التشاؤم في شهر صفر
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد ، فلقد أبطل الله ديننا الحنيف الكثير من المسائل المخالفة التي كان عليها أهل الجاهلية من المعتقدات الباطلة والأوهام الزائفة ؛ لما لها من الخطر الكبير على الخُلُق والعقل والسلوك ، وجاء الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة بنفي هذه الخرافات ، وإبطال تلك الخزعبلات فمن ذلك تشاؤم بعض الناس بشهر صفر وظنهم أنه شهر مشؤوم ، وبعضهم ربما ترك السفر فيه أو التجارة أو الزواج أو غير ذلك وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشاؤم بصفر وأبطله فقال صلى الله عليه وسلم : [ لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ] رواه مسلم من حديث جابر.
كما بيّن عليه الصلاة والسلام أن التطيّر شرك فقال : [ الطيرة شرك ، الطيرة شرك ، الطيرة شرك ] رواه أبو داود والترمذي وصححه. وقال أيضاً بأن العيافة والطيرة والطرق من الجبت ، رواه أبو داود بإسنادٍ حسن.
وكما وصف ابن القيّم رحمه الله في مفتاح دار السعادة : ( التشاؤم بابٌ من أبواب الشرك وإلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته ، وهذا يعظمُ شأنه على من أتبعها نفسه واشتغل بها وأكثر العناية بها ، فتكون إليه أسرع من السيل إلى منحدره ، وتفتح له أبواب الوساوس فيما يسمعه ويراه ويُعطاه ، فيفتح له الشيطان فيها من المناسبات البعيدة والقريبة في اللفظ والمعنى ما يفسد عليه دينه وينكد عليه عيشه ، فإذا خرج من داره فاستقبله أعور أو أشل أو أعمى تطير به وتشاءم بيومه ، وعلى هذا فإن المتطير متعب القلب ، منكد الصدر ، كاسف البال ، سيئ الخلق ، يتخوف من كل ما يراه ويسمعه ، أشد الناس وجلاً ، وأنكدهم عيشاً ، وأضيقهم صدراً ، وأحزنهم قلباً ، وكم قد حَرَم نفسه بذلك من حظٍ ، ومنعها من رزق ، وقطع عليها من فائدة ).
أخي المسلم .. إن التطير أمرٌ قائم على غير أساس من العلم أو الواقع الصحيح ؛ وإنما هو انسياقٌ وراء الضعف وتصديقٌ للوهم ، فلا يصدقُ إنسانٌ عاقلٌ أن النحس في شيءٍ معين أو شخصٍ معين أو مكانٍ معين أو بسماعِ صوتٍ معين أو حركةٍ معينة ، فهذا كله من التخييل الذي لا أساس له ، فإذا أصيب ضعيف القلب بالتطير ينبغي له أن يصرف نفسه عن دواعي الخيبة وذرائع الحرمان ولا يجعل للشيطان سلطاناً في نقض عزائمه ، ومعارضة خالقه ، ويعلم أن قضاء الله تعالى عليه غالب ، وأن رزقه له طالب وحركته سبب لذلك ، فلا يثنيه عن الحركة ما لا يضير مخلوقاً ، ولا يدفع مقدوراً ، وليمضِ في عزائمه واثقاً بالله تعالى إن أعطى ، وراضياً به إن منع ، فإن أصابه شرٌ يراجع نفسه وينظر في ذنوبه ولا يُضيف ذلك إلى التشاؤم فإن ذلك من أعمال أهل الجاهلية المشركين التي أبطلها ديننا الحنيف.
لقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من تشاءم بشيءٍ ينبغي له أن لا يرده ذلك عن حاجته وأن يمضي في شأنه ، وأن من ترك حاجته تطيراً وقع في الشرك وجعل للتشاؤم كفارةً وذكراً ، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك. قالوا : فما كفارة ذلك ؟ قال : أن تقول : { لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك) ] رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح.
