هو مرداس بن حدير ويكنى بأبي بلال. ينتمي إلى قبيلة بني تميم التي كان يتزعمها الأحنف بن قيس، وقد شهد معركة صفين مع الإمام علي هو وأخوه عروة وفارقه مع أهل النهروان بعد التحكيم وكان من العدد القليل الذين نجوا من القتل في معركة النهروان. قال عنه ابن الأثير: (كان مرداس عابدا مجتهدا عظيم القدر وكان لا يدين بالاستعراض ويحرم خروج النساء ويقول لا نقاتل إلا من قاتلنا).
ويظهر أنه لم يكن مرتاحا لما حدث من خلاف وفتنة بين المسلمين وصعق لِما حل بأصحابه من قتل وتشريد على أيدي إخوانه المسلمين ورأى أن القتال بين أتباع العقيدة الإسلامية أمر لا يصح, فانسحب مع نفر من أصحابه وأقام بالبصرة تحت حماية الأحنف بن قيس الذي كان يمتاز بحكمته وسداد رأيه، وفي ظل هذه الحماية أخذ أبو بلال ينشر آراءه وأفكاره مؤثرا طريق النقاش والإقناع بدلا من طريق الحرب الذي سلكه الخوارج، فدعا أتباعه ألا يجردوا سلاحا ولا يقاتلوا أحدا إلا إذا تعرضوا للعدوان فأنكر قتل المخالفين واستعراض الناس على طريقة متطرفي الخوارج. وكان مما ساعده في نشر أفكاره هو تسامح زياد ابن أبيه والي العراق في ذلك الحين معه ومع جماعته لأنهم لم يحاربوه كما فعل الخوارج. وقد أنكر الخوارج قعود أبي بلال وجماعته عن الثورة ضد ولاة الأمويين فلقبوهم - احتقارا - بالقعدة، أما أهل البصرة فكانوا يسمونهم الحرورية، نسبة إلى حروراء.
وقد نشط أبو بلال في البصرة لنشر دعوته وأفكاره وكان يعقد المجالس والمناظرات لإقناع الناس بآرائه، فانضم إليه عدد كبير من الناس وازداد عددهم حتى بنوا مسجدا خاصا لهم بالبصرة. وبلغ من حسن سيرته أن جميع الفِرق التي خرجت على الدولة الأموية تتولاه بما فيهم الأزارقة والنجدات والشيعة، ولعل ذلك يعود إلى أن تلك الفِرق جميعا كانت هي التي تسمى بالمحكمة قبل أن تنقسم.
كان أبو بلال ملازما لجابر بن زيد يأخذ من علمه ويستشيره في أموره ولا يقطع شيئا دونه حتى قيل أنه ما كان يصبر على فراقه فقد كان من تشوقه إليه أنه يخرج من عند جابر بعد العشاء ويأتيه قبل صلاة الصبح فيقول له جابر لقد شَقَقْتَ على نفسك فيرد عليه أبو بلال : والله لقد طال ما همت نفسي بلقاك شوقا إليك حتى أتيتك. وهذا يبين مدى الصلة الفكرية والروحية التي كانت تربط أبي بلال بالإمام جابر ويذكر مؤرخو الإباضية أن أبا بلال كان لا يبرم أمرا إلا بمشورة الإمام جابر.
وعندما تولى عبيد الله بن زياد إمارة العراق سنة 55 للهجرة اتبع سياسة جديدة مختلفة عن سياسة والده تجاه القعدة فاشتد في طلب الخوارج واستعمل القسوة مع كل المعارضين سواء كانوا من القعدة أو من الخوارج ورفض الشفاعة في أي واحد منهم، ورغم كل هذا كان أبو بلال يقول كلمة الحق ولم يخش في الله لومة لائم.
يقول الدرجيني في الطبقات: (ثبت عندنا من طريق صحيح أن أبا بلال رحمه الله كان في المسجد الجامع فسمع زيادا يقول على المنبر: والله لآخذن المحسن منكم بالمسيء والحاضر بالغائب والصحيح بالسقيم. فقام رحمه الله فقال: قد سمعنا ما قلت وما هكذا ذكر الله إذ يقول (وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزايه الجزاء الأوفى). وإنك تزعم أنك تأخذ المطيع بالعاصي).
