أعوذ بالله من الشيطان الرجيـــم بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ثم الحمد لله كما ينبغي لجلاله وعظيم سلطانــه
مالك الملك ذو القوة المتيــــن خالق الخلق ومدبـــر الأمر
ثم الصلاة والسلام على السراج المنيـــر قائد الصحابــــة
والمجاهدين وعلى آله وصحبه ومن سار بسنته إلى يوم
العرض واللقاء .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
و بعـد :...........................
نصرة لله
نصرة لدين الله
نصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
نصرة لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها
نصرة لصحابة رسول الله رضي الله عنهم أجمعين
نصرة للإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها
نصرة للمرابطين القانتين الثابثين الزاهدين
أقدم
السلسلة العلمية المختصرة
بعنوان
ديننا الإسلام
جميع الحقوق محفوظة لكافة المسلمين
في الطباعة والنشر والتوزيع
الجزء السابع
درس اليـــــــــــــــــــــــــــــوم
التوحيد حق الله على العباد
توحيد الألوهية ( الولاء والبراء )
موعدنا اليوم أيها الأحباب الكرام مع الدرس الســابع من دروس
العقيدة المحمدية التي نزل بها الروح الأمين على قلـب محمــد بن
عبد الله الأمين صلى الله عليه وسلم
تتمة
الــــــــــولاء والبــــــراء
الولاء هو : عقد النية على فعل أمر ابتغـــــــاء مرضات الله أي أن
تقصد بعملك إرضاء الله تحقيقا لأمره جل جلاله بحـــــــــــــب منك
وطواعية خالصة من قلبك ظاهرة على جوارحك .
البراء هو : عقد النية على ترك أمر ابتغـــــــاء مرضات الله أي أن
تقصد بتركك لذاك العمل إرضاء الله وتحقيقا لأمره جل جلاله بحب
منك وطواعية خالصة من قلبك ظاهرة على جوارحك .
وهذا ما ورد معناه في حديـــــث ابن عباس رضي الله عنهما حيث
قال : ( من أحب في الله وأبغــض في الله ووالى في الله وعادى في
الله فإنما تنال ولاية الله بذلك ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت
صلاته وصومه حتى يكون كذلك وقد صارت عامــة مؤاخاة الناس
على أمر الدنيا وذلك لا يجدي على أهله شيئاً ) .
أخوة الإسلام وأهل العقيدة إعلموا رعاكم الله
أن الولاء والبراء ركنان أساسيان من أركان العقيـــــدة وشرط من
شروط الإيمان وهو بمثابة حجــــــــر الأساس لهذا الدين العظيم .
فالولاء لغة وشرعا يعني : النصرة والمحبـــــــــة وهو مشتق من
الولي وهو القرب وفي عرف الفقهــــــاء عبارة عن تناصر يوجب
الإرث والعقــــل قال النبي صلى الله عليــــــــــــــــــه وسلـــــــــــم
{ الـــــــولاء لحمـــــة كلحمـــــــــــة النســــــب } .
أي وصلة كوصلة النسب وقيل الولاء والولاية بالفتـح أي النصرة
والمحبـــــــــــــــــــــة .
وعليه فإن معنى الولاء هو : حـــــــــــــب الله ورسوله والصحابة
والمؤمنين الموحدين على اختلاف ألوانهم وأعراقهم وأوضاعهــم
ثم وجوب نصرتهم بكل أنواع النصرة الممكنــــــة ولو بالدعاء إذا
كان المرء ذا عذر شرعي كعاهة أو مرض.... ونحو ذلك .
إن المؤمن الموحد ملتزم دائما بالأوامر والنواهي الشرعية أعربيا
كان أم أعجميا لقوله جل جلالــــــــه ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُـــمْ
إِنَّ اللَّهَ عَلِيـــمٌ خَبِيرٌ ) وقوله صلى الله عليه وسلم : لا فـــــرق بين
عربي وأعجمي إلا بالتقـــــــــــــــــــــــــــوى .
أما البراء لغة وشرعا فيعني :
مصدر بَرَى بمعنى قطع ومنه برى القلم بمعنى قطعـــــه وبرئ أي
تنزه وتباعد وهو كذلك بمعنى البعد والخلاص والعداوة والمــــراد
هنا : قطع الصلة مع الكفار بعدم محبتهم و مناصرتهم أو التشبـه
بهم..... إلى غير ذلك من الأمور التي سيتم تفصيلها تباعا .
