إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

وقفة.. بين الفكر واللغة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وقفة.. بين الفكر واللغة

    [align=center]

    وقفة.. بين الفكر واللغة

    [align=center]هوَّن قوم من شأن النحو.. فتولى عبد القاهر ردَّهم في "دلائل الإعجاز". ومن قبل هوَّن المناطقة

    وغيرهم من أمر النحو.

    وتهوين الفريقين مرده إلى جهلهم بحقيقة النحو، والحاجة إليه، وصدق الله العظيم؛ إذ يقول: "بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ".

    متَّى بن يونس القُنَّائي مَثَّل طائفة المزدرين للنحو، المقللين من شأنه. وتولى السيرافي تمثيل المحامين

    عن النحو.. وكان اللقاء في مناظرة شهيرة، رويت في أكثر من مصدر، وأهم رواتها: أبو حيان

    التوحيدي، مرة في "الإمتاع والمؤانسة"، ومرة في "المقابسات". وجوهر المناظرة في الروايتين لا

    يختلف في المضمون؛ وإن اختلفت رواية عن أخرى في بعض تفصيلاتها.

    يقول عبد القاهر: النحو ناسبُ المعاني.

    ومن مقولات النحاة: المعنى فرع الإعراب.

    إذاً.. وظيفة النحو الدلالية هي الوظيفة الأساسية، وارتباطه بالمعنى هو الأساس، واشتغاله باللفظ إنما هو من أجل المعنى.

    هذه الكلمات القصيرة الموجزة.. تحتها من المعاني ما لو فصلناه لاحتاج صفحات كثيرة؛ لكن نضرب مثالاً على ما قلناه:

    يقول الله تعالى: "إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " إذا لم

    نستخدم النحو ونوظفه في فهم الآية لاستغلق علينا معناها.. لأننا لو فهمنا "أولياءه" على أنها مفعول

    لـ"يخوف" فإن المعنى سيكون: أن الشيطان يُلقي الخوف في نفوس أوليائه. وليس المراد ذلك؛ إنما

    المراد: إنما الشيطان يخوفكم -أيها المؤمنون- من أوليائه. فهنا مفعول أول مقدر مفهوم من السياق؛

    بدليل: "فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ"، فضمير المخاطبين المحذوف "يخوفكم" مفعول أول، و "أولياءه"

    مفعول ثان. وتلك هي مقولة النحو . فالتقدير لبيان المعنى.

    ولفظ "يخوف" فعل متعدٍ، يتعدى إلى مفعولين.. وهو يقتضي "مُخَوَّفاً" و "مُخَوَّفاً منه".

    ومعنى "التخويف" -هنا- نسبه النحو إلى الشيطان (فاعلا)، وإلى المؤمنين مخوفين (مفعولاً أول)،

    وإلى اتباع الشيطان مخوفا منه (مفعولاً ثان).

    إذاً.. من الذي كشف أبعاد هذه النسبة؟ من الذي نسب المعنى إلى متعلقاته من فاعل ومفعولين؟

    إنه النحو.. فهو مفتاح المعنى، ولولاه لضللنا الطريق إلى المراد. فالنحو ناسبُ المعاني.

    فحين يأتي جهول ويقول: لا حاجة بنا إلى النحو.. فهو كمن يقول: لا حاجة بالأحياء إلى الماء.

    أمر آخر: إذا كان المتشدقون بالمنطق يقولون: إن المنطق قانون الفكر ومعياره، وميزان الصواب

    والخطأ. فقد غاب عنهم أنه لا تفكير بلا لغة، والإنسان حين يفكر إنما يفكر باللغة، فنحن لا نستطيع

    ادخال الأشياء بعلاقاتها في أذهاننا؛ وإنما نستعيض عن الأشياء بأسمائها.

    فأنت حين تفكر تمارس عملين في آن واحد:

    - تمارس التفكير في المعاني. - وتمارس التفكير في الألفاظ.

    وهذا التفكير المزدوج في المعنى واللفظ معاً هو "النظم" بأدق معانيه كما قرره الشيخ عبد القاهر؛ إذ

    يقول: النظم: ترتيب الألفاظ في النطق على وفق ترتيب المعاني في النفس على وفق الأغراض

    والمعاني التي تؤم -أي- تُقصد.

    حين قال الفرزدق مصوراً وقع هجائه على من يهجوهم، وأنه يبلغ منهم ما لا يبلغه هجاء سواه. كيف

    يصل هذا المعنى (وهو أن هجائه لا يمكن أن يقارن به هجاء آخر) إلى الغرض؟ من خلال معان جزئية

    يؤلف بعضها.. قال:

    وما حَمَلتْ أُمُّ امْرِيءٍ في ضُلُوعها

    أَعَقَّ من الجَاني عليها هِجَائيا

    لا يتم معناه الذي يقصده إلا بعد نُطق "ياء" المتكلم التي في آخر البيت، ولو أُسقطت هذه الياء لضاع معناه وتبخر.
    معنى البيت: أنه لا أحد أعق لأمه من ولدٍ عَرَّض أمه لهجاء الفرزدق، وكان سبباً فيه. فكأن هجائه

    أكبر شر، وأعظم مصيبة تقع على الإنسان.

    ولو أننا خضنا عقل الفرزدق ورصدناه لوجدنا حبلاً من طاقين يتحركان معاً، ويتفاعلان سوياً: خيط المعنى.. وخيط اللفظ.

    هذا الكلام أدق كلام يُطرح في تفسير الشعر.. وفي تفسير النظم.

