رسـالة إلى الثـوَّار
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)). أما بعد :
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
معاشر المؤمنين، يقول ربنا سبحانه وتعالى: ((وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ)).
إن السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين أصل من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة، قلَّ أن يخلو كتاب فيها من تقريره وشرحه وبيانه، وما ذاك إلا لبالغ أهميته وعظيم شأنه، إذ بالسمع والطاعة لهم تنتظم مصالح الدين والدنيا معا، وبالافتيات عليهم قولا أو فعلا فساد الدين والدنيا، وقد عُلم بالضرورة من دين الإسلام أنه لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة، قال الحسن البصري في الأمراء: "هم يلون من أمورنا خمسًا: الجمعة والجماعة والعيد والثغور والحدود، والله لا يستقيم الدين إلا بهم، وإن جاروا وظلموا، والله لَمَا يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم والله لغبطة، وإن فرقتهم لكفر".
واهتمام السلف الصالح بهذا الجانب، تحمله صور كثيرة نقلت إلينا عنهم، من أبلغها وأجلها: ما قام به الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة في زمانه، حيث كان وقَّافًا عند حدود الله تبارك وتعالى زمن الفتنة التي وقعت، عاملا بالسنة في معاملة ولاة الأمور، فلقد تبنى ولي الأمر في زمنه أحد المذاهب العقدية الضالة، مذهب المعتزلة في نفي صفات الله تبارك وتعالى، وحمل الناس عليه بالقوة والسيف، وأريقت دماء جم غفير من العلماء والأخيار، الذين لم يوافقوه، وضيق عليهم في أرزاقهم، فعزلهم عن وظائفهم، وألزم الناس بالقول بخلق القرآن، ونفى أن الله تبارك وتعالى تكلم به، أو أنه كلامه جل وعلا، وقرر ذلك في كتاتيب الصبيان، فكان يعلمهم هذا المعتقد الباطل، إلى غير ذلك من الطامات والعظائم والجرائم، ومع هذا كله، فالإمام أحمد لا ينزعه هوى، ولا تهلكه العواطف، بل يثبت على السنة، لأنها خير وأهدى، فيبين الحق، ويرد البدعة، ويأمر بطاعة ولي الأمر في غير معصية الله تبارك وتعالى، ويجمع العامة عليه، خوفا من الفتنة العامة وسفك دماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يقول حنبل رحمه الله: "اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق إلى الإمام أبي عبدالله أحمد بن حنبل رحمه الله وغفر له، وقالوا له: إن الأمر قد تفاقم وفشا –يعنون: إظهار القول بخلق القرآن وغير ذلك مما أحدثه السلطان من المظالم- وقالوا: لا نرضى بإمارته ولا سلطانه –أي: أنهم يريدون نزع البيعة ومقاتلة السلطان حماية للدين زعموا- فناظرهم الإمام أحمد رحمه الله في ذلك وقال –قال كلاما جميلا يبين معتقد أهل السنة والجماعة في هذا الباب وعند وقوع تلك الفتن- قال إمام أهل السنة: عليكم بالإنكار في قلوبكم، ولا تخلعوا يدًا من طاعة، لا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح بر ويُستراح من فاجر. وقال الإمام أحمد: ليس هذا صوابًا –يعني: نزع البيعة والخروج على السلطان- هذا خلاف الآثار" رواه الخلال في كتاب السنة.
ومن تلك الصور ما جاء في كتاب السنة للإمام الحسن بن علي البربهاري -من أئمة أهل السنة- حيث قال: "إذا رأيت الرجلَ يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله تبارك وتعالى".
وهاهو أحد أئمة الدعوة السلفية في البلاد النجدية الشيخ العالم عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب، ههو يبين بطلان مذهب الثوار، وأن حجتهم داحضة فيقول: "لم يدر أولئك المفتونون، أن أكثر ولاة أهل الإسلام، من عهد يزيد بن معاوية -حاشا عمر بن عبد العزيز ومن شاء الله تبارك وتعالى من بني أمية- قد وقع منهم من الجراءة والحوادث العظام، والخروج والفساد في ولاية أهل الإسلام؛ ومع ذلك فسيرة الأئمة الأعلام، والسادة العظام معهم، معروفة مشهورة، لا ينزعون يدًا من طاعة فيما أمر الله به ورسوله من شرائع الإسلام وواجبات الدين. قال: وأضرب لك مثلاً بالحجاج بن يوسف الثقفي، وقد اشتُهر أمره في الأمة، بالظلم والإسراف في سفك الدماء، وانتهاك حرمات الله تبارك وتعالى، وقتل من قتل من سادات الأمة، ومع ذلك لم يتوقف أحد من أهل العلم في طاعته والانقياد له، فيما تسوغ طاعته فيه من أركان الإسلام وواجباته" انتهى كلامه رحمه الله وغفر له.
