إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

صواعق الألم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    [align=center]الشرطة بدأت في التحقيق مع أمل بعدما تحسنت صحتها ، وكشفت عن تفاصيل الواقعة إذ أن صديقي يونس هو من تعرض لها بالتحرش في البداية ، ومن ثم قام بضربها ضربا مبرحا ، وقد استعان بأصدقائه ليكملوا عليها ، ولا تدري إن نالوا من شرفها بعد سقوطها مغشيا عليها ، إلا أنها تطلب من الشرطة اتخاذ الإجراءات الصارمة تجاه المعتدين لكي لا تسول لهم أنفسهم تكرار ذلك مع أي فردٍ من أفراد المجتمع أو أي جنسٍ من البشر ، سألوها عن أوصافه ما دامت لا تعرف اسمه ، فقال هو شابٌ متوسط الطول ، عريض الكتفين ، حنطاوي البشرة ، ذو شعرٍ كثيف .

    تم استدعاء يونس والتحقيق معه ، سألوه عن أوصاف المجني فقال هو صديقي موسى ، ودوّن لهم عنوان بيته ، وقد بدأت عليه ملامح الحزن والغضب في آنٍ واحد ، اتجه نحو أمل يبكي ، معتذرا لها بأن صديقه المقرب يفعل ذلك بجارته المخلصة الودودة ، شعرت أمل بالحنان وقد أمسك يونس بيدها ، وشعرت بقوة العاطفة وهو يضع يده على جبينها ، ما ألذ الإحساس حينما يقبل جبينها بطريقةٍ حنونة ، ردد يونس بهمسٍ في أذن أمل " سامحيني يا أمل ، ولأجلك فإني أتبرأ من صديقي ، وسأقف في وجهه كلما رأيته " .


    تحدّثُ أمل نفسها بغرابة ، " ما سر انجذابي إلى هذا الطفل الصغير ، أيكون بداية الحب ، من المستحيل ذلك ، فأنا تجاوزت الخامسة والثلاثين ربيعا ، ولدي أبناءً أكبر من يونس بكثير ، ماذا يقول عني طليقي لو علم بأن قلبي منجذبٌ لطفلٍ صغير ، من المؤكد سيزداد سخريةً لي ، لا لا ، لا يجب التفكير بهكذا أمر ، فيونس لا يعرف الحب ، ولا يزال صغيرا على التفكير في هذه الأمور ، لكني بدأت أشعر بحنانه وعطفه ، ربما هو خجلٌ من فعلة صديقه بي " ، ولا تزال أمل في حوارٍ مستمرٍ مع ذاتها حتى ازدادت حالتها سوءً مما جعل الأطباء يمنعون عنها الزيارة .


    النتيجة النهائية لفحص والد حسام تأكد بأنه مصابٌ بفيروس نقص المناعة المكتسبة " الإيدز " ، والمرض في مرحلته الأولى ، وربما لم يتعد شهرا واحدا بعد ، وكان على الطبيب أن يحذر والدة حسام من مرض زوجها الخطير لكي لا ينقل لها المرض ، ولابد من الفصل بينهما ، فالمستشفى لا يملك الحق في حجز والد حسام ، بعدما تدخلت منظمة حقوق الإنسان بمنع حجز المصابين بالإيدز ، ولهم مطلق الحرية في معايشة ما تبقى لهم من حياتهم بالطريقة التي يريدونها شريطة أن لا يحاولوا نقل العدوى لأي أحد .


