بسم الله
كما رواها الشيخ أحمد الخليلي في كتابه "العقلانيين" حقيقية غرق سفينة تايتنك، نقلتها لكم من الكتاب..
ولو أنها طويلة ولكنها فيها مواعظ وعبر كثيره..
كما رواها الشيخ أحمد الخليلي في كتابه "العقلانيين" حقيقية غرق سفينة تايتنك، نقلتها لكم من الكتاب..
ولو أنها طويلة ولكنها فيها مواعظ وعبر كثيره..
لأجل العبرة والعظة أورد هذي قصة السفينة عسى أن تجد موعظتها سبيلا إلى القلوب القاسية فترققها ، وإلى الضمائر اميتة فتحييها، وإلى العقول المظلمة فتنيرها.
أنشئت السفينة العملاقة التي أطلق عليها أسم "تيتانيك" أي المارد قبل الحرب العالمية الأولى وسبقتها دعايات إعلامية واسعة ملأت الدنيا ضجيجا، وكانت تعد أكبر سفينة بحرية وأقواها، إذا كانت لها ثلاث مزايا لم تكن لغيرها، وهي كبر حجمها وعدم قابليتها للغرق -حسبما يتصورون- والفخامة البالغة، وقد كانت أكبر سفينة شهدها العالم إلى ذلك التأريخ، حيث بلغ وزنها من الأطنان 52310، وطولها 882 قدماً، وعرضها 94 قدماً، وكان ارتفاعها يعادل ارتفاع مبنى يتكون من أحد عشر طابقاً.
وقد صممت تصميما غريباً فيه جميع ماأمكن تصوره من الاحتياطات الواقية من غرقها، أو إصابة أحد من مهرة الربابنة والملاحين، وكان إبحارها في أول رحلة لها من ميناء "كوين ستون" باتجلترا يوم الأربعاء 22 ربيع الثاني 1330 هـ الموافق 10\ أبريل 1912 م، حيث اجتمعت الجماهير الحاشدة لمشاهدة أول رحلة تنطلق بها في البحر، لتعبر المحيط الأطلسي من الملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة، وودعت بعزف الموسيقى في وسط هتاف المودعين والمسافرين والمتفرجين.
وكانوا يعدون رحلتها أسعد رحلةفي العالم، وقد استدرجهم الله سبحانه وتعالى بما تمتعوا به على ظهرها من راحة البال، وهدوء الأنفس، وطمأنينة القلوب، وفرحة غامرة استبدت بألبابهم، فأنستهم ذكر الله وبطشه الشديد، وقوته المحيطة بكل شيء، فانطلقت في تعالٍ وتشامخ، يبصرها الرائي فيراها طودا أشم انقض على البحر -كما يتقض الأسد الكاسر على فريسته- فأخذ يشق عبابه شقا، وجرت تختال بين السفن، كأنها مليك مفدى بين لفيف حاشيته، وكتائب جنده، وجماهير شعبه، والسفن من حولها تخفض لها جناح الذل إكبارا لمقامها، واعترافا بشأنها، وكان ركاب تلك السفن يغتبطون ركابها، ويتخيلون كلا منهم قارون الذي خرج على قومه في زينته، وقد أوتي من الخزائن ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، فكان حال لسان كل منهم يقول: ﴿ يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾، ولم يكن من بينهم ممن أوتوا حظا من العلم النافع، حتى يقول: ﴿وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَصَلِحاً وَلَا يُلَقَّهَآ إِلَّا الصَّبِرُونَ ﴾، كما لم يكن فيهم العقلاء كالذين كانوا مع قارون فقالوا له : ﴿ لَاتَفْرَحْإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾.
وأما ركابها المترفون فقد استبد بهم الغرور واستأثر بهم العجب؛ حتى خيل إلى كل منهم أن السماء ما هي إلا تاج فوديه، وأن الجوزاء لا تعدوا أن تكون موطىء نعليه، وقد امتزجت فيهم نشوة الغرور بنشوة الخمور، فكانوا يتخيلون أن الجنة سيقت إليهم بنعيمها المقيم، فهم فيها خالدون لهم فيها ما تشتهية الأنفس وتلذ الأعين، ول خوف عليهم ولا هم يحزنون، وتخيلوا أن البحر لهم تذليلا، فقد آنسهم بسكينته وتطامنه، وسحرهم نسيمه بلطفه وطيبه، واستمرأوا شهوات أنفسهم، واستطابوا الانغماس فيها، واستبعدوا خشية الله تعالى عن ساحتهم، ومراقبته عن قلوبهم ﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ ﴾.
