إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

موت موظف

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • موت موظف

    موت موظف هي قصة من قصص الكاتب الروسي المشهور انطوان بافلوفتش تشيخوف قرأتها لكم وله ...
    "تحمل القصة في طياتها الكثير من المعاني التي يغفل عنها الكثيرين وسلوكيات يستهين بها البعض غير مكترثين لمشاعر الغير والأذى الذي قد يلحق بهم من ردة فعلهم الجافة...وجهة نظر "
    أتمنى ان تستمتعوا بقراءة القصة...

    في إحدى الليالى الصافية جلس الكاتب الفائق ايفان ديمترتش تشرفياكوف على مقعد من مقاعد الصف الثاني يستمتع بمشاهدة أوبرا أجراس "كورنفيل" مستعينا بإحدى النظارات المقربة.
    وراح يشاهد المسرح وهو يرى في نفسه أنه أسعد إنساناً في الوجود وعلى حين غفلة. لقد صارت عبارة "على حين غفلة" هذه من العبارات الدارجة ولكن كيف يتأتى للمؤلفين تجنبها والحياة ملأى بالمفاجات؟ على حين غفلة تغضن وجهه ودارت عيناه إلى أعلى وتعلقت أنفاسه... وأدار وجهه بعيداً عن منظاره وقفزمن مقعده وقذف بالصوت المعهود "تشوم" أي أنه عطس وفي هذا الحين كان لكل واحد الحق في أن يعطس حيث يريد ولم يكن أحد من الفلاحين ومفتش البوليس بل وأعضاء مجلس البلاط يمنع نفسه من العطس، كان لكل شخص أن يعطس لكل شخص ولم يشعر تشرفياكوف بأية غضاضة فيما فعل فربت بمنديله على أنفه ثم أخذ ينظر فيمن حوله كأى شخص مهذب ليرى ما اذا كان قد ضايق أحداً بعطاسه وفي هذه اللحظة شعر بشئ من الحرج إذ رأى رجلاً عجوزاً قصير القامة يجلس في الصف الأول على المقعد الذي أمامه بالضبط ؛ وقد راح يمسح قفاه وجمجمته الصلعاء بقفازه ويزمجر ببعض الكلمات وعرف تشرفياكوف في هذا الرجل الهرم بريجالوف القائد المدني لوزارة المواصلات .
    وقال في نفسه:"لقد عطست عليه .!نعم انه ليس رئيسي ولكنه عمل يدل على التأخر الشديد .لابد أن أعتذر إليه".

