[align=justify]كثيرًا ما نتحدث عن حكمة العيد وأهدافه والغاية من تشريعه في الإسلام، إلا أن أغلب هذه الآراء تكرس بحثها في العيد بذاته، سواء في عيد الفطر أو عيد الأضحى، أي أننا لا نلتفت للسياق الزمني والتعبدي الذي يأتي فيه العيد، وبالتَّالي تغيب عنا الكثير من غايات العيد ومراميه الروحية السَّامية. إن المتأمل في العيديْن الإسلامييْن يلاحظ أن الأول يقع بعد شهر رمضان المبارك مباشرة، فيما يأتي الثَّاني بعد الوقوف بعرفة والشُّروع في رمي الجمرات بالنِّسبة للحاج. وفي كلا الحالتيْن يبلغ المؤمن مرحلة يحقق فيها قيمة الانتصار على الذات والتَّغلب على ضعف النَّفس عبر أداء بعض الشَّعائر التعبدية.
ففي عيد الفطر يكون الإنسان قد قطع شوطًا من التَّطهر والتَّعبد والاسْتِغفار ومحاسبة الذَّات خلال شهر رمضان المبارك، هذا الشَّهر الذي يعد بمثابة دورة تدريبيَّة يتلقى فيها الإنسان مبادئ الارتقاء في سلم التَّقوى كما قال تعالى في تشريع الصيام ( لعلكم تتقون ). فبعد اكتساب المؤمن هذه الجرعة الروحانيَّة السَّنويَّة يحق له أن يشعر بالسَّعادة والفرح.. يحق له أن يحتفل ويسعد.. لقد أنهى التَّجربة بنجاح، وعاد ليدخل في معترك الحياة بثبات ويقين وثقة وآداب عظيمة اكتسبها من مدرسة الصِّيام تقوده بأمان في طريق الحياة، حتى إذا ما صدئت النَّفس ونسي الإنسان وفترت همته جاء رمضان من جديد ليذكره بمعالم الدَّرب السوي، ويعطيه دورة تدريبيَّة في فنون التَّقوى والإيمان من جديد، وعلى إثر هذه الدورة يكون الإنسان قد ارتقى إلى أفق الوضاءة والنَّقاء مرة أخرى فكان العيد إعلان ابتهاج بالانْتِصار على هواجس النَّفس وضعفها وأهوائها الصَّغيرة والتَّخلص من ادران الحياة وعوالقها الأرضيَّة.
أما الأمر الذي يجعلنا نحتفل بعيد الأضحى فهو أن هذا العيد يأتي في أواخر أيام الحج، بعد يوم من الوقوف بعرفة. والمتأمل لأعمال الحج يشعر أن جميعها ذات دلالات ومعان سامية عميقة وأغلبها يرمز إلى الحياة بكل تجلياتها وتقلباتها. فمن أعمال الحج الطَّواف بالبيت الحرام، حيث يقوم الإنسان بالطواف سبعا في حركة دائرية تبدأ من نقطة محاذية للحجر الأسود وتنتهي به.. إنها تماما رحلة الكائن في هذه الحياة التي تبدأ من الغيب وتنتهي إليه.. أما التقاط الأحجار من المزدلفة وهي ـ الأحجار ـ تسمى شرعا (الجمرات) فله أيضا دلالته العميقة.. فالجمرات كناية عن الآثام والمعاصي التي يكسبها الإنسان في حياته.. إنها جمرات.. أي أنها بمثابة جمرات يجمعها الإنسان في رصيده يلقاها يوم القيامة، وعليه أن يتخلص منها بالتَّوبة والتَّطهر من أدران المعصية.. وهذا ما يحدث في المشهد الثَّاني من الحج، حيث ينقل الحاج هذه الجمرات ويرمي بها في وجه عدوه الأزلي ( إبليس ) الذي يجد له رمزًا حجريًا في منى، لكأنما هو تجسيد للصراع بين المؤمن وقوى الغواية والخطيئة، تتجسد أمامه في مشهد محسوس حي، فيقرر في هذه اللحظة التَّمرد على الذَّات الأمَّارة بالسوء، والتَّمرد على الشَّيطان وحبائله، وبالتَّالي يرمي هذه الجمرات في وجه خصومه الألداء، ويعلن التَّوبة وعدم الرجوع للمعصية والآثام من جديد بعد أن طرحها ومضى، ومن هنا فإن صاحب الحج المبرور يعود خاليًا من الآثام نقيًا كيوم ولدته أمه.. إنه مشهد الانْتِصار على الذَّات يتكرر من جديد، إلى جانب كل عظات الحج وفيوضه وألطافه وغاياته العظيمة.. وبالتالي يحتفل المؤمنون في هذا اليوم العظيم الذي يمثل لهم أهمية إيمانية كبرى.