فما كانت إلا أربعة أيام تمتعوا فيها بصفو الحياة ولذة العيش على متن هذه المركبة الفاخرة، وفي هذه الرحلة البهيجة، فإذا هم في اليوم الخامس تتوالى عليهم رسائل النذر، التي لم يبالوا بها لإعجابهم بخبرتهم الفائقة واغترارهم بسفينتهم الآمنة؛ التي يتصورنها أنها قادرة على اجنياز جميع أخطار البحر، وتحدي جميع الصعابه، وقد كان البحر نفسه يبعث في نفوسهم الثقة والإعجاب بهدوئه وسكونه فيزدادون به غرورا، وبينما السفينة كانت تمخر عباب المحيط غير مكثرثة بالنذر؛ إذا بها تقابل بجبل جليدي في مكان لا يتصور وجود مثله، وإنما ساقته إليه إرادة الله النافذة ةقدرته القاهرة وقدره المحتوم، وقد أراد الربابنة المهرة تفادي ارتطامها بالجبل بوقف محركاتها وتغيير اتجاهها، ولكن لم يجد ذلك شيئا فإذا هي ترتطم بهذه الكتلة الثلجية ارتطاما لم يكون ملحوظا أو مسموع بدرجة واحدة، حتى أن بقية أفراد طاقم السفينة كانوا يظنون أنهم ناجحون في تغيير اتجاه السفينة وتجنيبها الاصطدام، ولكن كان هذا الاصطدام الخفيف وحده كافيا لتسقط كتل كبيرة من الثلج على ظهر السفينة.
ومن العجيب أن السفينة لم تهتز بما تساقط عليها منه إلا اهتزازا خفيفا غير ملحوظ، ولكنها انزقت قليلا إلى الخلف، وبعد عدة دقائق توقفت تماما عن الحركة، ولم يكون هذا الأمر مقلقا لركابها إذا لم يشعروا أن سفينتهم العملاقة اصطدمت بشيء، فلم يكن للتصادم صوت مسموع بدرجة كافية، وكان معظم الركاب في غرفاتهم لاهين، وكان قلة من الرجال مستقيظين شاغلين أنفسهم بتدخين السجارة في الغرفة المخصصة لذلك، وانصرفت نساؤهم أو معظمهن إلى حجر النوم، وكان صوت التصادم خافتا، بحيث عبروا عنه بصور مختلفة حيث قال بعضهم إن السفينة كانت -كما يبدو- كأنها مرت على أرض من المرمر، ومنهم من عبر عنه بأنه كالصوت الصادر عن تمزيق قطعة قماش، وكان أحد الضباط نائما بحجرته فما أحس الإ باهتزاز بسيط أثاره من نومه غير أنه ما لبث أن عاد إليه مرة أخرى.
وقد صعد اثنان من الركاب إلى ظهر السفينة فانطلقت بعدهك مجموعات منهم لتكشف السبب غير أنهم لم يجدوا ما يقلقهم، فعادوا أدراجهم إلى ما كانوا عليه من اللهو واللعب ومقامرة الخمر والتسالي بما يزيدهم بعدا عن الله وينسيهم ذكره، ويلهيهم عن التذكر والاعتبار بمصير من كان قبلهم -من أولي البطش والقوة واليسر والترف مشغولا بلهوه ولعبه وترفه وأنسه ذكر الله وقوته الغالبة وأرادته التي لها الحكم النَّفَّاذ.
ولكن ما لبث الفنيون أن اكتشفوا أمرا جللا حيث تحطم جانب من السفينة فتسللت منه المياه وغمرت خمسة أقسام من ستة عشر قسما بأسفلها، كانوا يتصورون أنها لا يمكن أن ينفذ منه الماء قط، على أنه لو غمرت المياه -على سبيل الافتراض- أحد هذه الأقسام فإن يمكن لقائد السفينة -حسب تصميمها المتميز- أن يحجز المياه داخل ذلك القسم وحده، ويمنعها من الوصول إلى بقية الأقسام، ولكن هذه الحسابات كلها انقلبت رأسا على عقب، وشاء الله أن تتوقف الغلايات عن العمل تماماً وامتلأت أيظا حجرة البريد بالمياة فطفت فوقها عشرات الخطابات، وكان ذلك نذير شؤم أدركوا من خلاله أنهم مقبلون على كارثة وأن غرق تلك السفينة أمر لا مفر منه.
