عندما تند لع الشرارة الاولى من الثوره فهي تشير وبشكل حاسم النقلة النوعية نحو الافضل ؛ والثوره ليست مجرد تغير تنشده وتعمل له مجموعة مقهوره ؛ لتلغي قهرها وتسترد حقوقها ؛ بل هي أعمق من هذا ؛ انها طريق في سلم التطور الاخلاقي للمجموعة البشرية وهذا السلوك يبدأ من السلوك الفردي في أبسط صوره الى السلوك الجماعي للامة والانسانية بشكل عام . وغالبا لا تحرك قادة الثورات ضغوط الحرمان الاقتصادي أو القهر وحدها ؛ بل تحركها قيم أنسانية أعلى من القيم السائده ؛ فالثوار يحسون بدوافع قوية للدفاع عن المثل التي اُهدرت ويشعرون باختلال الطريق البشري الى الارتقاء الروحي وانهم منذورون لاعادة الانسانيه الى الرقي ؛ ولاجل هذا الهدف يكون القائد بين الخيارين : التراجع الامن أو العذاب المحقق . لذا ومن اللحظة الاولى قد اختار الامام الحسين دوره ؛ او على الاصح قد اختاره دوره ؛ فطبيعته ترفض كل ما يحدث ؛ إن السيف والارهاب يطالبانه بالبيعة ليزيد فلا يبايع ويأوي الى مكة ؛ وفي مكة يتقاطر حوله الناس يدعونه الى الثوره ؛ ولو لم يطلب اليه الناس ذلك لكان قد خرج ايضا أو لمات قهرا . فإلى جانب الذين حضوه على الثوره كان هناك الذين يحضونه على ايثار السلامة ؛ وكانوا من أخلص الناصحين له ؛ ومع ذلك لم يقبل السلامه والمهانه .
وهكذا مضى الحسين في طريقه الى العراق ؛ لم يمضي معه الا هولاء الذين تمثلت فيهم الثورية بمعناها العميق ؛ ثورية التغيير الجذري للقيم المحمديه . وتبلورت القوى الثورية هنا في هذه الجماعة الصغيرة التي تقطع الصحراء ؛ متحدية ؛ مصممة ؛ ليس لها من امل الا أن تحرك مشاعر الناس بالثورة ؛ وفي الطريق يلتقي الحسين بالفرزدق الشاعر فيسأله عن الكوفه فيجيبه الفرزدق : أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم وملئت غرائزهم ؛ وأما سائر الناس فان قلوبهم معك وسيوفهم مشهورة عليك . وفي هذه الجملة تلخيص للقوى القائمه فالاثرياء لم يعد يهمهم في شيء أن يخرج حفيد النبي ؛ بل يهمهم مصالحهم ومراكزهم ؛ فليفعل ابن فاطمة ما يفعل فالسلطة قوية ومصالحنا محفوظة ؛ وبدورها لا تريد السلطة أن تتورط بدم الحسين وحدها فمن أراد أن يدافع عن ثروته وعن مركزه الاجتماعي فليشترك في دم الحسين . ومن الناحية الاخرى فان سائر طبقات الشعب قد بلغ بها القهر والشك والخوف ما يجعلها تتردد الف مرة في الثوره ؛ وفي العراق بالذات كان الرجل يؤخذ بمجرد الشبهة حتى أصبح الخوف القوت اليومي للشعب العراقي المجروح ومع ذلك لم يفقد الحسين الثقة في الجوهر الكامن في النفس الانسانية ذلك الجوهر النازع الى الارتقاء الروحي ؛ ليس امامه الا أن يمضي في طريقه فهو يعلم تماما ان ظهوره امام الجماهير سوف يجمعهم حوله . يعلم كيف يحدثهم وكيف ينزع الخوف من قلوبهم ؛ ولكن كيف يصل الى مداخل العراق ؟ ؛ وعبيد الله بن زياد يرصد له الجيوش ؛ وفي منطقة الزرود عُلم بمقتل ابن عمه مسلم ابن عقيل وفي منطقة قصر بني المقاتل جاءه خبر بمقتل قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الله بن يقطر ؛ فهو منذ تحركه من مكة كان يعلم ان الوضع العسكري قد بلغ حده ولا بد من المواجهه ؛ وانه مقتول بغير شك ؛ لذا كان يردد : خط الموت على ولد ادم مخط القلادة على جيد الفتاة .