    والدة حسام بدأت تشعر بقرب أبو حسام منها ،فهي تحبه كثيرا ، وتمني نفسها بأن تعود حياتهما مثلما كانت ، بغض النظر عن ما آلت إليه حياة زوجها في الأيام السابقة ، فالحب يلتمس كل الأعذار ، ولا ذنب للحبيب مهما اقترف من أخطاء ، وكانت الصدمة لها حينما أخبرها الطبيب بالخبر ، لم تصدق شيئا ، عقلها لم يستوعب الحقيقة ، ربما هي الواقعة الأمرّ بالنسبة لها ، وتقول في ذهولٍ وحسرة " ربِ آمنتُ بقضائك ، فقدتُ سوسن ، وودعت رقية ، ورحل عني حسام ، والآن أفجع بحبيب القلب ، لمَ السعادة لا تسكن إلى نفسي ، وعلامَ الحسرة تلاحقني ، أكُتِبَ عليَّ أن أحيا هكذا ؟؟ "


    ،،،،، يتبع ،،،
    [/align]

    تعليق


    • #32
      [align=center]لا يزال سعيد في ذهوله واستغرابه من حنان مريم له ، فعلت كل شيءٍ لأجله ، بالرغم أنه لم يكن صاحب فضلٍ أبدا عليها ، أليس من المفترض أن تقوم بهذا الدور خلود ؟ أيعقل أن يكون قلبها حجرا جلمدا لا تهزه المشاعر ولا تحركه النوائب والأحداث ؟ قاطع شروده الشيخ أنور مشيرا إليه بيده إلى اقتراب موعد صلاة المغرب ، وعليه أن يبادر بالوضوء سريعا كي لا تفوته صلاة الجماعة ، امتثل سعيد للأمر وقام على الفور بالاغتسال والوضوء ، شعر براحة كبيرة وهو يتوضأ للصلاة على غير العادة ، تأخر في الوضوء والشيخ أنور بدأ في الصلاة بالمساجين ، أنهى قراءة الفاتحة ولا يزال سعيد يتوضأ ، بدأ الإمام في قراءة السورة ، وحينها التحق سعيد بالمصلين ، واسترسل الشيخ أنور في القراءة من سورة مريم إلى أن وصل إلى قوله تعالى " واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذتْ من أهلها مكاناً شرقيا " ، هنا تسمر سعيد في مكانه ، وأنصت بخشوع وتأمل لقراءة الشيخ ، وبعد الانتهاء من الصلاة سأل سعيد الشيخ أنور عن السورة التي قرأها في الصلاة فأخبره بأنها سورة مريم ، نبض قلبه وتحركت مشاعره ، وأمسك بالمصحف الذي أهدته إياه مريم وأخذ يقرأ سورة مريم كاملةً وقد قطع عهدا على نفسه أن يبدأ بحفظ سورة مريم ، خصوصا بعدما أبكته الآيات الأخيرة منها ، فهي تتحدث عن يوم القيامة والحساب .

      يبدو أن حلم مريم سيتبخر حينما علمت بأن التكلفة الإجمالية للمدرسة مائة ألف دولار ، فالمبلغ كبيرٌ جدا ولا يمكنها بأي حالٍ من الأحوال توفير خمسين ألف دولار من جديد ، فهذا المبلغ يفوق الخيال والتوقع ، آلمها كثيرا أن تقف عاجزة عن تنفيذ مشروعها الخيري ، ومضت تتأمل بحسرة في تصور المستقبل ، وإذ بها تتلقى اتصالا من المعلمة سلمى تخبرها أنها ستساهم بعشرة آلاف دولار ، وأن خلود أيضا ستساهم بعشرين ألفا ، فقد باعت نصف الأرض التي أمهرها إياها سمير ، حتى وإن لم يدخل عليها فهو لا يزال زوجها باسم الشرع والقانون ، لم تصدق مريم أذُنيها فالحلم بدأ يتحقق ، وموقفُ نبيلٌ جدا من خلود وسلمى ، والمتبقي من المبلغ لا يتجاوز العشرين ألفا ، وستحاول مريم توفيره ريثما ينتهي المقاول من بناء المدرسة بأي طريقةٍ كانت ، وإنشاء المدرسة يتطلب وقتا زمنيا كبيرا لا يقل عن سنةٍ كاملة .
      مرةً أخرى يأتي زائرٌ جديد لسعيد ، لم يصدق سعيد ذلك ، وأسرّ إلى نفسه بأن الزائر هي مريم ، خرج سريعا لصالة الزيارة ، وهنا كانت المفاجأة ، كذّب عينيه وارتجفت أعضاؤه ، من الغير المعقول تصديق ذلك ، باغتته خلود وقالت ، أعانك الله يا سعيد على هذا الحال ، أتيتُ لزيارتك لأني لا أنسى الماضي الجميل الذي كان بيننا ، ونحن أبناء اليوم ، والماضي قد أفل بكل أحداثه ، وقبل أن أكون خلود الحبيبة أو الخائنة مثلما تظن بي ، فأنا خلود القريبة ، والإسلام أمرنا بصلة الرحم ، لم يتكلم سعيد ، سوى أن سألها عن أهله وأخبار بلدته ، حكت له كل التفاصيل ، لم تترك شيئا إلا وأخبرته به ، وقد تعجب من فكرة مريم الرائعة ، طلب منها الحضور إليه وزيارته بعد يومين لأمرٍ هام .
      ما أروع فرحة سمير وهو يصطحب الطفل إلى السوق والمدرسة ، ولم يعد بائسا كسابق أيامه ، يرجع من مدرسته ليتناول غدائه ويرتاح قليلا ، بعدها يذهب مسرعا ليقضي وقتا طويلا مع سمير ، وأحيانا يسامره في وقت عمله ، والجميل أن لدى هذا الطفل مواهب متعددة ، أبرزها الرسم والغناء ، في كل لواحاته يرسم وجه امرأة شابة تشع نورا وضياء ، يتخيلها أمه التي توفت يوم ولادته ، وكل أغانيه حزينة ترجع النفس إلى ذكريات الألم والعذاب .


