... ان الذهب من العناصر الثمينة التي كانت لها سمعة قوية منذ القدم وذات قوة مالية كبيرة لدرجة انها اعتبرت رصيدا لعملات نقدية في زماننا هذا حيث أنه يستخدم كاحتياطي للعملات، ولعدة قرون مضت، كان الذهب والفضة يستخدمان استخداما مباشرا كعملتين، وأثناء القرن التاسع عشر، لعب الذهب دورا جديدا حيث أصبح الأساس الوحيد لعملات معظم دول العالم حيث يمكن تحويل الأوراق المالية إلى ذهب.. ومنذ السبعينات من القرن العشرين، أصبح الذهب يباع ويشترى في السوق بأسعار متذبذبة إلى حد كبير، وأصبحت العلاقة بين احتياطي الذهب وقيمة العملات علاقة غير مباشرة إلى حد كبير.. ، بالاضافة الى اقتناءه كزينة ضمن مصوغات تحفية تميل النساء الى التزين بها وكأدخار ينتفع به وقت الحاجة ويعتبر الناس شراء الذهب السلوك الامثل والاسلم لمن يرد ان يدخر المال، كما ان للذهب اثره في سوق النقد والتعامل الاقتصادي وله العلاقة بالارتفاع والانخفاض في قيمة الدولار، واذا ما تحدثنا عن تاريخ الذهب فلة في التاريخ مكانة يمكننا معرفتها الان …………………
جولة في سوق الذهب
تحقيق/شمس العراق
وقبل ذكرنا تاريخه التقينا ببعض الصاغة بأسواق الذهب فتحدث الينا السيد عبد الكريم بطي (محل صياغة ابو نصير) مجيبا عن اسئلتنا في ما يخص اسعار الذهب والغش فيه قائلا: "يعتمد سعر الذهب على الاونسات في اسواق الذهب العالمية فحين يرتفع سعر الاونس يرتفع سعر الذهب في الاسواق المحلية وبالعكس ولا علاقة لذلك بالدولار وهذا يتحدد بمعادلة العرض والطلب فعندما يرتفع الطلب على الذهب يرتفع السعر وبالعكس ايضا ويتاُثر ارتفاع والانخفاض بالاسعار بالاوضاع العالمية والسياسية، فالحروب مثلا والازمات الاقتصادية ترفع من اسعاره، اما بالنسبة الى عمليات الغش في هذا المعدن فهي ناتجة بسبب عدم وجود جهة الرقابة التابعة للجهاز المركزي للسيطرة النوعية او الجهات المسؤولة الاخرى، ويظهر الغش واضحا اكثر في المصوغات الذهبية المقبلة من خارج البلد والتي تدخل بدون فحص وهنا لا يمكننا السيطرة عليها لذا فافضل المصوغات العراقية على غيرها من حيث الجودة والنوعية قياسا بالذهب الاماراتي الغالي الثمن بسبب مبالغ التصنيع الحديث واجور التجارة والنقل" .
اما الصائغ فراس متي (صياغة فراس) فقد توجهنا اليه بسؤال اخر كان حول سبب جعل الذهب الاساس في مهر العروس فاجاب: "المهر هو الهدية التي يقدمها الزوج لزوجته التي ستقاسمه الحياة بحلاوة ايامها، وبما ان الذهب هو السلعة الاثمن والاغلى في السوق فجاء اختيار الناس له ليكون الهدية التي يهبها الزوج زوجته، وتظن بعض الاسر حين الشراء ظنا خاطئا هو ان بكثرة عدد الاوزان وضخامة القطع الذهبية الضمان والامان لحياة ابنتهم، فيغالون في المهور بما لا طاقة للرجال على تحمله الى الحد الذي يصل احيانا الى الشجار (وقد حصل هذا في محلي) واحيانا تلغى عقود الزواج لهذه الاسباب، وكانت العوائل في السابق تكتفي (بخاتم الزواج) تخفيفا، اما اليوم فالنساء يفكرن بما يقال من ان فلان جلب لخطيبته كذا وان فلانة ترتدي ثقل وزنها ذهبا ومن الصعب تغيير واقع المجتمعات بسهولة" .