وقد أمسك الكابتن سميث "قائد السفينة الماهر" عن تفسير ما حدث وإنما حاول أن يتصرف تصرفا عمليا، فأصدر أوامره فوراَ بإيقاظ جميع الركاب لإخلاء السفينة وإعداد قوارب النجاة، وأمر بإرسال نداء الإغاثة، غير أن مشكلة أخرى واجهته، إذ عدد الركاب كان ألفين ومائتين وسبعة وعشرين راكبا، ولكن القوارب الموجودة في السفينة لم تكون كافية لنقل ما يزيد على ألف ومائة راكب، ولم يكن ما يجري متصورا في نفوس ركاب السفينة فخرجوا من حجراتهم؛ التي يتصورونها آمنة مطمئنة إلى ظهر السفينة في هدوء وبرود أعصاب،غير مكثرثين بشيء حتى أنهم كانوا ساخرين من الموقف، فكان بعضهم يمرح ويغني ويمزح؛ لأنهم سيطر على فكرهم أن سفينتهم عي سفينةالنجاة التي لا ينتاب أهلها الخوف، ولا يهددها الخطر مهما كانت الكوارث البحرية، كيف وهم يحسون بما يزعزع أمنهم ويكدر عليهم صفو الحياة، فالبحر هادئُ كأنه بسلط ممهد، وقد آووا إلى جبل يعصمهم من الماء بركوبهم هذه السفينة العملاقة؛ التي يعد تصميمها وإعدادها وتجهيزها بكلما يضمن لهم السلامة ويهيئ لهم الراجة والرفاهية أكبر إنجاز حققه الإنسان في صناعت البحر.
وخرج بعضهم بثياب النوم واستعدوا لاجتياز المشكلة بسترات النجاة، ثم أخذوا يتدفقون إلى قوارب النجاة تحيت تعليمات الكابتن سميث، الذي أمر بإخلاء السفينة من النساء أولا على أن يذهب الرجال بعد ذلك إلى قوارب النجاة إذا ما توفرت لهم، في حين أن بعض الركاب لم يرد الانتقال إلى قوارب النجاة الصغيرة لأنهم يحسون بأنهم في أمن وهم على ذروة ذلك الطوع الشامخ المكين، غير أن منهم من كان مدركاً أن الكارثة الماحقة قد أحاطت بهم، واضطرب الأمر واختلف الرأي.
فمن الركاب من كان متماديا إلى أن اضطر البحارة إلى إلقاء قوارب النجاة في الحر وهي غير ممتلئة عن آخرها، والوقت كان أضيق من المجادلة في الرأي والبسط في المشورة، وقد وجد ركاب الدرجة الثالثة -وهم الفقراء الذين كانوا يقيمون في الحجراتالسفلى من السفينة – أنفسهم آخر من يصل إلى تلكم القوارب، ومنهم من ظل منتظرا ما يأتي به القدر في أسفل السفينة، مع إدراكهم هول المحنة التي أحاطت بهم.
وفي وسط هذا الاضطراب وقد ناخت على رؤوسهم المحنة بثقلها حرص عامل اللاسلكي بالسفينة أن يكرر نداءات الاستغاثة التي وجدت سبيلها إلى بعض السفن التي كانت بعيدة عنها فلم تتمكن من تفعل شيئا، بينما كان الأمل يدغدغ أحلامهم في وصول هذا النداءات إلى سفينة أخرى ما كان بينهم إلا عشرة أميال فقط وهي "كاليفورنيان"، فما أقربها إلى أن يتحقق بها أملهم المرجو، ولكن القدر الغالب حال دون ذلك، إذا لم يصلهم شيء من تلك النداءات المتكررة على رغم قربها منهم، فقد حال القدر المحتوم بين تلك النداءات المتوالية ووصولها إلى عامل اللاسلكي بالسفينة "كاليفورنيان"؛ الذي قام بإغلاق جهازه بعد أن عسعس الليل الداجي، وخيم على من في السفينة النوم بأوزاره، وكان كسائر الركاب بحاجة إلى أن يأخذ قسطا من الراحة ويتسلم للنوم العميق.
أما السفينة العملاقة التي نكبت بما أتاها من حيث لا تحتسب، فمع يأسها من جدوى نداءاتها لم يكن أمامها إلا أن تطلق صواريخ نارية في السماء تصحبها النداءات والهتافات المتكررة، ولكن ذلك لم يؤثر شيئا على من في السفينة "كاليفورنيان"، فشقت طريقها بين عباب المحيط وأخذت تبتعد عن السفينة المنكوبة ومن فيها شيئا فشيئا، وكانوا قد عقدوا عليها آمالهم في النجاة فإذا بهذه الآمال -التي كانت تدغدغ أحلامهم فتسليها في وسط طوفان المحنة- أخذت تتوارى عنهم كما تتوارى الشمس عن الأنظار إباب الغروب، فيخيم الليل البهيم عل الفضاء، وهكذا أطبق ليل القنوط الساجي عليهم وقد احلولك ظلامه فلم يتراء لهم بين أطباق المطبقة بصيص من أمل، وكانت سفينة "كاليفورنيان" كأنها حملت ضمن حمولاتها ما بقي في نفوس المنكوبينمن أمل في النجاة فغادرت به إلى غير رجعة.