وقد أخرج ابن أبي عاصم في كتاب السنة بسند صحيح، عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: "لما خرج أبو ذر إلى الرَبَذَة -وكان قد خالف الأمير في أشياء- لقيه ركب من أهل العراق فقالوا: يا أبا ذر، قد بلغنا الذي صُنع بك، فاعقد لواء يأتيك رجال ما شئت -يعنون: الخروج على الخليفة وقتاله- فقال أبو ذر رضي الله عنه وهو العالم العاقل العارف بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: مهلا مهلا يا أهل الإسلام، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون بعدي سلطان فأعزوه، من التمس ذله ثغر ثغرة في الإسلام، ولم يُقبل منه توبة حتى يعيدها كما كانت".
وهاهو الشيخ الفقيه المحقق محمد بن عثيمين رحمه الله يسير على نهج السلف في بيان السنة والتحذير من طرائق الثوار فيقول: "الله الله في فهم منهج السلف الصالح في التعامل مع السلطان، وأن لا يتخذ أحد من أخطاء السلطان سبيلاً لإثارة الناس، وإلى تنفير القلوب عن ولاة الأمور، فهذا عين المفسدة، وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس، كما أن ملء القلوب على ولاة الأمور، يحدث الشر والفتنة والفوضى، وكذلك ملء القلوب على العلماء، يحدث التقليل من شأن العلماء، وبالتالي التقليلَ من الشريعة التي يحملونها".
قال بدر الدين بن جماعة: "وما يفعله بعض المنتسبين إلى الزهد من قلة الأدب معهم –أي: مع الولاة- فليس من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم".
روى الإمام أحمد في مسنده عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم أبدًا، إخلاص العمل لله تبارك وتعالى، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم) قال الحافظ ابن حجر: "حديث زيد بن ثابت هذا صحيح". وقد شرحه ابن القيم رحمه الله فقال: "قوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم) أي: لا يحمل الغل، ولا يبقى فيه مع هذه الثلاث، فإنها تنفي الغل والغش ومفسدات القلب وسخائمه" انتهى كلامه رحمه الله.
ومن أجل ذلك .. ورد التشديد في ترك الجماعة ومفارقتها، فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن الحارث الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من خرج من الجماعة قِيد شبر فقد خلع رِبْقَة الإسلام من عنقه إلى أن يرجع، ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثاء جهنم، قالوا: يا رسول الله، وإن صلى وصام؟ قال: وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم)، وخرج الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كره من أميره شيئا فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية)، وعند مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية).
إن الشرع حينما أمر بطاعة الأمراء، خص ذلك بالمعروف، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليك بالسمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك) خرجه الإمام مسلم، أي: اسمع وأطع، وإن استأثر الأمراء بالأموال ومنعوك حقك واسأثروا بالدنيا، فإن الله تبارك وتعالى سائلهم عما استخلفهم، لكن الخروج عليهم من أجل الدنيا واستئثارهم بالأموال، يفسد الحرث والنسل، ويورث فتنة لا يعلم عاقبتها إلا الله تبارك وتعالى، ودرء المفاسد مقدم على جلب ما يزعمونه مصلحة.
ومن أبلغ الأحاديث التي يُرد بها على الثوار ما خرجه الإمام مسلم في صحيحه، من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع)، وهذا لأن الخروج عليهم فيه الفساد والهلاك، كما وقع لأهل المدينة لما خرجوا مع عبدالله بن مطيع على يزيد بن معاوية، فسفكت دماؤهم واستبيحت محارمهم، وفيه تفرُّق الأمة واختلافها، فصلوات ربي على رسوله الأمين، الذي بلغ البلاغ المبين.
قَلِّب أيها المؤمن صفحات التاريخ، واعتبر بما جرى لمن سبق، خرجت الخوارج على علي رضي الله عنه، ومن بعده من الخلفاء، وقتلوا المسلمين وأتوا بالعظائم والفضائع، يظنون أن إقامة الدين بذلك، لأنهم يرون الخروج على السلطان وقتاله إذا فعل منكرا، ويرون الإنكار عليه علانية في مجامع الناس ومساجدهم، وأول آثار هذه الطريقة الثورية، قتل الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه، بعد أن صرحوا بالإنكار عليه، قال الشيخ الألباني رحمه الله في تعليقه على مختصره لصحيح مسلم: "الإنكار على عثمان جهارا نشأ عنه قتله". وكان علي رضي الله عنه إذا صعد المنبر وخطب تنادوا في المسجد من كل جانب وصاحوا: الحكم لله لا لك يا علي، وتنقصوه علانية على رؤوس الأشهاد، ثم قتلوه رضي الله عنه وأرضاه، وهذا من جهلهم .
قال الشيخ ابن باز مفتي الديار السعودية رحمه الله في أفعال الثوار هذه: "ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة، وذكر ذلك على المنابر، لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به، حتى يُوجه إلى الخير.