كان من نتيجة ذلك أن سُجن أبا بلال قبل أن يُقتل أخاه عروة ثم أُطلق سراحه وربما كان سبب ذلك خوفه من إثارة بني تميم التي كان لها آنذاك وزن كبير في البصرة. ولكن هذا العفو لم يشمل أتباعه فاستمر في مطاردتهم وملاحقتهم ولم يفرق بين الرجال والنساء فقد ذكر المؤرخون أنه أتى بامرأة من أصحاب أبي بلال اسمها البلجاء (أو البثجاء) كانت مجتهدة في العبادة وكانت تذكر تجبر ابن زياد وسوء سيرته فقال لها أبو بلال: إن هذا الجبار قد ذكرك فتغيبي. قالت: (أخشى أن يلقى أحد مكروها بسببي. فأخذها ابن زياد فقطع رجليها ويديها ثم رمى بها في السوق)[7].
واستمر ابن زياد في اضطهاد كل مخالفيه سواء كانوا من المحاربين أو من القعدة وكان يبث العيون والجواسيس لتعقبهم وملاحقتهم ثم حبسهم أو قتلهم. وتمشيا مع هذه السياسة اضطر أبو بلال وأصحابه إلى التخفي فكانوا يعقدون اجتماعاتهم سرا للنظر في أمورهم وقد ذكر المؤرخون أنهم كانوا يأتون إلى المجالس متشبهين بالنساء أحيانا ومنتحلين صفة الباعة المتجولين أحيانا أخرى.
كان من نتيجة الاضطهاد الذي مارسه عبيد الله بن زياد ضد المسلمين أثره الكبير في نفس أبي بلال فقرر أن يترك البصرة إلى مكان آخر أملا أن يأمن شر ابن زياد وأن يدعو إلى فكره في مكان آخر فقال لأصحابه: (إنه والله ما يسعنا المقام بين هؤلاء الظالمين تجري علينا أحكامهم. والله إن الصبر على هذا لعظيم، وإن تجريد السيف وإخافة السبيل لعظيم ولكننا ننتبذ عنهم ولا نجرد سيفا ولا نقاتل إلا من قاتلنا). فخرج من البصرة وهو يقول:
إني وزنت الذي يبقى ليعدله
ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا
من كان يرجو بقاء لا نفاد له
فلا يكن حبه الدنيا له شجــنا
تقوى الإله وخوف النار أخرجني
وبيع نفسي بما ليست له ثمنا
سار ومعه أربعون رجلا من أتباعه حتى نزلوا بآسك، وقد أعلن أنه وأصحابه لن يخيفوا أحدا أو يجردوا سيفا ولا يقاتلوا إلا من بدأهم بالقتال. ولكن ابن زياد لم يرتض هذا العمل من أبي بلال فأرسل إليه جيشا مكونا من أربعة آلاف رجل بقيادة عباد بن أخضر فقتلهم جميعا وكان ذلك في سنة 61 هجرية. وكان يقول قبل قتله:
ماذا نبالي إذا أرواحنا خرجــــت
ماذا فعـلتم بأجسـادي وأوصـالــي
نرجو الجنان إذا طارت جماجمنا
تحت العجاج كمثل الحنظل البالي
إني امرؤ باعني ربي لموعـــــــده
إذ القلوب هوت من خوف أوجالي
كان لمقتل أبي بلال صدى عميق في نفوس أصحابه وآثار نقمة شديدة ضد ابن زياد فقد كان بسلوكه وعمله واستشهاده المثل الأعلى لأتباعه فرثاه كثير من الشعراء منهم عمران بن حطان الذي قال فيه:
يا عين ابكي لمرداس ومصرعــه
يا رب مرداس اجعلــني كمرداس
تركتني هائما أبكـي لمرزأتــــي
في منزل موحش من بعد إينـــاس
أنكرتُ بعدك ما قد كنت أعرفه
ما الناس بعدك يا مرداس بالناس
وقال أيضا:
لقد زاد الحيــاة إلي بغضـــــا
وحبــا للخـــروج أبو بـــــلال
أحاذر أن أموت على فراشــي
وأرجو الموت تحت ذرى العوالي
فمن يك همـه الدنيــا فإنــــي
لها والله رب العـــرش قـــــال