وفي وسط هذا الجو المشحون بأوزار الهموم والكرب أرادت فرقة الموسيقى المصاحبة للرحلة أن تبدد شيئا من تلك الهموم بعزف موسيقى المرح والسعادة، وقد ظلت لفترة من الوقت ملائمة للجو النفسي لبعض ركاب السفينة السفينة الساخرين واللاهين، إلا أنه -مع بروز شبح الموت الزؤام، وإماطته اللثام عن وجهه الكالح المشئوم،وتكشيره عن أنيابه العصل الفتاكة- ما كان صوت الموسيقى مبعثا للسعادة والمرح، ولكنه ضاعف من أثقال الهموم التي ناءت بها حيازيم الركاب جميعا فناءت أيضا بها السفينة فيما ناءت به.
وحاول بعض المترفين أن يظهر في هذا الموقف من التجلد ما عساه يبقى تأريخا له، إذ حرص أن يلقى الموت وهو في أحسن أناقته وأتم زينته، إلا أن ذلك لم يغن من الله شيئا، فهلك مع الهالكين، وما لبثت الشفينة أن بدأت مؤخرتها تنزل في الماء، وتبعتها مقدمتها وجناحاها، لتوكن أقصر السفن عمرا، وأطولها عبرة، وأشأمها تأريخا، وأحلاها بداية، وأمرها نهاية، حملت للعالم كله من العبرة والذكرى ما هو جدير بإيقاظ العقول النائمة، وتبصير العيون العميَّة، وإحياء الضمائر الميتة، ولكن قل الاعتبار وإن جلت العبرة، وشذ الادِّكار وإن عظمت الذكرى.
وقد استجدت أخيرا دراسات قام بها بعض الخبراء تفيد أن غرق السفينة لم يمون بالارتطام بجبل من الجليد -كما قيل- وأنما كان بتحول طبيعة الحر إللا برودة بالغة لم تقو المادة التي صنِّ عت منها السفينة على مقاومتها، وذلك ما أدى إلى انشطارها فغرق نصفها فورا وتبعه النصف الباقي بعد ساعتين، ومهمايكن فإن العبرة من غرقها بالغة على كلا الحالين، فلئن كانت برودة البحر هي السبب إغراقها فلماذا كانت هذه البرودة في خط سيرها خاصة ؟! مع أن سفنا أخرى كانت تخوض عباب ذلك البحر، منها "كاليفورنيان" التي لم تبعد عنها إلا بعشرة أميال فقط، ولم تكن بقدر هذه السفينة في قوتها وضخامتها وجودة صنعها، فلماذا اختصت هذه دون غيرها بهذه الكارثة التي أهلكتها وأهلكت ركابها؟!.
ولئن كانت غرقت بارتطامها بجبل الجليد كما كان شائعا من قبل، فلماذا سيق هذا الجبل إليها أو سيقت إليه دون السفن الأخرى؟! مع أن عبورها في خط ملاحي مشهور، ما زالت السفن تعبره منذ ثرون خلت، ولم تمن سفينة منها بما منيت به هذه السفينة وركابها من هذه النكبة؛ التي لم يعرف لها مثيل من قبل، أولا يدل هذا أن في سلسة دراسات هذا الحدث حلقة ضائعة، غابت عن خبراء الغرب فلم يعرفوا السر الحقيقي في وقوع هذه الكارثة.
ولئن ظل غرق هذه السفينة وهلاك ركابها لغزا معمى عند خبراء الغرب؛ إذ لم يجدوا مفتاحا لأقفاله، فإن أرباب الإيمان ليس ذلك عندهم من الألغاز في شيء، فإن الك النتيجة محتومة لبطر الإنسان عندما يصل بع إلى التطاول على الله عز وجل، وفي مصير قوم الظالمين؛ الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم مثل حيٌ ينطبق تمام الانطباق على هذه السفينة وركابها، وقد دعانا القرآن إلى الاعتبار بهم ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ).
وقد أراد الله تعالى بهذا الحدث أن يثبت لأولئك الذين أعماهم الغرور عن معرفة الله وبطشه الشديد، فتطاولوا عليه بما شاؤوا من الكلام البذئ، وظنوا أنهم ناجحون من عقابه، أن كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا.