أما ظن بعض الناس ، بما روى البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ الشؤم في ثلاث : في المرأة والدابة والدار ] أنها تدل على جواز التشاؤم المنهي عنه وليس كذلك .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله : ( إخباره صلى الله عليه وسلم بالشؤوم في هذه الثلاث ليس فيه إثبات الطيرة التي نفاها الله سبحانه ، وإنما غايته أن الله سبحانه يخلق أعياناً مشؤومة على من قاربها وساكنها ، وأعياناً مباركةً لا يلحق من قاربها منها شؤمٌ ولا شر ، وهذا كما يعطي سبحانه الوالدين ولداً مباركاً يريان الخير على وجهه ، ويعطي غيرهما ولداً مشؤوماً يريان الشرّ على وجهه فكذلك الدار والمرأة والفرس والله سبحانه خالق الخير والشر والسعود والنحوس لا خالق غيره ولا مقدر سواه ) أ.هـ.
قال ابن رجب رحمه الله : ( لا شؤم إلا المعاصي والذنوب فإنها تسخط الله تعالى ، فإذا سخط الله تعالى على عبده شقي في الدنيا والآخرة ، كما أن اليُمن في الطاعة وهي ترضي الله تعالى ، فإذا رضي عن عبده سعد في الدنيا والآخرة ).
وقال بعض الصالحين : (وقد شُكيَ إليه بلاء وقع في الناس ، فقال ما أرى ما أنتم فيه إلا بشؤم الذنوب).
وقال أبو حازم : ( كل ما شغلك عن الله من أهل أو ولد أو مال فهو عليك مشؤوم).
طاعة الله خير ما اكتسب العبد
فكن طائعاً لله لا تعصيَنــه
ما شؤوم النفوس إلا بالمعاصــي
فاجتنب ما نهاك ولا تقربَنه
إنّ شـيئاً هـلاكُ نفــسـك فـــيهِ
ينبغي أن تصونَ نفسك عَنــه
أخي المسلم .. علِّق الرجاء بالله تعالى وتوكل عليه عزّ وجل ولا تلتفت للمخلوقات ولا تتشاءم بها ، واعلم أن ما أصابك من خير فمن الله وما أصابك من شر فبسبب ذنوبك .
هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على سيدنا محمدوعلى آله وصحبه أجمعين
نقلا عن موقع المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بجدة
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد ، فلقد أبطل الله ديننا الحنيف الكثير من المسائل المخالفة التي كان عليها أهل الجاهلية من المعتقدات الباطلة والأوهام الزائفة ؛ لما لها من الخطر الكبير على الخُلُق والعقل والسلوك ، وجاء الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة بنفي هذه الخرافات ، وإبطال تلك الخزعبلات فمن ذلك تشاؤم بعض الناس بشهر صفر وظنهم أنه شهر مشؤوم ، وبعضهم ربما ترك السفر فيه أو التجارة أو الزواج أو غير ذلك وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشاؤم بصفر وأبطله فقال صلى الله عليه وسلم : [ لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ] رواه مسلم من حديث جابر.
كما بيّن عليه الصلاة والسلام أن التطيّر شرك فقال : [ الطيرة شرك ، الطيرة شرك ، الطيرة شرك ] رواه أبو داود والترمذي وصححه. وقال أيضاً بأن العيافة والطيرة والطرق من الجبت ، رواه أبو داود بإسنادٍ حسن.
وكما وصف ابن القيّم رحمه الله في مفتاح دار السعادة : ( التشاؤم بابٌ من أبواب الشرك وإلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته ، وهذا يعظمُ شأنه على من أتبعها نفسه واشتغل بها وأكثر العناية بها ، فتكون إليه أسرع من السيل إلى منحدره ، وتفتح له أبواب الوساوس فيما يسمعه ويراه ويُعطاه ، فيفتح له الشيطان فيها من المناسبات البعيدة والقريبة في اللفظ والمعنى ما يفسد عليه دينه وينكد عليه عيشه ، فإذا خرج من داره فاستقبله أعور أو أشل أو أعمى تطير به وتشاءم بيومه ، وعلى هذا فإن المتطير متعب القلب ، منكد الصدر ، كاسف البال ، سيئ الخلق ، يتخوف من كل ما يراه ويسمعه ، أشد الناس وجلاً ، وأنكدهم عيشاً ، وأضيقهم صدراً ، وأحزنهم قلباً ، وكم قد حَرَم نفسه بذلك من حظٍ ، ومنعها من رزق ، وقطع عليها من فائدة ).