قال: وإنكار المنكر يكون من دون ذكر الفاعل، فينكر الزنا، وينكر الخمر، وينكر الربا، من دون ذكر من فعله، ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها، من غير ذكر أن فلان يفعلها، لا حاكمًا ولا غير حاكم" انتهى كلامه رحمه الله، وهو مقتبس بحمد الله من مشكاة النبوة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبدِ له علانية، ولكن ليأخذ بيده فيخلو به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه له) رواه الإمام أحمد في مسنده وصححه الشيخ الألباني في ظلال الجنة.
قال الله عز وجل: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً))، وأول من خالف هذا الحديث، الثوار الذين جاهروا عليا بالإنكار، فكان عاقبة أمرهم خسرا، ((فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)).
خرج الثوار على علي وغيره من الخلفاء والأمراء، وجرى بسببهم فتن وبلايا ومصائب، والعجب أنهم يصرون على طريقتهم هذه، مع ظهور فسادها وقبحها ومخالفتها للسنة، وأول ضحاياها هم أنفسهم، فلا انتفعوا ولا نفعوا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وما تم لهم أمر .
ومن ثمراتهم تعرفون .. أما ثمراتهم فقد بينها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو العارف بأحوال أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وما جرى لها من الفتن، يقول رحمه الله بعد نظر وسَبْرٍ وتأمل، قال: "ولعله لا يُعرف طائفة خرجت على ذي سلطان، إلا وكان في خروجها من الفساد، ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته"، وقال رحمه الله أيضا: "وقل من خرج على إمام ذي سلطان، إلا وكان ما تولد على فعله من الشر، أعظم مما تولد من الخير" انتهى كلامه. هذه ثمراتهم على مر التاريخ. قال ابن خلدون في مقدمته: "وأكثرهم يهلِكون في هذا السبيل مأزورين غير مأجورين" انتهى. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الجماعة رحمة والفرقة عذاب) رواه أحمد وابن أبي عاصم في السنة، وصح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال في خطبته: "ما تكرهون في جماعة، خير مما تحبون في الفرقة"، وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "قظم الملح في الجماعة، أحب إلي من أكل الفالوذج في الفرقة" رواه البيهقي في شعب الإيمان، والفالوذج: نوع فاخر من الحلوى. قال ابن المبارك: "لولا الخلافة لم تأمن لنا سبل، وكان أضعفنا نهبا لأقوانا".
معاشر المؤمنين، فتنة الثوار من أعظم الفتن، ولهذا لا يكاد يخلو كتاب من كتب أهل السنة في العقيدة، من التحذير من فكرهم ومذاهبهم الردية، ههو الإمام الطحاوي رحمه الله، في مواضع من عقيدته المشهورة، يبين مذهب السلف في هذه الأمور، ويحذر من مذاهب الخوارج الثوار فيقول: "ولا نرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا من وجب عليه السيف، ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يدًا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة، ونتبع السنة والجماعة، ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة، والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين، برهم وفاجرهم إلى قيام الساعة، لا يبطلهما شيء ولا ينقضهما، ونرى الجماعة حقا وصوابا، والفرقة زيغا وعذابا، فهذا ديننا واعتقادنا ظاهرا وباطنا، ونحن برآء إلى الله تبارك وتعالى من كل من خالف الذي ذكرناه وبيناه، ونسأل الله أن يثبتنا على الإيمان، ويختم لنا به، ويعصمنا من الأهواء المختلفة، والآراء المتفرقة، والمذاهب الردية" انتهى كلامه رحمه الله وغفر له. ونحن نسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتنا على الإسلام والسنة حتى نلقاه.
اللهم اجمع قلوب أمة محمد صلى الله عليه وسلم على التوحيد والسنة، اللهم جنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اعصم دماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم لا تشمت بهم عدوا ولا حاسدا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
معاشر المؤمنين، يقول الله تبارك وتعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)).
سمعنا معاشر المؤمنين .. بعضا مما عليه أهل السنة من صحيح الاعتقاد، والتمسك بالأحاديث النبوية في معاملة الحكام، وعدم الخروج عليهم، وإن ظلموا وإن جاروا وإن استأثروا بالأموال، طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، في مثل قوله: (تسمع وتطيع للأمير وإن جلد ظهرك وأخذ مالك) رواه مسلم، فما ذنبنا إذا أطعنا رسولنا محمدا صلى الله عليه وسلم، وإن خالف ذلك ما عليه الديمقراطيون وغيرهم من دعاة الضلالة، هذا الحديث وأمثاله لا تطيقه ولا تقبله، قلوب من أشربوا الفتنة، وأحبوا الثورة، فتراهم يسعون لرد هذه النصوص، وتحريفها بشتى السبل، تأييدا وتمهيدا للثورة والخروج على ولاة الأمور، نعم سمعنا ما عليه أهل السنة في هذا الباب الجليل الخطير، ((سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)).