وقد بلغ عمى الصيرة بهؤلاء أن سدت عليهم منافذ التفكير فلم يكن للذين تمنوا مكان ركاب السفينة إعجابا بحالهم ما كان للذين تمنوا مكان قارون من الفطنة والنباهة؛ إذ أدركوا خطأهم عندما خسف به وبداره الأرض فقالوا: "ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأن لا يفلح القوم الكافرين" أما هؤلاء فعندما خسف بأصحابهم وبسفينتهم البحر ازدادوا عمى وغفلة فلم تجدهم من قضض وما يبث من أفلام، وعند كل نشر أو بث ينادي لسان حال موعظتها "ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر".
أنشئت السفينة العملاقة التي أطلق عليها أسم "تيتانيك" أي المارد قبل الحرب العالمية الأولى وسبقتها دعايات إعلامية واسعة ملأت الدنيا ضجيجا، وكانت تعد أكبر سفينة بحرية وأقواها، إذا كانت لها ثلاث مزايا لم تكن لغيرها، وهي كبر حجمها وعدم قابليتها للغرق -حسبما يتصورون- والفخامة البالغة، وقد كانت أكبر سفينة شهدها العالم إلى ذلك التأريخ، حيث بلغ وزنها من الأطنان 52310، وطولها 882 قدماً، وعرضها 94 قدماً، وكان ارتفاعها يعادل ارتفاع مبنى يتكون من أحد عشر طابقاً.
وقد صممت تصميما غريباً فيه جميع ماأمكن تصوره من الاحتياطات الواقية من غرقها، أو إصابة أحد من مهرة الربابنة والملاحين، وكان إبحارها في أول رحلة لها من ميناء "كوين ستون" باتجلترا يوم الأربعاء 22 ربيع الثاني 1330 هـ الموافق 10\ أبريل 1912 م، حيث اجتمعت الجماهير الحاشدة لمشاهدة أول رحلة تنطلق بها في البحر، لتعبر المحيط الأطلسي من الملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة، وودعت بعزف الموسيقى في وسط هتاف المودعين والمسافرين والمتفرجين.
وكانوا يعدون رحلتها أسعد رحلةفي العالم، وقد استدرجهم الله سبحانه وتعالى بما تمتعوا به على ظهرها من راحة البال، وهدوء الأنفس، وطمأنينة القلوب، وفرحة غامرة استبدت بألبابهم، فأنستهم ذكر الله وبطشه الشديد، وقوته المحيطة بكل شيء، فانطلقت في تعالٍ وتشامخ، يبصرها الرائي فيراها طودا أشم انقض على البحر -كما يتقض الأسد الكاسر على فريسته- فأخذ يشق عبابه شقا، وجرت تختال بين السفن، كأنها مليك مفدى بين لفيف حاشيته، وكتائب جنده، وجماهير شعبه، والسفن من حولها تخفض لها جناح الذل إكبارا لمقامها، واعترافا بشأنها، وكان ركاب تلك السفن يغتبطون ركابها، ويتخيلون كلا منهم قارون الذي خرج على قومه في زينته، وقد أوتي من الخزائن ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، فكان حال لسان كل منهم يقول: ﴿ يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾، ولم يكن من بينهم ممن أوتوا حظا من العلم النافع، حتى يقول: ﴿وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَصَلِحاً وَلَا يُلَقَّهَآ إِلَّا الصَّبِرُونَ ﴾، كما لم يكن فيهم العقلاء كالذين كانوا مع قارون فقالوا له : ﴿ لَاتَفْرَحْإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾.
وأما ركابها المترفون فقد استبد بهم الغرور واستأثر بهم العجب؛ حتى خيل إلى كل منهم أن السماء ما هي إلا تاج فوديه، وأن الجوزاء لا تعدوا أن تكون موطىء نعليه، وقد امتزجت فيهم نشوة الغرور بنشوة الخمور، فكانوا يتخيلون أن الجنة سيقت إليهم بنعيمها المقيم، فهم فيها خالدون لهم فيها ما تشتهية الأنفس وتلذ الأعين، ول خوف عليهم ولا هم يحزنون، وتخيلوا أن البحر لهم تذليلا، فقد آنسهم بسكينته وتطامنه، وسحرهم نسيمه بلطفه وطيبه، واستمرأوا شهوات أنفسهم، واستطابوا الانغماس فيها، واستبعدوا خشية الله تعالى عن ساحتهم، ومراقبته عن قلوبهم ﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ ﴾.