ولو أني علمت بأن حتــــــفي
كحتــف أبي بــلال لم أبـــال
بعد استشهاد أبي بلال تزعم عمران بن حطان القعدة وكان محدثا وعالما وفقيها وشاعرا. فسار على منواله في نشر دعوته وكان مثله في إنكار الاستعراض وتحريم أموال المسلمين ودمائهم. وفي هذه الفترة احتل عبد الله بن الر البصرة، وشعر عمران وأتباعه بنوع من الأمن تحت حكم ابن الر فاتجه مع أتباعه للدراسة والتعمق في الدين والدعوة في هدوء وسكينة. واستمر ذلك حتى عاد العراق من جديد إلى حكم الأمويين وتولىّ الحجاج بن يوسف ولاية العراق. فاشتكى الحجاج إلى عبد الملك بن مروان من نشاط عمران وجماعته واستأذنه في التصرف تجاه عمران وأصحابه بحجة أن عمران قد أفسد عليه أهل العراق. وبذلك بدأت مرحلة جديدة من التضييق على الإباضية. فقام الحجاج بحبس عمران ثم أطلقه في محاولة لكسب القعدة والتفرغ لمحاربة الخوارج من الأزارقة والنجدات. وبعد خروج عمران بن حطان من سجن الحجاج حدث نقاش حاد بين شيوخ القعدة فكان فريق منهم يرى الثورة على الحكم الأموي وفريق آخر يرى الاستمرار في الدعوة بالطرق السلمية وانتهى الجدال والنقاش أن انقسمت القعدة إلى فرقتين : الصفرية وهم أتباع عبد الله بن الصفار وكانت ترى الخروج والثورة ولكنها لم تكفر من قعد كما فعل الأزارقة. والإباضية وهي التي فضلت الاستمرار في القعود والتربية والدعوة إلى أن يأذن الله. أما عمران فيبدو أنه قد استاء من النتيجة التي انتهى إليها الجدل بين جماعته وقرر ترك البصرة، وأخذ يتنقل بين أحياء العرب حتى استقر أخيرا في عمان حيث بقي هناك حتى مات رحمه الله.
ويظهر أنه لم يكن مرتاحا لما حدث من خلاف وفتنة بين المسلمين وصعق لِما حل بأصحابه من قتل وتشريد على أيدي إخوانه المسلمين ورأى أن القتال بين أتباع العقيدة الإسلامية أمر لا يصح, فانسحب مع نفر من أصحابه وأقام بالبصرة تحت حماية الأحنف بن قيس الذي كان يمتاز بحكمته وسداد رأيه، وفي ظل هذه الحماية أخذ أبو بلال ينشر آراءه وأفكاره مؤثرا طريق النقاش والإقناع بدلا من طريق الحرب الذي سلكه الخوارج، فدعا أتباعه ألا يجردوا سلاحا ولا يقاتلوا أحدا إلا إذا تعرضوا للعدوان فأنكر قتل المخالفين واستعراض الناس على طريقة متطرفي الخوارج. وكان مما ساعده في نشر أفكاره هو تسامح زياد ابن أبيه والي العراق في ذلك الحين معه ومع جماعته لأنهم لم يحاربوه كما فعل الخوارج. وقد أنكر الخوارج قعود أبي بلال وجماعته عن الثورة ضد ولاة الأمويين فلقبوهم - احتقارا - بالقعدة، أما أهل البصرة فكانوا يسمونهم الحرورية، نسبة إلى حروراء.
وقد نشط أبو بلال في البصرة لنشر دعوته وأفكاره وكان يعقد المجالس والمناظرات لإقناع الناس بآرائه، فانضم إليه عدد كبير من الناس وازداد عددهم حتى بنوا مسجدا خاصا لهم بالبصرة. وبلغ من حسن سيرته أن جميع الفِرق التي خرجت على الدولة الأموية تتولاه بما فيهم الأزارقة والنجدات والشيعة، ولعل ذلك يعود إلى أن تلك الفِرق جميعا كانت هي التي تسمى بالمحكمة قبل أن تنقسم.
