مع مجيْ الامام علي – عليه السلام –الى الخلافة انخرط بنشاط ومثابرة على معالجة كل الملفات الشائكة من خلال استراتيجية شامله ؛ فمثلا على صعيد مكافحة الفساد الاداري ؛ رسخ الامام أخلاقيات العمل وأسس جهاز الرقابه الادارية ؛ ووضع لنفسه ولحكام الولايات برنامج سلوك ؛ وكان الامام يبادر الى تقويم سلوك الحكام بالوسائل التربوية ؛ كشفت عنه رسالته الى حاكم البصره عثمان بن حنيف ؛ عندما بلغه انه دعي الى وليمة أحد الوجهاء ؛ فخشي الامام أن تكون الوليمة رشوة لتسهيل عقد الصفقات ؛واستغلال السلطة لاغراض خاصة ؛ لذلك بادر الامام علي فوراً لتشخيص الظاهره والقضاء على مظاهره ؛ اسبابه واثاره ؛ ومما جاء في الرسالة :
أما بعد يابن حنيف ؛ فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصره دعاك الى مأدبة فأسرعت اليها تستطاب لك الالوان وتنقل اليك الجفان ؛ وما ظننت انك تجيب الى طعام قوم عائلهم مجفو ؛ وغنيهم مدعو ؛ فانظر الى ما تقضمه من هذا المقضم ؛ فما اشتبه عليك علمه فالفظه ؛ وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه ؛ الا وان لكل مأموم امام يقتدي به ويستضئ بنور علمه ؛ ألا وان امامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه .
يعالج أميرالمؤمنين هنا العقد الاجتماعية معالجة جذرية صادقه ؛ ويتعجب من حاكمه عثمان على استجابته السريعة للدعوه وبدون الدراسة والتدقيق ؛ وان الحاكم لا بد ان تكون معيشته مواسية لاضعف الناس وأفقرهم ؛ ( وماظننت انك تجيب الى طعام قوم عائلهم مجفو ؛ وغنيهم مدعو ) .علاج جذري يخاطب الامام الاجهرة الرقابية الذاتية حيث الضمير والانتماء.
وينين الامام – عليه السلام – كذلك نظرة الاسلام للاكل المشبوه ؛ حيث انه وصف الاكل بصورة منفرة ( فانظر الى ما تقضمه ) كلمة تثير التنفر والازدراء ( يقضم ) يطلق على أكل الشئ اليابس أو ما يؤكل ببعض الفم وكذلك تستعمل للحيوان ؛ والانسان أرفع وأكرم من أن يكون همه ما يدخل في جوفه كالبهائم ( همها علفها ) لهذا كان الوصف موضع احتقار ؛ ومن مظاهر التدين الابتعاد عن موارد الشبهة . ثم انه – عليه السلام – بين نظرة الاسلام تجاه الاكل ( فما اشتبه عليك علمه فالفظه ؛ وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه ) وهنا يريد الامام أن يعطي قاعده كليه ؛ ان المسلم اذا اشتبه عليه مصدر الطعام ؛ من حلال هو أم من غيره ؟ يتركه .
وفي هذه الرسالة درس اخر .. كان الامام علي يحكم نصف الكرة الارضيه ؛ كنوز الدنيا تحت يده ؛ ومع تلك الامكانيات الضخمة اختار لنفسه أبسط معيشة ( فوالله ما كنزت من دنيكم تبراً ؛ ولا ادخرت من غنائمها وفراً ؛ ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً ) . لقد امن علي بالمساواة حتى كان تقشفه مواساة للفقراء .
المصادر :
نهج البلاغه – الكتاب 45 . الاحقاق ج 8 ص 549 . ذخيرة الملوك – الهمداني
تعليق