نازك الملائكـــة
(1923)
لمحة مختصرة جداً:
تعتبر نازك الملائكة شاعرة العراق الاولى في القرن العشرين، وربما يمكن إعتبارها أيضاً أهم الشاعرات العربيات نظراً لتميز وجمال أعمالها الشعرية ونزعتها التجديدية. وقد أثار كتابها قضايا الشعر المعاصر ضجة نقدية كبيرة منذ صدوره عام (1960) وحتى الساعة إذ دعت فيه الى التجديد في أوزان وقوافي القصيدة العربية بحيث تبيت أكثر مرونة، وإن بقت القصيدة موزونة ومقفاة.
باستثناء الشعر، كتبت نازك العديد من الاعمال النقدية والإجتماعية، وصدرت لها اخيراً مجموعة قصصية بعنوان الشمس التي وراء القمة. أمّا مذكراتها، فهي لم تنشر حتى الان.
كتب أباها في مفكرته: "يوم الأربعاء 30 من ذي الحجة 1341 قبيل منتصف الليل بخمس دقائق ولدت ابنتي نازك."
وكانت قصة اختيار هذا الاسم التركي لتسمية الطفلة إنها ولدت عقب الثورة التي قادتها الثائرة السورية "نازك العابد" على السلطات الفرنسية. وكانت الصحف إذ ذاك تطفح بانبائها، فرأى جد الطفلة أن تسمى نازك إكراماً للثائرة وتيمناً بها وقال: "ستكون إبنتنا نازك مشهورة كنازك العابد إن شاء الله."
وليس بالامكان سرد سيرة حياتها بالكامل، فاخترت لكم هذه القصيدة المختارة مما كتبت نازك الملائكة.
(عاشــــقة الليــــل)
ظلامَ الليــلِ يا طــاويَ أحزانِ القلوبِ
أُنْظُرِ الآنَ فهذا شَبَحٌ بادي الشُحـــــوبِ
جاء يَسْعَى، تحتَ أستاركَ، كالطيفِ الغريبِ
حاملاً في كفِّه العــودَ يُغنّــــي للغُيوبِ
ليس يَعْنيهِ سُكونُ الليــلِ في الوادي الكئيبِ
هو، يا ليلُ، فتاةٌ شهد الوادي سُـــرَاها
أقبلَ الليلُ عليهــا فأفاقتْ مُقْلتاهـــــا
ومَضتْ تستقبلُ الواديْ بألحــانِ أساهــا
ليتَ آفاقَكَ تــدري ما تُغنّــي شَفَتاهــا
آهِ يا ليلُ ويا ليتَــكَ تـدري ما مُنَاهـــا
جَنَّها الليلُ فأغرقتها الدَيَاجــي والسكــونُ
وتَصَبَّاها جمالُ الصَمْــتِ، والصَمْتُ فُتُونُ
فنَضتْ بُرْدَ نهارٍ لفّ مَسْــراهُ الحنيـــنُ
وسَرَتْ طيفاً حزيناً فإِذا الكــونُ حزيــنُ
فمن العودِ نشيجٌ ومن الليـــلِ أنيـــنُ
إِيهِ ياعاشقةَ الليلِ وواديـــهِ الأَغــنِّ
هو ذا الليلُ صَدَى وحيٍ ورؤيـــا مُتَمنٍّ
تَضْحكُ الدُنْيا وما أنتِ سوى آهةِ حُــزْنِِ
فخُذي العودَ عن العُشْبِ وضُمّيهِ وغنّــي
وصِفي ما في المساءِ الحُلْوِ من سِحْر وفنِّ
ما الذي، شاعرةَ الحَيْرةِ، يُغْري بالسماءِ؟
أهي أحلامُ الصَبايا أم خيالُ الشعـــراء؟
أم هو الإغرامُ بالمجهولِ أم ليلُ الشقــاءِ؟
أم ترى الآفاقُ تَستهويكِ أم سِحْرُ الضيـاءِ؟
عجباً شاعرةَ الصمْتِ وقيثارَ المســـاء!
طيفُكِ الساري شحوبٌ وجلالٌ وغمـوضُ
لم يَزَلْ يَسْري خيالاً لَفَّه الليلُ العـريضُ
فهو يا عاشقةَ الظُلْمة أســـرارٌ تَفيضُ
آه يا شاعرتي لن يُرْحَمَ القلبُ المَهِيـضُ
فارجِعي لا تَسْألي البَرْق فما يدري الوميضُ
عَجَباً، شاعرةَ الحَيْرةِ، ما سـرُّ الذُهُولِ؟
ما الذي ساقكِ طيفاً حالماً تحتَ النخيـلِ؟
مُسْنَدَ الرأسِ الى الكفَينِ في الظلِّ الظليلِ
مُغْرَقاً في الفكر والأحزانِ والصمتِ الطويلِ
ذاهلاً عن فتنةِ الظُلْمة في الحقلِ الجميــلِ
أَنْصتي هذا صُراخُ الرعْدِ، هذي العاصفاتُ
فارجِعي لن تُدْركي سرّاً طوتْهُ الكائنــاتُ
قد جَهِلْناهُ وضنَــتْ بخفايــاهُ الحيــاةُ
ليس يَدْري العاصـفُ المجنونُ شيئاً يا فتاةُ
فارحمي قلبَكِ، لــن تَنْطِقُ هذي الظُلُماتُ
(1923)
لمحة مختصرة جداً:
تعتبر نازك الملائكة شاعرة العراق الاولى في القرن العشرين، وربما يمكن إعتبارها أيضاً أهم الشاعرات العربيات نظراً لتميز وجمال أعمالها الشعرية ونزعتها التجديدية. وقد أثار كتابها قضايا الشعر المعاصر ضجة نقدية كبيرة منذ صدوره عام (1960) وحتى الساعة إذ دعت فيه الى التجديد في أوزان وقوافي القصيدة العربية بحيث تبيت أكثر مرونة، وإن بقت القصيدة موزونة ومقفاة.
