كان جالسا عـلى مقعده أمام مكتبه ، مسندا رأسـه إلى الخلف ، على وجهه دلالات الحزن و علامات الأسى ، غرق التفكير ، نظراته غائرة و حاله ما بين سكون و قلق ، فجأة !! فتح درج مكتبه و أخرج منه رزمة أوراق ، أخذ ينظر إليها و دموعه ترقـرق من عيـنيه ، و عبارات حزينة تنساب من شفتيه ، أمـسـك بأوراقه و ضمها إليه ، و بحركـة بطـيئة ألقى بها في سلة المهملات !! و أجهش بالبكاء ، حتى جفت دموعه و هدأ روعه ، عندها رفع رأسه و أسنده إلى أعلى مقعده ، و أخذ يسترجع شريط ذكرياته منذ كان طفلا صغيرا ينعم بحياة البـراءة ، لم يكن طفلا كباقي أقرانه ، بل كان يعرف بالذكاء و الفطنة ، و مع ذلك كله كان يعاني من آلام الفقر و الحرمان ، و كاد هذا الفقر أن يقضي على حلمه الكبير في الالتحاق بالمدرسة ، ذلك لسوء حالة والده الاقتصادية ، و عدم استطاعته تحمل الإنفاق عليه و على إخوته الخمسة 00 أوشك أن يجن جنونه 00 و أخذ يتوسل إلى والده حتى وافق مرغما تسجيله في إحدى المدارس الحكومية 00 مرت الأيام و الشهور و بالرغم من الحرمان الذي كان يعانيه إلا أن البسمة لم تفارق ثغره و السعادة كانت تكتنفه ، و استمر الحال على تلك الوتيـرة حتى كان اليوم المشئوم الذي اهتـزت فيه جزيرة السعادة التي كانت تحتضنه بعواطف هوجاء أسـقطت والده صريع الموت 0
عندهـا شعر المسكين من حتمية تركه المدرسة ، خاصة أنه أكبر إخوته ، فأخذ يحدث نفسه قائلا : ماذا أفعل ؟ أترك شجيرتي التي بذرتها منذ سنوات و سهرت الليالي الطوال أرعاها بالمذاكرة الجادة و أسقيها بالإخلاص و الجد ؟ لا و ألف لا 00 أريد أن أتابع مسيرتي في درب العلم ، و قرر أن يكمل دراسته و أن يرعى إخوته و يسعى لتحقيق حلمه بأن يصبح كاتبا كبيرا ، و قد عاونته أمه في تحقيق ذلك الحلم 0
عملت أمه في المنازل و سلكت كل السبل لتسهل له الطريق و لتعاونه على قسوة الأيام و مرارة القدر ، و مرت سنوات شاقة و أكمل هذا الشاب الثانوية العامة بتفوق ، بعدها جمع أوراقه و ذهب إلى الجامعة في وسط السعادة التي تغمره ؛ لكنه صُدِم من موظف التسجيل حينما طلب منه رسوما للتسجيل ، في ذلك الوقت شعر الشاب بأن حلمه يضيع من بين يديه ، ففكر وفكر وراح يدق الأبواب يقترض المال فهذا يسده و هذا يرده و بعد عناء استطاع جمع الرسوم و التحق بالجامعة ، و مرت أربع سنوات و أصبح على قاب قوسين من حلمه الكبير فقد تزود بالعلم الذي يساعده بالإضافة إلى موهبته الأدبية على أن يصبح قصاصا مشهورا ، فأخذ يتنقل من صحيفة لأخرى يحاول العمل في إحداها حتى يُطلع الناس على إنتاجه الأدبي و لكن دون فائدة 00 عندها قرر أن يكتب قصة تتضمن كل مشاعره و أحاسيسه و كل ما عاناه في تلك السنوات الغابرة ، سهر عليها الليالي الطويلة ، وبعد أن أتـمها بحث عن ناشر ينشرها له ، لكن كلهم يريدون المال و لا شيء غيره ، فما كان منه بعد ذلك إلا أن أودع قصته درج مكتبه وودع حلمه الذي طالما ضحى من أجله ، و خرج يبحث عن عمل آخر يطعمه خبـزا 00
( عند هذه النهاية الـمحزنة توقف شريط ذكريات ذلك الرجل الباكي ) ، فرفع رأسه من فوق مكتبه وفتح عينيه ليرى قصته التي سقاها جهده ملقاة في سلة المهملات ، فخطرت بباله فكرة لمعت لها عيناه ، و أمسك بورقة و قلم و بدأ يحول أحداث حياته المؤلمة من جديد إلى قصة روائية حالمة ، فكتب في وسط السطر عنوانا يقول ( قصة في سلة المهملات ) و بدأ بعد ذلك ينسج أحداث قصته الجديدة 00 فكتب في أول سطورها : ( كم من لؤلؤة صافية ضاعت في أعماق البحر و لم يتح لها أن ترى النور ، و كم من زهرة فواحة بقيت في أطراف الصحراء و ضاع أريجها في الرمال تسفها الرياح ) 0
ارجو ان تنال القصة على اعجابكم ,,,,,
كما اتمنى ان مغزاها قد وصل إلى اذهانكم ,,
اخوكم في الله
قاهر الظلام,,
تعليق