الخيالي والرمزي والشعري، والقصة القصيرة، والقصة الحكاية).
ويصل «روبرت شولز» إلى التعريف التالي:
"القصة حكاية مختلفة".
ويعتبرها «سعيد حوارنية» رؤيا شعرية مكثفة للناس وللأشياء ضمن حركتها وفعاليتها.
أما عادل أبو شنب فيعتقد أنه ليس على الفنان أن يكون له «مفهوم» محدد ذو أطر لفنه، إن واجبه الرئيسي هو الإبداع. ومن خلال إنتاجه يقوم الدارسون والنقاد مفهوماً خاصاً به
ويصفها «فؤاد الشايب» بالـ «ومضة» من الرؤى الشاعرية، تكتب بلغة النثر وأسلوبه. فالخيال أبوها الأول، والحياة أمها، وبقدر ما يخصب الخيال هذه الحياة، تستوفي القصة معانيها الجمالية.
وجاء في كتاب «الصوت المنفرد» لمؤلفه الإيرلندي «فرانك أوكوتو»:
«ليست القصة القصيرة، قصيرة لأنها صغيرة الحجم وإنما هي كذلك لأنها عولجت علاجاً خاصاً، وهو أنها تناولت موضوعاً على أساس رأسي لا أفقي، وفجّرت طاقات الموقف الواحد بالتركيز على نقاط التحول فيه. فالذي يقف على منحنى الطريق يتاح له أن يرى الطريق كله».
وأخيراً
نستنتج مما تقدم أن القصة إبداع ، ليس من الضروري أن ندخله في قفص التقسيمات والتنويع المحدد، وذلك أنه القصة نص نثري حر، وسيد الموقف فيها هو أسلوب الكاتب الذي يحكم على قصته بالخلود أو السقوط، والخالد منها هو ما يترك في نفس القارئ صدى طويلاً يتحرك في ذاكرته وفكره.
نقل كما نشر
عبدالله عمر
ً بقلم: محمد قرانيا
ثمة اهتمامٌ عالمي بالرواية، وقد أولاها النقاد كثيراً من الدراسات، لأنها سيدة الفنون الأدبية، ومع أن القصة القصيرة، لا تزال تجد لها أمكنةً على الساحة الثقافية، وتؤكد تواصلها في الصحافة والمجموعات القصصية، إلاّ أن ثمة اهتماماً زائداً ظهر –في الآونة الأخيرة- في الوطن العربي، باتجاه القصة القصيرة جداً، وربما كان مردّ هذا الاهتمام عائداً إلى أسبابٍ متعددةٍ، لعل من أهمها: العصر الذي يتسم بالسرعة، والذي أُطلق عليه في الغرب الثقافي عصر (الهمبرغر) وقالوا عنه في الشرق، عصر حبوب (الفيتامينات) الأدبية، وعصر (المعلّبات) الغذائية والثقافية، لأن كل شيءٍ في هذا الزمن الذي ندخل فيه القرن الحادي والعشرين، بات (معلّباً) بتوجيهٍ غربي، لسيادةِ نمطٍ ثقافيٍ واحدٍ، أو أنموذج مدروسٍ، تعبيراً عن قيمٍ إنسانيةٍ جديدة، عملت على إبرازها (الآلة) التي تطحن الإنسان في كل لحظةٍ من لحظات عمره، وتنظّم الساعةُ الإليكترونية مواقف حياته، في إنشاءات حضارية، وهو –في العالم الثالث، أو النامي، أو المتخلّف- يلمس بحدّةٍ ما يقع عليه من أساليب القهر والإرهاب، والظلم والاستغلال، وقد حاول الأقوياء الذين يفرضون (النموذج) المعبّر عن مصالحهم، أن يفلسفوا نظرياتهم بمسوّغات (شيطانية) ويقيموا قاعدةً للمواءمة