    ومال تشرفياكوف إلى الأمام مصدراً سعلة خفيفة وقال في أذن القائد :
    -أرجو عفوك .ياصاحب السعادة .فلقد عطستُ ..ولم أقصد أن ..وقاطعه القائد قائلاً:"لاتذكر شيئاً."
    وحاول تشرفياكوف أن يواصل إعتذاره فقال:"سامحني،فأني ..لم يكن ذلك من قصد!"
    وعاجله القائد بقوله :
    "ألاتستطيع الركون إلى الهدوء من فضلك!دعني انصت !"
    فشعر تشرفياكوف بشيء من الإحراج،وابتسم ابتسامة خجلة وحاول أن يوجه التفاته إلى المسرح .وبدأ يشاهد الممثلين .ولكنه لم يعد يشعر بأنه أسعد إنساناً في الوجود،إذ أنه ظل فريسة لوخز الضمير ، وفي فترة الراحة ذهب إلى حيث يستريح القائد ،وهناك توقف بعض الوقت وفي نهاية الأمر تقلب على حالة الخجل المستولية عليه فراح يتمتم قائلاً":لقد عطست عليك ياصاحب السعادة ...سامحني فأنت تعلم أنني لم أقصد فنظر إليه بريجالوف وقد تدلت شفته السفلى من شدة التبرم ثم قال:"أوه !حقاً لقد نسيت ذلك ،ألا تريد أن تنصرف ؟"
    وأنصرف تشرفياكوف وهو يحملق بنظرة مللؤها الريبة في اتجاه القائد،ويقول في نفسه "يدعي أنه نسى "ولكنني أخشى تلك النظرة التي تنبعث من عينه .إنه لايريد أن يكلمني .فلابد من أن أشرح له أني لم أكن اقصد أن ...وأن هذه حاجة طبيعية وإلا ظن أني أردت أن أبصق عليه . وحتى اذا لم يظن ذلك الآن ،فربما فيما بعد!..
    وحين وصل تشرفياكوف إلى منزله ،أخبر زوجته بسلوكه المشين .وبدا له أن زوجته قد تلقت قصته بشيء من الخفة التي لاتليق .نعم إنها أرتعات أول الأمر ولكنها لما تحققت من أن بريجالوف لم يكن "ريئساً"عاد إليها إطمئنانها وقالت :أعتقدت أنه يجب عليك ،برغم من ذلك أن تذهب للإعتذار إليه ،وإلا ظن انك لم لاتعرف كيف تسلك سلوك الناس المهذبين في المجتمعات .
    فأجاب بقوله:"هذا هو الواجب !وقد حاولت الإعتذار وكان غريب الأطوار .فلم ينطق بكلمة واحدة ذات معنى .وهذا إلا أنه لم يكن هناك وقت كاف للكلام "
    وفي اليوم التالي لبس تشرفياكوف حلة الأحتفالات الرسمية الجديدة ،وقص شعره ثم ذهب إلى بريجالوف ليبرر له سلوكه... وكانت غرفة الأستقبال خاصة تغص بذوات الشكاوى ،وكان القائد نفسه هناك يتلقى شكاواهم .وبعد أن ناقش عدداَ صغيراً منهم رفع عينه في وجه تشرفياكوف فبدأ يقول :"في الليلة الماضية ونحن بالأركاديا ،إذ كنت لاتزال تذكر، ياصاحب السعادة ...عـ....عطست...و....و...حدث...أن ...أرجو....
    ورد عليه القائد متأفأفاً :"يالحماقتك!" ثم اتجه إلى الشخص التالي وسأله ....
    "ماذا يمكن أن أعمل من أجلك ؟"
    ولما أنتهى القائد من النظر في أخر شكوى ونهض ليعود إلى جناحه الخاص،تبعه
    تشرفياكوف وهو يتمتم "عفوك ياصاحب السعادة !كل مافي الأمر أن الندم الذي يشعر به قلبي قد جرني على إزعاج سعادتك ...."
    فنظر إليه القائد نظره من هو على وشك الصياح ، وازاحه بيده وهو يقول:"إنك تستهزء بي أيها السيد !" ثم اغلق في وجه الباب .
    فأنطلق تشرفياكوف ،وهو يقول في نفسه :أستهزئ به ! أنا لاأرى في ذلك مايدعو إلى الأستهزاء ،أيمكن ألايكون قد فهم بالرغم من أنه قائد؟ حسن جداَ لن أزعج هذا السيد الرقيق باعتذاراتي بعد الآن وليستحوذ عليه الشيطان! سأكتب له خطابأً ،ولن أعود إلى الذهاب إليه !لن أعود ،وهذا كل مافي الأمر.
    كانت هذه فكرة تشرفياكوف وهو في طريقه إلى منزله ...ولكنه لم يكتب الخطاب .فقد راح يفكر دون أن يستطيع تسطير كلمة واحدة . لذلك كان لزاماً عليه أن يذهب إلى القائد منذ الغد لكي يضع الأمور في نصابها .
    ولم يكد يرى القائد يلقى نظرة متسائلة حتى انبرى يقول:"ياصاحب السعادة ،لقد جرؤت على إزعاجك بالأمس،لالكي أضحك منك ،كماظننت سعادتك،بل لأقدم اعتذاري عن إساءتي إليك بالعطس..أما عن الضحك منك،فأني لم أفكر في شيء من هذا قط وكيف لي أن أجرؤ على ذلك! إننا لو وضعنا في أذهاننا أن نضحك من الناس لمابقى أي احترام...أي احترام للرؤساء."
    فصاح فيه القائد بحدة ،وكل كيانه يهتز من الغضب :"سأخرج!".
    وتمتم تشرفياكوف قائلاً،والخوف يكاد يصقعه"أرجو عفوك".
    وشعر تشرفياكوف بأن شيئاً ما قد انشق في داخله. ولم يسمع شيئاً ، ولم ير شيئا وهو منطلق في طريقه إلى الباب، وخرج إلى الشارع وراح يهيم على وجهه حتى وصل إلى منزله بطريقة آلية ، فاستلقى على الأريكة كما هو بحلته الرسمية ، ومات.
    التعديل الأخير تم بواسطة زرقة سماء; الساعة 29-05-2007, 03:48 PM.
    "يرتقي الإنسان حين نكشف له حقيقته كما هي بالفعل بحيث يراها أمام ناظريه."
    تشيخوف
يعمل...
X