      ،، يتبع ،،،
      [/align]

      تعليق


      • #33
        [align=center]سمير يعيش مرحلة جميلة في حياته ، فهو يشعر بالأبوة الكاملة تجاه الطفل " جرجس " ، تنتهي مناوبته قبيل الفجر ، يحسب الدقائق والثواني انتظارا لخروج صديقه الصغير من شقته ليرافقه إلى المدرسة مشيا على الأقدام ، يعود بعدها ليرتاح قليلا ويأخذ قسطا من الراحة ، ليستعد لاستقبال جرجس من المدرسة ، ولكن اليوم تأخر جرجس كثيرا في الخروج ، مما بدأ القلق يتسرب إلى قلب سمير ، وقرر مقاطعة الانتظار أمام بوابة المدرسة ، والإسراع للبحث عنه داخل أركانها وممراتها ، فلمحه من بعيد في عراكٍ قوي مع أحد زملاءه ، وبلا وعيٍ وإدراك صرخ سمير في وجه الطفل الآخر ابتعد أيها الأحمق عن جرجس وإلا حطمتُ عظامك ، إلا أن عناد الطفل وحرارة الغضب في دمه جعلته يلطم جرجس في خده الأيمن ، وكانت المفاجأة حينما لم يفعل جرجس شيئا سوى أن أدار له خده الأيسر ليلطمه عليه أيضا ، مما أثار استغراب سمير من هذا التصرف الغريب ، حاول سمير أن يلحق بالطفل ليعاقبه على فعلته ، لكنه اختفى بسرعة البرق في زحام الطلبة المنتشين فرحا بنهاية اليوم الدراسي .

