في قلب من يكمن سر مادة العلوم؟!
قبل بدء طابور الصباح لديكم حصة علوم لا تقفوا في الطابور هذا أمرٌ من الأستاذة حنان … والأستاذة حنان أوامرها أقوى من أوامر المديرة ويجب قطعياً أن تنفذ...
نستجيب دون أي تفكير ونجري بكل قوتنا والخوف يسبق الأقدام تتساقط الدفاتر الثلاثة وكتاب العلوم وأقلامنا التي قد استعرنا كل واحد منها من شعبة ترفض مصاحبتنا ولكنا نلملمها مكرهةً لتذهب معنا كل هذا كي نظهر أمام أستاذتنا بكامل الاستعداد والتهيئ....
نتعثر وتتسخ الملابس بالتراب و نحن نحاول أن نصل للمختبر من الساحة الخلفية حتى لا نمر بأرض الطابور ويتم توقيفنا ولكن ما كان يوجد في المختبر كان أعظم - وجه عابس وحواجب معقودة وفرجار أبيض بلاستيكي طويل يترقب أياً من الأيادي الناعمة سيحتضن أولاً في هذا الصباح المرعب وكعادتها تصل مريم قبل الجميع وتأخذ المقعد الخلفي قرب النافذة وكأنها قد استحوذت على المأوى الآمن ولن يطالها بطش تلك الدقائق التي نقضيها وكل عقولنا وقلوبنا (وجميع جوارحنا) مفتوحة رغماً عنا فلا نخرج إلا وكل معلومة قالتها أستاذة حنان قد نقشت نقشاً….
نلتقط أنفاسنا اللاهثة ..وننفض ملابسنا وضحكاتنا لندخل في عالم من الجدية محاولين عبثاً إيقاف أطرافنا المتراقصة خوفاً ..
الكل يحسد مريم للوهلة الأولى لوصولها الباكر ومكانها البعيد وبعد التحية ما تلبث أن تتحول تلك الغبطة إلى شفقة ترتسم على ملامح كل الوجوه المنتفضة المرتبكة …. بعد أن تنهال عليها أستاذة حنان بالأسئلة كمحقق يحقق في جريمة قتل.. ومريم يعتريها الخوف والرهبة حشرجة بصوتها تجعلها تسعل دون أي سبب لذاك السعال..... أكاد لا أنسى يداها الطويلتان اللتان تمدهما بإستقامة وكفاها مفتوحان بكل بلاهة لتتلقى الضرب عليهما وهذا قبل أن تقرر الأستاذة حنان ضربها أو حتى النظر إليها... لا تعي مريم أن سبب كل هذا قد يكون مكانها ووضعها الملفت للنظر حيث تحاول أن تختبئ فيه بجسدها السمين والذي تحاول أن تخبأه حين تحني ظهرها ورقبتها نحو الطاولة معتقدة أنها بهذا تتوارى عن الأنظار ..!!
قفي مريم وأجيبي…تسأل أستاذة حنان بنبرة جافة جادة وساخرة في ذات الوقت وكأنها علمت مسبقاَ بما سيحدث..
- أستاذة حنان: ماذا نسمي انقسامات الخلية يا مريم ؟
تتمتم مريم بحروف باردة تخرج من بين شفتيها المرتعشان كووووورة؟
فما نشعر إلا بزلزلة تهز المختبر.. وزئير أسد يقترب من فريسته لينقض عليها... وإعصار لا نعلم كيف تكوَن ولكنا نعلم وجهته إنه لمريم ليقتلع شعورها بالأمان فيختفي في زوبعة أستاذة حنان الثائرة :
….كرة هو رأسك المتحجر يا ويا ويا …..الخ من الألفاظ التي كنا نحفظها..
يسود الوجوم المكان إلا من بعض المحاولات البائسة لإنقاذ مريم بإعطائها الإجابة الصحيحة
- كروموسومات يا مريم يا مريم كروموسومات !!
ولكن هذه الإجابات لا تجد من مريم آذان صاغية فقد استعدت لأمر العقاب مسبقاَ تاركة للأحداث أن تأخذ مجراها المعهود نفس السياق ونفس الرتم دون أن تحاول تغييره حتى بالمقاومة أو إظهار احتجاج أو حتى أنات ألم.