فمن البــراءة قوله تعالى : ( برآءة من الله ورسوله ) قال بـــرىء
وتبرأ من الكفار إذا قطع الصلة بينه وبينهم فلا يواليهـــــــــم ولا
يحبهم ولا يركن إليهم ولا يطلب النصرة منهم لأن مــــــــــــوالاة
الكفار تعني التقرب إليهم وإظهار الود لهم سواء بالأقــــــــوال أو
الأفعـــــــــــال أو النوايـــــــــــــــــــــــــــا... .
أما الولاية فهي النصرة والمحبة والإكرام والإحترام والكـــون مع
المحبوبين قال شيخ الإسلام ابن تيمية : الولاية ضد العــــــــداوة
قال تعالى : اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّـوُرِ
وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّـــــــــــورِ إِلَى
الظُّلُمَـــــــــــــــــــــــــــــــاتِ .
فمن الأسس التي قام عليها الإسلام العظيم هو البعد عن الكفــــار
ومعاداتهم وقطع الصلة بهم فلا يصح إيمان المرء حتى يوالـــــي
أولياء الله ويعادي أعداءَه ويتبرء منهم ولو كانوا أقرب الأقربين .
ولذا سأبدأ بعون الله تعالى في سرد بعض من الآيات المحكمـــات
من كتاب الله جل جلاله وتفسيرات سلف الأمة لها كي تتضح لنـا
أسس وقواعد هذا البـــــــــــــــــــــــاب :
قال العليم الحكيم في كتابه الكريم :
1. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُــــــونَ
إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُـــونَ الرَّسُولَ
وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَــــــادًا فِي سَبِيلِي
وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَـا
أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيــــــلِ .
قال بن كثير رحمه الله : يعني : المشركين والكفار الذين هــــــــم
محاربون لله ولرسوله وللمؤمنين الذين شرع الله عداوتهــــــــــم
ومصارمتهم ونهى أن يتخذوا أولياء وأصدقاء وأخلاء والمعنـى :
لا تتخذوا أعدائي وأعداءكم أولياء والمراد العداوة في الديــــــن .
وقد جاء في البحر المحيط قوله : افتتح هذه الآية بالنهي عـــــــن
موالاة الكفار والتودد إليهم وأضاف في قوله جل وعلا كلمـــــــــة
( عدوي ) وذلك تغليظا لجرمهم وإعلاما بحلول عقاب الله بهم .
قال جل جلاله : إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُـــــــمْ
أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُــــــــــــــــــــــرُونَ .
قال القرطبي رحمه الله :
إن يثقفكم هؤلاء الذين تسرون أيها المؤمنون إليهم بالمـــــــــودة
يكونوا لكم حربا وأعداء ( ويبسطوا إليكم أيديهم ) بالقتــــــــــال
( وألسنتهم بالسوء ) .
وقوله : ( وودوا لو تكفرون ) يقول : وتمنوا لكم أن تكفــــــــروا
بربكم فتكونوا على مثل الذي هم عليــــــــــــــــــــــــــه .
قوله : ( لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة ) يقـــــــــول
تعالى ذكره : لا يدعونكم أرحامكم وقراباتكم وأولادكـــــــــــــم إلى
الكفر بالله واتخاذ أعدائه أولياء تلقون إليهم بالمودة فإنه لــــــــن
تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم عند الله يوم القيامة فتدفع عنكـــــــــم
عذاب الله يومئذ إن أنتم عصيتموه في الدنيا وكفرتم به .
قال العليم الحكيم : لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَـــــةِ
يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيــــــــــــــــــرٌ
قال الحكم العدل : قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِيـــــنَ
مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُــــــدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ
كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُـــــوا
بِاللَّهِ وَحْـــــــــــــــــــــــــدَهُ .
قال بن كثير رحمه الله : يقول تعالى لعباده المؤمنين الذين أمرهم
بمصارمة الكافرين وعداوتهم ومجانبتهم والتبري منهم : ( قـــــد
كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه ) أي : وأتباعــــــه
الذين آمنوا معه ( إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ) أي : تبــــــرأنا
منكم ( ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم ) أي : بدينكــــــــــــم
وطريقكم ( وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا ) يعني : وقـد
شرعت العداوة والبغضاء من الآن بيننا وبينكم ما دمتــــــــم على
كفركم فنحن أبدا نتبرأ منكم ونبغضكم... . أهـ .
إذا نستخلص من الآيات الكريمات تشديد ووعيد من الله بوجــوب
بغض الكافرين ومعاداتهم وعدم الركون إليهم وبالمقابل مـــــولاة
ومحبة ونصرة أهل الإيمان فمن عادى أولياء الله فقد عاداه ومــن
عاداه فقد حاربه ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليـه
وسلم قوله : ( ومن عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ) .