        جرجس يبكي بكاءً مرا ويقول لو كان أبي معي لما تجرأ أحدٌ على ضربي ، يمسح دموعه سمير قائلا له ، لا تحزن يا حبيبي فأنا بمثابة الأب لك والخال والعم ، إلا أنك لم تخبرني لمَ تركته يصفعك ولم تبدي أي مقاومة بل هيأت له الفرصة ليلطمك في الجانب الآخر ؟ يجب عليك أن تقاوم يا ولدي ، ابتسم جرجس قائلا ، لكن التسامح الديني يأمرني بذلك ، أو نسيت أنني قبطيٌ من مصر الحبيبة ؟ هز سمير رأسه مشيرا إلى أنه لم يفهم شيئا ، فسمير ثقافته محدودةٌ جدا ، ومن المؤكد أن الأيام القادمة ستشهد حوارا دائما عن مصر الجميلة ، وعن شعبها الودود المحب للمرح والنكتة ، وهو بشوقٍ كذلك لمعرفة المزيد عن القبط وحياتهم ومعتقداتهم .
        سعيد طول يومه يتحدث مع الشيخ أنور عن تضحيات مريم ووقوفها بجانبه ، وعن مشروعها الخيري الذي تهدف من خلاله إلى نشر بساط العلم والمعرفة ومساعدة الفقراء والمساكين في مواصلة دراستهم وتسلحهم بالعلم ، ذلك السلاح الذي لا يقدّر بثمن ، وتظهر السعادة على محيّا الشيخ أنور ، والابتسامة مرتسمةٌ على شفتيه ، ويغمز بعينه لسعيد مازحا ، أهذا كل ما يعجبك في مريم ؟ لا تقلق فأنا أشعر بك ، وسأقوم بعقد قرانكما ، يحمرُّ وجه سعيد خجلا ، ويطرق بفكره نحو خلود وخيانتها له مع شقيقه ، ويتذكر الأحداث التي توالت في حياته من حبٍ وسجنٍ وتوهان ، إلا أنه لا يحمل أية مشاعر زواج تجاه مريم ، والمحبة في القلب ، وربما يصدق القائل :
        نقل فؤادك حيث شئت من الهوى *** ما الحب إلا للحبيب الأولِ
        كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى *** وحنينه أبدا لأول منزلِ
        مريم وسلمى وخلود يواجهن الآن مشكلةٍ جديدة ، لم تكن على البال أبدا ، والغريب أنها لم تطرَ على بال أحدٍ منهن رغم أنها أساس كل شي ، والمضحك أن المقاول بادرهن بالسؤال أين أبني المدرسة ؟؟ فكانت ردة مريم قوية ، قائلة ويحي كيف أغفلُ هذا ؟؟ قاتل الله النسيان ، وبدأت الوساوس تدق عرش خيال مريم ، والنفس تعلن بداية الانهيار ، وتندب المسكينة حظها ، وأن التوفيق أدار ظهره لها ، فهي بين مطرقة الأرض وسندان الأمل ، لكنها حتما لن تيأس ، فلا يزال الأمل يتورد في قلبها ، ولن تستلم لليأس والهزيمة أبدا ، ومن الأفضل الآن البدء في البحث عن أرضٍ مناسبة وبسعرٍ معقول ، فالمساحة المحددة للمدرسة في الخريطة تبدو كبيرةً جدا ، وهذا يضاعف من قيمتها المالية بكل تأكيد .


        ،،، يتبع ،،،
        [/align]

        تعليق


        • #34
          [align=center]من العبث أن تصدق عائشة بأن مازن محبٌ لها ، فهي كذلك لا تحبه حبا صادقا ، إنه الطيش والجنون وموت العفة ، وتحولت الأضواء الحمراء الخافتة إلى مشاعر تخدش الحياء والوقار ، وأصبحت عائشة ترتمي في أحضان مازن يفعل بها ما يشاء ، لم يجد ممانعةً أو مقاومةً منها ، فهي أسلمت نفسها لها وقالت هيت لك ، افعل بي ما تشاء ، فأنا ملك يمينك وطوع بنانك ، هنا طُويت صفحة الشرف ودارت رحى الرذيلة ، ولا عزاء إذ أن عائشة لها تجارب لا تحصى في مجال المراهقة والعلاقات الغرامية ، ولا تدري تلك المعتوهة بأن مازن لا يكتفي بممارسة الجنس فقط ، بل ينوي فضحها واستغلال ميوعتها الرخيصة ، فكاميرا الفيديو لم تتوقف عن التصوير أبدا من حين ولوج عائشة المنزل .