أعتدنا على هذا... فمشهد وقوف مريم من المشاهد الرئيسية في حصة العلوم فلا تبدأ الحصة إلا بوقوف مريم وارتجافها الذي يعطينا الدافعية لاستجلاب ماتم تحضيره حتى لا يكون مصيرمريم مصيرينا
وبعدها علقة و تختفي مريم وكأنها تنام بسبات عميق وتقبع في خندقها الآمن بصمت ينسينا وجودها الذي ربما لولاه ما استمرت الحصة بذاك النشاط .
ظل هذا الأمر يأخذ جل تفكيري واهتمامي أسئلة إستنكارية تلازمني:
- لما لاتكف أستاذة حنان عن سؤال مريم وهي تعلم أنها لن تجد لديها إجابة؟ ام أنها تستمتع بتعذيبها؟
- ولما لاتحاول مريم من تغيير شيء فيها ينقذها من بطش أستاذة حنان؟
أم أنها لاتشعر بكل هذا العذاب؟أو انها أيضا هي الأخرى تستمتع به؟
فيتبادر لذهني سريعا المثل المصري "القط يحب خناقه" لم أؤمن يوماً بهذا
و ليست مريم ......!!
لم أجد إجابة لأني لم أفهم الأثنتين أو ربما لم أكن أفهم؟
ربما هناك الآن من سيضع الأحكام أو يحلل الشخصيتين أو حتى الموقف ولكن الأمر لم يعد مجدياً رحلت أستاذة حنان ولم تركت إلا مانقشت وقد نقشت حتى برأس مريم الذي أعتقدنا جميعاً أنه فارغ فقد أذهلتني مريم حين إلتقيتها بعد سنين طويلة وهي تجر أطفالها في المستشفى مازالت كما هي لم تتغير كثيراً بإبتسامتها التي لاتفارق وجهها الطفولي ... فقضيت معها دقائق لنتذكر أيام طفولتنا فلم أجد في ذاكرتها غير استاذة حنان وحصتها …..!!!
- مريم :أتصدقي اني لاأجيد أن أذاكر لأولادي غير مادة العلوم فأنا لم أنسها وأفهم أساسيات هذه المادة رغم أني كنت متدنية في مستواي الدراسي لكني كنت اعرف كل الأجابات وسرعان ماتطير بمجرد اقتراب أستاذة حنان مني…………..ووو وظلت مريم تحكي تلك اللحظات التي لاأذكر انا منها الكثير إلا ماكان يحل بمريم ومريم لم تأتي على ذكره إلا بشيء من المزاح !!
اقترب منا رجل ضخم الجثة لينادي مريم ويأخذها مني قبل أن أعرف السر الذي لطالما حيرني ولقائي هذا لم يزدني إلا حيرة وذهولاً فأين هو هذا السر أهو بأستاذة حنان و أسلوبها الذي لم نعي منه نحن الصغار غير القسوة؟؟! وكيف استطاعت أن تملك ذهن مريم صافيا لها وحدها وتركها مكاناً عميق في قلب مريم فهي لم تأتي على ذكر قسوة أستاذة حنان مع أني لم أذكر معها غير فرجارها العظيم وحلقته الحمراء التي كنا نخشى أن تنال من كفوفنا الرقيقة فتجرحها ...
أم السر في قلب مريم النقي الذي لم يحمل حقداً ولاغلاً رغم كل الألم الذي تلقته منها ؟؟وظلت تتلقى بحس مرهف وعقل متفتح مايأتي من أستاذة حنان؟وأستطاعت أن ترى بقلبها الكبير جانباً أخر من أستاذة حنان لم تره قلوبنا نحن الطالبات النجيبات ؟!
ورحلت مريم هي الأخرى وبقيت أنا واجلة يعلو هامتي الشرود ....مازالت تلك اللحظات القاهرة بذاكرتي... تبعت عيني مريم حتى أختفت عن ناظري وكأني أودع ذلك البيدر الذي غرسته بالقهر أستاذة حنان فأينعت ثماره!!!
غلفت عيني الدموع ولكن على ماذا لاأعلم ربما لأني قد أعتدت أن أنهي ذكري أي لحظة بالدمع وكأني أغسل ماشابها وأودع فرحاً نالها أو حسرة على قصورها....
