[align=center][ الملف رقم 167 / 2006 ]
**************************
- الفصل الثاني -[/align]
بعد تفكير طويل استمر لعدة أيام قضاها الرائد صباح السعدون في أمر سليم الخياط تمكن من التوصل الى خطة مبدئية في الدخول الى عالم سليم الغريب.. لقد كان ذلك تحدياً جديداً ومن نوع شخصي أكثر من كونه مهني.
في الصباح التالي؛ عند دخوله المكتب، جلس على ذات الكرسي الذي جلس فوقه سالم - يوم أمس - ليتمكن من رؤية المكان من زاوية الرؤيا التي كانت متاحة لسالم، وهل إن أمراً ما لم يدرس في وضع الغرفة، كان يراقب المنضدة، الأوراق المصفوفة فوق المكتب وألوانها وامكانية جذبها للنظر.. لم يكن شيئاً غير مألوف لو شاهده أي قادم جديد الى الغرفة..
إتصل بصديقه ( مختار ) هاتفياً وسأله عن أشد الألوان اثارة للعين، فقال له هما ( الأحمر والأصفر ).. فالأحمر بسبب قوة اشعاعه - قاطعه على الفور - أشكرك يا مختار سألتصل بك مجدداً. وأنهى المكالمة الهاتفية على عجل.
وأخذ ينظر الى الأسفل ( الأرض ) حيث كانت نظرات سالم تتركز طوال فترة بقائه في هذا المكان، وكان لون السجادة الملقاة على الأرض يكثر فيها اللون الأصفر في الزخرفة الدائرية المتداخلة مع مربعات من اللون الأزرق. ولكن الأصفر كان طاغياً على الوان تلك السجادة.
واستمر ينظر الى الزوايتين في الغرفة اللتان تقابلان الكرسي الذي جلس فوقه سليم، فلم يكن يرى شيئاً ملفتاً للنظر حقاً، فمكتبه عادي جداً وبلا تكلف في الديكور..
أراد الرائد صباح رؤية سالم من دون علمه بذلك، فتنكر بزي مختلف عن لباسه الرسمي، قبعة صفراء.. وأدوات تنكر اخرى.. وخرج الى محل سكنى سالم، فوقف على بعد مسافة من البيت لأكثر من ساعتين وربع الساعة في مواجهة البيت، فلم يكن يلاحظ خروج أحد أو دخول قادم اليه سوى رؤية الستائر المسدلة على النوافذ بشكل تام، ولم يكن يرى شيئاً ملفتاً للنظر. فلم يجد جدوى من ذلك الإنتظار امام البيت.. ولكنه إكتفى بتصوير البيت من الخارج بكاميرا فوتوغرافية حرارية واخرى من النوع العادي كانتا في سيارته، وبعد دقائق غادر ذلك المكان بهدوء.
( كاميـــرا حــراريــة كاشـــفة )
ازدادت حالة الدهشة بعد تظهير وطبع الصور وكان عددها عشرة ؛ الخمسة الاولى منها كانت غير دالة على شيء مهم فوضعها جانباً، اما الصور الاخريات المأخوذة بالكاميرا الحرارية فكانت مختلفة جداً وفيها بعض المعلومات التي تستحق التدقيق..
بدت له صورة الغرفة الواقعة في مقدمة البيت وهي الى جانب المدخل الرئيسي (حمراء متوهجة) مع تفاصيل اخرى تبدو برتقالية، وصفراء في جانب الغرفة، على عكس ما بالغرف الاخرى الواقعة في الطابق العلوي من البيت والجانب الآخر منه، وهذا يدل على وجود درجة حرارة عالية في تلك الغرفة بشكل محدد.
إتصل بمساعده وطلب منه التوجه بشكل فوري الى موقع ذلك البيت.. ومشاهدة أي أمر غير مألوف..