          هذا أول يومٍ لبدر في الحضانة ، السعادة لا تفارقه ، والبسمة عنوانه ، قضى يومه كله بالحديث مع الأطفال ومداعبتهم والتعرف على أسمائهم ، هو اليوم الوحيد الذي اختلطت فيه كل المشاعر ، حنينٌ ولوعةُ وعذابٌ وتحنان ، شوقٌ لماضٍ لم يعد له حاضر ، وحنينُ لمستقبلٍ يطرق به عالم النسيان للأحزان وبدأ مرحلة الإنتاج وجني ثمار الحياة ، في وسط معمعة الأفكار ، تأتيه رسالةٌ في جواله من الغالية سمّية ، تستنكر انقطاعه عنها ، وعدم الاهتمام بها طيلة اليوم ، فتتحرك كل اللواعج وتجيش المشاعر ، ويمسك ورقةً وقلما ، يكتب رسالةً لها على غير العادة :


          " لا تخف ما صنعت بك الأشواقُ *** واشرح هواك فكلنا عشاقُ


          قد كان يخفى الحبُ لولا دمعك *** الجاري ولولا قلبك الخفاقُ


          كلما أسمعُ تلك الأبيات يطرقني داعي الود بالوصل مع قلبك المتدفق بالحنان ، فأمني النفس برؤية وجهك ، فلا سعدت عيني إلا بالتأمل في محياك ، وحينها سأقرؤكِ من عينيك وأستحضر السحر الذي حمّلكِ إياه هاروت وماروت ، وسأملأ الدنيا بنشيد فرحي وأنسي .


          الحب أيتها الحبيبة ليس حروفا تقال بل هو إحساسٌ عميق يتولد في داخل المرء فتستجيب له كل حواسه ، وينطق به دمه إذ يسري في الجسم وهو ينكتُ بلسان الحب ، فما ذنب حواسي ودمي أن لا تتشرف بلقائك .


          أناشدك برب الحطيم وزمزم ، أن لا تتركيني أهيم في صحراء يبيد فيها البيد ويضيع فيها الذكي والبليد ، وقد مددتُ يدي إليك طالبا النجدة ، بأن لا أهلك بقوة الحنين ، فالجسم أيتها الغالية قد هزل من قسوة أشواقه لمصافحة عيناك ، أتعلمين أن أصابعي الآن ترتعش وأنا أكتب لكِ الرسالة ، فهي تخشى أن تكتب حرفا لا يروق لك ولا يرق لقلبك لتحني بعطفة لقاء .


          نذراً عليَّ يا سميتي أن أعيرك أنفاسي وهمسي يوم اللقاء ، فإن لم يكن لنا سبيلٌ في الاجتماع لبعض فاعلمي أن لا حياة لي ولا بقاء ، فإني راحلٌ إلى دنيا الأمواتِ مستعر ....


          حبيبك بدر "


          حينما لم تسمع سمية همسا لبدر ، قلقت عليه كثيرا ، وذهبت إلى الحضانة تسأل عنه ، فقابلها بوجهٍ حرٍّ طليق ، وسلمها الرسالة ، لم تنتظر العودة إلى البيت ، فالشوق لا يترك لها مجالا ، قرأت الرسالة فلم تصدق حالها ، حلمٌ جميل ، ودنيا تسبح في بحرٍ من الخيال ، يا لعذوبة القراءة حينما يكون القارئ إلهام الكاتب .




          ،،، يتبع ،،،
          [/align]