فما كانت إلا أربعة أيام تمتعوا فيها بصفو الحياة ولذة العيش على متن هذه المركبة الفاخرة، وفي هذه الرحلة البهيجة، فإذا هم في اليوم الخامس تتوالى عليهم رسائل النذر، التي لم يبالوا بها لإعجابهم بخبرتهم الفائقة واغترارهم بسفينتهم الآمنة؛ التي يتصورنها أنها قادرة على اجنياز جميع أخطار البحر، وتحدي جميع الصعابه، وقد كان البحر نفسه يبعث في نفوسهم الثقة والإعجاب بهدوئه وسكونه فيزدادون به غرورا، وبينما السفينة كانت تمخر عباب المحيط غير مكثرثة بالنذر؛ إذا بها تقابل بجبل جليدي في مكان لا يتصور وجود مثله، وإنما ساقته إليه إرادة الله النافذة ةقدرته القاهرة وقدره المحتوم، وقد أراد الربابنة المهرة تفادي ارتطامها بالجبل بوقف محركاتها وتغيير اتجاهها، ولكن لم يجد ذلك شيئا فإذا هي ترتطم بهذه الكتلة الثلجية ارتطاما لم يكون ملحوظا أو مسموع بدرجة واحدة، حتى أن بقية أفراد طاقم السفينة كانوا يظنون أنهم ناجحون في تغيير اتجاه السفينة وتجنيبها الاصطدام، ولكن كان هذا الاصطدام الخفيف وحده كافيا لتسقط كتل كبيرة من الثلج على ظهر السفينة.
ومن العجيب أن السفينة لم تهتز بما تساقط عليها منه إلا اهتزازا خفيفا غير ملحوظ، ولكنها انزقت قليلا إلى الخلف، وبعد عدة دقائق توقفت تماما عن الحركة، ولم يكون هذا الأمر مقلقا لركابها إذا لم يشعروا أن سفينتهم العملاقة اصطدمت بشيء، فلم يكن للتصادم صوت مسموع بدرجة كافية، وكان معظم الركاب في غرفاتهم لاهين، وكان قلة من الرجال مستقيظين شاغلين أنفسهم بتدخين السجارة في الغرفة المخصصة لذلك، وانصرفت نساؤهم أو معظمهن إلى حجر النوم، وكان صوت التصادم خافتا، بحيث عبروا عنه بصور مختلفة حيث قال بعضهم إن السفينة كانت -كما يبدو- كأنها مرت على أرض من المرمر، ومنهم من عبر عنه بأنه كالصوت الصادر عن تمزيق قطعة قماش، وكان أحد الضباط نائما بحجرته فما أحس الإ باهتزاز بسيط أثاره من نومه غير أنه ما لبث أن عاد إليه مرة أخرى.
وقد صعد اثنان من الركاب إلى ظهر السفينة فانطلقت بعدهك مجموعات منهم لتكشف السبب غير أنهم لم يجدوا ما يقلقهم، فعادوا أدراجهم إلى ما كانوا عليه من اللهو واللعب ومقامرة الخمر والتسالي بما يزيدهم بعدا عن الله وينسيهم ذكره، ويلهيهم عن التذكر والاعتبار بمصير من كان قبلهم -من أولي البطش والقوة واليسر والترف مشغولا بلهوه ولعبه وترفه وأنسه ذكر الله وقوته الغالبة وأرادته التي لها الحكم النَّفَّاذ.
ولكن ما لبث الفنيون أن اكتشفوا أمرا جللا حيث تحطم جانب من السفينة فتسللت منه المياه وغمرت خمسة أقسام من ستة عشر قسما بأسفلها، كانوا يتصورون أنها لا يمكن أن ينفذ منه الماء قط، على أنه لو غمرت المياه -على سبيل الافتراض- أحد هذه الأقسام فإن يمكن لقائد السفينة -حسب تصميمها المتميز- أن يحجز المياه داخل ذلك القسم وحده، ويمنعها من الوصول إلى بقية الأقسام، ولكن هذه الحسابات كلها انقلبت رأسا على عقب، وشاء الله أن تتوقف الغلايات عن العمل تماماً وامتلأت أيظا حجرة البريد بالمياة فطفت فوقها عشرات الخطابات، وكان ذلك نذير شؤم أدركوا من خلاله أنهم مقبلون على كارثة وأن غرق تلك السفينة أمر لا مفر منه.
