( الملف رقم 167 / 2006 ) - الفصل الأول -
************************* [align=left]قصة قصيرة :
مؤيد البصري / 2006[/align]
لم يكن يوماً من الأيام الإعتيادية في عمل ( الرائد صباح ) محققاً في قسم الشرطة الجنائية منذ عشر سنين، وهو خريج أكاديمية الشرطة والمتفوق على أقرانه من الضباط في الدورة سلوكاً وإنضباطاً وفي الذكاء الشخصي أيضاً، ويشهد له زملائه بذلك التفوق.
بينما كان يقلب أوراق ملف القضية الجديدة التي وضعت على مكتبه صباح الأربعاء وكتب على غلافه باللون الأحمر ( نرجو التحقيق بشكل عاجل ) فكان يقرأ ملف التحقيق الأولي بشكل دقيق - كعادته - ويستغرب من بعض التفاصيل كوجود المتهم هنا بحادث التضرر بسيارة في الشارع وبين ربطها بقضية جنائية.!
وبعد اتصال هاتفي مع رئيسه المباشر وجد بعض الخيوط التي من الممكن أن تؤدي الى نتيجة.. وعليه وضع ( خطة مناسبة ) للتعامل مع سير التحقيق.. وإهمل الرائد صباح المعلومات الأولية من المركز المحلي للشرطة مع انتهاء مرحلة الإستجواب الأولية هناك.
نادى الرائد صباح السعدون بواسطة الهاتف أحد المساعدين بإحضار المتهم -الموقوف- منذ يوم أمس الثلاثاء 14/3/2006.
وبعد قليل؛ اُدخل المتهم ( سليم الخياط ) البالغ من العمر 33 عاماً وشهرين، فطلب الرائد صباح - بلباقة - وأشار باصبع من يده اليسرى الجلوس على الكرسي المقابل لمكتبه، وكان الرائد صباح لا يزال يقلب الأوراق المرفقة داخل الملف، بينما كان بين لحظة واُخرى ينظر الى وجه
( سليم ) بشكل دقيق فيراقب عينيه وحركتهما وكذلك حركات أصابعه لدراسة درجة الإنفعال للمتهم.
وبعد برهة من الزمن قال ( حسناً )..
- أنا الرائد صباح السعدون المكلف بالتحقيق في هذه القضية، وقبل البدء في إجراءات محضر التحقيق نسألك أنت المتهم سالم الخياط المتسبب في الإضرار بـ (ممتلكات خاصة / حسب محضر ضبط شرطة المحلة 167- المرقم / 3698 بتأريخ 14/3/2006).. فهل أنت مستعد للتحقيق..؟
- نعم، مستعد. ( المتهم سالم يرد بشكل هاديء )
- هل لديك محامٍ تود استدعائه لحضور التحقيق في هذا اليوم..؟
- كلا. ليس لي محامٍ.
- إذاً سنبدأ بالتحقيق فور وصول مساعدي من الخارج - ينهض من كرسيه في تلك اللحظة - وبامكانك تناول وجبة الغداء الذي ستصلك بعد عشر دقائق.
- ( نعم ) - يقولها سليم في استعداد واثق للتحقيق - ولم تكن تبدو على ملامح وجهه أي تعبير يمكن أن يُفهم بشيء، وهذا جديد على الرائد المتمرس - صباح - الذي يقرأ التعابير بشكل جيد، وليس من عادته أن يلجأ الى أي جهاز ألكتروني أو كاميرا أو جهاز تسجيل وغيرها من طرق التأثير النفسية على المتهمين، كالذي يستعملها المحققون والذي يبالغ بعضهم في إستعمالها بعملهم بشكل عام.
بعدها أمر مساعده بأخذ ( سـليم ) الى مكان التوقيف، وكان لا يزال يتأمل وجه سليم قبل مغادرته الغرفة مع ارتسام ابتسامة بدرجة ضئيلة لم يتمكن ان يتخلى عنها الرائد صباح في عمله مع حرصه.
وراح يفكر في قرائته الاولية لملامح شخصية ( سليم الخياط ) الجديدة، الذي لم تكن له أية سابقة جنائية..
( الرائد صباح السعدون في حيرة )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رفع سماعة الهاتف وتحدث الى صديقه ( مختار - طبيب نفسي )
- مرحباً مختار..
- أهلاً بك يارجل.. أين تختفي..؟
- من موقعك لا يمكنك رؤيتي.. فأعطيك الحق في قولك عني مختفياً.. وضحك الإثنين من هذه المزحة المعتادة وهما صديقين حميمين..
- لدي أمر محير.. ( الرائد صباح يقولها مع زفرات تنهد تصل الى سمع مختار )
- لم أفهم يا صباح.. وضح لي الأمر..
- لدي متهم شخصيته لا تتناسب مع التهمة الموجهة له ( التسبب بضرر الى سيارة أحد الجيران ). إنه أمر محير حقاً.. قالها بصوت خافت يملأه الإستغراب - وهو لا يزال يقلب الأوراق - وشخصيته الهادئة بالذات تثير شكوكي في صحته النفسية قبل التسبب بمخالفة جنائية، فالتهمة - أراها -تافهة، وكان بالإمكان حلها بالتعهد ( بدفع غرامة مالية أو تصليح السيارة ) أمام ضابط مركز الشرطة بحضور شاهدين فتنتهي المسألة برمتها.