ومنه تعلم ضلال الثوريين المعاصرين، دعاة الخروج والثورة والفتنة في بلاد الإسلام، سواء كان ذلك الفكر الثوري، تحمله قناة محرضة، أو داعية ومفكر يزعمونه إسلاميا، أو عامي مغرَّر به، أوهمه بعض المنتسبين للعلم، أن الثورة والخروج على أي حاكم ولو كان يحكم بالشريعة، أوهموه أن الخروج عليه أمر سائغ، وترد في نشرات الأخبار وغيرها، عبارات صدرت من بعض المنتسبين للدعوة والعلم، تهدم عقيدة أهل السنة في معاملة الحكام، وتربي الأجيال القادمة، على الخروج والثورة والفوضى ونزع أي حاكم من أجل عرض من الدنيا يسير.
فهاهو أحد المتحدثين في قناة إسلامية، يستهزئ بقول الإمام الجليل مالك بن أنس –إمام دار الهجرة- يقول رحمه الله: "حاكم غشوم ولا فتنة تدوم"، وهذا الجاهل يستهزئ بكلامه، كلام الإمام مالك هذا هو عين الحكمة، فإن الحاكم الغشوم الظلوم لفئة من الناس، خير من فتنة تدوم، وتعم البلاد كلها، حتى يتمنى الناس عودة أيام ذلك الظلوم الغشوم.
وثان يزعمونه مفكرا إسلاميا، يتحدث في إحدى القنوات مهددا حكام المسلمين، ملوحا بعصا الثورة، محرضا الشعوب على الولاة قائلا: "يا معاشر الحكام، إن لم تُشبعوا الشعب أكلكم"، وكان الواجب عليه نصح الشعوب، وبيان السنة في معاملة الحكام، والصبر على جورهم، كمثل قوله صلى الله عليه وسلم: (إنكم ستلقون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها، سألوه صلى الله عليه وسلم: ألا ننابزهم بالسيف؟ فقال صلى الله عليه وسلم: اصبروا حتى تلقوني على الحوض)، وعامة المسلمين وبسطاؤهم، إذا سمعوا تلك العبارات الثورية، تخرج ممن يسمى داعية، سوغوا لأنفسهم الخروج على الحكام ومنازَعتهم، وخلع يد الطاعة ونبذ البيعة، وقد ورد الوعيد الشديد على ذلك، كما سمعتم في الأحاديث المتقدمة: (من مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية).
وثالث زعموه فقيها قد تصدر في قناة تثير الفتنة شرقا وغربا في بلاد المسلمين، صدرت هذا الفقيه لما يحمله من فكر، فههو يسأل عن الثورات المعاصرة، وهي موضة الجهلة في زمننا، والخروج على الحكام، سألوه هل يجوز ذلك، فإن من أهل العلم من ينهى عن هذا؟ فأفتى الفقيه الثوري بجواز الخروج على الحكام، وكان مما قرره أن الحاكم إذا عصى، لم يبق له سمع ولا طاعة، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف)، وهذا والله من غلبة الهوى عليه، وإلا فهذا الحديث النبوي، إنما يدل على عدم السمع والطاعة للحاكم في ذلك الأمر الخاص، وتلك المعصية المعينة، لكن تبقى إمامته، والسمع والطاعة له، في غير تلك المعصية، وليس معنى الحديث، الخروج على الحاكم إن عصى الله تبارك وتعالى في أمر ما، وهذا الذي أفتى به ذلك الفقيه، هو محض مذهب الخوارج أعاذنا الله عز وجل من مذاهبهم الردية.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ليست القضية قضية بلد معين فيه فتنة، بل القضية أكبر من ذلك، إنها قضية أمة، يسعى المغرضون إلى تربيتها على الفكر الثوري الفوضوي، المخالف للآثار والسنن النبوية، تربية منظمة، يقودها إعلامي حاقد، وديمقراطي لا يقيم للدين وزنا، ومفكر قد تبنى فكر الخوارج يزعمون أنه مفكر إسلامي، كل هؤلاء اتفقوا هذه الأيام، على هذا الفكر الثوري، ولو كان حقا ما اتفق عليه كل هؤلاء المتناقضون، إن ما يجري في بلاد الإسلام، وبعض وسائل الإعلام، لا يخدم أهل الإسلام، ولا يثمر إلا الفوضى، والخوف والرعب، والإرهاب من فئة لا تخاف الله تبارك وتعالى، فتراهم يتوعدون الشعوب والحكومات قائلين: على من سيأتي الدور، فإلى الله المشتكى، أوردها سعد وسعد مشتمل، ما هكذا يا سعد تورد الإبل.
حفظ الله جميع بلاد المسلمين، وجمع قلوبهم على التوحيد والسنة، وسلمهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، اللهم اجمع قلوب أمة محمد صلى الله عليه وسلم على التوحيد والسنة، اللهم ألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، اللهم اكفهم شر من فيه شر، اللهم لا تشمت بهم عدوا ولا حاسدا، اللهم لا تشمت بهم عدوا ولا حاسدا، اللهم لا تشمت بهم عدوا ولا حاسدا، اللهم احقن دماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا وعن سائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين .
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)). أما بعد :
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
معاشر المؤمنين، يقول ربنا سبحانه وتعالى: ((وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ)).
إن السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين أصل من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة، قلَّ أن يخلو كتاب فيها من تقريره وشرحه وبيانه، وما ذاك إلا لبالغ أهميته وعظيم شأنه، إذ بالسمع والطاعة لهم تنتظم مصالح الدين والدنيا معا، وبالافتيات عليهم قولا أو فعلا فساد الدين والدنيا، وقد عُلم بالضرورة من دين الإسلام أنه لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة، قال الحسن البصري في الأمراء: "هم يلون من أمورنا خمسًا: الجمعة والجماعة والعيد والثغور والحدود، والله لا يستقيم الدين إلا بهم، وإن جاروا وظلموا، والله لَمَا يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم والله لغبطة، وإن فرقتهم لكفر".
واهتمام السلف الصالح بهذا الجانب، تحمله صور كثيرة نقلت إلينا عنهم، من أبلغها وأجلها: ما قام به الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة في زمانه، حيث كان وقَّافًا عند حدود الله تبارك وتعالى زمن الفتنة التي وقعت، عاملا بالسنة في معاملة ولاة الأمور، فلقد تبنى ولي الأمر في زمنه أحد المذاهب العقدية الضالة، مذهب المعتزلة في نفي صفات الله تبارك وتعالى، وحمل الناس عليه بالقوة والسيف، وأريقت دماء جم غفير من العلماء والأخيار، الذين لم يوافقوه، وضيق عليهم في أرزاقهم، فعزلهم عن وظائفهم، وألزم الناس بالقول بخلق القرآن، ونفى أن الله تبارك وتعالى تكلم به، أو أنه كلامه جل وعلا، وقرر ذلك في كتاتيب الصبيان، فكان يعلمهم هذا المعتقد الباطل، إلى غير ذلك من الطامات والعظائم والجرائم، ومع هذا كله، فالإمام أحمد لا ينزعه هوى، ولا تهلكه العواطف، بل يثبت على السنة، لأنها خير وأهدى، فيبين الحق، ويرد البدعة، ويأمر بطاعة ولي الأمر في غير معصية الله تبارك وتعالى، ويجمع العامة عليه، خوفا من الفتنة العامة وسفك دماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يقول حنبل رحمه الله: "اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق إلى الإمام أبي عبدالله أحمد بن حنبل رحمه الله وغفر له، وقالوا له: إن الأمر قد تفاقم وفشا –يعنون: إظهار القول بخلق القرآن وغير ذلك مما أحدثه السلطان من المظالم- وقالوا: لا نرضى بإمارته ولا سلطانه –أي: أنهم يريدون نزع البيعة ومقاتلة السلطان حماية للدين زعموا- فناظرهم الإمام أحمد رحمه الله في ذلك وقال –قال كلاما جميلا يبين معتقد أهل السنة والجماعة في هذا الباب وعند وقوع تلك الفتن- قال إمام أهل السنة: عليكم بالإنكار في قلوبكم، ولا تخلعوا يدًا من طاعة، لا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح بر ويُستراح من فاجر. وقال الإمام أحمد: ليس هذا صوابًا –يعني: نزع البيعة والخروج على السلطان- هذا خلاف الآثار" رواه الخلال في كتاب السنة.
ومن تلك الصور ما جاء في كتاب السنة للإمام الحسن بن علي البربهاري -من أئمة أهل السنة- حيث قال: "إذا رأيت الرجلَ يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله تبارك وتعالى".
وهاهو أحد أئمة الدعوة السلفية في البلاد النجدية الشيخ العالم عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب، ههو يبين بطلان مذهب الثوار، وأن حجتهم داحضة فيقول: "لم يدر أولئك المفتونون، أن أكثر ولاة أهل الإسلام، من عهد يزيد بن معاوية -حاشا عمر بن عبد العزيز ومن شاء الله تبارك وتعالى من بني أمية- قد وقع منهم من الجراءة والحوادث العظام، والخروج والفساد في ولاية أهل الإسلام؛ ومع ذلك فسيرة الأئمة الأعلام، والسادة العظام معهم، معروفة مشهورة، لا ينزعون يدًا من طاعة فيما أمر الله به ورسوله من شرائع الإسلام وواجبات الدين. قال: وأضرب لك مثلاً بالحجاج بن يوسف الثقفي، وقد اشتُهر أمره في الأمة، بالظلم والإسراف في سفك الدماء، وانتهاك حرمات الله تبارك وتعالى، وقتل من قتل من سادات الأمة، ومع ذلك لم يتوقف أحد من أهل العلم في طاعته والانقياد له، فيما تسوغ طاعته فيه من أركان الإسلام وواجباته" انتهى كلامه رحمه الله وغفر له.