كان أبو بلال ملازما لجابر بن زيد يأخذ من علمه ويستشيره في أموره ولا يقطع شيئا دونه حتى قيل أنه ما كان يصبر على فراقه فقد كان من تشوقه إليه أنه يخرج من عند جابر بعد العشاء ويأتيه قبل صلاة الصبح فيقول له جابر لقد شَقَقْتَ على نفسك فيرد عليه أبو بلال : والله لقد طال ما همت نفسي بلقاك شوقا إليك حتى أتيتك. وهذا يبين مدى الصلة الفكرية والروحية التي كانت تربط أبي بلال بالإمام جابر ويذكر مؤرخو الإباضية أن أبا بلال كان لا يبرم أمرا إلا بمشورة الإمام جابر.
وعندما تولى عبيد الله بن زياد إمارة العراق سنة 55 للهجرة اتبع سياسة جديدة مختلفة عن سياسة والده تجاه القعدة فاشتد في طلب الخوارج واستعمل القسوة مع كل المعارضين سواء كانوا من القعدة أو من الخوارج ورفض الشفاعة في أي واحد منهم، ورغم كل هذا كان أبو بلال يقول كلمة الحق ولم يخش في الله لومة لائم.
يقول الدرجيني في الطبقات: (ثبت عندنا من طريق صحيح أن أبا بلال رحمه الله كان في المسجد الجامع فسمع زيادا يقول على المنبر: والله لآخذن المحسن منكم بالمسيء والحاضر بالغائب والصحيح بالسقيم. فقام رحمه الله فقال: قد سمعنا ما قلت وما هكذا ذكر الله إذ يقول (وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزايه الجزاء الأوفى). وإنك تزعم أنك تأخذ المطيع بالعاصي).
كان من نتيجة ذلك أن سُجن أبا بلال قبل أن يُقتل أخاه عروة ثم أُطلق سراحه وربما كان سبب ذلك خوفه من إثارة بني تميم التي كان لها آنذاك وزن كبير في البصرة. ولكن هذا العفو لم يشمل أتباعه فاستمر في مطاردتهم وملاحقتهم ولم يفرق بين الرجال والنساء فقد ذكر المؤرخون أنه أتى بامرأة من أصحاب أبي بلال اسمها البلجاء (أو البثجاء) كانت مجتهدة في العبادة وكانت تذكر تجبر ابن زياد وسوء سيرته فقال لها أبو بلال: إن هذا الجبار قد ذكرك فتغيبي. قالت: (أخشى أن يلقى أحد مكروها بسببي. فأخذها ابن زياد فقطع رجليها ويديها ثم رمى بها في السوق)[7].
واستمر ابن زياد في اضطهاد كل مخالفيه سواء كانوا من المحاربين أو من القعدة وكان يبث العيون والجواسيس لتعقبهم وملاحقتهم ثم حبسهم أو قتلهم. وتمشيا مع هذه السياسة اضطر أبو بلال وأصحابه إلى التخفي فكانوا يعقدون اجتماعاتهم سرا للنظر في أمورهم وقد ذكر المؤرخون أنهم كانوا يأتون إلى المجالس متشبهين بالنساء أحيانا ومنتحلين صفة الباعة المتجولين أحيانا أخرى.