وفي محل (صياغة الاميرات) التقينا بالسيد (جورج عيسى) سائلين عن نسبة الاقبال على الشراء وعلاقة ذلك ببعض المناسبات الدينية والاشهر الحرم فقال: تشكل نسبة الاقبال على شراء الذهب في الوقت الحاضر نسبة 60% - 70 % بسبب الاسعار والغلاء في السلع الحياتية العامة ويمكن القول ان هذه النسبة تعد مرتفعة حين المقارنة بالسنوات الماضية بسبب تحسن احوال الموظفين وارتفاع المرتبات الشهرية، لذا فان ابسط فتاة لم تعد تخلو على الاقل من خاتم ذهبي، اما بالنسبة لعلاقة المصوغات الذهبية بالمناسبات فهي تقل عموما في الاشهر الحرم لتأجيل مواعيد الخطبة والزواج احتراما لاصحابها وترتفع بعدها في غيرها من الايام، فمثلا في الاعياد او مناسبة عودة الحجيج فيقدم البعض الهدايا الثمينة للاعزتهم وغير ذلك من التقاليد العراقية الاصيلة، حيث ان العراقيين يحبون ان يقدموا النفيس دائما لمن اصفوا له المودة" .
ومع غير الصاغة في سوق الذهب كان لنا حوار مع عدد من النساء .. فالانسة انعام عبد السلام قالت رأيها في هذا المعدن "ان النساء شغوفات بحب هذا المعدن اللماع الذي يأخذ بمجامع قلوب وهو دليل الثراء لديهن ووسيلة من وسائل المباهاة والفخر بينهن وخاصة في الوقت الحاضر حيث ان اعين الناس اخذت تتوجه الى صاحبة الكم الاكثر من الذهب من حيث الخطبة والزواج مثلا وهناك حادثة ارويها كدليل حيث توجهت احدى الامهات الى خطبة فتاة رأتها تتقلد بالكثير من الذهب واذا بها تعزف عن خطبة الفتاة التي دخلت على الام بدون أي حلية ذهبية لتعلم الفتاة سبب التبدل في القرار بعد حين من احدى معارفها، ولا اخفي ما للذهب من جمالية فائقة الا انه عرضة للمطامع وجلب للعين وفتنة الحسد" .
الحاجة ام سجاد ربة بيت بلغت من العمر الخمسين وحين توجهنا اليها بالسؤال عن هذا الموضوع حثت النساء على شراء الذهب فقالت: "اشجع البنات على شراء القطع الذهبية الثمينة لانها خير لهن من تبذير الاموال وصرفها على السلع الاستهلاكية والكمالية ولان الذهب كما جاء في المثل الشعبي (زينة وخزينة) وقد استفدنا من خلال التجارب الحياتية والازمات الماضية بما يجعلنا ننتقل بالاسرة الى الافضل فلو امتلكنا هذا المعدن الغالي الثمن امكننا استثماره عند الحاجة ببيعه وقد استثمرت ثمن الذهب الذي كنت قد خزنته في مشروع تجاري ناجح، لذا فهو حرز ضد تقلبات الزمان تسد به حاجة وترفع به فاقة" .
وخولة ابراهيم (موظفة) قالت: "ان المصوغات الذهبية هي من مكملات الزينة والاناقة للمرأة دون الرجل لان زينة المرأة لزوجها واجبة اما زينة الرجل فهي خلاف للعقل والمنطق كما ان ارتداء الرجل للذهب لا يجوز ويعتبر حراما في التشريع ولابد من نزعه وعدم ارتداءه اصلا وخاصة في وقت تأدية الصلاة وهي مسألة تعبدية لا يقبل فيها الجدال لذا نلاحظ الكثير من الرجال يبدلون خاتم الزواج بخاتم من الفضة، ومن ناحية اخرى، يفضل شراء الذهب لصيانة النقود وعدم حرقها فالذهب والدولار لا خسارة فيهما" .