وقد أخرج ابن أبي عاصم في كتاب السنة بسند صحيح، عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: "لما خرج أبو ذر إلى الرَبَذَة -وكان قد خالف الأمير في أشياء- لقيه ركب من أهل العراق فقالوا: يا أبا ذر، قد بلغنا الذي صُنع بك، فاعقد لواء يأتيك رجال ما شئت -يعنون: الخروج على الخليفة وقتاله- فقال أبو ذر رضي الله عنه وهو العالم العاقل العارف بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: مهلا مهلا يا أهل الإسلام، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون بعدي سلطان فأعزوه، من التمس ذله ثغر ثغرة في الإسلام، ولم يُقبل منه توبة حتى يعيدها كما كانت".
وهاهو الشيخ الفقيه المحقق محمد بن عثيمين رحمه الله يسير على نهج السلف في بيان السنة والتحذير من طرائق الثوار فيقول: "الله الله في فهم منهج السلف الصالح في التعامل مع السلطان، وأن لا يتخذ أحد من أخطاء السلطان سبيلاً لإثارة الناس، وإلى تنفير القلوب عن ولاة الأمور، فهذا عين المفسدة، وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس، كما أن ملء القلوب على ولاة الأمور، يحدث الشر والفتنة والفوضى، وكذلك ملء القلوب على العلماء، يحدث التقليل من شأن العلماء، وبالتالي التقليلَ من الشريعة التي يحملونها".
قال بدر الدين بن جماعة: "وما يفعله بعض المنتسبين إلى الزهد من قلة الأدب معهم –أي: مع الولاة- فليس من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم".
روى الإمام أحمد في مسنده عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم أبدًا، إخلاص العمل لله تبارك وتعالى، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم) قال الحافظ ابن حجر: "حديث زيد بن ثابت هذا صحيح". وقد شرحه ابن القيم رحمه الله فقال: "قوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم) أي: لا يحمل الغل، ولا يبقى فيه مع هذه الثلاث، فإنها تنفي الغل والغش ومفسدات القلب وسخائمه" انتهى كلامه رحمه الله.
ومن أجل ذلك .. ورد التشديد في ترك الجماعة ومفارقتها، فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن الحارث الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من خرج من الجماعة قِيد شبر فقد خلع رِبْقَة الإسلام من عنقه إلى أن يرجع، ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثاء جهنم، قالوا: يا رسول الله، وإن صلى وصام؟ قال: وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم)، وخرج الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كره من أميره شيئا فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية)، وعند مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية).
إن الشرع حينما أمر بطاعة الأمراء، خص ذلك بالمعروف، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليك بالسمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك) خرجه الإمام مسلم، أي: اسمع وأطع، وإن استأثر الأمراء بالأموال ومنعوك حقك واسأثروا بالدنيا، فإن الله تبارك وتعالى سائلهم عما استخلفهم، لكن الخروج عليهم من أجل الدنيا واستئثارهم بالأموال، يفسد الحرث والنسل، ويورث فتنة لا يعلم عاقبتها إلا الله تبارك وتعالى، ودرء المفاسد مقدم على جلب ما يزعمونه مصلحة.
ومن أبلغ الأحاديث التي يُرد بها على الثوار ما خرجه الإمام مسلم في صحيحه، من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع)، وهذا لأن الخروج عليهم فيه الفساد والهلاك، كما وقع لأهل المدينة لما خرجوا مع عبدالله بن مطيع على يزيد بن معاوية، فسفكت دماؤهم واستبيحت محارمهم، وفيه تفرُّق الأمة واختلافها، فصلوات ربي على رسوله الأمين، الذي بلغ البلاغ المبين.
قَلِّب أيها المؤمن صفحات التاريخ، واعتبر بما جرى لمن سبق، خرجت الخوارج على علي رضي الله عنه، ومن بعده من الخلفاء، وقتلوا المسلمين وأتوا بالعظائم والفضائع، يظنون أن إقامة الدين بذلك، لأنهم يرون الخروج على السلطان وقتاله إذا فعل منكرا، ويرون الإنكار عليه علانية في مجامع الناس ومساجدهم، وأول آثار هذه الطريقة الثورية، قتل الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه، بعد أن صرحوا بالإنكار عليه، قال الشيخ الألباني رحمه الله في تعليقه على مختصره لصحيح مسلم: "الإنكار على عثمان جهارا نشأ عنه قتله". وكان علي رضي الله عنه إذا صعد المنبر وخطب تنادوا في المسجد من كل جانب وصاحوا: الحكم لله لا لك يا علي، وتنقصوه علانية على رؤوس الأشهاد، ثم قتلوه رضي الله عنه وأرضاه، وهذا من جهلهم .
قال الشيخ ابن باز مفتي الديار السعودية رحمه الله في أفعال الثوار هذه: "ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة، وذكر ذلك على المنابر، لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به، حتى يُوجه إلى الخير.