وقد أمسك الكابتن سميث "قائد السفينة الماهر" عن تفسير ما حدث وإنما حاول أن يتصرف تصرفا عمليا، فأصدر أوامره فوراَ بإيقاظ جميع الركاب لإخلاء السفينة وإعداد قوارب النجاة، وأمر بإرسال نداء الإغاثة، غير أن مشكلة أخرى واجهته، إذ عدد الركاب كان ألفين ومائتين وسبعة وعشرين راكبا، ولكن القوارب الموجودة في السفينة لم تكون كافية لنقل ما يزيد على ألف ومائة راكب، ولم يكن ما يجري متصورا في نفوس ركاب السفينة فخرجوا من حجراتهم؛ التي يتصورونها آمنة مطمئنة إلى ظهر السفينة في هدوء وبرود أعصاب،غير مكثرثين بشيء حتى أنهم كانوا ساخرين من الموقف، فكان بعضهم يمرح ويغني ويمزح؛ لأنهم سيطر على فكرهم أن سفينتهم عي سفينةالنجاة التي لا ينتاب أهلها الخوف، ولا يهددها الخطر مهما كانت الكوارث البحرية، كيف وهم يحسون بما يزعزع أمنهم ويكدر عليهم صفو الحياة، فالبحر هادئُ كأنه بسلط ممهد، وقد آووا إلى جبل يعصمهم من الماء بركوبهم هذه السفينة العملاقة؛ التي يعد تصميمها وإعدادها وتجهيزها بكلما يضمن لهم السلامة ويهيئ لهم الراجة والرفاهية أكبر إنجاز حققه الإنسان في صناعت البحر.
وخرج بعضهم بثياب النوم واستعدوا لاجتياز المشكلة بسترات النجاة، ثم أخذوا يتدفقون إلى قوارب النجاة تحيت تعليمات الكابتن سميث، الذي أمر بإخلاء السفينة من النساء أولا على أن يذهب الرجال بعد ذلك إلى قوارب النجاة إذا ما توفرت لهم، في حين أن بعض الركاب لم يرد الانتقال إلى قوارب النجاة الصغيرة لأنهم يحسون بأنهم في أمن وهم على ذروة ذلك الطوع الشامخ المكين، غير أن منهم من كان مدركاً أن الكارثة الماحقة قد أحاطت بهم، واضطرب الأمر واختلف الرأي.
فمن الركاب من كان متماديا إلى أن اضطر البحارة إلى إلقاء قوارب النجاة في الحر وهي غير ممتلئة عن آخرها، والوقت كان أضيق من المجادلة في الرأي والبسط في المشورة، وقد وجد ركاب الدرجة الثالثة -وهم الفقراء الذين كانوا يقيمون في الحجراتالسفلى من السفينة – أنفسهم آخر من يصل إلى تلكم القوارب، ومنهم من ظل منتظرا ما يأتي به القدر في أسفل السفينة، مع إدراكهم هول المحنة التي أحاطت بهم.
وفي وسط هذا الاضطراب وقد ناخت على رؤوسهم المحنة بثقلها حرص عامل اللاسلكي بالسفينة أن يكرر نداءات الاستغاثة التي وجدت سبيلها إلى بعض السفن التي كانت بعيدة عنها فلم تتمكن من تفعل شيئا، بينما كان الأمل يدغدغ أحلامهم في وصول هذا النداءات إلى سفينة أخرى ما كان بينهم إلا عشرة أميال فقط وهي "كاليفورنيان"، فما أقربها إلى أن يتحقق بها أملهم المرجو، ولكن القدر الغالب حال دون ذلك، إذا لم يصلهم شيء من تلك النداءات المتكررة على رغم قربها منهم، فقد حال القدر المحتوم بين تلك النداءات المتوالية ووصولها إلى عامل اللاسلكي بالسفينة "كاليفورنيان"؛ الذي قام بإغلاق جهازه بعد أن عسعس الليل الداجي، وخيم على من في السفينة النوم بأوزاره، وكان كسائر الركاب بحاجة إلى أن يأخذ قسطا من الراحة ويتسلم للنوم العميق.
أما السفينة العملاقة التي نكبت بما أتاها من حيث لا تحتسب، فمع يأسها من جدوى نداءاتها لم يكن أمامها إلا أن تطلق صواريخ نارية في السماء تصحبها النداءات والهتافات المتكررة، ولكن ذلك لم يؤثر شيئا على من في السفينة "كاليفورنيان"، فشقت طريقها بين عباب المحيط وأخذت تبتعد عن السفينة المنكوبة ومن فيها شيئا فشيئا، وكانوا قد عقدوا عليها آمالهم في النجاة فإذا بهذه الآمال -التي كانت تدغدغ أحلامهم فتسليها في وسط طوفان المحنة- أخذت تتوارى عنهم كما تتوارى الشمس عن الأنظار إباب الغروب، فيخيم الليل البهيم عل الفضاء، وهكذا أطبق ليل القنوط الساجي عليهم وقد احلولك ظلامه فلم يتراء لهم بين أطباق المطبقة بصيص من أمل، وكانت سفينة "كاليفورنيان" كأنها حملت ضمن حمولاتها ما بقي في نفوس المنكوبينمن أمل في النجاة فغادرت به إلى غير رجعة.