أخي المسلم .. إن التطير أمرٌ قائم على غير أساس من العلم أو الواقع الصحيح ؛ وإنما هو انسياقٌ وراء الضعف وتصديقٌ للوهم ، فلا يصدقُ إنسانٌ عاقلٌ أن النحس في شيءٍ معين أو شخصٍ معين أو مكانٍ معين أو بسماعِ صوتٍ معين أو حركةٍ معينة ، فهذا كله من التخييل الذي لا أساس له ، فإذا أصيب ضعيف القلب بالتطير ينبغي له أن يصرف نفسه عن دواعي الخيبة وذرائع الحرمان ولا يجعل للشيطان سلطاناً في نقض عزائمه ، ومعارضة خالقه ، ويعلم أن قضاء الله تعالى عليه غالب ، وأن رزقه له طالب وحركته سبب لذلك ، فلا يثنيه عن الحركة ما لا يضير مخلوقاً ، ولا يدفع مقدوراً ، وليمضِ في عزائمه واثقاً بالله تعالى إن أعطى ، وراضياً به إن منع ، فإن أصابه شرٌ يراجع نفسه وينظر في ذنوبه ولا يُضيف ذلك إلى التشاؤم فإن ذلك من أعمال أهل الجاهلية المشركين التي أبطلها ديننا الحنيف.
لقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من تشاءم بشيءٍ ينبغي له أن لا يرده ذلك عن حاجته وأن يمضي في شأنه ، وأن من ترك حاجته تطيراً وقع في الشرك وجعل للتشاؤم كفارةً وذكراً ، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك. قالوا : فما كفارة ذلك ؟ قال : أن تقول : { لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك) ] رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح.
أما ظن بعض الناس ، بما روى البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ الشؤم في ثلاث : في المرأة والدابة والدار ] أنها تدل على جواز التشاؤم المنهي عنه وليس كذلك .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله : ( إخباره صلى الله عليه وسلم بالشؤوم في هذه الثلاث ليس فيه إثبات الطيرة التي نفاها الله سبحانه ، وإنما غايته أن الله سبحانه يخلق أعياناً مشؤومة على من قاربها وساكنها ، وأعياناً مباركةً لا يلحق من قاربها منها شؤمٌ ولا شر ، وهذا كما يعطي سبحانه الوالدين ولداً مباركاً يريان الخير على وجهه ، ويعطي غيرهما ولداً مشؤوماً يريان الشرّ على وجهه فكذلك الدار والمرأة والفرس والله سبحانه خالق الخير والشر والسعود والنحوس لا خالق غيره ولا مقدر سواه ) أ.هـ.
قال ابن رجب رحمه الله : ( لا شؤم إلا المعاصي والذنوب فإنها تسخط الله تعالى ، فإذا سخط الله تعالى على عبده شقي في الدنيا والآخرة ، كما أن اليُمن في الطاعة وهي ترضي الله تعالى ، فإذا رضي عن عبده سعد في الدنيا والآخرة ).
وقال بعض الصالحين : (وقد شُكيَ إليه بلاء وقع في الناس ، فقال ما أرى ما أنتم فيه إلا بشؤم الذنوب).
وقال أبو حازم : ( كل ما شغلك عن الله من أهل أو ولد أو مال فهو عليك مشؤوم).
طاعة الله خير ما اكتسب العبد
فكن طائعاً لله لا تعصيَنــه
ما شؤوم النفوس إلا بالمعاصــي
فاجتنب ما نهاك ولا تقربَنه
إنّ شـيئاً هـلاكُ نفــسـك فـــيهِ
ينبغي أن تصونَ نفسك عَنــه
أخي المسلم .. علِّق الرجاء بالله تعالى وتوكل عليه عزّ وجل ولا تلتفت للمخلوقات ولا تتشاءم بها ، واعلم أن ما أصابك من خير فمن الله وما أصابك من شر فبسبب ذنوبك .
هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على سيدنا محمدوعلى آله وصحبه أجمعين
نقلا عن موقع المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بجدة
تعليق