بين الظلم والمنطق، بين الحضارة والقمع الوحشي، واستقبلنا –نحن في الشرق- في كتاباتنا ومؤسساتنا الثقافية والإعلامية، تلك القيم الجديدة، بإيجاد التسهيلات عن طريق (تعليبها) وأخذنا نفتح تلك المعلّبات في الحالات الاضطرارية والعادية، لئلا نسقط من الحزن، أو خداع النفس، أو الألم، والهمّ، والقهر، وفقدان الأمن من خوفٍ وجوع، وخواء روحي وخلقي لم يعهد له الشرق مثيلاً- باستثناء اجتياحات المغول والتتار، نتيجةً لازدهار ظلم الأقوياء، وخفوت أنين الضعفاء وسكان الأقبية الرطبة، حيث أصبح الظلم مبلوراً في صُورِ قوة السلاح، وقوة (الدولار) وقوة الثقافة، وقوة الخبث، وقوة القهر (المازوشية) وقوة التحلّل الذي بدأنا نشاهده في بيوتنا مع أبنائنا ونسائنا، وفي المنتجعات الخاصة والعامة، ثم عملنا على إدخاله إلى مخادع نومنا سرّاً في البداية، ثم علناً بعد أن خلعنا –في كثيرٍ من البيوت- أردية الحياء والخجل، وسال لعابنا أمام شهوة المغريات الرخيصة، والمثيرة وتبلّدت الأحاسيس والمشاعر، وأُعطيت الأخلاق إجازةً مفتوحة.
في القصة القصيرة جداً، شيءٌ كثيرٌ من الغربة، على الرغم من قول العرب "البلاغة في الإيجاز" وفيها تكثيفٌ وتكوينٌ وتشكيلٌ فنيّ يشبه تكثيف الغابة المثيرة التي تترك الإنسان –بعد أن يملأ ناظريه وعقله منها- يمضي في دروبها حائراً، يتلّمس لقدميه مواطئ، ويستهدي لباصرته نوراً هادئاً مريحاً "ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور"
قد تحمل القصة القصيرة جداً، والمكثفة، فكرةً مركّزة، لا تتطرق بصورة مباشرة إلى إشاراتٍ واضحةٍ، وإنما تخفي في داخلها ما طبعته هذه الحياة في الفكر، وفي الوجدان، من قيمٍ فكريةٍ وحضاريةٍ، في ومضاتٍ كتابية، قد تصل بفنها إلى القصة، أو الخاطرة، أو اللقطة الحية، أو الترنيمة أو اللمسة الحريرية الرقيقة التي تشبه تألّق الحلم.
وقد تلجأ القصة إلى فكرةٍ تُقدّمها إلى القارئ في صورةِ رمزٍ موحٍ، ولغةٍ شعريةٍ، أو همسةٍ دافئةٍ، أو لوحةٍ واضحةٍ وضوح اللقطة الواقعية القريبة من التسجيلية (الفوتوغرافية) وقد تمتزج هذه العناصر، اللغةُ والرمزُ والصورةُ لتشكّل المعمار الفني الذي تشدّ به القارئ وتجذبه لتضعه في مجالها (المغناطيسي) ويمكن أن نمثل لذلك بقصةٍ قصيرةٍ جداً عنوانها (رسالة) من مجموعة (أصداء) لنجيب محفوظ، هذا نصها:
"وردةٌ جافةٌ مبعثرةُ الأوراق، عثرتُ عليها وراء صفٍ من الكتب، وأنا أُعيد ترتيب مكتبتي ابتسمتُ انحسرتْ غيابات الماضي السحيق عن نورٍ عابرٍ وأُفلت من قبضة الزمن حنينٌ عاش دقائق خمساً. وندّ عن الأوراق الجافة عبير الهمس، وتذكرت قول الصديق الحكيم: قوة الذاكرة، تتجلّى في التذكر، كما تتجلّى في النسيان".