قال الله تعالى : لا يتخذ المؤمنون الكافرين أوليـــــــــــاء من دون
المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقــــــــوا
منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير .
قال الطبري رحمه الله : " ومعنى ذلك لا تتخذوا أيها المؤمنــــون
الكفار ظهرا وأنصارا توالونهم على دينهم وتظاهـــــــرونهم على
المسلمين من دون المؤمنين وتدلونهم على عوراتهم فــــــإنه من
يفعل ذلك فليس من الله في شيء يعني بذلك فقـــــد برىء من الله
وبرىء الله منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر " قــــــال الله
تعالى : بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً الذين يتخـــــــــــــذون
الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العــــــــزة فإن
العزة لله جميعــــــــــــــــــــــــــاً .
قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء مــن
دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً ) .
قال الطبري رحمه الله : " يقول لهم جل ثناؤه يا أيها الذين آمنوا
بالله ورسوله لا توالوا الكفار فتوازروهم من دون أهل ملتكــــــــم
ودينكم من المؤمنين فتكونوا كمن أوجب له النار من المنافقين "
وقال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصــارى
أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهـــم إن الله
لا يهدي القوم الظالمين فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعــون
فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتــــح
أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادميــــــــن
ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهــــم
لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين يا أيها الذين آمنــوا من
يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلــــة
على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيــــــل الله ولا
يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم
إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمـــــــــــون الصلاة
ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا
فإن حزب الله هم الغالبون يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذيــــــن
اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار
أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين .
قال الطبري رحمه الله : " يعني تعالى ذكره بقوله ( ومن يتولهـم
منكم فإنه منهم ) ومن يتول اليهود والنصارى دون المؤمنيــــــن
فإنه منهم يقول : فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهـــــو
من أهل دينهم وملتهم فإنه لا يتولى متول أحداً إلا وهـــــــــــو به
وبدينه وما هو عليه راض وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما
خالفه وسخطه وصار حكمه حكمه " .
قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكــــــم
أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكــــم فأولئك
هم الظالمون قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكـــم و
عشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكــــن
ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربــصوا
حتى يأتي الله بأمره .
قال ابن كثير رحمه الله : " روى الحــــــــــافظ البيهقي من حديث
عبد الله قال : جعل أبو أبي الفاسقين عبيدة بن الجراح ينعت لـــه
الآلهة يوم بدر وجعل أبو عبيدة يحيد عنه فلما أكثر الجـــــــــراح
قصده ابنه أبو عبيدة فقتله فأنزل الله فيه هذه الآية .
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنــــه قال :
" والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحــــــــب إليه من
والده وولده والناس أجمعيـــــــــــــــــــــــــــــن " .
وقيل : إن المؤمن إذا كان قائماً بين الكفار فله أن يداريهـــــــــــم
باللسان إذا كان خائفاً على نفسه وقلبه مطمئن بالإيمان .
قال الطبري رحمه الله : " ( إلا أن تتقــــــــــوا منهم تقاة ) إلا أن
تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم فتظهروا لهــــــــــــــم
الولاية بألسنتكم وتضمروا لهم العداوة ولا تشايعوهم على ما هـم
عليه من الكفر ولا تعينوهم على مسلم بفعل .
قال الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكــــــم
أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحــــــــــق
يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتــــــم
جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمــــــودة وأنا
أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل ســــــــــواء
السبيل إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداءً ويبسطوا إليكم أيديهــــــــــم
وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون لن تنفعكم أرحامكـــــــــم ولا
أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير قد كانـت
لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا بـرآء
منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكـــــــــم
العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيـــــــم
لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليــــــــك
توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفـروا
واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم لقد كان لكم فيهم أســــــوة
حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هــــــو
الغني الحميـــــــــــــــــــــــــــد ) .
فسر بن كثير هذه المسألة الهامة حيث قال يقول تعالى لعبــــــاده
المؤمنين الذين أمرهم بمصارمة الكافرين وعداوتهم ومجانبتهـــم
والتبري منهم : ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذيـــــن
معه )....( إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ) أي تبرأنا منكـــــــــــم
( ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم ) أي بدينكم ومنهجكـــــــم
وقوانينكم وطريقكم ( وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبـــداً )
يعني وقد شرعت العداوة والبغضاء من الآن بيننا ما دمتــــم على
كفركم فنحن أبداً نتبرأ منكم ونبغضكم (حتى تؤمنوا بالله وحـــده)
أي إلى أن توحــــــــــــــــــــــــدوا الله .
قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قومــــــــاً غضب الله
عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبــــور
قال القرطبي رحمه الله : " قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنــــــوا
لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم ) يعني اليهود وذلك أن ناســــــا
من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود بأخبار المؤمنيــــــــــن
ويواصلونهم فيصيبون بذلك من ثمارهم فنهوا عن ذلك .
قال ابن عباس : ( يا أيها الذين آمنوا لاتتولوا ) أي لا توالوهــــم
ولا تناصحوهم فقد أخبرنا سبحانه وتعالى أن الكفــــــار يبغضون
المسلميـــــــــــــــــــــــن .
قال الله تعالى : ( ما يود الذين كفروا من أهل الكتـــــــــــــاب ولا
المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم ) .
وقال الله تعالى : ( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكــــــــــم من
بعد إيمانكم كفارا حسداً من عند أنفسهــــــم ) .
قال الله تعالى : ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكـم وتؤمنـــــون
بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكـــــــــــــم
الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصــــــدور
إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بهــــــا وإن
تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملــون محيط
قال القرطبي رحمه الله : في الآية : أن هذه صفته من شــــــــــدة
العداوة والحقد والفرح بنزول الشدائد على المؤمنين لم يكن أهلاً
لأن يتخذ بطانة لاسيما في هذا الأمر الجسيم من الجهاد الذي هو
ملاك الدنيا والآخرة كما أخبرنا سبحانه أنهم لــــــــن يرضوا عن
المؤمنين طالما استمروا على إيمانهم .
قال الله تعالى : ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع
ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعــــد الذي
جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير ) .
قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذيــــن
أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافريـــــــــــــــــن )
وقال الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفــــــــروا
يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسريـــــــــــــن ) .
قال ابن جرير الطبري رحمه الله : " يعني بذلك تعالى ذكــــــره يا
أيها الذين صدقوا الله ورسوله في وعد الله ووعيده وأمره ونهيـه
( إن تطيعوا الذين كفروا ) يعني الذين جحدوا نبوة نبيكم محمـــد
- صلى الله عليه وسلم -
من اليهود والنصارى فيما يأمرونكم به وفيما ينهونكــــــــم عنه
فتقبلوا رأيهم في ذلك وتنتصحوهم فيما تزعمون أنهم لكم فيـــــه
ناصحون ( يردوكم على أعقابكم ) يحملوكم على الردة بعــــــــــد
الإيمان والكفر بالله وآياته وبرسوله بعد الإسلام ( فتنقلبــــــــــوا
خاسرين ) يقول : فترجعوا عن إيمانكم ودينكم الذي هداكم الله له
( خاسرين ) يعني هالكين قد خسرتم أنفسكم وضللتم عن دينكـــم
وذهبت دنياكم وآخرتكم ينهي بذلك أهل الإيمان بالله أن يطيعــــوا
أهل الكفر في آرائهم وينتصحوهم في أديانهـــــــــم .
قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكـــم
لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم ومـــا
تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ) .
قال القرطبي رحمه الله : " والبطانة مصدر يسمى به الواحــــــــد
والجمع وبطانة الرجل خاصته الذين يستبطنـــــــــــــــــون أمره .
وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليــــــــه
وسلم قال : " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " .
وروي عن ابن مسعود أنه قال : " اعتبروا الناس بإخوانهم " .
وقد جاء النهي عن تعظيم شعائر الكفار ورسومهم والنهــــي عن
موافقة الكفار والمرتدين على باطلهم وتزيين ذلك ومدحـــــــــه .
قال شيخ الاسلام رحمه الله: " فصل فى الولاية والعــــــــداوة فإن
المؤمنين أولياء الله وبعضهم أولياء بعض والكفار أعـــــــداء الله
وأعداء المؤمنين وقد أوجب الموالاة بين المؤمنين وبيــن أن ذلك
من لوازم الإيمان ونهى عن موالاة الكفار وبين أن ذلك منتف في
حق المؤمنين وبين حال المنافقين فى موالاة الكافرين .
وكذلك جاء النهي عن إعانتهم على المسلميــــــن قال الله تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهــم
أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القـــوم
الظالمين فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولــــون
نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتــــــــح أو أمر من
عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ويقول الذيـــــن
آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطـــت
أعمالهم فأصبحوا خاسرين ) .