          تعليق


          • #35
            [align=center]لم تعد سمية نشيطةً كالعادة ، والمدير ينتقدها بشدة ، الأعمال تتراكم في مكتبها ، ولا تنجز إلا القليل ، تغرق في لجة السرحان ، تناجي بدر في كل دقائق حياتها ، تقرأ رسالة بدر الأخيرة عشرات المرات في كل يوم ، إلا أن التمادي في إهمال الواجبات المنوطة بها في العمل والإفراط في التخاذل ، ستكون عواقبه وخيمة ، وليس من العدل في شي أن تطلب من زميلتها زهرة إنجاز كل أعمالها ، وهي الأخرى لم تعد قادرة على مجاملة سمية أكثر من ذلك ، وإن لم تتدارك سمية نفسها فإن إنهاء خدماتها في السفارة بات وشيكا .
            يبدو أن اليوم الثاني أجمل من سابقه ، حيث أن بدر يزداد تعلقا بالحضانة ، فهي تطوي الهموم ، وتشرح الصدر ، وتذكي نار المودة ، والأستاذ عماد يبدو أنيقا في كل شيئا ، راقيا في تعامله ، ودودا لزملائه ، بشوشا للأطفال ، يملك رصيدا هائلا من الثقافة ، متمسكٌ بتعاليم دينه ، محافظٌ على أصالته ، ومنفتحا على الدنيا بمدنيتها وحضارتها ، أهدى لبدر كتاب " دع القلق وابدأ الحياة " للكاتب الرائع دايل كارنيجي ، وأوصاه بعدم ترك ممارسة الرياضة ، اندهش بدر من فراسته وذكائه ، حيث أن بدر كان يلعب كرة القدم بكل مهارةٍ وإجادة ، هز عماد رأسه وأشار بيده لبدر أن الموعد يوم الخميس في نادي الاتفاق .
            عائشة تعضُّ الآن أصابع الندم على ما فعلته بالأمس ، شعرت بأنها تافهةٌ حقيرة ، وكان عليها أن لا تنجرف خلف رغباتها وشهواتها ، ومن يطع الهوى فالحضيض مآله ، والنكسة والخزي والعار سيلازمانه ، ولكن لا جدوى من الحزن الآن ، فمازن الجبان كل همه إشباع نزواته ، وبدأ يكرر الطلب على عائشة بكل نذالةٍ ووقاحة ، يتصل بها كل حين ، وحينما رفضت الخروج معه ، وأخبرته بفظاعة الجرم الذي اقترفته ، بدأ يهددها بشريط الفيديو ، إما أن تلبي كل أوامره ، وإما أن تدفع له خمسمائة ألف دولار ، ولا خيار غير ذلك ، وهو على أتم الاستعداد لإيصال الشريط لأبيها وكل صويحباتها .
            يالله تضاعفتِ البلوى ، وزاد القلب لهيبا وجوى ، تناجي نفسها وتلطم خدودها ، وتشق ثوبها ، فالكارثة لا تقدر ، وحجم الخسارة فادحٌ جدا ، شرفٌ ذهب ، وحياءٌ مات ، وإنسانيةٌ مستباحة ، وجرمٌ لا يغتفر ، وطريقٌ مظلم ، وحوشٌ وذئاب ، وعاهرةٌ بدون جلباب ، إما الخضوع والاستسلام ، وإما الفضيحة والذل والصغار ، وكلاهما مميت ، يا إلهي كوني عوني ومغيثي .
            " الآن وقد عصيت " ، بأي وجهٌ أطلب الرحمة وأنا لم أصلي لله ركعة ، لم أتركُ ركنا من أركان الشيطان ، ولم ألتزم نهجا يرضي الرحمن ، لا خيار سوى الانتحار لا خيار .
            ،،، يتبع ،،،
            [/align]

            تعليق


            • #36
              [align=center]روحي ليست أغلى من روح زوجي ، هكذا تفكر أم حسام ، فأزهار الإنسانية الجميلة لا تسقى إلا بدم التضحيات ، وما كتبه الله في كتابه كائنٌ لا محالة ، والأنفس إذا تآلفت لا تهرم أبدا ، ويبقى شبابها حيا بحياة قلوبها ، كذا حال كل المخلصين وطريق الأوفياء ، لم يزعزعها خبر الإيدز في زوجها ، بل اتصلت به روحا وجسدا ، وأعلنت تضامنها معه ، وأن الموت لا يرهبها والمرض لا يمنعها أن تعيش حياتها بصفاءٍ مع زوجها الذي افتقدت حنانه واهتمامه ، أما الزوج لم يتمالك نفسه من هول الصدمة ، لم يخطر له بالاً بهذه النتيجة ، فالحدث مأسويٌ بحق ، تأخذه الحسرة إلى ذكريات الضياع وبداية الانهيار ، إلى وجع المستقبل وجذوة القلب ، إلى موتٍ محتوم ، ونهايةٍ مخزية ، نعم يحشر المرء على ما مات عليه .