استخدامات الذهب
نبأ علي (مدرسة كمياء) حدثتنا عن استخدامات الذهب فقالت: لقد عرف الذهب وبرزت قيمته منذ عصور سحيقة كمعدن يسهل تشكيله أكثر من أي معدن آخر، بالإضافة إلى سهولة الحصول على الذهب في صورته النقية، كما أن جمال الذهب ورونقه ومقاومته للتآكل قد جعلته من المعادن المتميزة في الفنون والحرف المختلفة منذ قديم الزمن، ونظرا لندرته النسبية، استخدم الذهب كعملة وأساس للمعاملات المالية الدولية، والوحدة المستخدمة في وزن الذهب هي الأونسة وهي تعادل 31.1 جراما، وقد أصبح الطلب متزايدا جدا على الذهب في عمليات التصنيع، ولأن الذهب موصل جيد للكهرباء وذو مقاومة عالية للصدأ والتآكل، فقد أصبح ذا أهمية كبرى في صناعة الدوائر الكهربائية الدقيقة، وإذا أذيبت كميات صغيرة من الذهب ووضعت في الألواح الزجاجية أو البلاستيكية، فإنها تمنع مرور الأشعة دون الحمراء وتكون بمثابة واقي حراري فعال، ولأن الذهب يتميز بثباته الكيميائي، فإنه يستخدم في الآلات التي تعمل في غلاف جوي يؤدي إلى الصدأ، كما يطلى به الأسطح المعرضة للصدأ أو التآكل بسبب السوائل أو الأبخرة، كما يستخدم الذهب أيضا على شكل رقائق في الطلاء بالذهب والكتابة بالذهب، وتستخدم أحد مشتقات الذهب في تلوين الزجاج الأحمر، ويستخدم سيانيد البوتاسيوم المضاف إليه الذهب في عملية الطلاء بالذهب التي تتم كهربائيا، وكذلك يستخدم الذهب في الطب لما ثبت من توافقه مع أجهزة الجسم الحية، فهو يستخدم في طب الأسنان، وفي تغليف الأدوية، كما تستخدم النظائر المشعة من الذهب في الأبحاث البيولوجية وفي علاج السرطان. ويستخدم الكم الأكبر من الذهب المنتج في العملات والمجوهرات، وللوفاء بهذه الأغراض، يخلط الذهب بمعادن أخرى ليصل إلى الصلابة المطلوبة، ويعبر عن الذهب الموجود في هذا الخليط بالقيراط، ويحتوي الذهب المستخدم في صناعة المجوهرات على النحاس والفضة، بينما يحتوي الذهب الأبيض على الزنك والنيكل أو المعادن البلاتينية.
تاريخ لابد منه ..
لما كان الذهب منتشرا في أماكن عديدة من الكرة الأرضية، إضافة إلى وجوده حرا في الطبيعة، ولغلو ثمنه واستعماله نقودا في شتى أمصار العالم أصبحت معرفته أيسر من معرفة غيره من الفلزات، كما أن صفاته الطبيعية قد جعلت منه معدنا شائع الصيت فكثر ذكره في الكتب وكثر المنقبون عنه والمشتغلون به، وفي القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي، حيث وصلت الحضارة الإسلامية إلى أوجها وزينت قصور الخلفاء بشتى أنواع الجواهر والمعادن التي جلبت من مختلف أصقاع الدولة الإسلامية المترامية، اهتم كثير من الكيميائيين بطرق تنقية هذه المعادن. فذكر البيروني في كتابه الجماهر في معرفة الجواهر طرق تنقية الذهب وهو ما لا يختلف كثيرا عن الطرق المستخدمة اليوم، فيذكر البيروني في تعدين الذهب وتصفيته ما نصه:" أن بعض الذهب ما يتصفى بالنار إما بالإذابة وحدها أو التشوية المسماة طبخا له، والجيد المختار يسمى لقطا لأنه يلتقط من المعدن قطاعا يسمى ركازا وأركز المعدن إذا وجد فيه القطع سواء معدن فضة أو ذهب، وربما لا يخلو من شوب ما، فخلصته التصفية حتى اتصف بالإبريز لخلاصه، ويثبت بعدها على وزنه".