وأسلوب القصّ، في القصص القصيرة جداً – على الرغم من أنها مزاج فنيّ وشخصي- لا يبعد كثيراً عن أسلوب القصة القصيرة العادية، من حيث الفكرةُ، والهدفُ والاهتمامُ، والعاطفة، ولكنها ربما تميّزت من شقيقتها الأطول، بما تحمله من خصائص القصّ الراقية التي تعتمد على الإدهاش والإثارة، وانتهاء القفلة بموقفٍ مؤثر غير متوقعٍ، أو المزج بين الحلم والواقع الذي ينوء الإنسان بثقله.
إن موضوع القصة القصيرة جداً، قد يكون مطروقاً أو معاداً، ولكن الطريقة الجديدة في التكثيف- هي التي تضفي عليه ألوان الجدّة والإثارة والإدهاش- وأحب أن أركّز على(الإثارة والدهشة) لأن القصة القصيرة جداً، تغدو بهما (كائناً حياً) قوامه التصوير السريع والفنيّ، الذي يخاطب الذهن، ولا يتسلّل إلى الوجدان فحسب، وإنما يخاطب العقل والفكر أيضاً، لأن من أوليات مهمات هذا الكائن الحي أن يتحوّل في عصر الكمبيوتر والإنترنيت والفضائيات، إلى (شاشة) تحطّ عليها الأنظار لتُجسّد المشاهد الكبيرة والصغيرة ، التي تبعث في القارئ- المشاهد- لذّة الاستقبال والتلّقي، بتصويراتٍ عاطفيةٍ اجتماعيةٍ وسياسيةٍ وحضاريةٍ، عَبْرَ حبكةٍ محكمةٍ تلحّ في النهاية على القيمة الإنسانية لمخلوق هذا العصر، الذي تحوّل فيه لدى كافكا إلى صرصورٍ، وتحوّل عند كولن ولسن إلى صوفي غربي، وتحول عند البرتومورافيا إلى شبحٍ يتلوّى بفحيح الجنس، ثم آخر (الصرعات) قد تحوّل إلى (صفر) عبر المنظور الأمريكي الذي روّج إلى نظامٍ دولي جديد، وإغراق العالم في (عولمة) تعيد الإنسان إلى القرون الوسطى، وتسويغ فعلة نيرون في إحراق روما.
في قصص المجموعة انفتاحٌ عريضٌ على العصر بكل غلواء أثريائه، وعهر الطبقة الاجتماعية الأرستقراطية، الطافية على رؤوس الفقراء، وانسياق البسطاء وراء النماذج الكرتونية الغربية، وتخلخل القيم في النفوس، وتحكّم سلاح الأقوياء بالشعوب المستضعفة.. وفيها فوق كل ذلك، مرايا ترينا وجوهنا على حقيقتها مجردةً بغير أصباغ، وتضع أصابعنا التي أحرقت أمام عيوننا مباشرةً، وترينا أنفسنا التي فقدت كثيراً كثيراً من البراءة والحب والخير والجمال والحق..
والله من وراء القصد
محمد قرانيا-أريحا 20/9/1998
2
القصة القصيرة في سورية
ً بقلم: محمد قرانيا
لعب جيل الروّاد الأوائل دوراً بارزاً في إرساء القواعد الرئيسة للفن القصصي.
ومن هؤلاء: محمد النجار 1902-1962 ويطلق عليه «أبو القصة السورية» وفؤاد الشايب 1911-1970 ، وعلي خلقي 1911-1984 ، وجبرائيل سعادة، اليان ديراني، علي مظفر سلطان، عبد الله يوركي حلاق، شكيب الجابري، ديب نحوي.. وغيرهم).