              تمسح أم حسام على رأس زوجها وكأنه طفلٌ صغير مبتسمةً في وجهه : "لا تقلق يا عذب القلب ، فأنا لن أجد طريقا غيرك ، انظر إلى احتراق مهجتي ، إلى اهتياج خيالي ، إلى نبض أشلائي ، إلى حنين وجدي ، إلى أنين آهاتي ، إلى بركان مشاعري ، إلى ترقرق عبراتي ، بل يا همسي ونجواي انظر إلى تحناني وحبي ، إلى إخلاصي وعفتي ، أنا لك ماضيا وحاضرا ، معك يسرا وعسرا ، أنت قلبي وأنا نبضك ، فلا تيأس رحمة الله أكبر ، وعطف الخالق أقوى وأعظم ، لن تنطوي صفحة النور ما دام الأمل يتورد في الشرايين .
              حسام لم يكن ميتا أبدا ، فهو يعيش في قلب يونس دائما :" آهٍ أيها الشوق ما بالك تطحنني طحن الرحى ؟ أو ما يرق قلبك لي ؟ سأعدك يا حسام أن تبقى رمزي ومثلي وقدوتي " ، هذا حديث النفس للنفس ، يبوح لنفسه ليجد التخفيف والسلوان ، فالنفس هي الصديق الذي لا يغدر ، وفي حديقة المدرسة تجيش الذكريات بوابلٍ من القسوة والعذاب ، هذا كرسي حسام المعتاد ، لا لن أبرحك أبدا ، ولن أجعلك تشتاق لحسام أكثر مني ، وفي الركن القصي من الحديقة كان مرتضى يقطف الزهور ، لا لولعٍ بها ، لكنَّ حسام كان يفعلها ، لم يشعر مرتضى بقوة الحنين لحسام مثلما يشعر الآن ، احتضن يونس طويلا ، كلاهما يبكي ، ولا يجدان من يجفف دموعهما ، آهٍ يا مرتضى طال الغياب ، وما عاد قلبي يحتمل ، أواه أواه يا يونس قلبي يكاد ينشطر وكبدي تتفطر ، وقتي لم يكن ثمينا إلا بمجالسة حسام ، وروحي لم تعرف الراحة إلا بلقيا حسام ، أين حسام ؟!!! ، قاتل الله المنون لم تترك لي حبيبا ولا قريبا .
              أمل ، هل يتحول هذا الاسم الجميل إلى حقيقة يتمناها الأقربون ؟ ، هل أملُ الحياة لأمل بات ضعيفا ؟ الأطباء يؤكدون بأن الضرب المبرح سبّبَ مضاعفات داخلية لجسد أمل ، والإشارة تتجه صوب الكليتين ، وإذا لم يتحسن الوضع سريعا ، فإن الفشل الكلوي يتربص بأمل ، والشرطة تعتقل موسى ويرفض الإدلاء بأي حقيقة ، وينكر الحادثة من أساسها ، فهو لا يعرف أمل ، ولم يعتدِ عليها يوما ، وطول وقته يقضيه في البيت لمتابعة أفلام الكرتون ، ولعب البلاستيشن بصحبة أخته الصغيرة " عبير " ، ومع استخدام بعض القوة من رجال الأمن سيكون للتحقيق منعطفا آخرا ، ولن تغيب الحقيقة ما دام يحكمه شرعٌ وقانون .
              ،،، يتبع ،،،
              [/align]