أخبره مساعده بأن حريق قد وقع يوم أمس في هذا البيت، ولكن تمكن رجال مكافحة الحرائق من السيطرة على الحريق وإخماده قبل انتقاله الى كافة أرجاء البيت، وإن شخصاً اصيب بالاختناق وادخل على أثره المستشفى العام، فشكر مساعده لتلك المعلومات الهامة. فأغلق المكالمة بوضع سبابته اليسرى على زر الهاتف، فوضع السماعة في محلها.. ثم مسح جبينه المتعرق قليلاً بمنديل ورقي بينما كان يغمض عينيه المتعبتين من القراءة والتركيز على تفاصيل وأرقام كانت في ورقة صغيرة، وبدأ يمسح عينيه وحاجبيه، مع رفع لحاجبيه بواسطة مقدمة الأصابع.
وثم ملأ رئتيه بشهيق عميق من الاوكسجين مستعداً للخروج..
لم يكن صعب على الرائد صباح التوصل الى المستشفى العام وموقع المصاب بالاختناق من جراء الدخان والغاز المنبعث من الحريق يوم أمس، فلقد كان ( سـليم الخياط )..
وهو من اُفرج عنه وانتهت الدعوى الموجهة ضده، يرقد في سرير في زاوية الغرفة، يغطي فمه وأنفه مع جانب من وجهه قناع الاوكسجين، ولم تكن تبدو عليه حروق من أثر ذلك الحادث. ولقد تسنت للرائد صباح فرصة لمشاهدة تفاصيل وجه سالم الشاحبة عن قرب، بينما كان يغط في نوم عميق..
أجرى ( الرائد صباح ) تحرياته عن هذا الحادث، وكان تقرير الخبير يقول:
{ من المرجح أن تكون محاولة إنتحار فاشلة باشتنشاق كمية من الغاز الناتج من إحتراق ( شيء ما ) كان مصدره داخل الغرفة، وقد أودى به الى الإختناق، ولكن لا تبدو أية دلالات جرمية في الحادث الى حد هذه الساعة، وإن التحقيق لايزال مستمراً في الحادث لمعرفة اسباب الحريق.} هكذا انتهى التقرير المختص.
( اللقـــــــــاء الثـــــاني )
بعد سلسلة من القاءات والمبادرات قام بها الرائد صباح تمكن من مد جسر من الثقة بينه وسالم، منتهزاً فرصة وجود سالم بالمستشفى واصابته بالتشنج وتلف محدود في الرئة ووجوب بقائه لحصوله على العلاج اللازم، ولم يكن يلاحظ بأن سالم كان ينظر اليه كثيراً حين يكلمه.. مكتفياً بنظرة أو نظرتين الى وجه صباح ثم تسرح نظرات عينيه الى الأسفل او جانباً..ولكنه لم يكن يسأل عن ذلك أبداً..
وفي اللقاء الثالث قال صباح لسالم وهو يريد المغادرة:
هل تود بشيء من الخارج في زيارتي ليوم غد..؟
- شكراً لك.. ( سالم يرد )
- حسناً.. سأزورك في صباح الغد..
- أرجو ذلك..
ولكن هل لي بطلب ارتداءك ملابس صفراء..
كان طلباً غريباً.. ولكن صباح لم يكن يريد اعطاء اي اهمية لذلك امام سالم، ولكنه يجب عليه تحليل ذلك الطلب أو الانتظار للغد للتفسير.. ولم يدك صمته لأكثر من ثانيتين فقط. فقال بلهجة مازحة؛
- حسناً يا سيدي سأرتدي القميص الأصفر في مباراة الغد.. وأنت أي قميص سترتدي..
- لم يعلق سالم على ذلك مكتفياً بابتسامة خفيفة، كانت ترتسم على محياه للمرة الاولى.
[align=center]- نهاية الفصل الثاني - [/align]
[ الملف رقم 167 / 2006 ] - الفصل الثالـث -
تعليق