قبل بدء طابور الصباح لديكم حصة علوم لا تقفوا في الطابور هذا أمرٌ من الأستاذة حنان … والأستاذة حنان أوامرها أقوى من أوامر المديرة ويجب قطعياً أن تنفذ...
نستجيب دون أي تفكير ونجري بكل قوتنا والخوف يسبق الأقدام تتساقط الدفاتر الثلاثة وكتاب العلوم وأقلامنا التي قد استعرنا كل واحد منها من شعبة ترفض مصاحبتنا ولكنا نلملمها مكرهةً لتذهب معنا كل هذا كي نظهر أمام أستاذتنا بكامل الاستعداد والتهيئ....
نتعثر وتتسخ الملابس بالتراب و نحن نحاول أن نصل للمختبر من الساحة الخلفية حتى لا نمر بأرض الطابور ويتم توقيفنا ولكن ما كان يوجد في المختبر كان أعظم - وجه عابس وحواجب معقودة وفرجار أبيض بلاستيكي طويل يترقب أياً من الأيادي الناعمة سيحتضن أولاً في هذا الصباح المرعب وكعادتها تصل مريم قبل الجميع وتأخذ المقعد الخلفي قرب النافذة وكأنها قد استحوذت على المأوى الآمن ولن يطالها بطش تلك الدقائق التي نقضيها وكل عقولنا وقلوبنا (وجميع جوارحنا) مفتوحة رغماً عنا فلا نخرج إلا وكل معلومة قالتها أستاذة حنان قد نقشت نقشاً….
نلتقط أنفاسنا اللاهثة ..وننفض ملابسنا وضحكاتنا لندخل في عالم من الجدية محاولين عبثاً إيقاف أطرافنا المتراقصة خوفاً ..
الكل يحسد مريم للوهلة الأولى لوصولها الباكر ومكانها البعيد وبعد التحية ما تلبث أن تتحول تلك الغبطة إلى شفقة ترتسم على ملامح كل الوجوه المنتفضة المرتبكة …. بعد أن تنهال عليها أستاذة حنان بالأسئلة كمحقق يحقق في جريمة قتل.. ومريم يعتريها الخوف والرهبة حشرجة بصوتها تجعلها تسعل دون أي سبب لذاك السعال..... أكاد لا أنسى يداها الطويلتان اللتان تمدهما بإستقامة وكفاها مفتوحان بكل بلاهة لتتلقى الضرب عليهما وهذا قبل أن تقرر الأستاذة حنان ضربها أو حتى النظر إليها... لا تعي مريم أن سبب كل هذا قد يكون مكانها ووضعها الملفت للنظر حيث تحاول أن تختبئ فيه بجسدها السمين والذي تحاول أن تخبأه حين تحني ظهرها ورقبتها نحو الطاولة معتقدة أنها بهذا تتوارى عن الأنظار ..!!
قفي مريم وأجيبي…تسأل أستاذة حنان بنبرة جافة جادة وساخرة في ذات الوقت وكأنها علمت مسبقاَ بما سيحدث..
- أستاذة حنان: ماذا نسمي انقسامات الخلية يا مريم ؟
تتمتم مريم بحروف باردة تخرج من بين شفتيها المرتعشان كووووورة؟
فما نشعر إلا بزلزلة تهز المختبر.. وزئير أسد يقترب من فريسته لينقض عليها... وإعصار لا نعلم كيف تكوَن ولكنا نعلم وجهته إنه لمريم ليقتلع شعورها بالأمان فيختفي في زوبعة أستاذة حنان الثائرة :
….كرة هو رأسك المتحجر يا ويا ويا …..الخ من الألفاظ التي كنا نحفظها..
يسود الوجوم المكان إلا من بعض المحاولات البائسة لإنقاذ مريم بإعطائها الإجابة الصحيحة
- كروموسومات يا مريم يا مريم كروموسومات !!
ولكن هذه الإجابات لا تجد من مريم آذان صاغية فقد استعدت لأمر العقاب مسبقاَ تاركة للأحداث أن تأخذ مجراها المعهود نفس السياق ونفس الرتم دون أن تحاول تغييره حتى بالمقاومة أو إظهار احتجاج أو حتى أنات ألم.