              تعليق


              • #37
                [align=center]يزداد حال أمل سوءً ، والأطباء يؤكدون بأنها تعاني الآن من فشل كلوي حاد ، ولن تتمكن من الحياة إلا بنقل كِلية سليمة لها ، ولكن من سيضحي بكِليته من أجلها ؟
                بحث أهلها عن متبرعٍ بكليته فلم يجدوا ، وكان الأولى بهم أن يبحثوا فيما بينهم ، فهم الأقرب لها ، تأثر يونس كثيرا حينما سمع الخبر من أمه ، وبدأ يشعر أن حياة أمل هي حياته ، جنونٌ يَلِفُّ به ، وتيهٌ يسيطر على مشاعره ، إبحارٌ عجيب يبحر به خياله ، الرؤى في ذهنه سوداوية ، ولا منطق في هذا الزمان ، يسأل الممرضة بكل تثاقلٍ وبرود ، هل ستعيش أمل ؟
                - لا علم لي ، المقادير بيد الله
                - هل تحتاج لكلية جديدة ؟
                - نعم تحتاج لذلك لتعيش
                - ومن يتبرع لها سيموت ؟
                - لا يا صغيري ، سيعيش بكليته الأخرى
                - إذاً لماذا لا يتبرع لها أحد ؟
                - لأن الزمن تغير ، وصارت أعضاؤنا غالية
                - أنا سأتبرع لها ، لنعيش معاً
                - صرخت الممرضة في ذهولٍ واستغراب ، ما الذي تقوله ، لا تزال صغيرا يا بني على التبرع ، أنت بحاجة إلى كليتيك
                - لكن أمل تحتاج لها أكثر مني ، ومن حقها أن تعيش
                - لا تغامر واستشر والديك
                - لا لن أبقى هكذا دون حراك وأنا أرى أمل تموت أمامي
                يجري مسرعا نحو الطبيب يخبره بأنه سيتبرع بكليته لأمل ، تبدو علامات الانبهار جلية على وجه الطبيب ، وكأنه أمام حدثٍ لا يتكرر في التاريخ أبدا ، ذهولٌ يعتريه وصخب خيال يشطّ به ، هل هذا الطفل علامة جودةٍ في زمنٍ خلا من الأنقياء الأتقياء ، أهو معين تفرّد في هذا العصر الذي طغت عليه المصالح والمفاسد والماديات ، أجابه الطبيب بحنان ، أنت فخر الزمان وتاج الإخلاص ، ولكن عليك أن تأتيني برسالة موافقة من والديك ، فأنت لم تتجاوز سن الرشد بعد يا بني .
                نجم الدين كان شاعر الأمسية الوطنية الأول ، ألقى من القصائد الكثير ، بحث عن حب الوطن في كل أبياته ، ووجد أن الوطن خيانته محرمة ، وحبه واجبٌ شرعي ، حبُّ الوطن من حب الله ، لقد تفاعل الجمهور معه كثيرا ، لا تسمع سوى نجم الدين نجم الدين ، الهتافات تتعالى بطلب المزيد من قصائده الثورية ، ونجم الدين يلبي كل طلبات الجماهير ، وبعدما انتهى من الأمسية رأى عجبا عجاب ، إنه الرجل المجنون في أبهى حلله وأجمل هندامه ، بدا وسيما للغاية ، حادثه نجم الدين فوجده ملماً بالشعر والأدب ، مما زاد حيرته وفضوله ، أراد الخروج من قاعة الأمسية ، فتبعه نجم الدين سريعا .
                أم حسام ترتكب خطأً فادحا ، ضربت بنصائح الطبيب عرض الحائط ، ومارست حياتها الطبيعية مع أبو حسام ، وهي على علمٍ ويقين أنه مصاب بالإيدز ، لم تدخر وسعا في الاهتمام به ، وكأنها دخلت قفص الزوجية حديثا ، كل وقتها تلاطفه وتلاعبه ، أما المساء فيقضيانه في الحدائق وعلى الشواطئ ، وهما الآن يخططان للسفر إلى استراليا ، حيث الجمال وسحر الطبيعة واختلاف التضاريس ، لقد استطاعة أن تنسيه مرضه الذي يفتك بالأرواح ، وما عاد أبو حسام يفكر به كثيرا ، خصوصا مع الأمل الذي تمنحه له زوجته الغالية بتقدم العلم ونجاعة الطب ونجاح البحوث الجديدة في إيجاد علاجٍ نهائي لهذا المرض الفتّاك .

                ،،، يتبع ،،،
                [/align]

                تعليق

                يعمل...
                X