قال: وإنكار المنكر يكون من دون ذكر الفاعل، فينكر الزنا، وينكر الخمر، وينكر الربا، من دون ذكر من فعله، ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها، من غير ذكر أن فلان يفعلها، لا حاكمًا ولا غير حاكم" انتهى كلامه رحمه الله، وهو مقتبس بحمد الله من مشكاة النبوة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبدِ له علانية، ولكن ليأخذ بيده فيخلو به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه له) رواه الإمام أحمد في مسنده وصححه الشيخ الألباني في ظلال الجنة.
قال الله عز وجل: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً))، وأول من خالف هذا الحديث، الثوار الذين جاهروا عليا بالإنكار، فكان عاقبة أمرهم خسرا، ((فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)).
خرج الثوار على علي وغيره من الخلفاء والأمراء، وجرى بسببهم فتن وبلايا ومصائب، والعجب أنهم يصرون على طريقتهم هذه، مع ظهور فسادها وقبحها ومخالفتها للسنة، وأول ضحاياها هم أنفسهم، فلا انتفعوا ولا نفعوا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وما تم لهم أمر .
ومن ثمراتهم تعرفون .. أما ثمراتهم فقد بينها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو العارف بأحوال أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وما جرى لها من الفتن، يقول رحمه الله بعد نظر وسَبْرٍ وتأمل، قال: "ولعله لا يُعرف طائفة خرجت على ذي سلطان، إلا وكان في خروجها من الفساد، ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته"، وقال رحمه الله أيضا: "وقل من خرج على إمام ذي سلطان، إلا وكان ما تولد على فعله من الشر، أعظم مما تولد من الخير" انتهى كلامه. هذه ثمراتهم على مر التاريخ. قال ابن خلدون في مقدمته: "وأكثرهم يهلِكون في هذا السبيل مأزورين غير مأجورين" انتهى. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الجماعة رحمة والفرقة عذاب) رواه أحمد وابن أبي عاصم في السنة، وصح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال في خطبته: "ما تكرهون في جماعة، خير مما تحبون في الفرقة"، وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "قظم الملح في الجماعة، أحب إلي من أكل الفالوذج في الفرقة" رواه البيهقي في شعب الإيمان، والفالوذج: نوع فاخر من الحلوى. قال ابن المبارك: "لولا الخلافة لم تأمن لنا سبل، وكان أضعفنا نهبا لأقوانا".
معاشر المؤمنين، فتنة الثوار من أعظم الفتن، ولهذا لا يكاد يخلو كتاب من كتب أهل السنة في العقيدة، من التحذير من فكرهم ومذاهبهم الردية، ههو الإمام الطحاوي رحمه الله، في مواضع من عقيدته المشهورة، يبين مذهب السلف في هذه الأمور، ويحذر من مذاهب الخوارج الثوار فيقول: "ولا نرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا من وجب عليه السيف، ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يدًا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة، ونتبع السنة والجماعة، ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة، والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين، برهم وفاجرهم إلى قيام الساعة، لا يبطلهما شيء ولا ينقضهما، ونرى الجماعة حقا وصوابا، والفرقة زيغا وعذابا، فهذا ديننا واعتقادنا ظاهرا وباطنا، ونحن برآء إلى الله تبارك وتعالى من كل من خالف الذي ذكرناه وبيناه، ونسأل الله أن يثبتنا على الإيمان، ويختم لنا به، ويعصمنا من الأهواء المختلفة، والآراء المتفرقة، والمذاهب الردية" انتهى كلامه رحمه الله وغفر له. ونحن نسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتنا على الإسلام والسنة حتى نلقاه.
اللهم اجمع قلوب أمة محمد صلى الله عليه وسلم على التوحيد والسنة، اللهم جنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اعصم دماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم لا تشمت بهم عدوا ولا حاسدا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
معاشر المؤمنين، يقول الله تبارك وتعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)).
سمعنا معاشر المؤمنين .. بعضا مما عليه أهل السنة من صحيح الاعتقاد، والتمسك بالأحاديث النبوية في معاملة الحكام، وعدم الخروج عليهم، وإن ظلموا وإن جاروا وإن استأثروا بالأموال، طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، في مثل قوله: (تسمع وتطيع للأمير وإن جلد ظهرك وأخذ مالك) رواه مسلم، فما ذنبنا إذا أطعنا رسولنا محمدا صلى الله عليه وسلم، وإن خالف ذلك ما عليه الديمقراطيون وغيرهم من دعاة الضلالة، هذا الحديث وأمثاله لا تطيقه ولا تقبله، قلوب من أشربوا الفتنة، وأحبوا الثورة، فتراهم يسعون لرد هذه النصوص، وتحريفها بشتى السبل، تأييدا وتمهيدا للثورة والخروج على ولاة الأمور، نعم سمعنا ما عليه أهل السنة في هذا الباب الجليل الخطير، ((سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)).