وبرزت بعد استقلال سورية أحداث كبرى جديدة، أسهمت في نضج الصراعات الفكرية والأدبية.ومن هذه الأحداث، ظهور الروابط الأدبية، والتجمعات الثقافية، وكانت القصة القصيرة سيدة الأجناس الأدبية، كما كان القاصون روّاداً حملوا لواء العمال و الفقراء، ورفعوهم إلى مصاف الأبطال في قصصهم. وشنّوا من أجل الالتزام بهم، معارك أدبية وفكرية، تستند إلى الأيديولوجيا اليسارية. وساعدهم على ذلك ازدياد عدد الصحف والمجلات، وتعدد النوادي الفكرية والثقافية والتجمعات الأدبية، إضافة إلى الإيمان بدور الأدب في عمليات التغيير الاجتماعي، ورواج سوق النشر والتأليف والترجمة، وسيادة المناخ الديمقراطي، وتعدد الانتماءات السياسية والفكرية في المجتمع، وبين الأدباء أنفسهم.
وتتباين الآراء حول دور القصة القصيرة. فهناك من يرى أنها حاجة اجتماعية، قبل أن تكون حاجة فنية، وأن ّ التأكيد على المضامين الاجتماعية والسياسية هي الأهم، وليس على الأساليب الفنية أو الفكرية، أي أنّ الدور الاجتماعي للقصة يعتبر الأساس لكتابتها. وبرز رأي آخر مغاير لهذا الرأي، يؤكد على أن القصة هي فن خالص لا يفترض مباشرة العلاقة مع المتلقي، كما في فنون الاتصال الجماهيري أو الفنون الشعبية. وأنّ القصة تعتمد في فنيّتها على ما تقوله أساساً.
ويؤكد الناقد المغربي «محمد برادة» أنه ومنذ البدايات القصصية الأولى، وفي غمرة التقليد والترجمة، انصبّ اهتمام الدارسين على وضع التعريفات، وقياس القصص بما تجيزه الموازين النقدية الأوروبية، مما جعل نقد القصة القصيرة محصوراً في معيارية عاجزة عن التقاط ملامح التأصيل والتمثل، والتي كان بعض القصّاصين الروّاد ينجزونها بترابط مع سلسلة التحولات الاجتماعية والسياسية التي عرفتها المجتمعات العربية بإيقاع سريع منذ الثلاثينيات.
لقد كانت القصة القصيرة منذ بداياتها «طليعة منبّئة» عن إرهاصات الأشكال الأدبية الجديدة الكبيرة التي لم يحن أوانها بعد، ولكنّها تضع نفسها في نصوص قصصية متحررة من ا لسجع والبلاغة، ومتفتّحة على اللغة اليومية، وعلى التقاط المستجد والطارئ في السلوكيات والعلائق والمشاعر، وبظهور نماذج فاضحة في الخمسينيات عند «إدوار الخراط، وغائب طعمة فرمان، وفؤاد التكرلي، ويوسف إدريس».
القصة مدخل متمرّد على سجن خطابات السلطة وبلاغاتها، ومعبر إلى تشييد فضاء رحب، يستعيد المخيّلة الموؤدة، ويحتفل بنكهة اللغة الطازجة وطراوة المعرفة الكاشفة.
تناول النقّاد الحوامل الفنيّة للقصة القصيرة، والعناصر التي تنهض بوساطتها، كي تتحول إلى قصة لها شكل ومضمون،بعيداً عن الحكائية الصافية والإنشائية والسرد المجّاني.
وركّز «رشاد رشدي» على فنّ القصة، باعتبار أنّ كلّ قصة قصيرة ما هي إلاّ تجربة في التكنيك. ويتجلّى المعيار الأساسي في ناحيتين:
ـ البناء: ويشمل : «الحدث والشخصية والمعنى ولحظة التنوير».
ـ والنسيج : ويشمل: «اللغة والسرد والوصف والحوار».
وعلى هذا الأساس برز اتجاهان:
الأول: يعتمد على بناء القصة، واحتواؤه لخبر أو مجموعة من الأخبار المترابطة، ينشأ منها حدث أو فعل يقوم به شخص أو أكثر. ويفضّل أن تكون شخصية واحدة، ولا يجوز الفصل أو التفرقة بين الشخصية والحدث، لأن الحدث هو الشخصية وهي تعمل.
والثاني: يهتم في نسيج القصة، من لغة ووصف وسرد وحوار، وضرورة أن تتعاون هذه الأغراض مجتمعة على خدمة الحدث وتصويره وتطويره.