ويأتي البيروني في شرح تنقية الذهب عندما يكون ممزوجا مع التربة أو في الأحجار الكبيرة، ويصف الطريقة التي تستعمل لاستخراج الذهب مما شابه من التراب والحجر وصفا دقيقا لا يختلف كثيرا عما هو عليه الآن. فيقول: "وربما كان الذهب متحدا بالحجر كأنه مسبوك معه فاحتيج إلى دقه، والطواحين تسحقه إلا أن دقه بالمشاجن أصوب وأبلغ في تجويده حتى يقال إنه يزيده حمرة، وذلك أنه إن صدق مستغرب عجيب، والمشاجن هي الحجارة المشدودة على أعمدة الجوازات المنصوبة على الماء الجاري للدق، كالحال في سمرقند في دق القنب في الكواغد، وإذا اندق جوهر الذهب وانطحن، فسل عن حجارته وجميع الذهب بالزئبق، ثم عصر في قطعة جلد حتى يخرج الزئبق من مسامه، ويطير ما يبقى فيه منه بالنار فيسمى ذهبا زئبقيا ومزبقا والذهب الذي بلغ النهاية التي لا غاية وراءها من الخلوص، كما حصل لي بالتشوية بضع مرات، لا يؤثر في المحك كبيرا أثر ولا يكاد يتعلق به، ولكاد يسبق جموده إخراجه من الكورة، فيأخذ فيها في الجمود عند قطع النفخ، وأغلب الظن في الذهب المستشفر أنه للينه".
ويتطرق البيروني إلى طريقة قديمة استعملها الهنود في اقتناص الذهب بواسطة الزئبق، ويشرح هذه الطريقة شرحا دقيقا موفقا فيقول:"ماء السند المار على ويهند قصبة القندهار عند الهند بنهر الذهب، وحتى أن بعضهم لا يحمد ماءه لهذا السبب ويسمى في مبادىء منابعه موه، ثم إذا أخذ في التجمع يسمى كرش أي الأسود لصفائه، وشدة خضرته لعمقه، وإذا انتهى إلى محاذاة منصب صنم شميل في بقعة كشمير على سمت ناحية بأول سمى هناك ماء السند... وفي منابعه مواضع يحفرون فيها حفيرات، و في قرار الماء وهو يجري فوقها ويملأونها من الزئبق حتى يتحول الحول عليها ثم يأتونها وقد صار زئبقها ذهبا، وهذا لأن ذلك الماء في مبدئه حاد الجري يحمل الرمل مع الذهب، كأجنحة البعوض رقة وصغرا، ويمر بها على وجه الزئبق فيعلق بالذهب ويترك ذلك الرمل يذهب ". ثم يخلص الذهب من الزئبق بالطريقة التي ذكرها البيروني سابقا.
خصائص الذهب
يعتبر الذهب الخالص من أكثر أنواع المعادن القابلة للطرق والسحب، حيث يمكن ضربه أو طرقه حتى كثافة تصل إلى (0.000013) سم، كما يمكن تشكيل سلكا ذهبيا طوله (100) كم من كمية قدرها (29) جرام، والذهب واحد من أكثر المعادن ذات الملمس الناعم إذ تبلغ صلابته من (2.5) إلى (3) على مقياس الصلادة، والذهب من المعادن الخاملة جدا وهو لا يتأثر بالهواء أو الحرارة أو الرطوبة وهو لا يذوب في الحوامض المركزة المعدنية المعروفة أمثال حامض الهيدروكلوريك، والكبريتيك، والفوسفوريك، والنتريك ولكنه يذوب في الماء الملكي الذي يعد مزيجا من حامضي الهيدروكلوريك والنتريك المركزين حيث يتحرر الكلور الحديث التولد فيذيب الذهب. وهناك حوامض أخرى تؤثر في الذهب مثل حامض التلمريك ومحلول كلوريد الحديد الساخن وغيرهما.
تنقية الذهب حديثا
تجري تنقية الذهب حديثا بفصل الأتربة والغرين والشوائب الأخرى بواسطة تيارات مائية قوية تزيل الدقائق الرملية والغرينية، وتبقى دقائق الذهب في أماكنها نظرا لارتفاع كثافة الذهب وقد يستعمل الزئبق لإذابة الذهب دون الرمل والغرين ثم يخلص الذهب من الزئبق بتقطير الأخير، كما يستخلص الذهب عرضا عند تعدين النحاس والفضة، وهناك طرق كيميائية لاستخلاص الذهب مما يشد به كطريقة السيانيد، أو إذابة سبائكه الفضية في حامض الكبريتيك المركز، وتجري تنقية الذهب بحامض النتريك أولا، ثم التحليل الكهربائي .
تعليق