قال الطبري رحمــــــــه الله في سبب النزول : " والصواب - من
القول في ذلك عندنا أن يقال إن الله - تعالى ذكره - نهى المؤمنين
جميعاً أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصاراً وحلفاءً على أهــــــــل
الإيمان بالله ورسوله وأخبر أنه من اتخذهم نصيراً وحليفــاً وولياً
من دون الله ورسوله والمؤمنين فإنه منهم في التحــزب على الله
وعلى رسوله والمؤمنين وأن الله ورسوله منه بريئان .
قال ابن تيمية - رحمه الله - عن التتار : " وكل من قفز إليهم من
أمراء العسكر فحكمه حكمهم وفيهم من الردة عن شرائــع الإسلام
بقدر ما ارتد عنه من شرائع الإسلام .
قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهـود والنصارى
أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهـــم إن الله
لا يهدي القوم الظالمين فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعــون
فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتــــح
أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادميــــــــن
ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهــــم
لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين ) .
قال ابن كثير رحمـــــــه الله : " ( فترى الذين في قلوبهم مرض )
أي شك وريب ونفاق ( يسارعون فيهم ) أي - يبـــــــــادرون إلى
موالاتهم ومودتهم في الباطن والظاهر ( يقولون نخشــــــــــى أن
تصيبنا دائرة ) أي يتأولون في مودتهم وموالاتهم أنهم يخشـــون
أن يقع أمر من ظفر الكافرين بالمسلمين فتكون لهم أيــــــــاد عند
اليهـــــــــــــــــــــــــــود والنصارى .
قال الله تعالى : ( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهـــــــم
وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء
بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهــــــم من شيء
حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكــــم النصر إلا على
قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير والذيـــــن كفروا
بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبيــر
والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذيـــــــــــــن آوو
ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرة ورزق كريم والذيــن
آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولو الأرحام
بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم ) .
قال القرطبي رحمه الله : " قوله تعالى : ( وإن استنصروكـــم في
الدين ) يريد إن دعوا هؤلاء المؤمنون الذين لم يهاجــــــــروا من
أرض الحرب عونكم بنفير أو مال لاستنقاذهـــــــم فأعينوهم فذلك
فرض عليكم فلا تخذلوهم .
قال ابن العربي : إلا أن يكونــــــوا أسراء مستضعفين فإن الولاية
معهم قائمة والنصرة لهم واجبة حتى لا تبقى منا عين تطــــــرف
حتى نخرج إلى استنقاذهم إن كان عددنا يحتمل ذلك أو نبــــــــذل
جميع أموالنا في استخراجهم حتى لا يبقى لأحــــــــــد درهم كذلك
قال مالك وجميع العلمــــــــــــــــــــاء .
وقال ابن كثير رحمه الله : " ذكر تعالى أصناف المؤمنيـــــــــــــن
وقسمهم إلى مهاجرين خرجـــــــــوا من ديارهم وأموالهم وجاءوا
لنصر الله ورسوله وإقامة دينه وبذلوا أموالهم وأنفسهــم في ذلك
وإلى أنصار وهم المسلمون من أهل المدينـة إذ ذاك آووا إخوانهم
المهاجرين في منازلهم وواسوهم في أموالهـــــــــــم ونصروا الله
ورسوله بالقتال معهم فهؤلاء بعضهم أولياء بعض أي كل منهـــم
أحق بالآخر من كل أحد ولهذا آخى رسول - الله صلى الله عليــــه
وسلم - بين المهاجرين والأنصار كل اثنين إخوان .
قال الله تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعـــــض
يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتـون
الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيــــز
حكيـــــــــــــــــــــــــــــــم ) .
قال ابن كثير رحمه الله : " لما ذكر تعالى صفات المنافقيــــــــــن
الذميمة عطف بذكر صفات المؤمنين المحمــــــــــــــــــودة فقال :
( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) أي يتنــــاصرون
ويتعاضدون كما جاء في الصحيــــــح " المؤمن للمؤمن كالبنيان
يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه " .
وفي الصحيح أيضاً " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثـــل
الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائــــــــــــر الجسد
بالحمــــــــــــــــــــى والسهر".
ولذا أقول أيها الإخوة الموحدون أنه إذا كان ولي الله هو المـوافق
المتابع لشريعة الله الملتزم بما يحبــــــــــــه و يرضاه عليه فرضا
أن يبغض لله ويجاهد لله وينصر لله ويحب لله..... .
فإن عاداه الأعادي فليعلم أنهم ما عادوه لشخصه وإنما قد عادوا
دين الله الذي حمله وبالتالي باتوا محاربين مبارزين لله كما جاء
في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ( من عادى
لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة ) .
تعليق