وفي المقابل يحدّد الناقد «جميل سلطان» مجموعة من الشروط الفنية للقصة، منها ما هو إيجابي كـ «البساطة، ووجود الحركة والحياة في القصة، والتحليل النفسي أو الاجتماعي، وتجرّد القاص عن تعليقه الشخصي على الأحداث، وألاّ تخلو القصة من دعابة أو تهكّم أو هزل أو نقد أو نكتة». ومنها ما هو سلبي، بحيث ألاّ تكون القصة «حاملة على الضجر وضيق الصدر وتعب الفكر، وأكبر سلبية هو إطالة القصة، واكتفاء الكاتب بأن يختار من الأحداث الفنية أميزها وأهمها».
ويتطرق الناقد «حسين القبّاني» من خلال نظرته الشمولية على جسد وروح القصة. وكيف يتكامل بناء الجسد وينضج، ويتخلص من عشوائية الطفولة، إلى جانب نموّ الروح والفكر وتطورهما تطوراً سليماً.
ويتناول القبّاني في مشروعه للمعمار الفني في بناء القصة:
أولاً: موضوع القصة «هيكل القصة»
الذي يقوم وينهض على ثلاث دعائم أساسية هي: «العقدة، الصراع الناشئ عن العقدة، الخلل الناشئ عن الصراع».
ويقوم الصراع على ثلاثة أنواع:
«صراع ضد الظروف والأقدار
صراع بين الشخصيات
صراع داخل الشخصية».
ولا يغفل الناقد بجعل النهاية مفاجئة للقارئ، وألاّ تكون «ذيلاً» سخيفاً.
ويتوقف عند مجموعة من الأسئلة:
هل سيفطن القارئ بعد الأسطر الأولى إلى ما سوف تنتهي إليه القصة؟
هل ستكون النهاية في قوة البداية؟
ثانياً- عقدة القصة:
تكون عقدة القصة العادية التركيبية في منتصفها أو قبل نهايتها لكي تحلّ. وتسير خطوط الحدث المتشابكة في القصة التحليلية في اتجاهات متوازية، تلتقي عند الحل في النهاية دون أن تفقد عنصر التشويق فيها.
ثالثاً- الشخصية:
وهي المحور الذي تدور حوله القصة كلّها، وإن كاتب القصة العصرية يلزم من الناحية الفنية،برسم شخصيات قصصه من الداخل، أي من خلال تفكيرها و سلوكها، وإنّ الابتعاد أو الجوانب الثلاثة التي تتكوّن منها الشخصية بصفة عامة هي:
ـ الجانب الخارجي «البرّاني»، ويشمل المظهر العام والسلوك الظاهري للشخصية.
ـ الجانب الداخلي «الجوّاني»، ويشمل الأحوال النفسية والفكرية، والسلوك الناتج عنها.
ـ الجانب الاجتماعي، ويشمل المركز الذي تشغله الشخصية في المجتمع، وظروفها الاجتماعية.
رابعاً- الأسلوب..
يتصوّر القبّاني أنّ الأسلوب، هو من أهم العناصر التي تقوم عليه القصة، و يتوقف نجاحها إلى حدّ كبير على الأسلوب. وأنّ الأسلوب الركيك الجاف يفسد قوّتها وأصالتها. ويمنع القارئ من متابعة قراءتها. وينعكس الأسلوب الاستعراضي المبني على البهرجة اللفظية سلباً، أما إذا كانت المحسّنات اللفظية تخدم القصة، بهدف معين، فإنّها تضفي عليها مزيداً من الجمال والأصالة والحيوية.
ويصل القبّاني إلى نتيجة مفادها، أنّ أسلوب القصة هو الرداء الذي تبدو به أمام القارئ، والألفاظ هي النسيج الذي يصنع منه الرداء، ويقدّم مجموعة من الملاحظات أو النصائح عند الكتابة، تتضمّن:
ـ وحدة الأسلوب.