باستثناء الشعر، كتبت نازك العديد من الاعمال النقدية والإجتماعية، وصدرت لها اخيراً مجموعة قصصية بعنوان الشمس التي وراء القمة. أمّا مذكراتها، فهي لم تنشر حتى الان.
كتب أباها في مفكرته: "يوم الأربعاء 30 من ذي الحجة 1341 قبيل منتصف الليل بخمس دقائق ولدت ابنتي نازك."
وكانت قصة اختيار هذا الاسم التركي لتسمية الطفلة إنها ولدت عقب الثورة التي قادتها الثائرة السورية "نازك العابد" على السلطات الفرنسية. وكانت الصحف إذ ذاك تطفح بانبائها، فرأى جد الطفلة أن تسمى نازك إكراماً للثائرة وتيمناً بها وقال: "ستكون إبنتنا نازك مشهورة كنازك العابد إن شاء الله."
وليس بالامكان سرد سيرة حياتها بالكامل، فاخترت لكم هذه القصيدة المختارة مما كتبت نازك الملائكة.
(عاشــــقة الليــــل)
ظلامَ الليــلِ يا طــاويَ أحزانِ القلوبِ
أُنْظُرِ الآنَ فهذا شَبَحٌ بادي الشُحـــــوبِ
جاء يَسْعَى، تحتَ أستاركَ، كالطيفِ الغريبِ
حاملاً في كفِّه العــودَ يُغنّــــي للغُيوبِ
ليس يَعْنيهِ سُكونُ الليــلِ في الوادي الكئيبِ
هو، يا ليلُ، فتاةٌ شهد الوادي سُـــرَاها
أقبلَ الليلُ عليهــا فأفاقتْ مُقْلتاهـــــا
ومَضتْ تستقبلُ الواديْ بألحــانِ أساهــا
ليتَ آفاقَكَ تــدري ما تُغنّــي شَفَتاهــا
آهِ يا ليلُ ويا ليتَــكَ تـدري ما مُنَاهـــا
جَنَّها الليلُ فأغرقتها الدَيَاجــي والسكــونُ
وتَصَبَّاها جمالُ الصَمْــتِ، والصَمْتُ فُتُونُ
فنَضتْ بُرْدَ نهارٍ لفّ مَسْــراهُ الحنيـــنُ
وسَرَتْ طيفاً حزيناً فإِذا الكــونُ حزيــنُ
فمن العودِ نشيجٌ ومن الليـــلِ أنيـــنُ
إِيهِ ياعاشقةَ الليلِ وواديـــهِ الأَغــنِّ
هو ذا الليلُ صَدَى وحيٍ ورؤيـــا مُتَمنٍّ
تَضْحكُ الدُنْيا وما أنتِ سوى آهةِ حُــزْنِِ
فخُذي العودَ عن العُشْبِ وضُمّيهِ وغنّــي
وصِفي ما في المساءِ الحُلْوِ من سِحْر وفنِّ
ما الذي، شاعرةَ الحَيْرةِ، يُغْري بالسماءِ؟
أهي أحلامُ الصَبايا أم خيالُ الشعـــراء؟
أم هو الإغرامُ بالمجهولِ أم ليلُ الشقــاءِ؟
أم ترى الآفاقُ تَستهويكِ أم سِحْرُ الضيـاءِ؟
عجباً شاعرةَ الصمْتِ وقيثارَ المســـاء!
طيفُكِ الساري شحوبٌ وجلالٌ وغمـوضُ
لم يَزَلْ يَسْري خيالاً لَفَّه الليلُ العـريضُ
فهو يا عاشقةَ الظُلْمة أســـرارٌ تَفيضُ
آه يا شاعرتي لن يُرْحَمَ القلبُ المَهِيـضُ
فارجِعي لا تَسْألي البَرْق فما يدري الوميضُ
عَجَباً، شاعرةَ الحَيْرةِ، ما سـرُّ الذُهُولِ؟
ما الذي ساقكِ طيفاً حالماً تحتَ النخيـلِ؟
مُسْنَدَ الرأسِ الى الكفَينِ في الظلِّ الظليلِ
مُغْرَقاً في الفكر والأحزانِ والصمتِ الطويلِ
ذاهلاً عن فتنةِ الظُلْمة في الحقلِ الجميــلِ
أَنْصتي هذا صُراخُ الرعْدِ، هذي العاصفاتُ
فارجِعي لن تُدْركي سرّاً طوتْهُ الكائنــاتُ
قد جَهِلْناهُ وضنَــتْ بخفايــاهُ الحيــاةُ
ليس يَدْري العاصـفُ المجنونُ شيئاً يا فتاةُ
فارحمي قلبَكِ، لــن تَنْطِقُ هذي الظُلُماتُ
تعليق