**************
أهـلا بفطـر قـد أضاء هـلالـه
فـالآن فاغد على الصحاب وبكـر
وانظـر إليـه كزورق من فضــة
قـد أثقلتـه حمـولـة من عنبـر
ابن المعتز[/align]
ــــــــــ
ففي عيد الفطر يكون الإنسان قد قطع شوطًا من التَّطهر والتَّعبد والاسْتِغفار ومحاسبة الذَّات خلال شهر رمضان المبارك، هذا الشَّهر الذي يعد بمثابة دورة تدريبيَّة يتلقى فيها الإنسان مبادئ الارتقاء في سلم التَّقوى كما قال تعالى في تشريع الصيام ( لعلكم تتقون ). فبعد اكتساب المؤمن هذه الجرعة الروحانيَّة السَّنويَّة يحق له أن يشعر بالسَّعادة والفرح.. يحق له أن يحتفل ويسعد.. لقد أنهى التَّجربة بنجاح، وعاد ليدخل في معترك الحياة بثبات ويقين وثقة وآداب عظيمة اكتسبها من مدرسة الصِّيام تقوده بأمان في طريق الحياة، حتى إذا ما صدئت النَّفس ونسي الإنسان وفترت همته جاء رمضان من جديد ليذكره بمعالم الدَّرب السوي، ويعطيه دورة تدريبيَّة في فنون التَّقوى والإيمان من جديد، وعلى إثر هذه الدورة يكون الإنسان قد ارتقى إلى أفق الوضاءة والنَّقاء مرة أخرى فكان العيد إعلان ابتهاج بالانْتِصار على هواجس النَّفس وضعفها وأهوائها الصَّغيرة والتَّخلص من ادران الحياة وعوالقها الأرضيَّة.
أما الأمر الذي يجعلنا نحتفل بعيد الأضحى فهو أن هذا العيد يأتي في أواخر أيام الحج، بعد يوم من الوقوف بعرفة. والمتأمل لأعمال الحج يشعر أن جميعها ذات دلالات ومعان سامية عميقة وأغلبها يرمز إلى الحياة بكل تجلياتها وتقلباتها. فمن أعمال الحج الطَّواف بالبيت الحرام، حيث يقوم الإنسان بالطواف سبعا في حركة دائرية تبدأ من نقطة محاذية للحجر الأسود وتنتهي به.. إنها تماما رحلة الكائن في هذه الحياة التي تبدأ من الغيب وتنتهي إليه.. أما التقاط الأحجار من المزدلفة وهي ـ الأحجار ـ تسمى شرعا (الجمرات) فله أيضا دلالته العميقة.. فالجمرات كناية عن الآثام والمعاصي التي يكسبها الإنسان في حياته.. إنها جمرات.. أي أنها بمثابة جمرات يجمعها الإنسان في رصيده يلقاها يوم القيامة، وعليه أن يتخلص منها بالتَّوبة والتَّطهر من أدران المعصية.. وهذا ما يحدث في المشهد الثَّاني من الحج، حيث ينقل الحاج هذه الجمرات ويرمي بها في وجه عدوه الأزلي ( إبليس ) الذي يجد له رمزًا حجريًا في منى، لكأنما هو تجسيد للصراع بين المؤمن وقوى الغواية والخطيئة، تتجسد أمامه في مشهد محسوس حي، فيقرر في هذه اللحظة التَّمرد على الذَّات الأمَّارة بالسوء، والتَّمرد على الشَّيطان وحبائله، وبالتَّالي يرمي هذه الجمرات في وجه خصومه الألداء، ويعلن التَّوبة وعدم الرجوع للمعصية والآثام من جديد بعد أن طرحها ومضى، ومن هنا فإن صاحب الحج المبرور يعود خاليًا من الآثام نقيًا كيوم ولدته أمه.. إنه مشهد الانْتِصار على الذَّات يتكرر من جديد، إلى جانب كل عظات الحج وفيوضه وألطافه وغاياته العظيمة.. وبالتالي يحتفل المؤمنون في هذا اليوم العظيم الذي يمثل لهم أهمية إيمانية كبرى.
**************
أهـلا بفطـر قـد أضاء هـلالـه
فـالآن فاغد على الصحاب وبكـر
وانظـر إليـه كزورق من فضــة
قـد أثقلتـه حمـولـة من عنبـر
ابن المعتز[/align]
ــــــــــ
تعليق