    فحين يظن متَّى -جهالة منه- أن المنطق يُغْني عن النحو.. فهو بمثابة من يدعي أن الإنسان يستطيع أن يفكر بغير اللغة. وهو وهن.

    ففي بعض تجارب علم النفس التجريبي، عند دراسة هذه المسألة: "علاقة اللغة بالفكر"، طُلِبَ من

    أشخاص التجربة أن يجتهدوا ما استطاعوا في الاستغراق والتأمل في موضوع ما؛ شريطة ألا يخطر في

    نفوسهم أو عقولهم كلمة أو لفظاً يتصل به. وكانت هناك أجهزة ترصد.. وتسجل، فإذا بالنتيجة تسخر من

    الجميع، لقد وجدت الأحبال الصوتية تتحرك -لا شعوريا- نفس حركاتها في ألفاظ المعنى التي كان يديرها

    على عقله أثناء التفكير.

    إذاً.. هناك تلازم بين اللغة والفكر، فإذا احتجنا إلى قانون يعصم مراعاة الذهن عن الخطأ في الفكر؛

    فكذلك الأمر في حاجة ماثلة إلى قانون يعصم اللسان من الخطأ في اللفظ.

    ومن هنا.. تظهر جناية إهمال النحو في دور العلم ومعاهده التي تُعْنى بالقرآن العظيم، وبالسنة

    المطهرة. وإذا أردنا أن نضع أيدينا على مكمن الداء، وسبب ضعف خريجي الجامعات والمعاهد

    الشرعية؛ فإن السبب الأول: راجع إلى إهمال النحو.. والتهاون من شأنه.

    وهنا أقول: لن يكون هناك مفسر لكتاب الله تعالى -بمعنى المفسر الحقيقي- ما لم يكن في النحو قمة،

    ولن يقوم محدث بخدمة حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حق الخدمة، ويستحق لقب محدث ما لم

    يكن في النحو قمة.

    وأذكر بهذه المناسبة مثلاً يُحْتذى به؛ وهو أن الإمام اليونيني رحمه الله -الذي تُعَدَُ نسخته وروايته

    لصحيح البخاري هي الأم المعتمد عليها- كان هو وابن مالك -رحمه الله- صاحب الألفية في النحو

    يشتركان معاً في درس صحيح البخاري.. يتناوله اليونيني رواية وضبطاً، ويتناوله ابن مالك لغة ونحواً،

    فإذا كان دور المحدث اعتلى اليونيني كرسي الأستاذية، وجلس ابن مالك مع طلاب العلم مجلس

    التلميذ.. فإذا ما انتهى اليونيني وجاء دور اللغة والنحو اعتلى ابن مالك مقعد الأستاذية، وجلس

    اليونيني مجلس المتعلم؛ دونما حرج، ولا تكبر، ولا شعور بنقص أو عجز.

    ولن يكون هناك فقية مجتهد ما لم يكن في النحو قمة.. وهل خطأ الاستنباط في بعض القضايا الفقهية إلا

    ناشئاً عن خطأ في اللغة؟! لقد قلت وأقول: إن الحكم الشرعي إنما هو فرع على حكم لغوي.. فإذا فسد

    الأصل بطل الفرع بالتالي.


    (من محاضرات الأستاذ العلامة الدكتور/ إبراهيم الخولي. الأستاذ المتفرغ بكلية اللغة العربية- جامعة الازهر ).[/align][/align]
    يَا سَيِّـدَ الثَّقَلَيْـنِ حَسْبِـي أَنَّنِـي

    قَلْـبٌ إِلَـى لُقْيَـاكَ ذَابَ تَـوَجُّـدَا

    عيسى جرابا

  • #2
    النحو .. من أساسيات اللغة العربية والتي هي لغة القرآن الكريم

    ولكن أصبحت اللهجة العاميّة تقلل من شأنه

    إكمال الفرح ..

    جميل جدا هو نقلك لهذا الموضوع الذي يعدّ من أهم المواضيع التي تواجهها لغتنا العربية بالإضافة إلى قصيدة النثر الحداثيّة ..

    أشكرك على هذه اللفتة الرائعة


    ولنا لقاء
    إن قلت ميّت .. وش دليلي وأنا حيّ ؟!
    .......... وإن قلت حيّ .. الحيّ لا بُدّ بيموت

    تعليق


    • #3
      [align=center][align=center]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

      الفاضل : الأمير الحزين

      شكراً على مرورك الكريم.. وحضورك العطر..

      وأرجو من الله أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا.. إنه ولي ذلك والقادر عليه،،[/align][/align]
      يَا سَيِّـدَ الثَّقَلَيْـنِ حَسْبِـي أَنَّنِـي

      قَلْـبٌ إِلَـى لُقْيَـاكَ ذَابَ تَـوَجُّـدَا

      عيسى جرابا

      تعليق


      • #4
        ما شاء الله عليك
        موضوع رائع في ميزان حسناتك ان شاء الله
        :لويفارقني وجودك ما يفارقني غلاك
        يكفي اني حيل أحبك لو ماني معاك؟؟؟

        تعليق


        • #5
          [align=center]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

          الفاضل :م. الجهوري

          أهلا ومرحبًا بكم .

          ونسأل الله أن يتقبل أعمالنا بقبول حسن ![/align]
          يَا سَيِّـدَ الثَّقَلَيْـنِ حَسْبِـي أَنَّنِـي

          قَلْـبٌ إِلَـى لُقْيَـاكَ ذَابَ تَـوَجُّـدَا

          عيسى جرابا

          تعليق

          يعمل...
          X