وفي وسط هذا الجو المشحون بأوزار الهموم والكرب أرادت فرقة الموسيقى المصاحبة للرحلة أن تبدد شيئا من تلك الهموم بعزف موسيقى المرح والسعادة، وقد ظلت لفترة من الوقت ملائمة للجو النفسي لبعض ركاب السفينة السفينة الساخرين واللاهين، إلا أنه -مع بروز شبح الموت الزؤام، وإماطته اللثام عن وجهه الكالح المشئوم،وتكشيره عن أنيابه العصل الفتاكة- ما كان صوت الموسيقى مبعثا للسعادة والمرح، ولكنه ضاعف من أثقال الهموم التي ناءت بها حيازيم الركاب جميعا فناءت أيضا بها السفينة فيما ناءت به.
وحاول بعض المترفين أن يظهر في هذا الموقف من التجلد ما عساه يبقى تأريخا له، إذ حرص أن يلقى الموت وهو في أحسن أناقته وأتم زينته، إلا أن ذلك لم يغن من الله شيئا، فهلك مع الهالكين، وما لبثت الشفينة أن بدأت مؤخرتها تنزل في الماء، وتبعتها مقدمتها وجناحاها، لتوكن أقصر السفن عمرا، وأطولها عبرة، وأشأمها تأريخا، وأحلاها بداية، وأمرها نهاية، حملت للعالم كله من العبرة والذكرى ما هو جدير بإيقاظ العقول النائمة، وتبصير العيون العميَّة، وإحياء الضمائر الميتة، ولكن قل الاعتبار وإن جلت العبرة، وشذ الادِّكار وإن عظمت الذكرى.
وقد استجدت أخيرا دراسات قام بها بعض الخبراء تفيد أن غرق السفينة لم يمون بالارتطام بجبل من الجليد -كما قيل- وأنما كان بتحول طبيعة الحر إللا برودة بالغة لم تقو المادة التي صنِّ عت منها السفينة على مقاومتها، وذلك ما أدى إلى انشطارها فغرق نصفها فورا وتبعه النصف الباقي بعد ساعتين، ومهمايكن فإن العبرة من غرقها بالغة على كلا الحالين، فلئن كانت برودة البحر هي السبب إغراقها فلماذا كانت هذه البرودة في خط سيرها خاصة ؟! مع أن سفنا أخرى كانت تخوض عباب ذلك البحر، منها "كاليفورنيان" التي لم تبعد عنها إلا بعشرة أميال فقط، ولم تكن بقدر هذه السفينة في قوتها وضخامتها وجودة صنعها، فلماذا اختصت هذه دون غيرها بهذه الكارثة التي أهلكتها وأهلكت ركابها؟!.
ولئن كانت غرقت بارتطامها بجبل الجليد كما كان شائعا من قبل، فلماذا سيق هذا الجبل إليها أو سيقت إليه دون السفن الأخرى؟! مع أن عبورها في خط ملاحي مشهور، ما زالت السفن تعبره منذ ثرون خلت، ولم تمن سفينة منها بما منيت به هذه السفينة وركابها من هذه النكبة؛ التي لم يعرف لها مثيل من قبل، أولا يدل هذا أن في سلسة دراسات هذا الحدث حلقة ضائعة، غابت عن خبراء الغرب فلم يعرفوا السر الحقيقي في وقوع هذه الكارثة.
ولئن ظل غرق هذه السفينة وهلاك ركابها لغزا معمى عند خبراء الغرب؛ إذ لم يجدوا مفتاحا لأقفاله، فإن أرباب الإيمان ليس ذلك عندهم من الألغاز في شيء، فإن الك النتيجة محتومة لبطر الإنسان عندما يصل بع إلى التطاول على الله عز وجل، وفي مصير قوم الظالمين؛ الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم مثل حيٌ ينطبق تمام الانطباق على هذه السفينة وركابها، وقد دعانا القرآن إلى الاعتبار بهم ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ).
وقد أراد الله تعالى بهذا الحدث أن يثبت لأولئك الذين أعماهم الغرور عن معرفة الله وبطشه الشديد، فتطاولوا عليه بما شاؤوا من الكلام البذئ، وظنوا أنهم ناجحون من عقابه، أن كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا.
وقد بلغ عمى الصيرة بهؤلاء أن سدت عليهم منافذ التفكير فلم يكن للذين تمنوا مكان ركاب السفينة إعجابا بحالهم ما كان للذين تمنوا مكان قارون من الفطنة والنباهة؛ إذ أدركوا خطأهم عندما خسف به وبداره الأرض فقالوا: "ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأن لا يفلح القوم الكافرين" أما هؤلاء فعندما خسف بأصحابهم وبسفينتهم البحر ازدادوا عمى وغفلة فلم تجدهم من قضض وما يبث من أفلام، وعند كل نشر أو بث ينادي لسان حال موعظتها "ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر".
تعليق