ـ اللازمة التي لا تثير الملل.
ـ الحرص على عدم التقليد.
ـ الوضوح
ـ الإيجاز.
ـ الزهو والفخامة.
خامساً: الحوار..
إذا كان أهم غرض يؤديه الحوار في القصة المطوّلة هو التعبير عن آراء المؤلف التي يضعها على ألسنة الشخصيات، فإنّ أهم غرض يؤديه في القصة القصيرة، هو تطوير موضوعها للوصول بها إلى النهاية المنشودة.
إنّ الحوار يخفّف من رتابة السرد، ويريح القارئ، ويبعد عنه الشعور بالملل، ويساعد على رسم شخصيات القصة، وتصوير موقف معيّن أو صراع عاطفي، أو حالة نفسية، كالخوف أو الكبت أو الغيرة.
وتناول بعض النقاد عناصر أخرى بشيء من التفصيل، كالـ «الحبكة»، باعتبارها تشكل المستوى الأعلى للقصة، فهي التي تحقق نجاح المبدع، لأنّ المبدع القادر على بناء شبكة متداخلة من خيوط الحدث، ونسجه بأداة حديثة، يستطيع أن يجعل الشخصية تؤدي دورها الكامل، وتقوم بالأعمال الموكلة إليها، وتتحرك بشكل درامي، وهي التي تقوم بالعملية الاسترجاعية أو التنبؤية بين الماضي والمستقبل. ومن هؤلاء النقاد الدكتور «محمد يوسف نجم» الذي يعرف الحبكة بأنها: سلسلة الحوادث التي تجري فيها، مرتبطة عادة برباط السببية.
ويجب النظر أولاً إلى المواد الأولية التي تستمد منها، وإلى قيمة هذه المواد عندما تعارض الحياة نفسها.. والحبكة في حقيقتها نوع من الحكاية. ويمكن أن تقسم القصة من حيث تركيب الحبكة إلى نوعين متميزين هما:
ـ القصة ذات الحبكة المفككة
ـ القصة ذات الحبكة العضوية المتماسكة.
ففي الأولى، تبنى القصة على سلسلة من الحوادث أو المواقف المنفصلة التي تكاد لا ترتبط برباط ما، ولا تعتمد وحدة العمل القصصي فيها على تسلسل الحوادث، ولكن على البيئة التي تتحرك فيها القصة، أو على الشخصية الأولى فيها، أو على النتيجة العامة التي تنظم الحوادث والشخصيات جميعاً. وعلى العكس إنّ القصة ذات الحبكة المتماسكة، إذ تقوم على حوادث مترابطة، يأخذ بعضها برقاب بعض، تسير في خط مستقيم حتى تبلغ مستقرها.
ومن المآخذ على القصة ذات الحبكة المتماسكة، أنها قد تنقلب أحياناً إلى عمل آلي، حتى أنّ القارئ يشعر فيها بإحكام الصنعة، وقد تؤدي إلى الافتعال والصدفة. وهناك شرطان أساسيان يجب أن يتوفرا في الحبكة القصصية المتقنة وهما:
ـ أن تتحرك بطريقة طبيعية خالية من الصدفة والافتعال.
ـ أن تكون مركّبة بطريقة مقبولة مقنعة، لا نشعر فيها بآلية العمل القصصي.
وتقسم الحبكة من حيث مضمونها إلى نوعين:
ـ الحبكة البسيطة: حيث تكون القصة مبنية على حكاية واحدة.
ـ الحبكة المركّبة: حيث تكون القصة مركبة من حكايتين أو أكثر.
والمسألة الأخيرة من وجهة نظر الدكتور محمد يوسف نجم، التي تستحق النظر عند دراسة حبكة القصة، هي طريقة عرض الحوادث أو تطويرها. ومن هذه الطرق:
1-طريقة السرد المباشر
2- طريقة الترجمة الذاتية
3- طريقة الوثائق أو الرسائل المتبادلة
4- طريقة تيار الوعي أو النموذج الداخلي.