لم يكد الحسين يمضي الا قليلا حتى التقى عند جبل ذي حسم بجيش من ألف فارس يقوده الحر بن يزيد الرياحي ؛ وهو أحد أشراف الكوفة ؛ وتقدم الحر بن يزيد فقال للحسين بانه مأموربأخذه ومن معه أسرى الى عبيد الله بن زياد واذا قاتل فسيقتل ؛ فصاح به الحسين : أبالموت تخوفني ؟ ومضى الحسين في طريقه والحر وراءه يمنعه ؛ ومن بعيد ظهرت طلائع جيش من أربعة الاف مقاتل يقودهم عمر بن سعد بن أبي وقاص ؛ ونرى بان اختيار القادة الذين سيحاربون الحسين تم بدقة وبخبث حتى تتبلبل أفكار الجماهير ؛ وبعده بقليل وصل شمر بن ذي الجوشن على رأس ثلاثة الاف مقاتل ؛ وانتهى الامر الى أن حصر الحسين وصحبه في كربلاء ؛ وبدا أن الحرب لا بد أن تقع .
مجلة الموسم - العدد الثاني عشر
وهكذا مضى الحسين في طريقه الى العراق ؛ لم يمضي معه الا هولاء الذين تمثلت فيهم الثورية بمعناها العميق ؛ ثورية التغيير الجذري للقيم المحمديه . وتبلورت القوى الثورية هنا في هذه الجماعة الصغيرة التي تقطع الصحراء ؛ متحدية ؛ مصممة ؛ ليس لها من امل الا أن تحرك مشاعر الناس بالثورة ؛ وفي الطريق يلتقي الحسين بالفرزدق الشاعر فيسأله عن الكوفه فيجيبه الفرزدق : أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم وملئت غرائزهم ؛ وأما سائر الناس فان قلوبهم معك وسيوفهم مشهورة عليك . وفي هذه الجملة تلخيص للقوى القائمه فالاثرياء لم يعد يهمهم في شيء أن يخرج حفيد النبي ؛ بل يهمهم مصالحهم ومراكزهم ؛ فليفعل ابن فاطمة ما يفعل فالسلطة قوية ومصالحنا محفوظة ؛ وبدورها لا تريد السلطة أن تتورط بدم الحسين وحدها فمن أراد أن يدافع عن ثروته وعن مركزه الاجتماعي فليشترك في دم الحسين . ومن الناحية الاخرى فان سائر طبقات الشعب قد بلغ بها القهر والشك والخوف ما يجعلها تتردد الف مرة في الثوره ؛ وفي العراق بالذات كان الرجل يؤخذ بمجرد الشبهة حتى أصبح الخوف القوت اليومي للشعب العراقي المجروح ومع ذلك لم يفقد الحسين الثقة في الجوهر الكامن في النفس الانسانية ذلك الجوهر النازع الى الارتقاء الروحي ؛ ليس امامه الا أن يمضي في طريقه فهو يعلم تماما ان ظهوره امام الجماهير سوف يجمعهم حوله . يعلم كيف يحدثهم وكيف ينزع الخوف من قلوبهم ؛ ولكن كيف يصل الى مداخل العراق ؟ ؛ وعبيد الله بن زياد يرصد له الجيوش ؛ وفي منطقة الزرود عُلم بمقتل ابن عمه مسلم ابن عقيل وفي منطقة قصر بني المقاتل جاءه خبر بمقتل قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الله بن يقطر ؛ فهو منذ تحركه من مكة كان يعلم ان الوضع العسكري قد بلغ حده ولا بد من المواجهه ؛ وانه مقتول بغير شك ؛ لذا كان يردد : خط الموت على ولد ادم مخط القلادة على جيد الفتاة .
لم يكد الحسين يمضي الا قليلا حتى التقى عند جبل ذي حسم بجيش من ألف فارس يقوده الحر بن يزيد الرياحي ؛ وهو أحد أشراف الكوفة ؛ وتقدم الحر بن يزيد فقال للحسين بانه مأموربأخذه ومن معه أسرى الى عبيد الله بن زياد واذا قاتل فسيقتل ؛ فصاح به الحسين : أبالموت تخوفني ؟ ومضى الحسين في طريقه والحر وراءه يمنعه ؛ ومن بعيد ظهرت طلائع جيش من أربعة الاف مقاتل يقودهم عمر بن سعد بن أبي وقاص ؛ ونرى بان اختيار القادة الذين سيحاربون الحسين تم بدقة وبخبث حتى تتبلبل أفكار الجماهير ؛ وبعده بقليل وصل شمر بن ذي الجوشن على رأس ثلاثة الاف مقاتل ؛ وانتهى الامر الى أن حصر الحسين وصحبه في كربلاء ؛ وبدا أن الحرب لا بد أن تقع .
مجلة الموسم - العدد الثاني عشر
تعليق