أعتدنا على هذا... فمشهد وقوف مريم من المشاهد الرئيسية في حصة العلوم فلا تبدأ الحصة إلا بوقوف مريم وارتجافها الذي يعطينا الدافعية لاستجلاب ماتم تحضيره حتى لا يكون مصيرمريم مصيرينا
وبعدها علقة و تختفي مريم وكأنها تنام بسبات عميق وتقبع في خندقها الآمن بصمت ينسينا وجودها الذي ربما لولاه ما استمرت الحصة بذاك النشاط .
ظل هذا الأمر يأخذ جل تفكيري واهتمامي أسئلة إستنكارية تلازمني:
- لما لاتكف أستاذة حنان عن سؤال مريم وهي تعلم أنها لن تجد لديها إجابة؟ ام أنها تستمتع بتعذيبها؟
- ولما لاتحاول مريم من تغيير شيء فيها ينقذها من بطش أستاذة حنان؟
أم أنها لاتشعر بكل هذا العذاب؟أو انها أيضا هي الأخرى تستمتع به؟
فيتبادر لذهني سريعا المثل المصري "القط يحب خناقه" لم أؤمن يوماً بهذا
و ليست مريم ......!!
لم أجد إجابة لأني لم أفهم الأثنتين أو ربما لم أكن أفهم؟
ربما هناك الآن من سيضع الأحكام أو يحلل الشخصيتين أو حتى الموقف ولكن الأمر لم يعد مجدياً رحلت أستاذة حنان ولم تركت إلا مانقشت وقد نقشت حتى برأس مريم الذي أعتقدنا جميعاً أنه فارغ فقد أذهلتني مريم حين إلتقيتها بعد سنين طويلة وهي تجر أطفالها في المستشفى مازالت كما هي لم تتغير كثيراً بإبتسامتها التي لاتفارق وجهها الطفولي ... فقضيت معها دقائق لنتذكر أيام طفولتنا فلم أجد في ذاكرتها غير استاذة حنان وحصتها …..!!!
- مريم :أتصدقي اني لاأجيد أن أذاكر لأولادي غير مادة العلوم فأنا لم أنسها وأفهم أساسيات هذه المادة رغم أني كنت متدنية في مستواي الدراسي لكني كنت اعرف كل الأجابات وسرعان ماتطير بمجرد اقتراب أستاذة حنان مني…………..ووو وظلت مريم تحكي تلك اللحظات التي لاأذكر انا منها الكثير إلا ماكان يحل بمريم ومريم لم تأتي على ذكره إلا بشيء من المزاح !!
اقترب منا رجل ضخم الجثة لينادي مريم ويأخذها مني قبل أن أعرف السر الذي لطالما حيرني ولقائي هذا لم يزدني إلا حيرة وذهولاً فأين هو هذا السر أهو بأستاذة حنان و أسلوبها الذي لم نعي منه نحن الصغار غير القسوة؟؟! وكيف استطاعت أن تملك ذهن مريم صافيا لها وحدها وتركها مكاناً عميق في قلب مريم فهي لم تأتي على ذكر قسوة أستاذة حنان مع أني لم أذكر معها غير فرجارها العظيم وحلقته الحمراء التي كنا نخشى أن تنال من كفوفنا الرقيقة فتجرحها ...
أم السر في قلب مريم النقي الذي لم يحمل حقداً ولاغلاً رغم كل الألم الذي تلقته منها ؟؟وظلت تتلقى بحس مرهف وعقل متفتح مايأتي من أستاذة حنان؟وأستطاعت أن ترى بقلبها الكبير جانباً أخر من أستاذة حنان لم تره قلوبنا نحن الطالبات النجيبات ؟!
ورحلت مريم هي الأخرى وبقيت أنا واجلة يعلو هامتي الشرود ....مازالت تلك اللحظات القاهرة بذاكرتي... تبعت عيني مريم حتى أختفت عن ناظري وكأني أودع ذلك البيدر الذي غرسته بالقهر أستاذة حنان فأينعت ثماره!!!
غلفت عيني الدموع ولكن على ماذا لاأعلم ربما لأني قد أعتدت أن أنهي ذكري أي لحظة بالدمع وكأني أغسل ماشابها وأودع فرحاً نالها أو حسرة على قصورها....
تعليق