ويمكننا أن نتوقف قليلاً عند «تودوروف» الذي حدد مستويين في بنية العمل القصصي:
ـ المستوى الأول: هو مستوى القصة كـ «تاريخ» أو كوقائع تخص هذا الكون التخيّلي لعالم القصة. ونتعرف إليها من خلاله. وعلى هذا المستوى يمكننا أن ننظر في المنطق الذي يحكم الأفعال في نظام الحافز الذي يدفع حركة الفعل في الشخصيات، وفي العلاقات فيما بينها.
ـ المستوى الثاني: هو مستوى القصة كـ «قول»، أي كلام واقعي له وجود مادي، يوجهه الراوي للقارئ.
وعلى المستوى الثاني ننظر في زمن القص، الذي هو زمن تخيلي يختلف عن زمن الوقائع ويفارقه. وزمن الوقائع هو زمن متعدد الأبعاد، يحمل في الوقت الواحد أحداثاً عدة، أما زمن القص هو زمن أحادي ينمو بالكلام على التوالي. إنه زمن انتظام الصياغة، وتكونها في جمل تتتالى وترتصف. وهكذا يحتضن زمن القص المتخيل زمنين هما: الماضي والحاضر. وفي حركة الرجوع إلى الوراء في لعبة الإيهام هذه، يبدو «الماضي» كأنه هو الواقعي، أي ا لموجود فعلاً.
وميّز تودوروف نموذجين للراوي:
ـ الراوي الذي هو مجرد شاهد، وهو راو ينقل الأحداث، ويحكي عن الشخصيات.
ـ الراوي الذي يختفي خلف الشخصيات، بحيث تتقدّم الأحداث، كمشهد يجري أمام أعيننا، وبحيث تنطق الشخصيات بلسانها.
ويركز الروائي اللبناني «إلياس خوري» على لغة القص، واللغة برأيه المشكلة الأكثر إلحاحاً في البناء القصصي بأسره، لأن اللغة كما يرى هي انعكاس لمشكلة المجتمع مع تطور لغته، ويتساءل: كيف تتحدد لغة القصة؟ تتحدد لغة القصة من ثلاث زوايا متكاملة:
ـ الزاوية الأولى: هي الازدواج اللغوي المحكي والمكتوب.
ـ الزاوية الثانية: هي عناصر التجديد اللغوي التي اتخذت لنفسها أكثر من مقترب /المقترب الشعري أو شبه الشعري، المقترب التراثي/
ـ الزاوية الثالثة: هي التركيب اللغوي.
إن القصة الحديثة تكثف الحدث، وتعتمد على عدد محدود من الشخصيات، وتكتب بضمير المتكلم، ويفضل أن تكون القصة متداخلة الأحداث «عقدة مركبة» ومتداخلة الأزمنة، مع إلغاء نهائي للمقدمات الكلاسيكية والسرد الإنشائي والمباشرة والتعليمية،وذكر التفاصيل والجزئيات غير الضرورية.
ووصف «تشيخوف» القصة الجيدة، بأنها قصة محذوفة مقدمتها، أي مواجهة الأحداث مباشرة، بلا مقدمات، قد تصرف القارئ عن متابعة قراءته.
بينما كان «إدغار آلان بو» يهتم ببداية القصة إلى درجة أنه قال: «إنها هي التي تحدد نجاح القصة أو فشلها».
إن نجاح أية قصة هو في قوتها التمثيلية، أو في دقة رسم الشخصيات، أو في سخريتها وفكاهيتها، وهذا ما يجعلها تحتل المكان الأول في الأدب القصصي.