- عزيزي صباح.. سأحضر الى مكتبك بعد نصف ساعة من أجل زيارتك والتحدث بشأن هذا الأمر المحير..
- مرحباً بك في زيارتي.. والى اللقاء إذاً.
أنهى الرائد صباح المكالمة الهاتفه بطريقته المعروفة في وضع اصبعه الأيسر فوق زر جهاز الهاتف أولاً ثم وضع السماعة في محلها، ولكنه لا يزال يفكر في طريقة تجعل ( سالم ) يتكلم ويفصح بشكل واضح ومن دون إبداء أي مجهود قد يغير مسار التحقيق كله.
وصل مختار بعد نصف ساعة من زمن المكالمة، وطلب منه صباح الجلوس الى الغرفة المجاورة لمكتبه وبامكانه مشاهدة التحقيق من خلال الزجاج الخاص الذي يسمح برؤية الداخل ولا يتمكن للمتهم من رؤيتة ذلك، وبامكانهم أيضاً من الاستماع الى التحقيق بوضوح من خلال أجهزة الصوت الخاصة.
في تمام الساعة 2:30 من بعد ظهر نفس اليوم إستدعي المتهم ( سليم الخياط ) للتحقيق في الشكوى القانونية الموجهة ضده. ولم يكن ( سليم ) يقول في رده في التحقيق سوى؛ بانه - آسف - وإنه غير متعمداً في التسبب بأي ضرر بتلك السيارة أو غيرها، وإنه على الإستعداد بالتعويض الكامل الذي يطالب به صاحب الشكوى.. أو رفع القضية الى المحكمة.
بدأت شكوك الرائد صباح بالتزايد.. وطلب قراءة حالة سليم النفسية والعقلية من خلال مشاهدة صديقه مختار للتحقيق..
بدأ مختار بشرح قرائته لشخصية سليم.. قائلاً:
1 - سليم لم يتعمد فعلاً - وبشكل قاطع - في التسبب بالضرر المذكور.
2 - ( ربما ) تكون لسليم إحباطات شخصية أو حالة انفصال في الشخصية بحيث تتناقض أفعاله ما بين وقت وآخر.. وهذا يحتاج للفحص النفسي أو العصبي.
3 - (حركة إستقرار العين ) كانت سليمة بشكل كامل.. حتى بدا لي بأني اشاهد ( ملاك ) يجلس أمامي للتحقيق، ولم يكن يوجه نظراته الى عينيك يا صباح - هنا يقاطعه صباح - وهذا ما يحيرني جداً.. أليس غريباً هذا..!
- نعم ( بالفعل ) أمر في غاية الغرابة.. يقول مختار.
- أشكرك يا مختار لتأكيد شكوكي حول صحته النفسية وليست القانونية.!
وبعد قليل انتهيا من شرب فنجانين من القهوة، ويجب على مختار العودة الى البيت حيث تنتظره بعض الأعمال. وهذه فرصة كان ينتظرها صباح من أجل الإنفراد والتفكير بملف التحقيق وربطها بمشاهداته لملف ( سليم الخياط ) والقرائة لهذه شخصيته المحيرة.
في اليوم التالي طلب الرائد صباح من لجنة السمكرة الرسمية تقدير الضرر في السيارة المتضررة، وكان مبلغ 200 ديناراً مع تكاليف الطلاء الأخير.. واستدعى صاحب السيارة وأخبره بهذه الكلفة، وان المتسبب بالضرر مستعد لدفع تكاليف التصليح كاملة مع تقديم الإعتذار، وطلب منه ان يقبل بهذا الحل المرضي للطرفين..
- ياسيدي أطلب مبلغ 250 ديناراً لأن مبلغ - 50 دينار - تعويض لي عن تأخر عملي ليومين ( يقول صاحب السيارة ).
- حسناً سأدون ذلك في محضر التحقيق، وأرجو أن لا تغير المبلغ من جديد..!
إنتهت قضية السيارة ومبلغ التعويض وحصل التراضي من الطرفين بدفع سليم الخياط مبلغ 300 ديناراً لصاحب السيارة المتضررة مع تقديمه لإعتذار للتسبب بذلك. وافرج عن سليم في نفس اليوم بعد دفعه مبلغ التعويض. ولكن لم يكن هذا حقاً ما يشغل اهتمام ( الرائد صباح ) بشكل جاد، بل كان ما يشغل اهتمامه بشكل حقيقي هو ( سليم )...
وضع شريطاً لإحدى مقطوعات (موزارت) الساحرة في جهاز التسجيل وجلس على كرسيه المريح واضعاً يده خلف رأسه في جلسة استرخاء..
[align=center]- نهاية الفصل الأول - [/align]
هل تنتهي القصص بنهاية سطورها في القراءة..؟
أم إنها تبدأ بقدح فكرة في عقل القاري.. فان كان الكاتب لا يثير شيئاً في تفكير القاريء، فلابد وأن هناك - خللاً ما - عند أحدهما..!
[ الملف رقم 167 / 2006 ] - الفصل الثاني -
[ الملف رقم 167 / 2006 ] - الفصل الثالـث -