كان من نتيجة الاضطهاد الذي مارسه عبيد الله بن زياد ضد المسلمين أثره الكبير في نفس أبي بلال فقرر أن يترك البصرة إلى مكان آخر أملا أن يأمن شر ابن زياد وأن يدعو إلى فكره في مكان آخر فقال لأصحابه: (إنه والله ما يسعنا المقام بين هؤلاء الظالمين تجري علينا أحكامهم. والله إن الصبر على هذا لعظيم، وإن تجريد السيف وإخافة السبيل لعظيم ولكننا ننتبذ عنهم ولا نجرد سيفا ولا نقاتل إلا من قاتلنا). فخرج من البصرة وهو يقول:
إني وزنت الذي يبقى ليعدله
ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا
من كان يرجو بقاء لا نفاد له
فلا يكن حبه الدنيا له شجــنا
تقوى الإله وخوف النار أخرجني
وبيع نفسي بما ليست له ثمنا
سار ومعه أربعون رجلا من أتباعه حتى نزلوا بآسك، وقد أعلن أنه وأصحابه لن يخيفوا أحدا أو يجردوا سيفا ولا يقاتلوا إلا من بدأهم بالقتال. ولكن ابن زياد لم يرتض هذا العمل من أبي بلال فأرسل إليه جيشا مكونا من أربعة آلاف رجل بقيادة عباد بن أخضر فقتلهم جميعا وكان ذلك في سنة 61 هجرية. وكان يقول قبل قتله:
ماذا نبالي إذا أرواحنا خرجــــت
ماذا فعـلتم بأجسـادي وأوصـالــي
نرجو الجنان إذا طارت جماجمنا
تحت العجاج كمثل الحنظل البالي
إني امرؤ باعني ربي لموعـــــــده
إذ القلوب هوت من خوف أوجالي
كان لمقتل أبي بلال صدى عميق في نفوس أصحابه وآثار نقمة شديدة ضد ابن زياد فقد كان بسلوكه وعمله واستشهاده المثل الأعلى لأتباعه فرثاه كثير من الشعراء منهم عمران بن حطان الذي قال فيه:
يا عين ابكي لمرداس ومصرعــه
يا رب مرداس اجعلــني كمرداس
تركتني هائما أبكـي لمرزأتــــي
في منزل موحش من بعد إينـــاس
أنكرتُ بعدك ما قد كنت أعرفه
ما الناس بعدك يا مرداس بالناس
وقال أيضا:
لقد زاد الحيــاة إلي بغضـــــا
وحبــا للخـــروج أبو بـــــلال
أحاذر أن أموت على فراشــي
وأرجو الموت تحت ذرى العوالي
فمن يك همـه الدنيــا فإنــــي
لها والله رب العـــرش قـــــال
ولو أني علمت بأن حتــــــفي
كحتــف أبي بــلال لم أبـــال
بعد استشهاد أبي بلال تزعم عمران بن حطان القعدة وكان محدثا وعالما وفقيها وشاعرا. فسار على منواله في نشر دعوته وكان مثله في إنكار الاستعراض وتحريم أموال المسلمين ودمائهم. وفي هذه الفترة احتل عبد الله بن الر البصرة، وشعر عمران وأتباعه بنوع من الأمن تحت حكم ابن الر فاتجه مع أتباعه للدراسة والتعمق في الدين والدعوة في هدوء وسكينة. واستمر ذلك حتى عاد العراق من جديد إلى حكم الأمويين وتولىّ الحجاج بن يوسف ولاية العراق. فاشتكى الحجاج إلى عبد الملك بن مروان من نشاط عمران وجماعته واستأذنه في التصرف تجاه عمران وأصحابه بحجة أن عمران قد أفسد عليه أهل العراق. وبذلك بدأت مرحلة جديدة من التضييق على الإباضية. فقام الحجاج بحبس عمران ثم أطلقه في محاولة لكسب القعدة والتفرغ لمحاربة الخوارج من الأزارقة والنجدات. وبعد خروج عمران بن حطان من سجن الحجاج حدث نقاش حاد بين شيوخ القعدة فكان فريق منهم يرى الثورة على الحكم الأموي وفريق آخر يرى الاستمرار في الدعوة بالطرق السلمية وانتهى الجدال والنقاش أن انقسمت القعدة إلى فرقتين : الصفرية وهم أتباع عبد الله بن الصفار وكانت ترى الخروج والثورة ولكنها لم تكفر من قعد كما فعل الأزارقة. والإباضية وهي التي فضلت الاستمرار في القعود والتربية والدعوة إلى أن يأذن الله. أما عمران فيبدو أنه قد استاء من النتيجة التي انتهى إليها الجدل بين جماعته وقرر ترك البصرة، وأخذ يتنقل بين أحياء العرب حتى استقر أخيرا في عمان حيث بقي هناك حتى مات رحمه الله.
تعليق