لقد حملت القصة الحديثة معها إلغاء النهايات التي يصفها القارئ من خلال السياق العام للقص، فتبرد عاطفته، وتهبط درجة حماسته، لأنه قبل أن ينهي قراءة القصة، يعرف نهايتها، من هنا كانت النهايات المغايرة التي تحرف خط سير المتلقي أثناء قراءته (180) درجة، لها أهمية حداثية وعصرية، حيث تكون النهايات مفتوحة دون أن تتحدد لحظة التنوير،مما يحرك ذهن المتلقي ويدفعه لمتابعة القصة، فتترك عندئذ الأثر الكبير الذي يظل راسخاً في الذاكرة لفترة زمنية طويلة.
ولا تقل النهاية أهمية عن البداية، فهي ليست مجرد ختام لأحداث القصة، بل هي التنوير النهائي الذي يحمل جوهر القصة وخلاصتها. إن النقد الحديث ينظر إلى القصة القصيرة، كوحدة عضوية لا يجوز درس جزء منها معزولاً عن بقية الأحداث. وكل عنصر من عناصرها يجب أن يسهم بقسطه كاملاً في سبيل الوصول إلى التأثير النهائي.
ولم يكن غريباً أن تصبح القصة القصيرة نوعاً رئيساً، ومهيمناً في الفترات الحداثية، وما بعد الحداثة من آداب العالم.
وكانت القصة أسبق من غيرها في استيعاب تبدل الوعي، وامتصاص التيارات والأساليب التي غمرت الساحة الإبداعية والأدبية. وشهدت القصة انقسامات وصراعات وتطورات.
لقد اعترف العديد من منظري ونقاد القصة القصيرة. بحيرتهم إزاء تعريف القصة، وذلك لتطورها عن أشكال قصصية أبسط أولاً،
ولاختلاطها بأشكال قصصية أكثر تعقيداً خلال عمليات نموها المتصلة ثانياً،
ولتداخلها بمجالات الأدب الشعبي الأرحب «الرموز والأساطير والتخييل والتحفيز» أكثر من أجناس الأدب الأخرى ثالثاً.
واعتراف «شلوفسكي» وهو من أبرز منظري فن القصة أنه لم يعثر على تعريف للقصة القصيرة، فهناك كما يقول: (القصة والقصة الوحيدة الحدث،والأقصوصة، والقصة داخل القصة، والقص الخيالي والرمزي والشعري، والقصة القصيرة، والقصة الحكاية).
ويصل «روبرت شولز» إلى التعريف التالي:
"القصة حكاية مختلفة".
ويعتبرها «سعيد حوارنية» رؤيا شعرية مكثفة للناس وللأشياء ضمن حركتها وفعاليتها.
أما عادل أبو شنب فيعتقد أنه ليس على الفنان أن يكون له «مفهوم» محدد ذو أطر لفنه، إن واجبه الرئيسي هو الإبداع. ومن خلال إنتاجه يقوم الدارسون والنقاد مفهوماً خاصاً به
ويصفها «فؤاد الشايب» بالـ «ومضة» من الرؤى الشاعرية، تكتب بلغة النثر وأسلوبه. فالخيال أبوها الأول، والحياة أمها، وبقدر ما يخصب الخيال هذه الحياة، تستوفي القصة معانيها الجمالية.
وجاء في كتاب «الصوت المنفرد» لمؤلفه الإيرلندي «فرانك أوكوتو»:
«ليست القصة القصيرة، قصيرة لأنها صغيرة الحجم وإنما هي كذلك لأنها عولجت علاجاً خاصاً، وهو أنها تناولت موضوعاً على أساس رأسي لا أفقي، وفجّرت طاقات الموقف الواحد بالتركيز على نقاط التحول فيه. فالذي يقف على منحنى الطريق يتاح له أن يرى الطريق كله».
وأخيراً
نستنتج مما تقدم أن القصة إبداع ، ليس من الضروري أن ندخله في قفص التقسيمات والتنويع المحدد، وذلك أنه القصة نص نثري حر، وسيد الموقف فيها هو أسلوب الكاتب الذي يحكم على قصته بالخلود أو السقوط، والخالد منها هو ما يترك في نفس القارئ صدى طويلاً يتحرك في ذاكرته وفكره.
نقل كما نشر
عبدالله عمر
تعليق