ومنه تعلم ضلال الثوريين المعاصرين، دعاة الخروج والثورة والفتنة في بلاد الإسلام، سواء كان ذلك الفكر الثوري، تحمله قناة محرضة، أو داعية ومفكر يزعمونه إسلاميا، أو عامي مغرَّر به، أوهمه بعض المنتسبين للعلم، أن الثورة والخروج على أي حاكم ولو كان يحكم بالشريعة، أوهموه أن الخروج عليه أمر سائغ، وترد في نشرات الأخبار وغيرها، عبارات صدرت من بعض المنتسبين للدعوة والعلم، تهدم عقيدة أهل السنة في معاملة الحكام، وتربي الأجيال القادمة، على الخروج والثورة والفوضى ونزع أي حاكم من أجل عرض من الدنيا يسير.
فهاهو أحد المتحدثين في قناة إسلامية، يستهزئ بقول الإمام الجليل مالك بن أنس –إمام دار الهجرة- يقول رحمه الله: "حاكم غشوم ولا فتنة تدوم"، وهذا الجاهل يستهزئ بكلامه، كلام الإمام مالك هذا هو عين الحكمة، فإن الحاكم الغشوم الظلوم لفئة من الناس، خير من فتنة تدوم، وتعم البلاد كلها، حتى يتمنى الناس عودة أيام ذلك الظلوم الغشوم.
وثان يزعمونه مفكرا إسلاميا، يتحدث في إحدى القنوات مهددا حكام المسلمين، ملوحا بعصا الثورة، محرضا الشعوب على الولاة قائلا: "يا معاشر الحكام، إن لم تُشبعوا الشعب أكلكم"، وكان الواجب عليه نصح الشعوب، وبيان السنة في معاملة الحكام، والصبر على جورهم، كمثل قوله صلى الله عليه وسلم: (إنكم ستلقون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها، سألوه صلى الله عليه وسلم: ألا ننابزهم بالسيف؟ فقال صلى الله عليه وسلم: اصبروا حتى تلقوني على الحوض)، وعامة المسلمين وبسطاؤهم، إذا سمعوا تلك العبارات الثورية، تخرج ممن يسمى داعية، سوغوا لأنفسهم الخروج على الحكام ومنازَعتهم، وخلع يد الطاعة ونبذ البيعة، وقد ورد الوعيد الشديد على ذلك، كما سمعتم في الأحاديث المتقدمة: (من مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية).
وثالث زعموه فقيها قد تصدر في قناة تثير الفتنة شرقا وغربا في بلاد المسلمين، صدرت هذا الفقيه لما يحمله من فكر، فههو يسأل عن الثورات المعاصرة، وهي موضة الجهلة في زمننا، والخروج على الحكام، سألوه هل يجوز ذلك، فإن من أهل العلم من ينهى عن هذا؟ فأفتى الفقيه الثوري بجواز الخروج على الحكام، وكان مما قرره أن الحاكم إذا عصى، لم يبق له سمع ولا طاعة، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف)، وهذا والله من غلبة الهوى عليه، وإلا فهذا الحديث النبوي، إنما يدل على عدم السمع والطاعة للحاكم في ذلك الأمر الخاص، وتلك المعصية المعينة، لكن تبقى إمامته، والسمع والطاعة له، في غير تلك المعصية، وليس معنى الحديث، الخروج على الحاكم إن عصى الله تبارك وتعالى في أمر ما، وهذا الذي أفتى به ذلك الفقيه، هو محض مذهب الخوارج أعاذنا الله عز وجل من مذاهبهم الردية.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ليست القضية قضية بلد معين فيه فتنة، بل القضية أكبر من ذلك، إنها قضية أمة، يسعى المغرضون إلى تربيتها على الفكر الثوري الفوضوي، المخالف للآثار والسنن النبوية، تربية منظمة، يقودها إعلامي حاقد، وديمقراطي لا يقيم للدين وزنا، ومفكر قد تبنى فكر الخوارج يزعمون أنه مفكر إسلامي، كل هؤلاء اتفقوا هذه الأيام، على هذا الفكر الثوري، ولو كان حقا ما اتفق عليه كل هؤلاء المتناقضون، إن ما يجري في بلاد الإسلام، وبعض وسائل الإعلام، لا يخدم أهل الإسلام، ولا يثمر إلا الفوضى، والخوف والرعب، والإرهاب من فئة لا تخاف الله تبارك وتعالى، فتراهم يتوعدون الشعوب والحكومات قائلين: على من سيأتي الدور، فإلى الله المشتكى، أوردها سعد وسعد مشتمل، ما هكذا يا سعد تورد الإبل.
حفظ الله جميع بلاد المسلمين، وجمع قلوبهم على التوحيد والسنة، وسلمهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، اللهم اجمع قلوب أمة محمد صلى الله عليه وسلم على التوحيد والسنة، اللهم ألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، اللهم اكفهم شر من فيه شر، اللهم لا تشمت بهم عدوا ولا حاسدا، اللهم لا تشمت بهم عدوا ولا حاسدا، اللهم لا تشمت بهم عدوا ولا حاسدا، اللهم احقن دماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا وعن سائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين .
تعليق